الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إلى متهمي الدكتور "خالد علم الدين": هاتوا البينة أو "توبوا واعتذروا"

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).

إلى متهمي الدكتور "خالد علم الدين": هاتوا البينة أو "توبوا واعتذروا"
عبد المنعم الشحات
الخميس ٢١ فبراير ٢٠١٣ - ١٧:٥٥ م
4516
إلى متهمي الدكتور "خالد علم الدين": هاتوا البينة أو "توبوا واعتذروا"
11-ربيع ثاني-1434هـ   21-فبراير-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلتوضيح موقفنا من قضية الدكتور "خالد علم الدين" نحتاج إلى تذكُّر بعض الأحكام الشرعية التي يعرفها القاصي والداني "لا سيما أبناء التيار الإسلامي"، ولكن مع وجود المخالفات الصارخة لتلك القواعد فلابد من التذكير بها انطلاقًا من قوله -تعالى-: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ(الذاريات:55).

ما الواجب علينا شرعًا عند وجود اتهام موجه من طرف إلى آخر؟

أولاً: ننصح كل طرف بالواجب عليه:

أ‌- الواجب على المُدَّعِي ألا يلجأ إلى إعلان التهمة إلا بغرض النصيحة، وأن يكون قد استفرغ وسعه في الإصلاح، وأن يكون على يقين مما يدَّعيه بعيدًا عن الظنون.

ب‌- الواجب على المُدَّعَى عليه أن يقر بما عليه من حقوق سواء كانت حقوقًا خاصة للمدّعِي أو عامة.

ثانيًا: فإذا أنكر المُدًّعَى عليه فالقاعدة الشرعية معروفة، وهي:

أ‌- في حالة الحقوق الخاصة فالقاعدة: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ"، أي يُطالـَب المدعِي بالبينة، فإن عجز لزم المدعَى عليه اليمين.

ب‌- في المنكرات العامة لا بد للمدعِي من بينة ولا يلزم المدعَى عليه شيء كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(الحجرات:6).

ويؤخذ من الآية الآتي:

أ‌- أن المدعِي إما أن يأتي بالبينة وإما أن يكون فاسقًا.

ب‌- أن المدعَى عليه إما أن تثبت عليه البينة وإما أن يكون بريئًا، ولو زاد بحلف اليمين يكون قد بالغ في تبرئة نفسه.

ت‌- أن الناقل لهذا الخبر إن نقله لمجرد الدعوى دون بينة فهو من الجاهلين بنص الآية، وهو من الكاذبين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ(رواه مسلم في مقدمة صحيحه).

ويتأكد هذا في حق الكبير أو المقدم والعالم كما قال الإمام مالك: "اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"، ومن هذا الأثر يُعلم أنه يجب على العالم والحاكم في ذلك أكثر مما يجب على غيرهم.

ولقد اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتطبيق هذه القواعد حتى على نفسه مع أن عصمته -صلى الله عليه وسلم- تقتضي عدم حاجته إلى ذلك، وذلك نراه في حديث خزيمة بن ثابت -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَ بِالْفَرَسِ لا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَاعَهُ، حَتَّى زَادَ بَعْضُهُمُ الأَعْرَابِيَّ فِي السَّوْمِ عَلَى ثَمَنِ الْفَرَسِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَادَى الأَعْرَابِيُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعَا هَذَا الْفَرَسَ فَابْتَعْهُ، وَإِلا بِعْتُهُ! فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: (أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ؟!)، قَالَ الأَعْرَابِيُّ: لا وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ).

فَطَفِقَ النَّاسُ يَلُوذُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَعْرَابِيِّ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ، فَمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ لِلأَعْرَابِيِّ: وَيْلَكَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ إِلا حَقًّا، حَتَّى جَاءَ خُزَيْمَةُ لِمُرَاجَعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُرَاجَعَةِ الأَعْرَابِيِّ، فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا يَشْهَدُ أَنِّي بَايَعْتُكَ، قَالَ خُزَيْمَةُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ، فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: (بِمَ تَشْهَدُ؟) فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ. (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

إن التشدد في هذا الأمر فيما يخص العالم والحاكم راجع إلى أن العالم يُلبِس نقده ونقله للأخبار ثوب الفتوى فيتضرر المفترى عليه غاية التضرر، والحاكم يملك من أنواع العقوبات ولو من باب التعزير.

ولقد رأينا في زماننا أن الناس يلتمسون العذر لـ"بعض المنتسبين إلى العلم" في أن يخرجوا على الناس فتتطاير منهم الكلمات واللكمات، ومع كل تهمة يقول: "ولديَّ في ذلك بينات!"، وما درى أنه ما زاد بهذه الكلمة على أن ردد الدعوى، وأنه لا يوجد أحد فوق هذه القاعدة بحيث يكتفي بأن يدَّعي على الناس ثم يدعي ادعاءً بأنه يملك البينة؛ لا سيما مَن عُرف من طريقته أنه يعد البينة أحيانًا هي "يمين المدعِي" في مجلس خاص معه! وهو أمر بعيد غاية البعد عن شرع الله -عز وجل-.

ومن ذلك: ما يزعمه بعضهم من أن الحاكم بوسعه أن يصدق الظنون وأن يكيل الاتهامات؛ مستدلين على ذلك بعزل عمر -رضي الله عنه- ولاته بالشبهات، وهم لا يفرقون بيْن حق الحاكم في اختيار ولاته "وهو تخيير مصلحة، لا تخيير إباحة محضة ومِن ثَمَّ فللحسبة على الحاكم في ذلك الأمر مدخل"، وبيْن تعبده بعدم جواز اتهام الناس حتى ولو بالشبهة.

ثم إن بعضهم يزيد الطين بلة في زماننا... ولعدم إدراكه أن شروط وصلاحيات وواجبات رئيس الجمهورية في الدولة الحديثة غير نظيرتها في الإمامة في الفقه الإسلامي "حتى وإن نص الدستور على مرجعية الشريعة وسعى الحاكم إلى تطبيقها".

فنظرًا لغياب ذلك الفهم يعد بعضهم الرئيس إمامًا "بمعناه الاصطلاحي وإلا فهو إمام بالمعنى اللغوي بلا شك"، ثم يعطيه حقوقًا ليست له حتى لو كان إمامًا!

ثم إن بعضهم وجد أن الرئيس الحالي له حزب فعدى تلك الحقوق المتوهمة إلى حزب الرئيس، فصار في عرفهم أن من حق الرئيس وحزبه أن يغتالوا مَن شاؤوا من المواطنين معنويًّا! وهو أمر يخالف الشرع، ثم يخالف الدستور والقانون، ويخالف حقوق الأخوة.

فهل مِن رجل رشيد ينصر إخوانه ظالمين أو مظلومين، فيناصر المظلوم بالوقوف بجانبه ويناصر الظالم بردعه عن ظلمه؟!

ثانيًا: قضية الدكتور "خالد عالم الدين":

أقول: إن "الدعوة السلفية" لم تتصرف من منطلق عصبية جاهلية أو من منطلق أن أبناء الدعوة لا يمكن أن يخطئوا!

ولا من باب المطالبة بأن يُعامل أبناء الدعوة مثل غيرهم ممن طُبق عليهم قاعدة: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته" مع أنه توجد دعاوى مادية منظورة أمام القضاء تجاههم!

وإنما تصرفنا من منطلق قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا(متفق عليه).

وطبقنا القاعدة الشرعية بتجرد، باحثين عن بيِّنة يذكرها المدعون أو "حتى قرينة" قد تثير الريبة أو الشبهة؛ فلم نجد من ذلكم شيئًا البتة!

بل إن تناقض التهم الصادرة عن عدة أفراد في مؤسسة الرئاسة وتضاربها كافٍ لردها، فبيْن متهم له بالفساد، وثانٍ باستغلال النفوذ، وثالث يبرأه ولكن يعيِّره بتهمة لأحد مرؤوسيه! وتلك التهمة غير ثابتة هي الأخرى؛ وإن ثبتت فأين قوله -تعالى-: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(الأنعام:164).

وكل منهم يحيل على جهة "غامضة" تدعي "سرية التحقيقات"، وقد تسنى لي مع آخرين مساءلة هذه الجهة، فما زادوا عن ذكر بلاغ مُرسل من مجهول ذكر أن الدكتور "خالد علم الدين" قد تعامل مع شركات قطاع خاص، وبالتحري وجدوا أن الأمر صحيح، ولكن وجدوا في ذلك الأمر أن الدكتور "خالد علم الدين" رعى توقيع اتفاق بين مورد لمعدات توليد الطاقة من القمامة وبين مستورد لها، وكلاهما قطاع خاص، وقد كانت هذه الرعاية بغرض تشجيع هذا النوع من الاستثمار نحِل به مشكلة تكدس القمامة ونقص الكهرباء في آن واحد.

وقد تم التوقيع في وجود وزير البيئة ومسئولين من الرئاسة ومن الأحزاب، منهم: "حزب الحرية والعدالة"؛ فلا ندري ربما كان المُبَلِّغ ممن يستمتعون بروائح القمامة أو ممن يستروِحون الجو الشاعري عند انقطاع الكهرباء المتكرر!

ومع ذلك تركنا الأمر مفتوحًا... هاتوا لنا بينة على فساد الرجل نكن أول مَن ينكر عليه أو "اعتذِروا له"، ولا نعني بالاعتذار إلا تبرئة ساحة مظلوم؛ لأن أحدهم بعد أن وعد بذلك -وكأنه استفزه جدًّا استعمال لفظ الاعتذار- خرج على وسائل الإعلام ليقول: "إنه فقط يبرئ ساحة الدكتور "خالد علم الدين" دون اعتذار، ثم في اليوم التالي وكأنه بدا له أن يعود إلى اتهامه مرة أخرى!

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي