الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إن مع العسر يسرًا

... كان إلقاء يوسف في البئر إلى أسفل، فجعله الله أعلى منهم، فوقهم بمراتب عالية لا تدرك، أرادوه إلى إهانة، فجعله الله إلى إكرام، أرادوه إلى خوف وفزع، فجعله الله في أمن وسكون، أرادوه إلى وحشة وانقطاع، فكان الوحي من الله أنيسه وجليسه...

إن مع العسر يسرًا
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠١٤ - ١٥:٢٩ م
1316

 

فوائد من قوله تعالى: {         وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا         يَشْعُرُونَ}
 
       قال الله تعالى: { فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ     وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ     لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}

     قال ابن كثير –رحمه الله- (يقول الله تعالى فلما ذهب به إخوته من عند أبيه     بعد مراجعتهم له في ذلك،{ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ     فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} هذا فيه تعظيم لما فعلوه،أنهم اتفقوا كلهم على     إلقائه في أسفل الجب،وقد أخذوه من عند أبيه فيما يظهرونه له إكراماً له وبسطاً     وشرحاً لصدره،وإدخالا للسرور عليه،فيقال إن يعقوب عليه السلام لما بعثه معهم     ضمه وقبله ودعا له،وذكر السدي وغيره أنه لم يكن بين إكرامهم له وبين إظهار     الأذى له،إلا أن غابوا عن عين أبيه وتواروا عنه،ثم شرعوا يؤذونه بالقول من شتم     ونحوه، والفعل من ضرب ونحوه، ثم جاءوا به إلى ذلك الجب (البئر) الذي اتفقوا على     رميه فيه،فربطوه بحبل ودلوه فيه،فكان إذا لجأ إلى واحد منهم لطمه وشتمه،وإذا     تشبث بحافات البئر ضربوا على يديه،ثم قطعوا به الحبل من نصف المسافة فسقط في     الماء فغمره، فصعد إلى صخرة تكون في وسطه يقال له الراغوفة فقام فوقها)
    
    تبكي العين ويتوجع القلب على ما جرى ليوسف من إخوته، هذا الطفل الجميل     البريء الطاهر النجيب الذكي الكريم، يُلطَم ويُشتَم ويُضرَب ويُلقَى في البئر،     يغمره الماء بلا ذنب ولا جريرة إلا حسد إخوته على تفضيل الله له في قلب أبيه،     وحق له أن يفضل.. ماذا يصنع الحقد بالإنسان؟! وما هذه القسوة العجيبة وقطيعة     الرحم وانعدام البصيرة؟ كيف كان شعور يوسف الطفل الصغير، وهو يحاول التشبث     بحافات البئر لئلا يقع فيه،فتضرب يده؟!وكيف ظنه بما عساه يكون قد فعل لإخوته،وهو     يلجأ إليهم واحداً بعد واحد، فيلطمه ويشتمه؟ وكيف كان شعوره حين انصرفوا عنه     وتركوه، وجاء عليه الليل وحده،بلا أنيس ولا جليس ولا ضوء،إلا ظلمة الليل وظلمة     البئر، البعيد عن الدار والأب الحنون والأم المشفقة والأخ الوحيد الرفيق في     الإخوة بنيامين؟!
    وما هو المصير المجهول الذ
ي ينتظره بعد ذلك؟!     لولا رحمة الله ويسره الذي أنزل في هذا العسر الشديد،ولولا الأمن والسكينة التي     أنزلها في قلبه، لمات يوسف خوفاً ورعباً وجوعاً وخوفاً، لكناها رحمة الله الواسعة ونعمته السابغة ورأفته العظيمة.

    وفي قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ     لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}، يقول     ابن كثير
رحمه الله: يقول تعالى ذاكراً لطفه ورحمته     وعائدته وإنزاله اليسر في حال العسر،أنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال     الضيق،تطيباً لقلبه وتثبيتاً له إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك فرجاً ومخرجاً     حسناً، وسينصرك الله عليهم ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع أ.هـ.

 
    سبحان الله! كان إلقاء يوسف في البئر إلى أسفل، فجعله الله أعلى منهم، فوقهم     بمراتب عالية لا تدرك، أرادوه إلى إهانة، فجعله الله إلى إكرام، أرادوه إلى خوف     وفزع، فجعله الله في أمن وسكون، أرادوه إلى وحشة وانقطاع، فكان الوحي من الله     أنيسه وجليسه، اللهم لك الحمد كما تقول وخيراً مما نقول، لا نحصى ثناء عليك،     أنت كما أثنيت على نفسك، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ذا الجد منك     الجد، أنت جبار قلوب المنكسرين إليك، وأنت الغالب على أمرك ولكن أكثر الناس لا     يعلمون.

تصنيفات المادة