الاثنين، ١٣ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

حول فتوى "حكم تكفير الشرطة والجيش والمشاركين في العملية السياسية في العراق"

السؤال: جاء في فتواكم: "حكم تكفير الشرطة والجيش والمشاركين في العملية السياسية في العراق" أنه لا يصح تكفيرهم لوجود شبهات، وأن العمل السياسي مسألة مصلحة ومفسدة. فهل لا يصح تكفيرهم مع أن هذا النظام صفوي وضعته أمريكا في الحكم جزاء لمساعدتهم على احتلال العراق، فكيف لا يجوز تكفيرهم وهم في الأصل شيعة بالإضافة لموالاتهم لأمريكا وحكمهم بالطاغوت وقتالهم للمجاهدين بدلاً من أمريكا، بالإضافة للجرائم التي يرتكبونها في حق أهل السنة في العراق من سجن وقتل وتعذيب وانتهاك للحرمات؟! إذا كان لا يصح! فما حكم من كان على دين الشيعة وموالاة الأمريكان وشن أعتى الحروب على الإسلام؟

حول فتوى "حكم تكفير الشرطة والجيش والمشاركين في العملية السياسية في العراق"
السبت ١٦ مارس ٢٠١٣ - ٢٠:٥٢ م
4583

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

أما من جهة عقائدهم فهي مليئة بالكفر، لكن الكلام على الفرق بين النوع والعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فَأَمَّا قَتْلُ الْوَاحِدِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَارِجِ كالحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ فَهَذَا فِيهِ قَوْلانِ لِلْفُقَهَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَد، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ كَالدَّاعِيَةِ إلَى مَذْهَبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّنْ فِيهِ فَسَادٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) (متفق عليه)، وَقَالَ: (لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) (متفق عليه)، وَقَالَ عُمَرُ لِصَبِيغِ بْنِ عِسْلٍ: لَوْ وَجَدْتُك مَحْلُوقًا لَضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك. وَلأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ طَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ أَوَّلَ الرَّافِضَةِ حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ، وَلأَنَّ هَؤُلاءِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ.

فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ فَسَادُهُمْ إلا بِالْقَتْلِ قُتِلُوا وَلا يَجِبُ قَتْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا لَمْ يَظْهَرْ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ كَانَ فِي قَتْلِهِ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ؛ وَلِهَذَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلَ ذَلِكَ الْخَارِجِيِّ ابْتِدَاءً لِئَلا يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ، وَلَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ فِيهِ فَسَادٌ عَامٌّ؛ وَلِهَذَا تَرَكَ عَلِيٌّ قَتْلَهُمْ أَوَّلَ مَا ظَهَرُوا لأَنَّهُمْ كَانُوا خَلْقًا كَثِيرًا وَكَانُوا دَاخِلِينَ فِي الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ظَاهِرًا لَمْ يُحَارِبُوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّهُمْ هُمْ.

وَأَمَّا تَكْفِيرُهُمْ وَتَخْلِيدُهُمْ فَفِيهِ أَيْضًا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ مَشْهُورَانِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَد، وَالْقَوْلانِ فِي الْخَوَارِجِ وَالْمَارِقِينَ مِنْ الحرورية وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ الَّتِي يَقُولُونَهَا الَّتِي يُعْلَمُ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كُفْرٌ وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهُمْ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ بِالْمُسْلِمِينَ هِيَ كُفْرٌ أَيْضًا، وَقَدْ ذَكَرْتُ دَلائِلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لَكِنْ تَكْفِيرُ الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمُ بِتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِ التَّكْفِيرِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، فَإِنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِنُصُوصِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَلا نَحْكُمُ لِلْمُعَيَّنِ بِدُخُولِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِّ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي لا مَعَارِضَ لَهُ.

وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي "قَاعِدَةِ التَّكْفِيرِ"؛ وَلِهَذَا لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكُفْرِ الَّذِي قَالَ: إذَا أَنَا مُتّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ ذروني فِي الْيَمِّ فَوَاَللَّهِ لأَنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا لا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ مَعَ شَكِّهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَإِعَادَتِهِ؛ وَلِهَذَا لا يُكَفِّرُ الْعُلَمَاءُ مِنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالإِسْلامِ أَوْ لِنَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ؛ فَإِنَّ حُكْمَ الْكُفْرِ لا يَكُونُ إلا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلاءِ قَدْ لا يَكُونُ قَدْ بَلَغَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَالِفَةُ لِمَا يَرَاهُ وَلا يَعْلَمُ أَنَّ الرَّسُولَ بُعَثَ بِذَلِكَ فَيُطْلِقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ وَيُكَفرُ مَتَى قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الَّتِي يَكْفُرُ تَارِكُهَا دُونَ غَيْرِهِ" (مجموع الفتاوى:28/ 499-501).

وأما قتالهم؛ فلا شك في مشروعية ذلك للطائفة القادرة على ذلك التي يتحقق بقتالها المصلحة وتندفع المفسدة عن المسلمين في دمائهم وأعراضهم؛ وإلا لم يدفع فساد بأفسد منه.

www.anasalafy.com 

موقع أنا السلفي