الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

البهتان!

والبهتان مِن أشد أنواع الظلم؛ لما له من أثر نفسي سيئ علي الفرد وتشويه لسمعته بما هو بريء منه

البهتان!
عصام حسنين
الاثنين ٢٠ يناير ٢٠١٤ - ١٧:٢٥ م
6082

البهتان!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمن آفات اللسان المُهلِكة والتي عدَّها بعض العلماء من الكبائر -ولا شك أنها كذلك-؛ لما ورد فيها من الوعيد: "البهتان".

والبهتان لغة: يدور حول الكذب وافتراء الباطل.

واصطلاحًا: الكذب والافتراء بالباطل الذي يُتحير منه.

قال المناوي -رحمه الله-: "البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه". أي: يدهش له ويتحير، وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراءً.

وقد ورد فًيه الوعيد الشديد، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب:58).

قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه، لم يعملوه ولم يفعلوه، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا): وهذا هو البهت الكبير أن يُحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم" اهـ.

وقال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء:112)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُرِيدُ شَيْنَهُ بِهِ، حَبَسَهُ اللَّهُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني). (شَيْنَهُ) أي: عيبه وذمّه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟) قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ). قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) (رواه مسلم).

كما أن المتصف بهذه الصفة فيه صفة من صفات اليهود وكفاه ذمًّا بذلك! ففي قصة إسلام عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، قال عبد الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يعلمُوا بِإِسْلامِي من قبل أَن تَسْأَلهُمْ يبهتوني. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ: (أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ؟) قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سيدِنا، فَقَالَ: (أرأَيتم إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ؟) قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ! فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا فَانْتَقَصُوهُ! قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رسولَ الله. (رواه البخاري). فما حملهم على البهت إلا البغض -عياذاً بالله تعالى-.

والبهتان مِن أشد أنواع الظلم؛ لما له من أثر نفسي سيئ علي الفرد وتشويه لسمعته بما هو بريء منه.

قال ابن عبد البر -رحمه الله-:

لـي حـيـلــة فيمن يـنـم                     وليس في الكذاب حيلة

من كان يخلق ما يقول                    فـحيـلـتي فـيـه قــليـلـة

وعلى البهّات أن يتوب إلى الله -تعالى-، ويستحلل مَن بهته قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، وليس هناك إلا الحسنات والسيئات، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) (رواه البخاري).

من مضار البهتان:

1- تستجلب سخط الله -عز وجل- والملائكة المقربين.

2- صاحب البهتان مبغوض من الناس، ومحتقر عند عباد الله.

3- يُفسِد المجتمع ويشيع الفواحش.

4- صفة من صفات المنافقين.

5- صفة من صفات اليهود.

6- يقلب صاحبه الحق باطلاً والباطل حقًّا، ويُبرئ المتهم ويتهم البريء! (انتهى من موسوعة الصفات المستحبة والمذمومة).

وإذا كان البهتان بهذه المثابة الفظيعة فحق على كل مؤمن أن يخاف ربه -تعالى-، وأن يخرج من هذه الصفة بصدق، وألا يعود إليها أبدًا، وأن يستحل مَن بهتهم ورماهم بما ليس فيهم استكمالاً لشروط التوبة؛ هذه لأولي الألباب الذين يفهمون بالتلميح والتعريض، ومَن ليس كذلك فأقول: توبوا إلى الله -تعالى- بشروط التوبة من رمي إنسان بما ليس فيه أو جماعة بما ليس فيها أو حزبًا بما ليس فيه، كما نسمع -ولا نزال نسمع- هذا البهتان، مع أننا نوضِّح مواقفنا ونبين وننفي عنا هذه الاتهامات الباطلة التي هي محض افتراء، لكن هناك مَن يصر على رمينا بها حتى ممن هو داخل صفوفنا دون تبيّن أو تثبت! وحتى بعد التبيّن يُصر على البُهتان! فإلى الله المشتكى.

ويشتد الذنب إذا كان في حق عالم يستفيد الناس مِن علمه، فرميه بما هو بريء منه صد للناس عن علمه، وهذا من الصد عن سبيل الله، كما كان المشركون يرمون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالباطل لصد الناس عنه فقالوا: "ساحر - مجنون - كذاب - كاهن - شاعر" إلى آخره مما يعلمون براءته منه -صلي الله عليه وسلم-! فالحذر...

وليعلم هذا البهّات أنه لا يضر إلا نفسه، أما المسيرة فمستمرة إن شاء الله -تبارك وتعالى-؛ لأن أهلها لا يُبالون إذا كانوا في طاعة الله، رضي من رضي، وسخط مَن سخط، كما قال الله -تعالى-: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة:54)، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى الناس عنه، ومن التمس رضى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عليه الناس) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

نسأل الله الثبات على الدين حتى الممات.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً