الحمد لله وحده و الصلاة و
السلام على من لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم و بعد
هل تذكر أولى أيام التزامك ؟
هل تذكر حرارة الالتزام ؟ هل تذكر فرحك بالطاعة تُؤديها والمعصية تتركها ؟ هل تذكر
الآيات التي تحفظها فتفرح بها و تجتهد لحفظ غيرها ؟ هل تذكر أذكارك و استغفارك و
صلاة قيامك و صيام أيامك ؟ هل تذكر أبواب البر التي كنت تسأل عنها وتحاول أن
تفتحها و تدخلها ؟ هل تذكر حرصك على طلب العلم و العمل به و الدعوة إليه ؟ هل تذكر
حلمك أن تكون أحد أفراد فريق العمل لمجلة مسجدك أو خدمة منطقتك أو أحد قطاعات
دعوتك ؟ هل تذكر هذا الحلم ؟ و هل تذكر كذلك أن الله مَنَّ عليك و أصبحت أحد أفراد
فريق العمل في دعوتك و أصبحت مؤثراً . ثم ماذا ؟ لقد طالت الأيام و مرت الأشهر و
الأعوام و أنت و كأنك اعتدت الطاعات و مللت كثيراً منها و لعلك لم تُنصت لصوت
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( عليكم أيها الناس من العمل ما تطيقون فإن الله
تعالى لا يَملُ حتى تملوا و إن أحب الإعمال إلى الله أدومها و إن قل ) قال تعالى :
( و الذين هم على صلاتهم دائمون ) مواظبون على أدائها لا يَخلون بها و لا يشتغلون
عنها بشئ من الشواغل ربما يكون مَلَلُكَ لنسيان الأجر المترتب على العمل ( هان سهر
الحراس لَمَّا علموا أن أصواتهم بمسامع الملك ) فكأنك نسيت ذلك أو لعل الشيطان
يتغلب عليك أحيانا و يفوز عليك مره بعد أخرى فتسقط في بئر الفتور والتقصير الذي
تظن أنك لا ترى له سبباً و نسيت ذنوبك فمللت و نسيت أن الله لا يملُ من الإنعام
على العبد و لو أتى العبد بأعظم الجرائم فإنه لا يقطع عنه مواد نعمه و روادف كرمه
و من نعمه أن يُبَصَرُكَ بتقصيرك و تفريطك و يُيَّسر لك التوبة و العودة و
الاستقامة على أمره , لقد حبَبَّ الله إليك العمل الصالح فعملت مع إخوانك بل و زين
هذا العمل لك فأصبح من أحب الإعمال إليك وأرجاها ( و حبب إليكم الإيمان و زينه في
قلوبكم ) و هذه نعمة أن يستعملك الله و لا يستبدلك فإذا بك تنتقى من الأعمال و
التكاليف ما تشاء بل و لا تريد أن تكون جندياً في مكان محدد كي لا يسألك أحد و لا
يحاسبك أحد لأنك قد ترى أن أحدا لا يرتقى أن يحاسبك و يَسِّول لك الشيطان أنك
ستكون جندياً في كل ميدان و أنك بمقدورك أن تنفع الأمة من فوق كل منبر و من أي
مكان دون أن تكون حبيس قيد أدبي أو عملٍ جماعي و لعلك رأيت مع الانفتاح أخطاء فيما
تظن لبعض العاملين السابقين فيحملك ذلك على ترك الكيان و أنت لا تدرى انك في نعمه
لكنك مَلّلّتَ هذه النعمة و أنت لا تدرى و يقول ابن القيم : ( و ليس على العبد
أضُّر من مَلَلِهِ لنعم الله فإنه لا يراها نعمه و لا يشكره عليها و لا يفرح بها
بل يسخطها و يشكوها و يَعُدُّها مصيبة , هذا وهى من أعظم نعم الله عليه ) فقد يرى
أحدنا في العمل ما يحمله على نقده و هدمه و يعتبر التزامه بهذا العمل مضيعة لوقته
النفيس و عمره الغالي ولا يدرى المسكين أن عمله هذا من أعظم نعم الله عليه , يقول
بن القيم ( فكم سعت إلى أحدهم من نعمةٍ و هو ساعٍ في ردها بجهده , و كم وصلت إليه
و هو ساعٍ في دفعها و زوالها بظلمه و جهله ) قال تعالى : ( ذلك بأنَّ الله لم يكُ
مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
آخى الحبيب : كم من باب
للخير فُتِحَ أمامك لتكون من الداخلين و كم من عملٍ كنت تقوم به وحَقَّره لك
الشيطان و أبدى لك سوءاته و شاركته في إضرام النار فيه و في ذلك خُسرانٌ لك وأنت لا تدري قال بن القيم : ( فليس للنعم أعدى من
نفس العبد , فهو مع عدوه ظهيراً على نفسه ) فعدوه يطرح النار في نعمه (
يطرح الشبهة أو السلبية على هذه النعم ) و هو ينفخ فيها , فهو الذي مكّنهُ من طرح
النار ثم أعانه بالنفخ ( يتذكر هو للعمل سلبيات أكثر ) فإذا اشتد ضرامُها استغاث
من الحريق ... )
آخى الحبيب : لا تنفخ النار
في نعم الله عليك فتُحرق ثمَّ تندم على فواتها و أنت حارقها ، من حقك أن تنصح و أن
تنقد نقداً بناءً حرصاً منك على مؤسستك و بقائها و نموها و لكن اعرف مكانك و دورك
في القرار فإن قائدك غالباً يرى ما لا ترى و يحسب أمورًا قد لا تنتبه أنت لها .
فانصح و التزم بآداب النصح و
النقد و حافظ على النعمة التي أنت فيها فقد يكون غيرك صاحب القرار و الكل يعمل
ابتغاء مرضاة الله وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com