الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية نحو العالمية

ما يتضمنه المنهج السلفي من خصائص مبهرة تؤهله للريادة والعالمية ، خصوصًا ما يتعلق منها بباب السياسة الشرعية وأمور الولايات

السلفية نحو العالمية
زين العابدين كامل
الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠١٣ - ١٩:٠٥ م
1676
22-محرم-1435هـ   25-نوفمبر-2013      

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلعل القارئ يتعجب من عنوان مقالي هذا "في هذا التوقيت"، ويقول: نحن في مرحلة حرجة للغاية، والبعض يعدها مرحلة استضعاف؛ فكيف نقول السلفية نحو العالمية؟!

فأقول: عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ، قَالَ: وَعَرَضَ لَنَا صَخْرَةٌ فِي مَكَانٍ مِنَ الخَنْدَقِ، لا تَأْخُذُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَاشْتَكَيْنَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ، فَقَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ) فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، وَقَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الشَّامِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا). ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ) وَضَرَبَ أُخْرَى فَكَسَرَ ثُلُثَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ فَارِسَ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ الْمَدَائِنَ، وَأُبْصِرُ قَصْرَهَا الأَبْيَضَ مِنْ مَكَانِي هَذَا)، ثُمَّ قَالَ: (بِسْمِ اللَّهِ) وَضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَقَلَعَ بَقِيَّةَ الْحَجَرِ، فَقَالَ: (اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُبْصِرُ أَبْوَابَ صَنْعَاءَ مِنْ مَكَانِي هَذَا(رواه أحمد، وحسنه الحافظ ابن حجر).

فقال بعض المنافقين: أيعدنا صاحبكم أن تُفتح علينا بلاد قيصر وكسرى، وأحدنا لا يأمن أن يذهب ليقضي حاجته؟!

ولكن هذه كانت بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقت انتشر فيه الرعب بين الناس؛ فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما الناس فيه من كرب وبلاء، جعل يبشرهم -صلى الله عليه وسلم- محاولاً أن يقْلب هذه المحنة وهذا الكرب إلى نصر ومنحة، وأنا أسلك ما سلكه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقتفي أثره في محنتنا هذه التي تمر بها بلادنا "مصر".

وإن مما يدل على انطلاق "السلفية" نحو العالمية: ما يتضمنه المنهج السلفي من خصائص مبهرة تؤهله للريادة والعالمية -كما سنشير إلى بعضها-؛ خصوصًا ما يتعلق منها بباب السياسة الشرعية وأمور الولايات، وهو ما سنتناوله في مقالنا هذا.

فلقد أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات، فإن الولاة المقسطين من أعظم الناس أجرًا؛ لما يجري على أيديهم من إقامة الحق ومحاربة الباطل، ونحن نعتقد أن الإسلام دين ودولة، فإذا أقيم الدين استقامت الدولة، وإذا حدث خلل في أمر الدين اختل أمر الدولة.

ولابد أن نعلم أن الإمامة والولاية رتبة دينية لإقامة الدين، وسياسة الدنيا بالدين، وقد تقدَّم التيار السلفي وشارك في الحياة السياسية؛ ليقدِّم سياسة شرعية منضبطة بثوابت الدين وأصول الشريعة، وكما هو معلوم أن ممارسة السياسة المعاصرة لابد أن تكون وفق آليات الديمقراطية، وهي في حقيقة الأمر تشبه لحد لا بأس به مبدأ الشورى في الإسلام، وقد رضينا بذلك بما لا يتعارض مع ثوابت الدين وأصول الشرع، وذلك تغليبًا للمصلحة العامة، ودرءًا للمفسدة، وحفاظًا على الدعوة.

وعالمية الخطاب السلفي مستمدة من عالمية الإسلام، وقد نشر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعوته خارج الجزيرة العربية، وكاتب الملوك والأمراء والرؤساء، وهكذا فعل الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ومما يؤكد ذلك ما قاله ربعي بن عامر -رضي الله عنه- لرستم قائد الفرس: "الله ابتعثنا لنخرج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله!".

وقد تميز التيار السلفي بصفة عامة -"والدعوة السلفية بصفة خاصة"- ببعض الخصائص التي تجعله مؤهلا للعالمية.

- منها: "المرجعية العلمية"؛ فلقد أثبت جدارة في العالم الإسلامي من الناحية العلمية، ويشهد بذلك القاصي والداني، وهو الفصيل الوحيد الذي نظرًا لتفوقه العلمي حارب البدع، والمناهج المنحرفة: كفكر الصدام المُسلَّح، والتكفير، والتوقف والتبين، والعقيدة الشيعية الفاسدة، والمٌرجئة، والصوفية، والأشاعرة، وغير ذلك، ولقد أقام المعاهد العلمية، وتخرجت الكوادر السلفية في شتى أنحاء العالم.

- ومن خصائصه أيضًا: الثراء في الكفاءات، ووجود قيادات علمية، وسياسية، وقانونية، واقتصادية، ونحو ذلك، وقد ظهر ذلك جليًّا في المرحلة المتأخرة.

- ومن خصائصه: كثرة انتشاره في ربوع الأرض، وكثرة أتباعه وأبنائه؛ لاسيما في العالم العربي، وإذا نظرنا إلى بلدنا مصر نرى أن الدعوة السلفية قد انتشرت -بفضل الله- في كل مدينة، ومركز، وقرية، وشارع، ومسجد جامع، وزاوية صغيرة، وعبر الفضائيات، وفي الإذاعات، وغير ذلك من أنواع التواصل الجماهيري، ومن أجل ذلك كان للتيار السلفي القدرة الهائلة على الحشد الجماهيري، بل وانتشرت الدعوة السلفية، وظهر نشاطها في بلاد العالم المختلفة، وللدعوة الآن عدة مكاتب دعوية خارج مصر -لاسيما أفريقيا-، وقد أسلم خلق كثير... على يد مسئول الدعوة الخارجية، وعبر مكاتب الدعوة.

- ومن خصائصه -أيضًا-: الشمولية في نظرته للحياة ما بين الدين؛ وهو الجانب الروحي، والدنيا وهي الجانب المادي.

- ومن خصائصه -أيضًا-: محاربته للفوضى الفكرية المنتشرة في المجتمع بمختلف التوجهات والأيديولوجيات، والحث على نشر الفكر الوسطي المعتدل.

- ومن خصائصه -أيضًا-: نظرته للمجتمع كجزء لا يتجزأ، ولا ينفصل بعضه عن بعض، فالمجتمع يُكمِّل بعضه بعضًا؛ فلا إقصاء لأي كيان أو فصيل.

- ومن الخصائص الهامة: المصداقية في المعاملات، والسلوك، والأخلاق، وقد شهد بذلك حتى أعداء هذا التيار؛ فلا مداهنات، ولا كذب، ولا خداع، ولا غش، فهو يشترط أن تكون الوسيلة صالحة ولا تتعارض مع ثوابت الدين، فـ"الغاية لا تبرر الوسيلة".

- ومن خصائصه التي تؤهله نحو العالمية: الصعود السياسي بقوة وثبات؛ رغم العقبات المتتالية... فلقد خاض السلفيون تجربة صعبة في مصر في وقت حرج للغاية، وما كانت مشاركة الدعوة السلفية في العمل السياسي إلا بعد تغير المعطيات، واستطاعت الدعوة السلفية على وجه الخصوص في مرحلة من المراحل الحرجة جدًّا أن تقدم أنموذجًا فريدًا في الوعي السياسي، بل وتصدرت المشهد السياسي في وقت من الأوقات، واستطاعت أن تغير في أرقام المعادلة الصعبة وأن تكون جزءًا من المعادلة، بل أن تكون رقمًا أساسيًّا في المعادلة لا تصلح المعادلة بدونه.

وقد كانت القوى السياسية والدولية تنتظر في وقت من الأوقات موقف الدعوة السلفية وحزب النور في بعض القضايا؛ مما أسهم في صعود "الدعوة السلفية" على مستوى العالم السياسي، لاسيما بعد أن أثبتت المواقف حسن قراءة الدعوة السلفية للمشهد السياسي والواقع في مصر.

وأثبتت "الدعوة السلفية" أنها مع حداثتها السياسية؛ إلا أنها في كثير من المواقف كانت موفقة إلى حد كبير -وقد شهد بذلك أهل السياسة والخبرة- في الوقت الذي أخفقت فيه بعض الحركات الأخرى الأسبق في العمل السياسي في قراءتها للواقع، وكيفية التعامل معه، وكيفية التعامل مع المخالفين!

سيدخل التيار السلفي؛ لاسيما "الدعوة السلفية" -حيث إنها الكيان السلفي الوحيد المنظم- مرحلة جديدة من مراحل تطوره بعد أن أثبت جدارة وأهلية في الريادة والقيادة، والقيام بالأمانة.

ولقد أثبتت الأحداث أن "الدعوة السلفية" تقوم بحق في نظرتها ومنهجها على الأدلة الشرعية والقواعد الأصولية، ولا تنتهي المرجعية كما يدعي البعض عند شيخ الإسلام ابن تيمية أو الإمام أحمد بن حنبل أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-، ولكن السلفية المعاصرة تتصل اتصالاً وثيقًا بالرعيل الأول الذين رباهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فـ"كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف".

لذا، أستبشر خيرًا، وأبشِّر إخواني: أبشروا... فالسلفية في اتجاهها نحو العالمية، قال الله -تعالى- في سورة النور: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(النور:55).

والله المستعان.


www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

الكلمات الدلالية