الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مواجهتنا للعنف والتكفير إستراتيجية وفكرية وشاملة

"الدعوة السلفية" نقاوم هذا الفكر ديانة لله -عز وجل- "بغض النظر عن أية حسابات سياسية"؛

مواجهتنا للعنف والتكفير إستراتيجية وفكرية وشاملة
عبد المنعم الشحات
الخميس ٠٦ نوفمبر ٢٠١٤ - ٢٠:٥٨ م
3258

مواجهتنا للعنف والتكفير إستراتيجية وفكرية وشاملة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد دارتْ مساجلة بين الأستاذ "خالد صلاح" رئيس تحرير "اليوم السابع" والأستاذ "نادر بكار" مساعد رئيس "حزب النور" لشئون الإعلام، بدأت برأي طرحه الأستاذ خالد صلاح، أو في الحقيقة "اتهام" وجهه الأستاذ خالد صلاح إلى "السلفيين" بأنهم يقفون على "الحياد" في الحرب على الإرهاب!

ودار بعدها سجال بينه وبين الأستاذ "نادر بكار" على "تويتر"، ولخصه الصحفيان إسلام جمال ومحمد فيصل في تقرير لليوم السابع.

ولأهمية هذا الموضوع أحببتُ أن أعلِّق على بعض ما جاء فيه:

أولاً: قبل أن أخوض في لب القضية أعرِّج على نقطة هامة وردتْ في رد الأستاذ "خالد صلاح"، وهي قوله: "لا تنشغلوا بالرد على صحفي قال رأيه، انشغلوا بمن يطعن برأيه صحيح الدين، ويضرب بسلاحه المأجور أبناءنا في سيناء".

وربما كان هذا الكلام صحيحًا لو أن الأستاذ "خالد صلاح" قد قال رأيه في قضية عابرة فانشغل "نادر بكار" أو غيره بالرد عليه، وأما إذا وجَّه الأستاذ "خالد" نقدًا إلى اتجاهٍ وفي قضية مِن صميم منهجه؛ فأظن أن التفاعل مع هذا النقد أمر محمود.

ثانيًا: ورد في كلام الأستاذ خالد صلاح قوله: "المطلوب حرب فكرية شاملة، إن لم تقدموا المساعدة فيها بوضوح؛ فأنتم تنتظرون مَن يفوز في النهاية لتكونوا معهم! لا تجوز السياسة والموائمات الآن".

وهذه الجملة هي بيت القصيد في القضية، وأنا أوافقه على هذا الطرح تمامًا، ولكن أخالفه في أنه يرى أننا لم نقدِّم المواجهة الفكرية الشاملة، والحديث هنا عن "الدعوة السلفية"، وأما الحديث عن مواقف الآخرين فيأتي في النقطة الآتية.

فأقول: نحن في "الدعوة السلفية" نقاوم هذا الفكر ديانة لله -عز وجل- "بغض النظر عن أية حسابات سياسية"؛ لقناعتنا أن فتنة التكفير والجرأة على سفك الدماء هي مِن أخطر الآفات التي تصيب الأمة، وتعوق الدعوة إلى الله، ولعل الأستاذ "خالد صلاح" يعرف أكثر من غيره أثر "الدعوة السلفية" في مراجعات الجماعة الإسلامية، والتي حقن الله بها الكثير من الدماء.

وهذه المواجهة مواجهة فكرية شاملة مِن عدة جهات:

الأولى: من جهة تبني المنهج الإصلاحي التدريجي السلمي العلني، المتصالح مع المجتمع، والمساند للدولة "حتى وإن اختلفنا مع أي حكومة قائمة"، ومع هذا نحن نلتزم في نصح الأفراد والحكومات بالحكمة والموعظة الحسنة، فمجرد وجود هذه الدعوة قائمة هو مِن أبلغ أسباب منع الشباب المتدين من الانحراف.

الثاني: هو الرد الفقهي والشرعي والواقعي على كل تيارات العنف والتكفير على اختلاف توجهاتها، ومناقشة شبهاتهم تفصيلاً.

وهذا الرد شامل ومتنوع بتنوع المخاطبين به، ويشمل:

- خطاب لدارسي العلوم الشرعية يتناول هذه المسائل بتفصيل تام.

- خطب المنابر التي تعرِّج على هذه الموضوعات بما لا يخل بسهولة الخطاب، وبالبعد عن التفاصيل السياسية، فيتم الحديث بشكل متكرر عن حرمة الدم وخطورة التكفير، والدعاء لضحايا الإرهاب، ومواساة أهلهم على المنابر بما يكرِّس عند السامع عظيم جُرم مَن قتلهم.

- كما يوجد مستوى الندوات العامة والتي تتناول تفصيلاً الرد على "داعش"، و"أنصار بيت المقدس" وغيرها من التنظيمات، وتبيِّن خطأ الأسس الفكرية التي تقوم عليها العمليات الإرهابية.

- كما توجد المقالات والتي تخاطب شريحة المثقفين بشكل عام "والمتدينين منهم بشكل خاص"، ولرموز "الدعوة السلفية" في هذا الباب كتابات كثيرة ومتكررة وشبه أسبوعية؛ حتى إن "داعش" ردت على هذه المواجهة بفتوى تكفـِّر فيها الدكتور "ياسر برهامي" وتحل دمه، حيث إنه أحد أبرز مَن رد عليها "ولو أراد الأستاذ خالد صلاح إعادة نشر هذه المقالات في اليوم السابع مِن باب شمولية المواجهة فنحن على استعداد لإرسالها إليه".

- وأما البيانات: فتصدر عند وجود حادث جلل نؤكِّد به على مواقفنا الثابتة، ونحن مِن أقل الجهات استعمالاً؛ لها لشعورنا أننا نعالج القضية بما هو أكثر تفصيلاً واستمرارية مِن البيانات، في حين أن معظم مَن يتهمنا بالتخاذل لا يملك ولا يقدِّم بالفعل أكثر مِن البيانات المقتضبة.

ومِن هذا العرض يتبين أن مواجهتنا لهذا الفكر المنحرف فكرية؛ لأن هذا هو طبيعة دورنا في المجتمع ككيان دعوي، ولكنها ليست إعلامية مجردة أو رمزية، بل هي تتحرك على الأرض وتحاول أن تصل إلى جميع المستهدفين بالخطاب -لا سيما الشباب- بكل السبل والوسائل المتاحة، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.

وعمومًا فإذا كان لدى الأستاذ "خالد صلاح" أفكار أخرى للمواجهة؛ فنحن على أتم الاستعداد لسماعها، والاستفادة منها.

هذا بالنسبة "للدعوة السلفية"، وأما "حزب النور"؛ فلعل الأستاذ خالد صلاح يعلم أن هذه الاتجاهات التكفيرية تكفر كل مَن انتمى إلى الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة التي يعتقدون كفرها، ومَن لا يكفر الأحزاب بصفة عامة يخص "حزب النور" بالذم الذي يصل إلى درجة التكفير، وبمراجعة بسيطة لفيديوهات الأستاذ "وجدي غنيم" وأحاديث ضيوف "الجزيرة" يتضح جانب مِن ذلك، ومِن ثَمَّ فوجود الحزب في حد ذاته رد عليهم، كما أن للحزب فعاليات في هذا المضمار، ولكن يجب ملاحظة أن هذه المواجهة الفكرية الشاملة ذات الصبغة الفقهية قد لا تتناسب مع طبيعة الحزب السياسي.

وأما قضية الطعن في الثوابت: "فالدعوة السلفية" تقوم بدورها في هذا الجانب، ونتمنى أن يقوم الأستاذ "خالد صلاح" وغيره مِن الإعلاميين بحملة مضادة لحملة الطعن على الثوابت؛ لأن الطعن في الثوابت هو أحد الروافد الرئيسية التي تجرف الشباب إلى تيار العنف والتكفير، وللأسف فهجمة الطعن على الثوابت تزداد يومًا بعد يوم مِن طعن في السنة النبوية أو في أصح دواوينها: "كالبخاري، ومسلم"، أو إنكار بعض الغيبيات، أو لمز الصحابة وغمزهم.

وعلى صعيد آخر... تجد برامج مسابقات الرقص، وأفلام العرى، وغيرها، وإذا تكلم "رموز الأزهر" نالهم مِن الطعن والتجريح ما نالهم؛ إلى درجة أن تنشر "الأهرام" ردَّ د."جابر عصفور" على الشيخ "عباس شومان" وكيل الأزهر، ثم تمتنع مِن نشر رد الشيخ "عباس شومان" عليه؛ حتى اضطر إلى نشره في جريدة إلكترونية غير ذائعة الانتشار عند عموم القراء! وكنت أود أيضًا لو أعادت "اليوم السابع" نشرها.

ثالثًا: نأتي إلى قول الأستاذ "خالد صلاح": "لا يجوز أن تكون قلوبكم معنا، وسيوف قواعدكم السلفية مع بني داعش والتكفيريين في سيناء!".

وباختصار شديد نقول: إن "الدعوة السلفية" لا تملك مفتاح كل مَن يُسمِّي نفسه سلفيًّا، وإن كنا نظن أن مَن يتابِع على الأرض سوف يمكنه إدراك وجود "الدعوة السلفية" التي تتبنى الدعوة الإصلاحية السلمية العلنية، كما سيجد عددًا لا بأس به من الرموز السلفية التي لا تنتمي للدعوة السلفية، ولكنهم أيضًا يرفضون العنف والتكفير، وسيجد أيضًا عددًا مِن التنظيمات الموسومة بالسلفية، ولكنها ذات توجُّه إخواني أو قطبي، بل ربما يكون تكفيريًّا أحيانًا!

وإذا جاز لآحاد الناس أن تَختلط عليه الأمور؛ فلا يجوز أن تختلط على "رجال الإعلام" الذين يجب أن يَبحثوا عن الحقيقة وينقلوها للناس.

ومِن المهم هنا أن نرد على تهمة طالما رددها الكثير، وهي: "أن كل قواعد الدعوة السلفية كانت في رابعة!"، مع أن المتأمل سوف يجد أن كل مكونات مليونية "29-7" قد حضروا في "رابعة" ما عدا أتباع "الدعوة السلفية" ومَن وافقهم؛ فماذا قال الإعلام ذاته عن عدد هؤلاء، وعن عدد أولئك؟!

إن المقارنة بيْن المشهدين تؤكد أن أغلبية مَن حضر تلك المليونية السلمية "مهما اختلف الإعلام مع غرضها" قد غابوا عن مشهد "رابعة" الذي لم يكن فيه في بداية أمره إلا تلويح بالتكفير والعنف يردده بعض الأشخاص على "منصة رابعة"؛ فامتنعت "الدعوة السلفية" عن حضوره وأنكرتْ ذلك الخطاب، وامتنع عامة "أتباع الدعوة السلفية" أيضًا عن الحضور، وإن حضرت المكونات الأخرى التي أشرنا إليها، ومنها: ما يُسمى بـ"الجبهة السلفية" التي دعت إلى ما وصفته بـ"الثورة الإسلامية" مؤخرًا، وردت عليه "الدعوة السلفية" ببيان تَداولته وسائل الإعلام، ومنها: "اليوم السابع".

والخلاصة: أن هؤلاء الذين يتبنون العنف أو التكفير أو كليهما باسم الإسلام، وباسم السلفية؛ يشوهون الإسلام، ويشوهون السلفية، وهم وإن كانوا الأقل عددًا إلا أنهم يحدثون الكثير من الاضطرابات، ويهدرون دماء أبرياء، ويصدون الناس بأفعالهم عن سبيل الله؛ مما يوجب على الجميع التكاتف في سبيل مواجهة ذلك الفكر.

كما أن مَن يطعنون في الثوابت وإن كانوا أيضًا محدودي العدد إلا أن فتنتهم عظيمة بما تحدثه مِن بلبلة وشوشرة، وهم بذلك يغذون أخطر تيارين على الأمة، وهما:

- "تيار الإلحاد": الذي ينمو مستغلاً حالة الشك في كل شيء التي يشيعها هؤلاء.

- و"تيار العنف والتكفير": الذي تسهم تلك الرؤى المتطرفة في تغذيته بناءً على القاعدة المطردة بأن: "التطرف في أي اتجاه يولِّد التطرف المضاد".

نسأل الله أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ مصر مِن كل سوء.

اللهم آمين.

www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي