الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

تحمل جيل الصحابة الشدائد في الله

في معرفة أخبارهم وسيرهم وأخلاقهم التي سادوا بها الدنيا وحكموا العالم، معرفة كذلك بأخلاق النصر وعوامل القيادة والسيادة والريادة

تحمل جيل الصحابة الشدائد في الله
أحمد فريد
الاثنين ٠٨ ديسمبر ٢٠١٤ - ١٠:٣٩ ص
2627

تحمل جيل الصحابة الشدائد في الله

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

نريد أن نتعلم حبَّ الصحابة فمهما علمنا من جهادهم واستشهادهم لنشر الإسلام، وما تحملوا من شدائد وأهوال حتى ترتفع راية الكبير المتعال، فلا شك أننا نزداد بذلك حبًا لهم، وحبهم – كما قال الإمام الطحاوي مبينًا عقيدة أهل السنة- دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وعصيان، والصحابة كذلك هم القطفة الأولى من هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ففي معرفة أخبارهم وسيرهم وأخلاقهم التي سادوا بها الدنيا وحكموا العالم، معرفة كذلك بأخلاق النصر وعوامل القيادة والسيادة والريادة، ثم هم تلامذة النبي الذي رباهم على عينه، وسقاهم من هديه، فكانوا أبر الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا اختارهم الله وزراء نبيه، فلابد لمن يحرص على بزوغ فجر جديد للأمة أن يقف مع هذا الجيل ليعرف أسباب العز والنصر والرفعة، وأخلاق النصر والتمكين، وقد تكلمنا قبل ذلك عن حبهم للنبي وتعظيمهم لأمر الله وأمر رسوله، وكذا بذلهم وتضحيتهم لإعزاز هذا الدين، وفي هذا الفصل من هذا الكتاب المبارك نتكلم عن تحملهم للشدائد في الله وهذه أمثلة لصبرهم وتحملهم.

1- بلال بن رباح وقوله: أحدٌ أحدٌ

عن ابن مسعود قال: أول مَن أظهر الإسلام سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد.

فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر منعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلا وقد وافقهم على ما أرادوا، إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحدٌ أحدٌ.

وذكر أبو نعيم في "الحلية" عن ابن إسحق كان أمية يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، فيقول - وهو في ذلك البلاء - أحدٌ أحدٌ .

قال عمار بن ياسر - وهو يذكر بلالا وأصحابه وما كانوا فيه من البلاء وإعتاق أبي بكر إياه، وكان اسم أبي بكر عتيقًا رضي الله عنه - :

جزى الله خيرًا عن بلال وصحبه     عتيقًا وأخزى خساسها وأبا جهل

عشية هما في بلال بسوءة              ولم يحذرا ما يحذر المرء ذو العقل

بتوحيده رب الأنام وقوله              شهدت بأن الله ربي على مهل

فإن يقتلوني يقتلوني فلم أكن           لأشرك بالرحمن من خيفة القتل

فيا رب إبراهيم والعبد يونس          وموسى وعيسى نجني ثم لا تبل

لمن ظل يهوى الغي من آل غالب    على غير بر كان منه ولا عدل

2- تحمل عمار بن ياسر وآل بيته الشدائد في الله

عن جابر – رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون فقال: " أبشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة".

ورواه ابن الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، وزاد وعبد الله بن ياسر، وزاد وطعن أبو جهل سمية في قُبُلِها فماتت، ومات ياسر في العذاب ورمي عبد الله فسقط

وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار قال: أخذ المشركون عمارًا رضي الله عنه فلم يتركوه حتى سبَّ رسول الله وذكر آلهتهم بخير فلما أتى رسول الله قال: ما وراءك؟ قال شر يا رسول الله، ما تُرِكْتُ حتى نلتُ منك وذكرتُ آلهتَهم بخير فقال رسول الله: فكيف تجد قلبك؟ قال: أجد قلبي مطمئنًا بالإيمان قال: فإن عادوا فعد.

3- تحمل خباب بن الأرت الشدائد في الله:

فعن الشعبي قال: دخل خباب بن الأرت رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا إلا رجل واحد، قال له خباب من هو يا أمير المؤمنين؟ قال بلال، فقال خباب: ما هو بأحق مني، إن بلالًا كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يومًا أخذوني فأوقدوا لي نارًا ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتّقيت الأرض إلا بظهري، قال: ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص.

وأخرج البخاري عن خباب قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت يا رسول الله ألا تدعو الله؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: لقد كان مَنْ قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه!! وليُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله  والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".

4- تحمل أبي ذر الشدائد في الله:

قال ابن عباس: لـمَّا بلغ أبا ذر مبعثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه: اذهب إلى هذا الوادي، فاعلم لي علم هذا الرَّجل الذي يزعم أنَّه يأتيه الخبر مِن السَّماء، فاسمع مِن قوله ثم ائتني، فانطلق حتى قدم مكة، وسمع مِن قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشِّعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت فتزوَّد وحمل شنَّة، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه بعض الليل اضطجع، فرآه علي فعرف أنَّه غريب، فلمَّا رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثمَّ احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظلَّ ذلك اليوم، ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمرَّ به علي، فقال: أما آن للرَّجل أن يعلم منزله؟ فأقامه، فهبَّ به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي مثل ذلك، فأقام معه، ثم قال له: ألا تحدِّثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنِّي، فعلتُ، ففعل، فأخبره، فقال: فإنَّه حق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتَّبعني، فإنِّي إن رأيت شيئًا أخاف عليك، قمت كأنِّي أُريق الماء، فإن مضيت فاتَّبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع مِن قوله، وأسلم مكانه

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري قال والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه وأتى العباس فأكب عليه فقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكب العباس عليه.

وعند البخاري أيضًا من حديث ابن عباس فقال: " يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ.

فقاموا فضُربت لأموت، فأدركني العباس فأكب علي، ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم! تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار. فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصُنع بي مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكبَّ علي، وقال مثل مقالته بالأمس ".

5- تحمل سعيد بن زيد وزوجته فاطمة أخت عمر الشدائد في الله:

عن قيس قال سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام، فذكر الحديث، وفي رواية أخرى " رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته، وما أسلم".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة