الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم

هالني الفيديو المصوَّر الذي أذاعته جماعة "أنصار بيت المقدس" التي صارت تُسمَّى "ولاية سيناء!"...

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
ياسر برهامي
الخميس ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤ - ١٦:٢٠ م
4219

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد هالني الفيديو المصوَّر الذي أذاعته جماعة "أنصار بيت المقدس" التي صارت تُسمَّى "ولاية سيناء!" التابعة لتنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في الشام والعراق "داعش"، وكيف استباحوا قتل جنود وضباط الجيش المصري الذي سموه: "جيش المرتدين!"، وحكموا على عموم أفراده بالردة ووجوب القتل؛ لأنهم جنود "الطاغوت" غير المكرَهين!

واستدلوا بكلام العلامة الشيخ "أحمد شاكر" في مقاله المشهور فيمن عاون الإنجليز والفرنسيين في قتالهم ضد المصريين والجزائريين المسلمين إبان الاحتلال، ويا ليتهم تعلموا مِن الشيخ مِن كل مقالاته ومواقفه... ! ليعلموا حقيقة مذهب الشيخ، ومَن الذين يكفـِّرهم.

وأنا أنقل هنا مقالة سبق نشرها للشيخ "أحمد شاكر"، وهي: "الإيمان قيد الفتك" في حرمة الاغتيال تعليقًا منه على اغتيال جماعة الإخوان لرئيس الوزراء المصري آنذاك "محمود النقراشي"؛ لأنه أصدر قرار حل جماعة الإخوان المسلمين.

وأذكِّر بأن "النقراشي باشا" كان رئيسًا للوزراء إبان الاحتلال البريطاني لمصر، وكان مِن ضمن التهم أنه عميل للإنجليز؛ لأنه يتعاون معهم، وكانت القوانين المحكوم بها هي القوانين الوضعية التي كان إلى ذلك الحين مِن ضمنها تقنين البغاء! ولم يكن الدستور المصري "آنذاك" ينص على مرجعية الشريعة الإسلامية -لا مبادئ ولا أحكام-، بل يجعلها في المرتبة الرابعة بعد نصوص الدستور ثم القانون ثم العرف، واشتبك جنود الشرطة مع جوالة الإخوان في صدام في بعض المظاهرات.

ومع كل ذلك لم يكفـِّر الشيخ "أحمد شاكر" الملك "فاروق" ولا "النقراشي باشا"، بل رجا له الشهادة، بل وكفـَّر مَن قتله مستحلاً، وكلام الشيخ "أحمد شاكر" مع الملك فاروق "المعظم" ومواقفه تؤكد عدم تكفيره له، وهو الذي صرَّح بأن القوانين الوضعية كفر بواح لا خفاء فيه.

ننقل لكم هذه المقالة التي يلزمكم أيها المدعون الانتساب للسنة والخلافة الإسلامية المقاتِلون للمسلمين متقربين إلى الله بذلك؛ إما أن تكفروا الشيخ؛ لأنه مَن لم يكفِّر الكافر -على طريقتكم- فهو كافر، وإما أن تكفروا أنفسكم؛ لاستباحتكم الدماء المعصومة، وليكن ذلك بداية إن أردتم أن يكون هناك حوار علمي -لا يلزم فيه المباشرة-، بل مَن كان منكم قادرًا على الحوار العلمي عبر الإنترنت بالدليل إن شئتم، بالنقول العلمية إن شئتم، عن نفس العلماء الذين تستدلون بكلامهم.

وابتداءً نقول: نحن نقول بكلام شيخ الإسلام "ابن تيمية" والإمام "محمد بن عبد الوهاب" والشيخ "أحمد شاكر" -رحمهم الله-، لكننا نخالفكم فيما تستنبطونه من كلامهم واستدلالاتهم، ثم في التطبيق على الواقع؛ فنحن لا نوافقكم ولا الشيخ "أحمد شاكر" قطعًا، ولا غيره من أهل العلم بشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب على اعتبار الجيش المصري جيش المرتدين، ولا أن الدولة المصرية طائفة ممتنعة يجب قتالها، ولا أنكم أهل لتكوين دولة الخلافة الإسلامية، ولا أنكم تقيمون الشرع!

بل نقول: أنتم تحكمون بغير ما أنزل الله "مثل خصومكم"، وأنتم تكفرون المسلمين بغير حق، ولولا التأويل لكنتم جميعًا مِن الكفار، وأنتم لا تفهمون كلام المشايخ في قضية كفر النوع وكفر العين، والتكفير بالعموم، ومعنى دار الكفر، ومسائل استيفاء الشروط وانتفاء الموانع التي ضمنها مسألة العذر بالجهل، والتأويل، والخطأ، والإكراه، وغيرها.

فافتحوا أبواب الحوار إن شئتم؛ وإلا فالفصل في الخصومة يوم القيامة، ولا تغرنكم الشعارات التي تخدع الجهال؛ فلا تكونوا منهم، ولا تقدِموا على سفك الدماء المحرمة قبل أن تستبينوا الأمور شرعًا وواقعًا، وفرِّقوا بين الاستنتاج والتحليل وبين الحقيقة واليقين، واحذروا أن تكونوا ذراع الأعداء مِن حيث لا تشعرون في تمزيق الأمة وشعوبها ودولها لتقع فريسة تحت سلطانهم ليتمكنوا منها تمام التمكن.

ولا تنسوا أن 2020م هو الموعد الذي حدده اليهود لهدم الأقصى وبناء الهيكل، ولا تكونوا أعظم وسيلة لتنفير الناس عن الإسلام في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، بل في العالم كله، ولا تنسوا أن السلاح الذي بأيديكم تقتلون به أهل الإسلام هو مِن صنع ومِن توصيل الأعداء إليكم؛ فتدبروا كيف أوصلوه إليكم، ومفاتح الحدود بأيديهم، ولا يخدعنكم مَن قال لكم إن الجيش المصري قد تغيرت عقيدته القتالية إلى قتال المسلمين؛ فهذا لم يقع، وإياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس، والأفعال الظاهرة لها تأويلات عديدة؛ فلا تجعلوا الآراء موضع الحقائق!

وإلى مقال للشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- "الإيمان قيد الفتك"، ثم لنا بعد ذلك -إن شاء الله- تعليق على الاحتجاج بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

قال الأستاذ أحمد شاكر -رحمه الله-:

"الإيمان قَيْدُ الفتك:

" رُوِّع العالم الإسلامي والعالم العربي، بل كثير مِن الأقطار غيرهما باغتيال الرجل, الرجل بمعنى الكلمة, النقراشي الشهيد -نحسبه غفر الله له وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين-.

وقد سبقتْ ذلك أحداث قدِّم بعدها للقضاء وقال فيه كلمته, وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام, ولكني كنتُ أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم (السياسية) وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟ وقد رأيت أن واجبًا عليَّ هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة؛ حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر, ولعل الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين؛ فيرجعوا إلى دينهم قبل ألا يكون سبيل إلى الرجوع.

وما ندري مَن ذا بعد "النقراشي" في قائمة هؤلاء الناس!

إن الله -سبحانه- توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام في غير آية من كتابه: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93)، هذا من بديهيات الإسلام التي يعرفها الجاهل قبل العالم, وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها؛ القاتل يَقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا.

أما القتل (السياسي) الذي قرأنا جدالاً طويلاً حوله؛ فذاك شأنه أعظم؛ وذلك شيء آخر.

القاتل (السياسي) يقتل مطمئن النفس، راضي القلب، يعتقد أنه يفعل خيرًا؛ فإنه يعتقد بما بث فيه من مغالطات أنه يفعل عملاً حلالاً جائزًا "إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصَّر فيه غيره"؛ فهذا مرتد خارج عن الإسلام, يجب أن يُعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع وفي القانون، هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

ويدعون مَن اعترف على نفسه بالكفر, وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج, بل خيرًا منه, وقد وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- بالوحي قبل أن يراهم, فقال لأصحابه: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) (رواه البخاري ومسلم).

وقال أيضًا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَ) (رواه البخاري ومسلم), والأحاديث في هذا المعنى كثيرة متواترة, وبديهيات الإسلام تقطع بأن مَن استحل الدم الحرام فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.

فهذا حكم القتل (السياسي) وهو أشد من القتل العمد الذي يكون بيْن الناس, والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله, وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته, وأما القاتل (السياسي) فهو مصر على ما فعل إلى آخر لحظة في حياته, يفخر به ويظن أنه فَعَل فِعل الأبطال!

وهذا حديث آخر نصّ في القتل (السياسي) لا يحتمل تأويلاً، فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- ما كان من الخصومة (السياسية) التي انتهت بوقعة "الجمل"، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام -رضي الله عنه- فقال: أَلا أَقْتُلُ لَكَ عَلِيًّا؟ قَالَ: لا، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ وَمَعَهُ الْجُنُودُ؟ قَالَ: أَلْحَقُ بِهِ فَأَفْتِكُ بِهِ. فَقَالَ: لا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) (رواه أحمد بسند صحيح). أي أن الإيمان يقيد المؤمن على أن يتردى في هوة الردة؛ فإن فعل لم يكن مؤمنًا.

أما "النقراشي" فقد أكرمه الله بالشهادة -نحسبه فله فضل الشهداء عند الله وكرامتهم-, وقد مات ميتة كان يتمناها كثير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, تمناها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى نالها, فكان له عند الله المقام العظيم والدرجات العلى، وإنما الإثم والخزي على هؤلاء الخوارج القتلة مستحلي الدماء, وعلى مَن يدافع عنهم، ويريد أن تتردى بلادنا في الهوة التي تردت فيها أوروبا بإباحة القتل (السياسي) أو تخفيف عقوبته, فإنهم لا يعلمون ما يفعلون, ولا أريد أن أتهمهم بأنهم يعرفون ويريدون، والهدى هدى الله" (جريدة الأساس 2-1-1949م).

قوله -رحمه الله-: "النقراشي الشهيد... ": الصحيح أن يُقال: ندعو الله أن يتقبله الله في الشهداء، ونحو ذلك... كما قال البخاري -رحمه الله-: "بَابُ لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ... قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ" (صحيح البخاري 4/ 37).

وقوله: "القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس، رضي القلب... فهذا مرتد خارج عن الإسلام": هذا القول مِن فضيلة الشيخ فيه نظر، ولعله يأخذ بمذهب أهل الحديث في تكفير الخوارج بالعموم وإخراجهم من الثنتين وسبعين فرقة مِن فرق الأمة.

وقد قال ابن المنذر -رحمه الله-: "لا أعلم أحدًا وافق أهل الحديث على تكفير الخوارج".

وسيرة عليٍّ -رضي الله عنه- تدل على أنه كان لا يكفرهم رغم تكفيرهم له وللمسلمين، وقتلهم لهم متقربين إلى ربهم بذلك! كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، والصواب أن كلامهم وأفعالهم كفر، لكن لا يُكفَّر المعيَّن منهم حتى تثبت عليه الحجة الرسالية، وتُستوفى الشروط وتنتفي الموانع، ومِن الموانع: التأويل، وهو رغم أنه تأويل باطل، إلا أنه يمنع التكفير والتخليد في النار، وإن كان لا يمنع عقوبة الدنيا والآخرة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com