وقفات بين يدي وصايا
لقمان (خطبه مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
-
الوقوف على بعض الفوائد بين يدي الوصايا الغالية في قصة لقمان الحكيم -عليه
السلام- لابنه.
المقدمة:
- الإشارة إلى الآيات المتضمنة لوصايا لقمان -عليه السلام-:
قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ
أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ... )
(لقمان:12).
- الإشارة إلى الوصايا كعناوين، والتنبيه على تسلسل الحديث حولها: "فضل
التوحيد وخطر الشرك - حقوق الوالدين - مراقبة الله - تعظيم قدر الصلاة - الدعوة إلى
الله - حسن الخلق".
الوقفة الأولى: تعريف بلقمان
الحكيم:
- كان عبدًا صالحًا من غير نبوة: قال ابن
عباس -رضي الله عنهما-: "كان لقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا "، وقال سعيد
بن المسيب -رحمه الله-: "كان لقمان من سودان مصر ذا شافر أعطاه الله الحكمة
ومنعه النبوة"، وقال القرطبي -رحمه الله-: "والصحيح الذي عليه الجمهور أن
لقمان كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا".
- كان لقمان من أفضل الناس: جاء رجل أسود
إلى سعيد بن المسيب -رحمه الله- يسأله فقال له: "لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه
كان مِن أخير الناس ثلاثة من السودان: بلال بن رباح، ومهجع مولى عمر، ولقمان
الحكيم" (تفسير ابن
كثير).
- مكانة الإنسان بدينه لا بهيئته ولا نسبه: قال الله
-تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
(الحجرات:13)،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ
يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ
لأَبَرَّهُ) (رواه
مسلم).
- أعظم كرامة للقمان -عليه السلام- ثناء الله عليه في القرآن: وإلا
فقد ذُكِر أبو لهب الشريف بالذم إلى يوم القيامة: (تَبَّتْ
يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى
نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) (المسد:1-3)، وكذا فرعون العزيز: (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص:4).
- وهكذا كل صاحب مال أو سلطان من أهل معصية الرحمن:
(مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)
(الحاقة:28-29).
- لا يغني مال ولا منصب ولا نخبة ما لم يكن صاحبه من أهل الصلاح:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ
السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ)
(متفق عليه)،
وقال -صلى الله عليه وسلم- في عبد الله بن مسعود: كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ
الأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ،
فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (مِمَّ تَضْحَكُونَ؟) قَالُوا: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: (وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).
الوقفة الثانية: حكمة لقمان:
- الحكمة فضل من الله: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) (لقمان:12)،
وقال -تعالى-: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ
خَيْرًا كَثِيرًا) (البقرة:269).
- تعريف الحكمة: قال مجاهد -رحمه الله-: "هي
الفقه والعقل والإصابة في القول".
- مثال من حكمته: قال ابن جرير -رحمه الله-: "كان
لقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها، قال: أخرج
أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه
الشاة، فذبحها، فقال له: أخرج لنا أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال
مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فأخرجت اللسان والقلب، وأمرتك أن تخرج أخبث
مضغتين فيها فأخرجتهما! فقال لقمان: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا
خبثا!" .
- مصداقه حديث نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ
كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ)
(متفق عليه)،
وقوله: (إِذا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فإِنَّ الأَعْضاءَ كُلَّها
تُكَفِّرُ اللِّسانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ الله فِينا فإِنَّما نَحْنُ بِكَ، فإِنِ اسْتَقَمْتَ
اسْتَقَمْنَا، وإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
- عوامل معِينة على التحلي بالحكمة: سئل لقمان -عليه
السلام- عن أسباب ما وصل إليه، فقال: "غضي بصري، وكفي لساني، وعفة طعمتي،
وحفظي فرجي، وقولي بصدق، ووفائي بعهدي" (تفسير ابن كثير).
الوقفة الثالثة: مسئولية الآباء
عن تربية الأبناء:
مناسبة الوقفة: قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ... ) (لقمان:13).
- جعل الشرع الآباء مسئولين عن تربية الأبناء:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا كلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُمْ
مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مسؤولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ... ) (متفق عليه).
- لأن كل الآباء مفطورون على الحب والرحمة تجاه الأبناء:
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحَلَّبَ
ثديُها تسْعَى إِذا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ
بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي
النَّارِ؟) فَقُلْنَا: لا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ،
فَقَالَ: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ
بِوَلَدِها) (متفق
عليه).
- ولكن... النصح في الدين للأبناء ليس من كل الآباء: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)
(لقمان:13)،
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)
(لقمان:17)،
(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102)، (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا
لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف:5).
- وأعظم الرحمة والتربية والرعاية إنقاذهم من النار:
قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ
شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
(التحريم:6)،
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه:
أحفظ أَمْ ضَيَّعَ حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بيته) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).
الوقفة الرابعة: معالم على
طريق التربية الصالحة:
أولاً: اختيار الأم الصالحة:
- هي أول خطوة على طريق التربية الصالحة: قال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا،
وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَات الدّين تربت يداك)
(متفق عليه).
ثانيًا: الاحتساب في
التربية:
- الأبناء نعمة ومِن شكرها حسن التربية: قال الله -تعالى-:
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46).
- جزاء مَن احتسب في تربية أولاده الجنة: قال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ
بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ) (متفق عليه).
ثالثًا: تعويد الأبناء على
العبادات منذ الصغر:
- عمل الآباء في مرحلة البناء: قال النبي -صلى
الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ
أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا
بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).
رابعًا: تجنبهم المحرمات
والمنكرات:
- تنفيرهم من المحرمات والمعاصي وتبغيضها إلى نفوسهم:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ
تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كِخْ كِخْ) لِيَطْرَحَهَا
ثُمَّ قَالَ: (أما شَعرت أَنا لا نَأْكُل الصَّدَقَة؟)
(رواه البخاري).
خامسًا: إبعادهم عن جلساء
السوء:
- الصاحب ساحب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ
يُخَالِلُ) (رواه
أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
سادسًا: الصبر عليهم عند
ضعف استجابتهم:
- أُمر بذلك مَن هو أفضل منا: قال الله -تعالى-:
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا
نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طه:132).
- الهداية من الله، وعلينا الدلالة والإرشاد:
قال الله -تعالى-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56).
سابعًا: كثرة الدعاء لهم بالهداية
والصلاح:
- دأب الصالحين مع أولادهم: قال الله -تعالى-:
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).
- الحذر من الدعاء عليهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
(لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تدْعُوا على أَوْلادكُم،
لا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ)
(رواه مسلم).
خاتمة: وصايا لقمان أعظم
منهج للتربية:
-
يقرأ الخطيب الآيات المتضمنة للوصايا مع الإشارة إلى تسلسل الحديث حولها في المرات
المقبلة -بإذن الله-.
موقع أنا السلفي
www.anasalafycom