الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مليونية "21-6-2013م" وإجماع القوى الإسلامية

ومن العرض السابق يتضح أن: موقف "الدعوة السلفية" يتوافق معها فيه أطراف كثيرة، وهو وسط بين مواقف التيارات الإسلامية

مليونية "21-6-2013م" وإجماع القوى الإسلامية
عبد المنعم الشحات
الخميس ٢٠ يونيو ٢٠١٣ - ١٧:٢١ م
4527
12-شعبان-1434هـ   20-يونيو-2013      

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد دعت بعض القوى الإسلامية إلى مليونية يوم "21-6-2013م" تحت عنوان: "لا للعنف" مما يعني أنها بحسب عنوانها ليست لنصرة الرئيس "محمد مرسي"، وأنها لا تعدو أن تكون رسالة للمجتمع لنبذ العنف؛ لا سيما متظاهري "30-6".

ثم أضاف الأستاذ "خالد الشريف" المتحدث باسم حزب "البناء والتنمية" أن المليونية ليست لتأييد الرئيس، وإنما لرفع مطالب الشعب إليه.

وقد أصدرت "الدعوة السلفية" بيانًا أكدت فيه على حق مؤيدي الرئيس ومعارضيه على حد سواء في تنظيم أية فاعليات سلمية، وحذَّرت من العنف أيًّا كان مصدره، وأعلنت أن موقفها هو عدم المشاركة في أية فاعليات "لا مؤيدة ولا معارضة"؛ تجنبًا للاستفزاز الذي قد يجر البلاد إلى العنف، لا سيما وأن معظم الفاعليات الأخيرة التي نظمهما مؤيدو الدكتور "مرسي" تضمنت إشارات تكفير وتلويح بعنف قد يؤخر الدعوة إلى الوراء.

واندفعت بعض القنوات الإسلامية، وبعض المواقع على الإنترنت لتصف موقف "الدعوة السلفية" بأنه خروج عن الإجماع الإسلامي أو الصف الإسلامي أو المغردين خارج السرب... إلى غير ذلك من الأوصاف التي تروم إثناء المراقب للموقف عن تدبر الحجج والبراهين إلى التسليم بأن ثمة إجماعًا إسلاميًّا واجب الاتباع، وأن هناك جماعة قد شذت، بل الشذوذ لم يصبها كلها وإنما نجا منهم فلان أو فلان، ويبحثون هنا أوهناك عن أي قيادة ذات رأي مخالف داخل "الدعوة السلفية" ليثبتوا رأيهم!

ولنا ها هنا عدة وقفات:

الأولى: من المعلوم أن جماعة الإخوان من أكثر الجماعات التزامًا بما تسفر عنه الشورى الداخلية للجماعة حتى إنهم عندما قرروا في أول الأمر عدم تقديم مرشح للرئاسة وقرر الدكتور "أبو الفتوح" التقدم لها واستقال أو أقيل من الجماعة ثم عدلت الجماعة عن رأيها وقررت خوض انتخابات الرئاسة - لم يدعموا الدكتور "أبو الفتوح"، بل نافسوه، بل وخطأوا كل من حاول دعمه من باب أنه لم يلتزم بالشورى الداخلية فلا يصلح للقيادة، وهذا كلام "جهاد الحداد" والدكتور "غزلان".

ودعك من مسألة الليبرالية هذه التي ادعاها بعض السلفيين المؤيدين للدكتور "مرسي"؛ لأن الواقع العملي للدكتور "مرسي" لا يختلف قط عن تلك الليبرالية المدعاة! ولأن الدكتور "عصام العريان" أحد أبرز ممثلي التيار الليبرالي داخل الإخوان ما زال نائب رئيس حزب الحرية والعدالة ورئيس كتلتهم البرلمانية في مجلس الشورى، ومن باب "إتمام الفائدة" فيجب أن يُنتبه إلى أن الخلاف بين الليبراليين والأصوليين داخل الإخوان خلاف تنظيمي، حيث يميل الأولون للانفتاح على المجتمع بينما يميل الآخرون للانغلاق، وأما الترخص فمشترك بينهما، ولكن الأولون يجعلونه دينًا ثابتًا والآخرون يجعلونه رخصة إلى أن يقوم ويستقر الحكم الإسلامي؛ مما يعني الاتفاق شبه التام بينهما في المدى القريب، بل والبعيد!

المهم هنا هو: تأكيد أهمية الالتزام بالشورى الداخلية داخل جماعة الإخوان، فلماذا إذن يفتشون في صفوف غيرهم عن أي مخالف لرأي الجماعة لكي ينشروه ويضغطوا عليهم به؟!

وإذا كان لدى غيرهم الكثير من الاعتبارات الأدبية التي تحول دون اتخاذ موقف حاد تجاه قيادات تاريخية لمجرد مخالفة إدارية؛ فهل من المروءة استغلال تلك الثغرة في كل موقف خلافي؟!

ويشبه هذا الأمر أو يقترب منه ثناء بعض السلفيين على الإخوان بكونهم منظَّمين تنظيمًا جيدًا في ذات الوقت الذي ما زال ينتقد الدعوة السلفية؛ لأنها تعمل عملاً جماعيًّا!

الثانية: محاولة استصحاب الإجماع الذي هو حجة في دين الله في هذه المواقف ليس سديدًا، على أنه لا ينطبق؛ لأن الإجماع إنما هو إجماع مجتهدي الأمة على حكم شرعي في عصر من العصور بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا وجدنا أنه لا يكاد يوجد مجتهد في أي كيان من هذه الكيانات فتسامحْنا فأخذنا طلبة العلم المميزين، فسنجد أن كثيرًا من هذه الكيانات لا تملك حتى طلبة علم؛ فكيف يُتحدث عن اجتهاد؟!

بل إن الكيان الأبرز "وهم الإخوان" خالفوا الرجل الذي ما فتئوا يصفونه بأنه أعلم أهل الأرض وهو الدكتور "القرضاوي"، وخالفوه في مسائل هامة، منها: انتخاب الدكتور "أبو الفتوح"، ومنها: الموقف من الشيعة.

ثم في النهاية إذا خالف فرد واحد من المعدودين في الإجماع وليس كيانًا بأكمله فلا يعد هذا إجماعًا.

قد يقول قائل: لمْ نقصد الإجماع بهذا المعنى، وإنما قصدنا الكثرة التي تشابه مصطلح "الجمهور" عند الفقهاء.

فنقول: لا يوجد مَن يقول بأن قول الجمهور حجة، وكم من عالم خالف قول الجمهور على مر العصور، غير أن ادعاء أن في المسألة جمهورًا أيضًا توسع لا يحتمله الموقف.

وبيان ذلك كالآتي:

1- بعض الرموز السلفية أعلنت منذ بداية عهد ما بعد الثورة أن "الإخوان هم رجال المرحلة"، ومع ذلك أسسوا أحزابًا سياسية ولم ينخرطوا في حزب الحرية والعدالة، ثم لما جاءت الانتخابات أرسلوا أحزابهم للتحالف مع "حزب النور" بينما أيدوا هم رجال المرحلة، فهل يمكن الاعتراف بحزب كهذا عندما نعد مواقف الأحزاب أم أن هذه الأحزاب محكومة بموقف الإخوان جزمًا؟!

2- هل يمكن إغفال الوزن النسبي لكل كيان؟ وهل تستوي الأحزاب المنبثقة عن دعوات مع تلك الأحزاب التي هي مجرد أحزاب سياسية، ولا نعلم أن هناك أحزابًا منبثقة عن جماعات إلا: "الحرية والعدالة - النور - البناء والتنمية - ثم حزب جماعة الجهاد مع بعض الأحزاب السرورية التي تمثل تجمعات سرورية صغيرة في بعض المدن".

3- هل نلتزم في التقييم بعدم إدراج المخالفين للسنة أم يمكن إدراج المخالفين للسنة؟ فإذا كان من المعدودين في تأييد موقف ما الجماعات القطبية فإن الاتجاهات المدخلية ليست بأبعد منهم عن السنة، فإما أنْ تستبعدْهما أو تضمهما.

خلاصة القول: إن الساحة المصرية كان فيها دعوتان سلميتان شاملتان كبيرتان وقت قيام الثورة هما: "الإخوان والدعوة السلفية" في حين كانت الجماعة الإسلامية والجهاد في حالة إعادة ترتيب أوراق، وفي ذات الوقت كان هناك عدد من الجمعيات يغلب عليها الاهتمام النوعي بأنشطة بعينها، وكان هناك دعاة فرديون معظمهم سلفيون وعندما أقبل كثير من هذه القوى على إنشاء أحزاب كان الإخوان والدعوة السلفية هما القادرين على إنشاء أحزاب حقيقية هما: "حزب الحرية والعدالة، وحزب النور" ثم لحقهما حزب "البناء والتنمية"، ثم أنشأ بعض الدعاة الفرديين أحزابًا عانت كثيرًا، وما زال بعضها يعاني في مرحلة جمع التوكيلات.

وعلى صعيد آخر نشأت أحزاب تجمعت حول شخصيات إسلامية، مثل "حزب مصر القوية" حول "أبو الفتوح"، وحزب "مصر" حول "عمرو خالد" (ومرة أخرى طالما سمحنا بأن نعد القطبيين تيارًا إسلاميًّا معتبرًا فهؤلاء أقرب إلى الحق منهم، ووصف الإسلامية أقرب إليهم).

وعلى أي فالموقف من الأحداث السياسية الراهنة قد اختلفت فيه المواقف بصورة تجعل موقف "الدعوة السلفية" وسطًا بين مواقف الإسلاميين، وليس أنه مائل عن إجماعهم.

وذلك أن مواقف الإسلاميين انقسمت إلى المواقف الآتية:

أولاً: المعارضون للرئيس "مرسي" معارضة حادة ويطالبونه بإجراء انتخابات مبكرة بنفس الحدة التي تطالِب بها "تمرد": أي هدفهم أن تُجرى هذه الانتخابات من أجل انتخاب رئيس آخر، ويأتي على رأس هؤلاء: الأستاذ "كمال الهلباوي" القيادي الإخواني السابق (بالطبع لا أوافق الأستاذ الهلباوي على كل آرائه لا سيما المتعلقة بالانفتاح على إيران، ولكن هذا لا يمنع من الاستشهاد برؤيته في مشهد كهذا، لا سيما ونحن نحتج بكلامه على مَن يوافقه الرأي فيما يخص إيران).

لقد ركز "الهلباوي" نقده على أن الجماعة بتصرفاتها السياسية قد خسرت حقل الدعوة، فذكر في لقاء له في برنامج الحدث المصري: "إنه كان يتمنى أن يرى المرشد يسير على الكورنيش ويخالط الناس، والناس محيطة به مسرورة ترفعه على الرؤوس، وأن غياب ذلك المشهد يعني أن الدعوة قد تأخرت، مستنكرًا لغة الكبر التي يتحدث بها بعض مؤيدي الرئيس، وكذلك لغة العنف والدماء التي يتحدث بها البعض الآخر، وخص بالذكر المهندس عاصم عبد الماجد".

ويدخل في هؤلاء حزب "مصر القوية".

ثانيًا: المعارضون للرئيس "مرسي" بشدة، ولكن يرون ضرورة إكماله لمدته: ومن هؤلاء الدكتور "عبد الله الأشعل"، والذي بدأ في تدشين حزب جديد، وقال للشرق الأوسط عن الرئيس "مرسي" بعد ما حذر من إسقاطه: "إن الرئيس مرسي ليس له رؤية، ولم يعمل على الاستفادة من قدرات مجتمعه، فالشعب له مطالب مشروعة يجب أن يستجيب لها، ولابد من تشكيل حكومة قوية بدلاً من الحكومة الحالية". وأوضح "الأشعل" أن هناك غياب كفاءة في الحكم، بل إن المستشارين الذين اختارهم لم يستفد من الجيد منهم، لافتًا إلى أن الرئيس فقد حالة الالتفاف حوله عندما تسببت القرارات الخاصة بالإعلان الدستوري في إحداث انقسام في الشارع المصري".

ويمكن أن يدخل في ذلك الحزب الإسلامي المعبر عن جماعة الجهاد.

ثالثًا: المطالبون للرئيس "مرسي" بأن يستجيب للانتخابات المبكرة أو الاستفتاء على إكمال مدته من باب الوصول للاستقرار السياسي: ومن هؤلاء الأستاذ "طلعت رميح" مؤسس حزب "الصرح".

رابعًا: مَن يرون موقف "الدعوة السلفية" من عدم جدوى مظاهرات "21-6" ويطالبون بإصلاحات سياسية، ومِن هؤلاء:

- حزب "التغيير والبناء" الذي يقوده د."باسم خفاجي".

حزب "الإصلاح" الذي يقوده "هشام عبد العزيز" (وهو الحزب الإسلامي الوحيد الذي بقي في تحالف الإخوان في الانتخابات البرلمانية).

"ائتلاف صوت الحكمة" الذي يقوده د."وسام عبد الوارث".

خامسًا: أحزاب أعلنت اعتراضات على الدكتور "مرسي"، وفي ذات الوقت رفضت الانتخابات المبكرة، ولكنها لم تحدد موقفها من "21-6"، ومن هؤلاء:

- مجلس شورى العلماء.

- الجبهة السلفية.

- حزب الراية.

- حزب العمل.

- حزب العمل الجديد.

- حزب التوحيد العربي.

سادسًا: المشاركون في مليونية "21-6"، وهم:

- الإخوان المسلمون.

- الجماعة الإسلامية.

- جماعة القطبيين.

- الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.

- وأحزاب: الوطن، والأصالة، والفضيلة.

(وكل هؤلاء يرون من حيث المبدأ أن الإخوان رجال المرحلة باستثناء الجماعة الإسلامية وحزب الوطن، ولكنهما ينتهيان في معظم قراراتهما إلى ذلك، كما أعلن حزب الوطن عدم مشاركته في "21-6" ثم عاد وأعلن المشاركة).

سابعًا: الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح:

جدير بالذكر أن الأقسام الستة المذكورة تقر بحق المخالفين في التظاهر شريطة أن يكون سلميًّا وهو أمر منطقي؛ لأنك تطالبهم أن يلتزموا بالدستور الذي أتى بالرئيس، فلابد في الجهة الأخرى أن تلتزم به وإلا لأصبح ذلك تناقضًا تأباه الفطر السليمة.

ومع هذا فإن "بيان الهيئة الشرعية" قد تمسك بشرعية الرئيس وفقًا للدستور "وهذا لا غبار عليه"، ولكنه وقع في خطأين:

الأول: أنه استدعى له صفات ولي الأمر الشرعي، وهو ما حذرنا من مغبته مرارًا... وليس الأمر مجرد خلاف لفظي -فلا مشكلة في اللفظ-، وإنما المشكلة في تبعات ذلك، ومنها: جواز التظاهر ضده من عدمه، فوفق الدستور يجوز ذلك التظاهر، وأيًّا ما تكن الاعتبارات التي بها رضينا بهذا الدستور "بل كتبناه بأيدينا"؛ فلابد من الالتزام به وإلا لوقعنا في تناقض مذموم، ولخسرنا جمهور دعوتنا الذي هو مجال عملنا الأساسي.

الثاني: أن البيان رحب بمظاهرات "21-6" المؤيدة للرئيس بينما نهى عن مظاهرات "30-6" المعارضِة! ونسب ذلك إلى كل أهل العلم! وعلل هذا بأن الأُولى سلمية والأخرى سوف تكون غير سلمية "وإن ادعى أصحابها السلمية".

والمشكلة هنا هي:

1- أن قارئ البيان لا سيما الفقرة الخاصة بأن الرئيس "مرسي" ولي أمر سوف يتأكد أن العبرة أن الأولى مؤيدة، وأن الثانية معارضة.

2- أن كل الاتجاهات الإسلامية قد أعلنوا عدم مشاركتهم في "30-6"، ولكنهم لا يستطيعون أن ينهوا من أراد ذلك؛ لأنه حق مقرر دستوريًّا.

3- لا يمكن استدعاء حالة "مبارك" هنا، بل لو تُصور أن مباركًا كان قد قدَّم إصلاحات واستكمل مدته لم يكن الشعب ليقبل منه أن يقول لهم: قد كنتم من قبل لا تتمكنون من نقد الرئيس أو التظاهر ضده؛ فكيف بالرئيس الذي أتت به الثورة؟!

4- إن تعليق الأمر على أن هذه لن تكون سلمية قد يكون مناسبًا عند مخاطبة أتباعنا، أما المخالفون فالالتزام معهم بأن التظاهر من حقهم أسلم وأبعد عن اتهام مؤسسات دعوية بالتلون السياسي وغيره مما يضر الدعوة -كما أسلفنا-.

ومن العرض السابق يتضح أن: موقف "الدعوة السلفية" يتوافق معها فيه أطراف كثيرة، وهو وسط بين مواقف التيارات الإسلامية، وجدير بالذكر أن بعض أهل العلم اكتفى فقط بالتحذير من إطلاق عبارات يُفهم منها التكفير والتخوين، كالشيخ "مصطفى العدوي" -حفظه الله تعالى-.

فاللهم احفظ مصر وأهلها آمنة مطمئنة رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

www.anasalafy.com

أنا السلفي