الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الثبات على الدين

فلا صلاح للعالم، ولا نور، ولا سعادة له إلا بالدين

الثبات على الدين
عصام حسنين
الأربعاء ٢٢ يناير ٢٠١٤ - ١٩:٤٥ م
2547

الثبات على الدين

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلا صلاح للعالم، ولا نور، ولا سعادة له إلا بالدين الحق كما قال -تعالى-: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (الأنعام:122).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فهذا وصف المؤمن، كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشي به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات" (مجموع الفتاوي9/ 39).

ومن ابتغى دينًا غير الإسلام فهو في ظلمات، ولن يقبل منه في الآخرة، كما قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، وقال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97).

وإذا كان الدين بهذه المثابة، فإن المؤمن يحرص على أن يكون على ما مثل ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ثم يخزنه ويضن به أن ينقص أو يضل عنه، ولا يجعله غرضًا لخصومات الفرق والجماعات، كما قال رجل يُتهم بالإرجاء للإمام مالك -رحمه الله-: "يا عبد الله، اسمع مني شيئًا أكلمك به وأحاجك، وأخبرك برأيي...

قال: فإن غلبتني؟ قال: اتبعتني!

قال: فإن جاء آخر، فكلمنا فغلبنا؟

قال: نتبعه! قال مالك: يا عبد الله، بعث الله -عز وجل- محمدًا -صلي الله عليه وسلم- بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين!".

وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل" (الشريعة1/ 53).

فلنحذر مِن دعاة الضلال والبدع، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ المُضِلِّينَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال: (دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا) (متفق عليه)، وحذار من طلبة العلم الصغار في هذه النازلة التي نزلت بنا -الذين يفتقدون الخبرة والإتقان-؛ فضلاً عمن هو في درجة العامة الذي لا يحركه إلا هواه.

قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا".

قال ابن عبد البر -رحمه الله-: "يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخَ، ولم يكن علماؤهم الأحداثَ، لأن الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب، وحدته، وعجلته، وسفهه، واستحب التجربة والخبرة، ولا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث، ومع السن الوقار والجلالة والهيبة".

وروى ابن عبد البر -رحمه الله- عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "قد علمتُ متى صلاح الناس، ومتى فسادهم: إذا جاء الفقه من قِبَل الصغير، استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من الكبير تابعه الصغير فاهتديا"، وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفـَّه الصغير الكبير"، وقال محمد بن سيرين -رحمه الله- ومالك، وغيرهما: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقال بهز -رحمه الله-: "دين الله أحق ما طُلب له العدول"، وقال الشافعي -رحمه الله-: "إنما يتكلم في هذا الدين من كان مأمونًا على عقدة هذا الدين".

وليس معني ذلك أنهم غير مأمونين، ولكن الكلام في النازلة شأن العلماء الكبار الذين صقلهم العلم والخبرة بالواقع، ونقول هذا؛ لأننا نرى أن الشباب يستمع بعضهم لبعض دون الرجوع لعلمائهم، ومنهم من يناطح ويخون ويتهم دون بينات، حتى قرأتُ لأحدهم -إن صح ذلك- أنه يتدين لله بفضح حزب النور وهدم كيانه!

وأقول له: البعض يظن أنه طالما ظن أو قال إنه يتدين لله بكذا أن هذا يكفيه وأنه مأجور، والحق أنه يزيد في إثمه أن يتقرب إلى الله بالمعاصي والضلالات والظلم؛ لأنه بدعة وذنب وظلم؛ فهو دين باطل سيحاسبك الله عليه؛ لأنك لم تجلس مع قيادات الحزب لتستبين موقفهم ثم تتكلم! وكذلك أين فقه الخلاف وآدابه؟! الله المستعان.

فالحذر يا شباب من أمثال هؤلاء الذين يتكلمون في النوازل العظيمة بدون علم، وإنما بمجرد ما يسمعه من الإعلام الكاذب أو الصورة التي يشاهدها دون اتباع منهج التثبت والتبين الذي أُمرنا به فضلاً عمن يهيجون الناس بالكذب والأراجيف حتى ملأوا الدنيا كذبًا، وتطاولوا على العلماء، ولم يراعوا لمخالفيهم حرمة! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قال الإمام الآجري -رحمه الله-: "قد ذكرتُ هذا الباب في كتاب الفتن في أحاديث كثيرة، وقد ذكرت ها هنا طرفًا منها؛ ليكون المؤمن العاقل يحتاط لدينه، فإن الفتن على وجوه كثيرة، وقد مضى منها فتن عظيمة، نجا منها أقوام، وهلك فيها أقوام باتباعهم الهوى وإيثارهم للدنيا، فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الدعاء، والتجأ إلى مولاه الكريم، وخاف على دينه، وحفظ لسانه، وعرف زمانه، ولزم المحجة الواضحة: السواد الأعظم، ولم يتلون في دينه، وعبد ربه -تعالى-، فترك الخوض في الفتنة، فإن الفتنة يفتضح عندها خلق كثير، ألم تسمع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهو محذر أمته الفتن؟ قال: (يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا) (رواه مسلم)" (الشريعة1/ 47). "والسواد الأعظم: أي مِن أهل العلم ومن أهل السنة والجماعة، لا أهل البدع ولو كثروا: كالروافض، والخوارج، ومَن على طريقتهم!".

هذا وقد جعل الله -رحمة منه بعباده- أسبابًا للثبات على الدين لاسيما في أوقات الفتن، منها ما تقدم من لزوم غرز العلماء الكبار.

2- الصبر على طاعة الله وعن معصيته، وعلى الأقدار المؤلمة، قال الله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة:45)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهِنَّ يَوْمَئِذٍ بِمِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَهُ كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَوَمِنْهُمْ؟ قَالَ: (بَلْ مِنْكُمْ) (رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وصححه الألباني). وهذا حديث عظيم فيه عَلَم من أعلام النبوة، وحث على الثبات والتمسك بالدين كما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم-.

3- الارتباط بالقرآن الكريم والتعلق به والإقبال عليه: تلاوة وتدبرًا وعملاً؛ فإنه النور والهدى، والشفاء لما في الصدور!

4- كثرة ذكر الله: كما قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الأنفال:45).

5- كثرة العمل الصالح وأعمال الإيمان: قال -تعالى-: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (إبراهيم:27).

6- مجالسة الصالحين من العلماء والعباد والدعاة؛ للإفادة منهم فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم.

7- الدعوة إلى الله -تعالى- كما أمر الله، واليوم نحتاج إلى بذل الجهد أكثر مما سبق لإصلاح ما أفسده البعض، وإنقاذ العباد من شر الفتن التي وقعت.

8- حسن الظن بالله، وجميل التوكل عليه في نصرة الدين، والثقة في وعده، وترك اليأس؛ فإنه في ديننا حرام!

9- الدعاء... الدعاء، كما قال -تعالى- عن دعاء المؤمنين: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (آل عمران:8)، وكان من أكثر ما يدعو به النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

فنسأل الله أن يثبتنا على ديننا، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويحقن دماءنا، ويصلح أحوالنا لما يحب ويرضى!

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً