الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

إزالة الالتباس ببيان حقيقة الجبهة السلفية لعموم الناس

إن الفرق بين الدعوة السلفية وهذه الجبهة شاسع وكبير حيث إنه فرق في المنهج والنشأة والانتشار

إزالة الالتباس ببيان حقيقة الجبهة السلفية لعموم الناس
عادل نصر
الخميس ١٣ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٥:٢٢ م
3229

كتبه/ عادل نصر

يحاول البعض الخلط بين "الدعوة السلفية" وما يسمى بـ"الجبهة السلفية"، لاسيما بعدما خرجت الجبهة على الناس بالدعوة لما أسمته بـ"الثورة الإسلامية".

  قبل أن أناقش هذه الدعوة مبينًا فسادها أود أن أوضح أن هؤلاء الذين يخلطون بين الدعوة السلفية وهذه الجبهة نوعان من الناس: إما مغرض يعلم الحقيقة تمامًا، والفرق الواسع بين الدعوة السلفية وهاتيك الجبهة، وما بينهما من بُعد المَشرقَين، ولكنه يريد أن يشوه أتباع المنهج السلفي الذي تمثله الدعوة السلفية المباركة على أرض الواقع؛ وهذا الصنف بالطبع لو جئته بكل دليل ما استجاب؛ لأنه أدمن الشائعات والأكاذيب.

 النوع الثاني: جاهلٌ بالحقيقة لا يعرف الفوارق، ملبس عليه الأمر أو هكذا يراد له، وهذا الذي أريد أن أجلي الحقيقة له حتى تسفر لكل ذي عينين؛ فأقول:

إن الفرق بين الدعوة السلفية وهذه الجبهة شاسع وكبير حيث إنه فرق في المنهج والنشأة والانتشار.

أما المنهج: فالدعوة السلفية تقوم على المنهج السلفي المبارك بصفائه ونقائه، القائم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فلا تتمحور حول فكر شخص بعينه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فهي تمثل وسطية أهل السنة بين أهل الغلو والتفريط. لذا فأعلامها الذين تنهل من علومهم بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هم أعلام أهل السنة عبر التاريخ بدءًا من الصحابة وأهل القرون الأولى، وحتى أعلام السلفية المعاصرين (كابن باز، والألباني، وابن عثيمين، وأحمد محمد شاكر، وغيرهم كثير).

بينما الجبهة السلفية عبارة عن مجموعة قطبية تغالي في فكر سيد قطب وما يتضمنه من انحرافات فكرية خطيرة، لاسيما في مسائل الإيمان والكفر والتعامل مع المجتمعات الإسلامية على أنها مجتمعات جاهلية وغير ذلك من الطامات، وليس هذا تخمينًا ولا ظنًا بل هو ما صرحت به بياناتهم التي أصدروها في الدفاع عنه، والدعوة إلى قراءة كتبه التي وصفوها بروائعه؛ ومن نظر في موقعهم رأى صدق كلامي وكذا من يرونهم مشايخ لهم ومرجعيات لفكرهم، ولا أقول ذلك ادعاءً وإنما عن يقين أخذت به من أفواههم حيث قدر الله عز وجل أن التقي بأحد الثلاثة الذين يشير إليهم الإعلام بأنهم قادة هذه الجبهة، وهو الذي يعتبر المسئول العلمي الأبرز في هذه الجبهة، وذلك في اجتماع الهيئة الشرعية على طريق مصر/ إسكندرية الصحراوي إبان مناقشة دستور 2012م، وهو الاجتماع الذي شكر فيه الشيخ محمد عبد المقصود وغيره فضيلة الدكتور ياسر برهامي على ما بذله من جهد في نصرة الشريعة في اللجنة التأسيسية..

المهم تعرفت عليه فعرفني بنفسه وبانتمائه للجبهة وعرفته بنفسي دون انتمائي؛ لأني وجدتها فرصة سانحة للتعرف على هذه الجبهة وقطع ما لدى من شكوك بيقين، وكشف الغموض الذي يكتنف هذه الجبهة على عادة المجموعات القطبية والسرورية، فحاورته حوار المتودد حتى لا يخفى عني شيئًا، أو حتى يطمع في استقطابي، حيث كان هذا الوقت موسمًا لذلك فسألته عن مرجعية الجبهة الفكرية، ومن هم المشايخ الذين يصدرون من فكرهم، فقال لي: الشيخ رفاعي سرور، فقلت له: إذًا فكركم فكر جماعة الجهاد فراح ينفي ذلك ولم أقل: "أو قطبيين"؛ لأني أعلم أن رفاعي سرور -رحمه الله- قطبي الفكر والمنهج، بل كان يلقبه بعض مريديه بسيد قطب الثاني، سمعت ذلك منهم بنفسي في السجن، ثم قلت له: ومن غيره، قال: الشيخ حازم أبو إسماعيل، وذكر لي أسماء أخرى كلها تقطع بأن هذه الجبهة ما هي إلا جبهة قطبية خارجة من رحم الإخوان.

هذا من حيث المنهج ومصدر التلقي، أما من حيث المشروع الفكري ومنظومة القضايا المنهجية التي توضح معالم السير في طريق الإصلاح والتغيير فشتان شتان بين الدعوة السلفية وهذه الجبهة، فبينما تتبنى الدعوة السلفية مشروعًا إصلاحيًّا متكاملاً سلميًّا حكيمًا يسعى لاستئناف حياة إسلامية وفق تعاليم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة حررت معالمه في بحوث رائعة مستقاة من الكتاب والسنة، وما سطره علماء الإسلام سلفًا وخلفًا، وفي كل المسائل التي وقعت فيها إشكالات وانحرافات فكرية في واقعنا المعاصر؛ ففي مناهج التغيير سطرت الدعوة بحث (السلفية ومناهج التغيير)، وفي العمل الجماعي (العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط)، وفي ضوابط الاختلاف (فقه الخلاف بين المسلمين)، وفي الحسبة والجهاد (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، و(الجهاد وضوابطه في الواقع المعاصر)، كما حررت قضايا الكفر والإيمان والولاء والبراء والحاكمية وغير ذلك مما مثل منظومة فكرية سلفية بعيدة عن انحرافات الجماعات الأخرى فكريا وسلوكيا، أما هذه الجبهة فلا يعرف عنها شيء من ذلك، بل هي تمثل لغزا محيرا وغموضا على ما يبدو أنه متعمد لأنها لا تريد أن تفصح عن حقيقتها كما ذكرت؛ إن هذا دأب القطبيين والسروريين الذين يلبسون ثوب السلفية ظاهرًا ويحملون منهج الإخوان باطنًا.

 هذا من حيث المنهج والفكر، أما من حيث النشأة: فمعلوم أن الدعوة السلفية المباركة كانت بدايتها كمجموعة دعوية تتبنى المنهج السلفي جملة وتفصيلًا؛ حيث تراه طريقًا وحيدًا لبعث الأمة من جديد في أوائل السبعينات في القرن الماضي – أي: بعد فشل المشروع القومي من ناحية حيث مثلت هزيمة 1967م نهاية حقيقة له، ومن ناحية أخرى كان إخفاق جماعة الإخوان وفشلها في تقديم مشروع إسلامي ذي معالم سنية واضحة يعيد للأمة مجدها من جديد؛ حيث تجلى هذا بعد تجربة الخمسينات والستينات وما جلبه على الأمة من مفاسد، وما سببه للأجيال التالية من شقاء في ظل هذه الأجواء، ومن رحم هذه المآسي كانت ولادة هذا المشروع السلفي المبارك على يدي مجموعة مباركة من شباب هذه الأمة منَّ الله عليهم بها ورزقهم علو همة في العلم والعمل، الذين أضحوا شيوخًا لهذه الدعوة بعد ذلك؛ فهدى بهم من الضلال، وبصر بهم من العمى، وجمع حولهم القلوب حيث بارك الله عز وجل في دعوتهم فانطلقت من جامعة الإسكندرية لتسطع أنوارها في ربوع مصر، بل وخارجه بعد ذلك.

أما عن هذه الجبهة فلا نعرف عن نشأتها شيئًا، ولم نسمع لها ذكرا، ولم نر لها أثرا علميا ولا غيره قبل ثورة يناير.. فهل هناك وجه للمقارنة أو ما يستدعي الخلط؟!

أما من حيث التواجد والانتشار: فالدعوة السلفية المباركة انتشارها بفضل الله عز وجل واضح في ربوع مصر، وأبنائها في طول البلاد وعرضها يدعون إلى الله على بصيرة، ويقومون كل الانحرافات العقدية والفكرية؛ فهم يدعون إلى الحق ويرحمون الخلق كما هو شأن أهل السنة عبر العصور، فأين هذا من الجبهة التي لا تمثلها إلا مجموعة قليلة في مناطق محدودة، وليس أدل على ذلك من عجزها عن أن تنشأ حزبًا سياسيًّا أرادت به أن تزاحم به "حزب النور" صاحب الوجود العريض والتأثير الواضح في المشهد (ولو كره المعاندون)، ويقول قائل: "فما هو السر إذًا في تسمية هذه الجبهة بـ"السلفية"، وإصرارها على التواجد ثم دعوتها للثورة الآن؟!

قول: إن ما أراه تفسيرًا لذلك أنه بعد أن ظهر انتشار الدعوة السلفية بعد يناير وتحولت إلى العمل المؤسسي، ودخلت حقل العمل السياسي أفزع ذلك للأسف جماعة الإخوان ومن دار في فلكهم؛ حيث يريد الإخوان الانفراد بالساحة والاستحواذ عليها، وإن وجدت دعوات أخرى، فلابد أن تظل صغيرة لا قدرة لها على المنافسة لتظل وقودًا عند الحاجة والضرورة، كما رأينا في أحداث رابعة والمنصة والحرس... وغيرها. حيث كان غالب من قتل من خارج الإخوان، ومن أبناء التيار السلفي العام؛ ومن ثم فوجود الدعوة السلفية بعملها المنظم وفكرها المرشد، وقرارها المسدد يمثل عائقا كبيرا في طريق ذلك؛ فكان الهدف بعد يناير هو محاولة التفتيت والتشرذم والتشتيت، وكانت الوسيلة لهذا هو إنشاء كيانات ووسمها بـ"السلفية"، وإن لم يكن لها وجود على الأرض لتزاحم "الدعوة السلفية" وتحاول استقطاب أبناء التيار السلفي العام، وإنشاء أحزاب ذات مرجعية سلفية وإن كانت كرتونية؛ لتزاحم "حزب النور" على الأرض، وبالطبع كان القطبيون والسروريون هم عمود هذه الخطة والأداة لتنفيذها، فرأينا "الجبهة السلفية" و"الهيئة الشرعية" و"الأصالة" و"الشعب" و"الإصلاح" و"الهدف"، وغير ذلك من الأسماء التي هي في الحقيقة على غير مسمى؛ كل هذا في محاولة لإيجاد بديل لـ"الدعوة السلفية وحزب النور"، ولكن هيهات.

 أما عن السِّر في أن تخرج علينا الجبهة السلفية اليوم لتدعو الناس إلى ثورة إسلامية، وبعد ما رأينا المآسي التي ترتبت على الصدام والعنف والتكفير، وفي الوقت الذي تخرج علينا المبادرات من بعض قيادات جماعة الإخوان لتنادي بالحوار والمصالحة، ويخرج قادة الإخوان ليتبرؤوا من العنف، ويدعون إلى السلمية على الرغم من أن الواقع خلاف هذا؛ فالمغزى من ذلك واضح وضوح الشمس، وهو تشويه "السلفية" ووصفها بالعنف والإرهاب، وهي بريئة من ذلك براءة الشمس من اللمس، وتاريخها شاهد يمكن ذلك وتبرئة الإخوان من كل هذه الأوصاف، وهي أساس ذلك وقطب رحاه.

 فيبدو أن أولئك القوم لم يكفهم ما فعلوه بالتيار السلفي العام؛ حيث ألقوا به في الهاوية لما رأينا طيلة الأحداث السابقة، ويريدون الآن استكمال المشوار علّهم يظفرون ببعض البسطاء، فيقدمونهم قرابين، وليس أدل على هذا من أنه حين قبض على أحدهم راحوا يوجهون الاتهامات الباطلة لـ"حزب النور"، وهذا شيء عجاب تدعون إلى ثورة وتستغربون القبض على واحد منكم! يبدو أن لسان حالهم يقول: "الدعوة لنا والتهييج والإثارة والضحايا والقرابين من غيرنا"، وإلا فلماذا لم يعلن عن هذه الثورة أي مكون آخر من مكونات دعم الشرعية، ولماذا الجبهة السلفية بالذات، والكل يعلم أنه لا وجود لها حقيقي على الأرض؟!
وأخيرًا.. أقول لهؤلاء جمعيًا: كفوا وعودوا لرشدكم، وخذوا العظة والعبرة والدرس من التجارب ولو مرة، واتقوا الله في مصر وشعبها.

حفظ الله البلاد والعباد، وهدى الجميع إلى سبيل الرشاد.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة