الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (4

اختلاف آراء الفقهاء في مناط الحكم على الدار- هل تنقلب دار الإسلام إلى دار كفر؟- مواقف يظهر فيها الغلو في قضية دار الحرب ودار الإسلام

(نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (4
محمد إسماعيل المقدم
الأربعاء ٠٤ فبراير ٢٠١٥ - ١٥:٣٨ م
2630

نصيحة موضوعية للتيارات الجهادية (4)

د. محمد إسماعيل المقدم

المحاضرة الرابعة

تكلمنا في الأسبوع الماضي في قضية الديار والحكم على ديار المسلمين الآن بأنها ديار كفر أو ديار حرب وما يترتب على ذلك من أخطار.

ذكرنا في الأسبوع الماضي كلام بعض الباحثين والعلماء في ذلك وننهي اليوم إن شاء الله بذكر طرف ثالث على أساس نحاول أن نختصره من كتاب «الغلو في الدين» في الكلام على حكم الدار سبق أن تكلمنا فيه لكن نحتاج الآن أن نعيده ونذكركم به.

«تختلف آراء الفقهاء في مناط الحكم على الدار» يعني على أي أساس يحكم على الدار بأنها دار إسلام أو أنها دار كفر.

«القول الأول: إن مناط الحكم على الدار هو ظهور الأحكام.

القول الثاني: إن مناط الحكم على الدار هو الأمن.

أما بيان القولين فبالنسبة للحكم الأول أن ظهور الأحكام هو مناط الحكم على الدار فيرى جمهور الفقهاء أن مناط الحكم على الدار بأنها دار إسلام أو دار كفر هو ظهور الأحكام ففي «الإقناع» عرف دار الحرب بأنها ما يغلب فيها حكم الكفر، وقال الكاساني: «لا خلاف بين أصحابنا في أن دار الكفر تصير دار حرب بظهور أحكام الإسلام فيها».

ويقول ابن القيم: «دار الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكام الإسلام، وما لم يجر عليه أحكام الإسلام لم يكن دار إسلام وإن لاصقها».

فهذا هو قول جمهور أهل العلم أن العبرة بظهور الأحكام ثم اختلفوا في هذه الأحكام ما هي الأحكام التي نقصدها حينما نقول إن العبرة هي ظهور الأحكام هل هي أعمال الإمام أم أعمال الأمة» هل هي أعمال الحاكم أم أعمال الشعب؟

«اختلف العلماء في تفسير المراد بظهور الأحكام هل هي أعمال الإمام أم هي أعمال الأمة؟» يعني الشعائر الظاهرة كالصلاة ونحوها.

«على اتجاهين منهم في التعريف، فالاتجاه الأول يرى أن الأحكام هي أعمال الإمام» يعني السلطان السياسي «فإن كان السلطان للمسلمين فالدار دار إسلام وإلا فبالعكس وهذا ما عليه الحنفية يقول السرخسي: «المعتبر في حكم الدار هو السلطان والمنعة في ظهور الحكم».

وعلل ابن حزم هذا بقوله: «لأن الدار إنما تنسب للغالب عليها والحاكم فيها والمالك لها».

وبهذا أفتى جمع من المعاصرين منهم: الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم : والشيخ عبد الرحمن السعدي والشيخ محمد رشيد رضا رحمهما الله.

مقتضى هذا القول أنه يمكن أن تكون الدار دار إسلام ولو أهلها كلهم كفارًا ما دام حاكمها مسلمًا ويحكمها بالإسلام».

هذا الاتجاه الذي يفسر أن الدار يحكم عليها أو مناط الحكم عليها هو ظهور أحكام الإسلام والمقصود بهذا في نظر الفريق الأول أعمال الإمام، أي السلطان السياسي للحكام المسلم فبالتالي يمكن أن تصبح الدار دار إسلام ما دام يحكمها حاكم مسلم بغض النظر عن أحوال الشعب.

ويضرب لذلك مثالًا بمصر في زمن الفتح الإسلامي المبارك فكان عامة المصريين قبطًا نصارى لكنها محكومة بشرع الله تابعة للخلافة الإسلامية لأمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-  ففي هذه الحالة صارت مصر دار إسلام لأن الأحكام التي علتها أحكام الإسلام بغض النظر عن نوعية الشعب الذي فيها.

«الاتجاه الثاني يرى أن مناط الحكم على الدار هو أعمال أهلها» يعني ما صفة الشعائر الظاهرة فيها؟ هل هي الخاصة بأهل الإسلام أم غير ذلك؟

«فإن كانت أحكام الإسلام خصوصًا الصلاة ظاهرة فالدار دار إسلام وإلا فدار كفر وبهذا فسر بعض الحنفية الأحكام حيث قال: «ودار الحرب تصير دار الإسلام بإجراء أحكام أهل الإسلام فيها كإقامة الجمع والأعياد وإن بقي فيها كافر أصلي».

حتى وإن بقي فيها كفار لكن ما دام الظاهر على المجتمع اصطباغه بصبغة الشعائر الإسلامية وبالذات إقامة الصلاة والأعياد والشعائر الإسلامية الظاهرة فهي دار إسلام حتى ولو بقي فيها كفار.   

ويقول بعض الفقهاء: «دار الإسلام ما ظهرت فيها الشهادتان والصلاة ولم تظهر فيها خصلة كفرية إلا بجوار أو بالذمة أو بالأمان من المسلمين».

 يمكن أن توجد خصلة كفرية بعقد أمان بين الإمام وبين هؤلاء الكفار أو بعقد ذمة أو جوار.

«ودار الحرب هي الدار التي شوكتها لأهل الكفر ولا ذمة للمسلمين عليها».

والذي يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية : تعالى أنه يوافق أصحاب هذا الاتجاه الثاني أن العبرة بأعمال الأمة لا بأعمال الإمام.

يقول شيخ الإسلام :: «وكون الأرض دار كفر ودار إيمان أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها ؛ بل هي صفة عارضة بحسب سكانها فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم».

فهذا الكلام يشعر بأن شيخ الإسلام يميل إلى القول الثاني وهو اعتبار أن مناط الحكم على الدار هو أعمال أهلها، هذا فيما يتعلق بمن يرى أن مناط الحكم على الدار هو الأحكام.

قلنا أن العلماء مختلفين في مناط هذا الحكم:

فبعضهم يقول الأحكام، وانقسموا إلى قسمين في تفسيرها:

فبعضهم يقول: أعمال الإمام، وفريق آخر يقول: أن الأحكام هي أعمال الأمة.

القسم الثاني من مناط الحكم على الدار يقولون: أن مناط الحكم على الدار هو الأمن.

فبعض الحنفية يرون أن مناط الحكم على الدار هو الأمن فإن أمن المسلمون في الدار فهي دار إسلام وإن لم يأمن المسلمون فيها فهي دار كفر.

قال السرخسي: «إن دار الإسلام اسم للموضع الذي يكون تحت يد المسلمين وعلامة ذلك أن يأمن فيه المسلمون».

يكون المسلم آمنًا بالأمان الأول فيأمن على دينه ونفسه وعرضه، فيرجح الباحث في كتابه «الغلو في الدين» أن مناط الحكم على الدار هو ظهور الأحكام لأن الأحكام هي المميزة للبلد إسلامًا وكفرًا والإسلام والكفر كل منهما مجموعة شعب هي الأحكام  فإذا اجتمع في بلد قدر معين من شعب الإسلام وأحكامه فهي دار إسلام والعكس بالعكس.

وأما الأمن في الدار فهو عرض ناتج عن الحكم» إذن هو صف غير مؤثر لأنه ناشئ عن ظهور الأحكام.

«هذه الأحكام هي مجموع أعمال الناس وأعمال الإمام» يجمع بين القولين.

«فلا يحكم على الدار بأنها دار إسلام أو دار كفر إلا بعد النظر إلى هذين الجانبين ويجب مع ذلك استصحاب القواعد الآتية:

أولًا: أنه عندما يقال إن مناط الحكم على الدار ظهور الأحكام فلا يعني ذلك اجتماعها كلها فإن من النادر».

أي ليس معنى القول في دار أنها دار إسلام ويجتمع فيها أعمال الإمام وأعمال الأمة أنها تكون كما كانت في عهد النبوة أو كما كانت في عهد الخلافة الراشدة ليس الأمر بهذه الصورة المثالية لأنه «من النادر الذي لم يقع في تاريخ المسلمين  إلا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعهود خلفائه الراشدين -رضي الله عنهم-.

ثم تتابع النقص بعد ذلك فما من زمان أو مكان إلا وقد غابت فيه بعض أحكام المسلمين.

ثانيًا أن هذه الأحكام التي هي مناط الحكم على الدار متفاوتة في درجة قوتها فالصلاة أعظم هذه الأحكام على الإطلاق».

هناك اهتمام خاص بمسألة الصلاة سواء في أعمال الإمام أو في أعمال الأمة كما سنزيد ذلك إيضاحًا إن شاء الله تعالى.

فالصلاة أعظم هذه الأحكام في كل حال من الأحوال ولها تأثير خطير جدًا في تحديد هوية الدار سواء كانت من أعمال الأمة أو أعمال الإمام كما ذكرنا.

مما يدل على ذلك حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لتنقضن عرى الإسلام عروةً عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضًا الحكم وآخرهن الصلاة».

أيضًا هناك جملة من الأحاديث فيها تسويغ الخروج على الحكام لترك الصلاة أو عدم إقامة الصلاة لأنها آخر ما يمكن أن يحكم به لقوم أنهم مسلمون لأن الصلاة هي أول الإسلام وهي آخر الإسلام.

عليه إذا لم يسمع الأذان في بلد ولم توجد المساجد فهذا دليل على أن الدار دار كفر أما إذا سمع الأذان ووجدت المساجد حتى غدت مظهرًا من مظاهر الدار فالدار دار إسلام وهذا يشهد له عدة أحاديث.

والذين يتجرؤون في إطلاق دار الكفر أو الحرب على بلاد المسلمين الآن هم ما ذهبوا إلى بلاد الكفار في الغالب وما عرفوا ما هي دار الكفر، ونحن نعلم من الذين لم يلتزموا بالدين كما ينبغي إذا ذهبوا إلى هذه البلاد فإذا حدثته عن بلاد المسلمين وذكرته بالأذان يبكي لأنه اعتبر أن من أعظم نعم الله التي حرم منها بإقامته في ديار الكفار.

يتذكر الأذان ويبكي ويقول: «أنا لا أسمع الأذان» وأن الله يعاقبني بذلك ويحرمني من هذه النعمة، فالنعم التي نحن مغمورون فيها لا نشعر بها لأننا اعتدنا على هذه النعم فننسى فضل الله علينا، لكن لو ذهب أحدنا إلى بلاد الكفر وشعر بالوحشة وكيف أن الإخوة إذا أذنوا في داخل المساجد لا بد أن يكون الصوت مكتومًا لا يخرج إلى الشارع لأن ذلك ممنوع.

الشاهد أن الإنسان إذا فقط النعمة يحس بها ففرق شاسع وهذا الأمر يدرك إذا ذهبت إلى بلاد الكفار ورأيت الفارق في هذه الخصلة بالذات الصلاة والأذان.

يشهد لهذا المعنى أيضًا أحاديث:

منها: حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار».

إن سمع أذانًا أمسك وما أغار على هذه البلدة لكن إن لم يسمع أذانًا تكون هذه علامة على أن هؤلاء ليسوا مسلمين.

قال الإمام النووي : تعالى: «في الحديث دليل على أن الأذان يمنع الإعارة على أهل ذلك الموضع فإنه دليل إسلامهم».

الحديث التالي حديث عصام المزني قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث السرية يقول: «إذا رأيتم مسجدًا أو سمعتم مناديًا فلا تقتلوا أحدًا».

قال الشوكاني : تعالى: «وفي هذا الحديث دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه -صلى الله عليه وسلم- كف عن القتال بمجرد سماع الآذان وفي الأخذ بالأحوط في أمر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة...

وفيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منهم الأذان لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر سراياه بالاكتفاء بأحد الأمرين: إما وجود مسجد أو سماع الآذان».

وهنا ملاحظتان مهمتان جدًا:

وهو أنه قد يرد على الاستدلال بهذين الحديثين وهو الإمساك عن الإعارة إذا سمع الأذان أو إذا رؤي المسجد بأن غاية ما يدل عليه الحديثان منع الإغارة على الدار لا وصفها.

والجواب: أن الحكم الذي يمنع به الإغارة على الدار هو المحدد لصفتها، لأن أهم حكم يترتب على وصف الدار بأنها دار كفر جواز الإغارة على أهلها، فإذا وصفناها بأنها دار كفر جازت الإغارة على أهلها.

قال الإمام الشافعي :: «حكم الدار الذي يمنع به الإغارة على الدار».

أيضًا قد يقول بعض الناس أن كثيرًا من بلاد الكفر فيها مساجد ويسمع فيها الأذان ويجاب عن هذا بأن المراد حينما نقول أن الأذان والمسجد يمنعان من الإعارة ومن الحكم على الدار بأنها دار كفر أن تكون المساجد والأذان مظهرًا من مظاهر البلد فتكون من الشعائر والصبغة التي تصطبغ بها هذه البلد.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- في امتناعه عن الإغارة بناء على الأذان كان يتعامل مع أحياء العرب، وكان سماع مجرد الأذان في أحياء العرب يعد مظهرًا ودليلًا على إسلام أهلها لصغر الحي وقلة سكانه.

فالمسألة نسيبة فقد يكون مسجد واحد مظهرًا دالًا على إسلام أهل القرية لأنها تكون صغيرة محدودة ولا تكون عشرة مساجد في مدينة من المدن مظهرًا دالًا على الإسلام فمدينة نيويورك مثلًا أنا أحفظ فيها حوالي تسعين مسجدًا، فهل تسعون مسجدًا في مدينة نيويورك تكفي لأن نقول أن نيويورك دار إسلام؟

كلا، لأنها مدينة كبيرة جدًا وكذلك الحال بالنسبة للندن لأنها عواصم كبيرة جدًا وفيها مساجد لكنها في وسط هذا الخضم من الكفر والضلال والضياع مع كثرتها لا تكون مظهرًا دالًا على إسلام أهلها.

فالمسألة نسبية فقد تكون قرية صغيرة عدد سكانها قليل وفيها مسجد واحد ويقام فيها أذان واحد ويكون هذا دليل على إسلام أهلها في لا يكون مثل هذا العدد الضخم من المساجد في بلدة كبيرة جدًا كمدينة لندن حيث يبلغ محيطها فقط مائتين وعشرين كيلو متر أي ما يعادل المسافة من الإسكندرية إلى القاهرة فحينما يكون فيها خمسون مسجدًا لا تكفي في الحكم على أهلها بأنهم مسلمون.

يقول هنا: «فمثلًا المسلمون في فرنسا يقيمون الشعائر ولهم مساجد لكنها ليست من مظاهر البلد وسماته فهي دار كفر والمسلمون في المغرب يقيمون الشعائر وهي ظاهرة وسمة من سمات البلد فهي دار إسلام».

إذن بهذا الكلام يتبين أن دار الإسلام هي التي ظهرت فيها الأحكام الإسلامية وخصوصًا الصلاة ودار الكفر هي التي غابت عنها الأحكام الإسلامية وخصوصًا الصلاة.

ليس المراد بقيام الصلاة أداء أفراد من الناس لها بل المراد أن تكون الصلاة جزءًا من عمل الإمام أن يكون الإمام ولاية الصلاة كما يوجد وزارة الأوقاف وزارة الدفاع وزارة المالية وزارة التعليم يكون موجودًا وزارة الصلاة ولاية خاصة بالصلاة.

وهذا معنى: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» فيكون جزءًا من وظيفته أن يقوم بمراقبة الناس ومحاسبة من يتخلف عن صلاة الجماعة وينظر في عذره فإن لم يكن له عذر يعاقب ويحبس كيف أنه تخلف عن الصلاة؟

وهذا ليس إكراهًا في الدين ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]  هذا بالنسبة للكافر أما المسلم الذي أعلن التزامه بالإسلام وقبوله بدين الله -عز وجل- فهو ملزم بإظهار احترامه لشعائر هذا الدين فإن حاد عنها يعاقب على ذلك والله تعالى أعلم.

ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» وقال: «لا ما صلوا» يعني لا تخرجوا عليهم ما صلوا، فهذه الألفاظ وإن كانت في الخروج على الحاكم إلا أن بينها وبين وصف الدار صلة إذ وجود الصلاة في الحالين هو الذي يمنع من استباحة هذه الدار، هذا فيما يتعلق بمناط الحكم على الدار هل هو الأمن أم هو الأحكام؟ 

الموضوع الثاني: هل تنقلب دار الإسلام إلى دار كفر؟

هذه المسألة لها صور عدة قال بعض العلماء: «صورة المسألة على ثلاثة أوجه:

إما أن يغلب أهل الحرب على دار من دورنا كما يحصل الآن في البوسنة أو كما حصل من قبل في كثير من البقاع الإسلامية -.

أو يرتد أهل مصر هم أنفسهم يرتدون ويغلبون على هذه البلاد ويجرون عليها أحكام الكفر-.

أو ينقض أهل الذمة العهد ويتغلبون على دارهم».

وهل يمكن أن تتحول دار الإسلام إلى دار كفر؟ اختلف العلماء في هذه المسألة إلى خمسة أقوال:

القول الأول: أن الدار التي كانت في يوم من الأيام دار إسلام لا تتحول إلى دار كفر.

يقول الإمام ابن حجر الهيتمي :: «الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استول عليه الكفار صرح به الخبر الصحيح: «إسلام يعلو ولا يعلى عليه».

وقال الرملي في بيانه لديار الإسلام: «ومنها: ما علم كونه مسكنا للمسلمين ولو في زمن قديم فغلب عليه الكفار كقرطبة نظرا لاستيلائنا القديم».

فهو أنها تبقى دار إسلام ولا يزول عنها وصف الإسلام حتى ولو تغلب عليها الكفار بعد ذلك.

يحمل بعض الشافعية هذا القول على ما إذا كانوا لا يمنعون المسلمين منها فإن منعوهم فهي دار كفر.

استدلوا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الإسلام يعلو ولا يعلى» والاحتمال الوحيد لصحة هذا الاستدلال هو أن يكون قصدهم أننا نغلب جانب الإسلام لسابق حكم الله بعلو الإسلام على ما سواه من الأديان.

أيضًا يقولون: يترتب على القول بتحول الدار فساد، فإذا قلنا أن دار إسلام تحولت إلى كفر فإذا فتحها المسلمون بعد ذلك عنوة يملكونها على ملاكها وهذا قول في غاية البعد لأنه يترتب عليه فساد واضطراب في الكلام.

أما القول الثاني فهو أن دار الإسلام تصير دار كفر بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها أو بمجرد استيلاء الكفار عليها، قال بهذا القول محمد بن الحسن وأبو يوسف.

يقول في «الفتاوى الهندية» نقلًا عنهما: «إن دار الإسلام تصير دار حرب بشرط واحد لا غير وهو ظهور أحكام الكفر».

كذلك الشيخ محمد رشيد رضا : أفتى في لبنان سنة ألف وثلاثمائة وثمانية وأربعين للهجرة بأنها دار كفر لأنها محكومة بغير الشريعة والسلطة فيها ليست بأيدي المسلمين مع أنها كانت دار إسلام اتفاقًا.

يعلل أصحاب هذا القول قولهم بأن إضافة الدار إلى الإسلام تفيد ظهوره فيها وظهوره بظهور أحكامها فإن زالت منها هذه الأحكام بظهور أحكام الكفر محلها لم تبق دار إسلام.

أما القول الثالث فهو أن دار الإسلام لا تصبح دار كفر إلا بثلاثة شروط:

أولها: إجراء أحكام الكفر على سبيل الإشهار وأن لا يحكم فيها بحكم الإسلام.

الثاني: أن تكون متصلة بدار حرب لا يتخلل بينهما بلد من بلاد الإسلام.

الثالث: أن لا يبقى فيها مؤمن ولا ذمي آمنًا بأمانه الأول لأن هذه علامات على تمام القهر فإذا وجدت هذه العلامات الثلاثة دلت على تمام قهر المشركين للمسلمين.

أما القول الرابع فهو أن دار الإسلام لا تتحول إلى دار كفر بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها أو بمجرد استيلاء الكفار عليها ما دام سكانها المسلمون يدافعون عن دينهم بل ما داموا يقيمون بعض الشعائر وخصوصًا الصلاة.

قال الدسوقي: «إن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بمجرد استيلائهم عليها بل حتى تنقطع إقامة الشعائر عنها، وأما ما دامت شعائر الإسلام أو غالبها قائمة فيها فلا تصير دار حرب».

حتى لو استولى عليها الكفار وأجروا عليها أحكام الكفر لكن ما دام الشعب متمسكًا بالدين يقيم شعائر الإسلام وبالذات الصلاة فلا تنقلب إلى دار كفر.

وخلاصة الكلام أنه إذا وجد إنسان في بلد غلب عليها الكفار لكنه يقدر على إظهار دينه فإنه يبقى في هذه البلاد لأنه يرجى ببقائه إسلام غيره ولأنه إذا هاجر منها تصير دار حرب لأنه لم يبق فيه أحد من المسلمين.

أما القول الخامس فيرى شيخ الإسلام أن مثل هذه الدار لا تكون دار إسلام ولا دار كفر بل هي قسم ثالث.

سئل عن بلدة ماردين فقال: «وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام , لكون جندها مسلمين , ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار , بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه».

فهو يرجح القول الرابع وهو أن دار الإسلام لا تتحول إلى دار كفر بمجرد ظهور أحكام الكفر فيها أو بمجرد استيلاء الكفار عليها ما دام سكانها المسلمون يدافعون عن دينهم بل ما داموا يقيمون بعض الشعائر وخصوصًا الصلاة.

وأدلة ذلك:

أولًا: أن الأصل في الشرع بقاء ما كان على ما كان وأنه لا ينتقل عن حكم الأصل حتى يثبت ما ينقله بيقين فالبلد الذي فتح وأصبح دار إسلام لا ينتقل عن هذا الأصل إلا بتحول واضح ويذكر هنا مثالين:

الأول: الأندلس:

فقد تحولت هذه البلاد بعد إخراج المسلمين منها إلى دار كفر لأن مظاهر الإسلام فيها أصبحت في حكم العدم.

المثال الثاني: البلاد الإسلامية المحكومة بغير ما أنزل الله مع إقامة الشعائر وظهور الإسلام دار إسلام.

لأنه ليس هناك ناقل عن هذا الأصل ويبقى الأصل واليقين على ما هو عليه إلى أن يأتي دليل فينقله.

فيترجح جانب الإسلام في مثل هذه البلاد:

أولًا: لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

ثانيًا: احتياطًا للدماء والأموال.

لأننا لو قلنا دار كفر آل ذلك إلى استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم.

أيضًا إذا وجدت في الدار بعض مظاهر الإسلام دل على أن شيئًا من العلة قد بقي وبقاء شيء من العلة يبقي الحكم.

فما دام الناس ينطقون بالشهادتين ويصلون وشعائر الإسلام ظاهرة  من إلقاء السلام وصلاة العيد فما دامت شعائر الإسلام هي الظاهرة وهي صبغة المجتمع فبقاء حتى ولو جزء من العلة يبقي الحكم.

يقول الإمام الإسبيجابي : في بيان حكم البلدان التي استولى عليها الكفار: «وقد تقرر أن بقاء شيء من العلة يبقي الحكم وقد حكمنا بلا خلاف بأن هذه الديار قبل استيلاء التتار عليها كانت من ديار الإسلام وأنه بعد الاستيلاء عليها بقيت شعائر الإسلام كالأذان والجمع والجماعات وغيرها فتبقى دار إسلام».

ويقول بعض فقهاء الحنفية: «إذا وجدت الشرائط كلها أصبحت دار حرب وعند تعارض الدلائل أو الشرائط فإنه يبقى ما كان على ما كان أو يترجح جانب الإسلام احتياطًا».

أيضًا هذا الحكم وهو التثبت وعدم الحكم على الدار المسلمة بالتحول إلا بعد زوال أهم وأبرز علامات الدين هذا له نظير في الشرع وهو التفريق بين الكافر الأصلي و الكافر المرتد إذ لا يحكم في الشرع على مسلم بالردة إلا بعد اكتمال البينات وقيام الشواهد واستنفاذ وسائل الاستتابة».

يعني مسألة خلع الوصف عما هو عليه شيء صعب جدًا، ففرق بين الكافر الأصلي - وهو الذي لم يدخل في دين الإسلام- والمرتد يكون في الحكم عليه تدقيق شديد فلا يحكم عليه بالردة إلا بعد استنفاذ الوسائل في استتابته من إزالة الشبهة عنه والتحقيق معه التضييق عليه وتهديده بأن يقام عليه حد الله -سبحانه وتعالى- في المرتد فلا يحكم على أحد بالردة بسهولة بل لا بد من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.

يبقى الكلام في بعض الدقائق المهمة المتعلقة بهذا الموضوع بعدما ذكرنا هذا العرض الموجز لقضية الديار:

أول هذه التنبيهات وهذا قد ذكرناه باختصار في الأسبوع الماضي:

أن مسألة التفريق بين الدور مسألة محدثة ليس لها مستند بين في النصوص وأن تقسيم البلاد إلى دور إسلام ودور حرب إنما هو من وضع الفقهاء في عصر التدوين لأسباب سنذكرها إن شاء الله تعالى.

يقول الشيخ أبو زهرة :: «وتقسيم الفقهاء العالم إلى دارين أو ثلاثة: دار إسلام ودار حرب ودار عهد لم يكن بحكم الشرع وإنما باستنباط الفقهاء المجتهدين بحكم الواقع».

فلا يكاد يوقف على نص قاطع في التفريق بين دار الإسلام ودار الكفر ولكن هناك بعض الأحاديث يفهم منها من خلال الحث على الهجرة كما في الحديث: «فأمرهم أن يتحولوا منها إلى دار المهاجرين» ففهم منها أن دارهم دار كفر إلى دار المهاجرين التي هي دار الإسلام، وأحاديث الهجرة ليس فيها دلالة قطعية على التفريق بين الدور وتقسيمها إلى دار إسلام وإلى دار حرب أو كفر.

هذا التفريق بين الديار كان نتيجة الحال التي عاشها المسلمون وكأن الأقدمين من الفقهاء لما رأوا الهجرة وأحكامها والجهاد وأحكامه رأوا أنه لا بد من التفريق بين دار الحرب ودار الإسلام وهؤلاء الذين فرقوا لم يستندوا إلى نص بين في تحقيق مناط الحكم على الدار وإنما كان ذلك محل اجتهاد كل ينظر فيما يراه وصفًا مؤثرًا فيبينه ويبني عليه أقواله.

وما من شك أن هذا التقسيم كان متأثرًا بالواقع السياسي الذي كان الفقهاء يعيشونه في عصر وحدة دولة الإسلام وقوة شوكتها واتساع أرضها وحكم حكامها بالشرع أو عدم ذلك.

إذن القضية ملتبسة الدلالة في موضعين أولًا في موضوع التفريق بين الدور فليس مأخذ ذلك التفريق بينًا قاطعًا.

كذلك في تحقيق مناط هذا الفرق هل هو أعمال الإمام أم أعمال الأمة أم هو الأمان؟

أيضًا هذا كما أشرنا محض اجتهاد من الفقهاء رحمهم الله تعالى.

أيضًا العلماء الذين دفعوا إلى تقسيم العالم إلى دارين دار كفر ودار إسلام دفعوا إلى هذا القول بعدة عوامل:

أولها: أنه في ظل الفتوحات الإسلامية كانت الحاجة ماسة إلى التمييز بين دار الإسلام ودار الحرب ليكون في وقت الجهاد لكل منهما أحكامها، إذن فمسألة التفريق مسألة اجتهادية.

أيضًا كانت البلاد الإسلامية في ذلك الوقت تحت راية واحدة هي راية الخلافة الإسلامية مع وجود راية أخرى كالروم فجاء هذا التقسيم تأصيلًا لواقع العلاقات بين المسلمين وغيرهم.

لأن الحرب كانت هي الوسيلة الوحيدة للتعامل مع هذه الدول في ذلك الوقت وبالتالي اضطر الفقهاء إلى هذا التقسيم كي يضبطوا وينظموا العلاقة مع هذه الديار.

هناك أيضًا أحكام شرعية يرى بعض العلماء اختلافها بحسب اختلاف الدار لذلك وضعوا هذا التقسيم والتفريق.

أيضًا إذا قيل أن الدار دار كفر فهذا لا يعني أن جميع من في الدار كفار فهذا فهم خاطئ وكل ما بني عليه فهو كذلك فالإقامة في دار الكفر ليست سببًا في إكفار المقيم.

أيضًا الحكم على الدور والتفريق بينها ليس وراءه كبير فائدة لأفراد الناس وآحادهم وليس مؤثرًا في الأحكام المتعلقة بهم بل الفائدة منه متعلقة بالحاكم المسلم فالموضوع من قضايا الفقه السياسي.

مما يبين ذلك أن الأحاديث الصحيحة وردت بأن الكافر إذا تكلم بكلمة الإسلام عصم دمه وماله سواء كان في دار الحرب أم في دار الإسلام، فالمسلم معصوم الدم والمال في كل حال.

ومما يشهد لذلك قول الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي يمكن أن يكون من دار الكفر ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 92]

يقول الإمام الشافعي: «فأوجب الله بقتل المؤمن خطأ الدية وتحرير رقبة وبقتل ذي الميثاق الدية وتحرير رقبة إذا كانا معا ممنوعي الدم بالإيمان والعهد والدار معا فكان المؤمن في الدار غير الممنوعة وهو ممنوع بالإيمان فجعلت فيه الكفارة بإتلافه ولم يجعل فيه الدية وهو ممنوع الدم بالإيمان».

أي أن الكافر في بلاد الكفار إذا قتله المؤمن فإنه يكون فيه كفارة لأنه أتلفه ولم يجعل فيه الدية، فعامله بصفة أنه مؤمن مع كونه من أهل دار الحرب.

هذا أمر مهم جدًا أيضًا وهو أن الأحكام المتعلقة بأفراد الناس لا تختلف باختلاف الدار لذلك نقول: هذه قضايا ليست مما يعنينا لأنها من قضايا الفقه السياسي فتترك إلى أهلها أما آحاد الناس وطالب العلم الحديث العهد حتى بمجرد إقامة الصلاة نجد هذه الظاهرة فقد يكون حديث عهد بالصلاة منذ أيام أو أسابيع قليلة ويقفز مباشرة إلى الخوض في قضية الدار وهل نحن نعيش في دار كفر أو في دار إسلام إلى آخر هذا الكلام.

فهذا لا يعنيك في شيء لأن هذه الأحكام لا علاقة لها بأفراد الناس وهذه الأحكام الشرعية لا تختلف باختلاف الدار فالحلال والحرام حرام أي كانت الدار فالسرقة في بلاد الإسلام أيضًا حرام كما هي في بلاد الكفر، الغدر والغش والخيانة كذلك.

يقول الإمام الشافعي :: «ومما يوافق التنزيل والسنة ويعقله المسلمون ويجتمعون عليه أن الحلال في دار الإسلام حلال في بلاد الكفر والحرام في دار الإسلام حرام في بلاد الكفر فمن أصاب حرامًا فقد حده الله على ما شاء منه ولا تضع عنه بلاد الكفر شيئًا».

فهذا فيما يتعلق بالمسلم، فالمسلم معصوم سواء كان في بلاد الإسلام أو في بلاد الكفر، كذلك لا تختلف الأحكام باختلاف الديار فالحرام حرام بغض النظر عن اختلاف المكان والحلال حلال بغض النظر عن نوع الدار.

أيضًا الكافر الحربي مباح الدم على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين، كذلك إعانة الخارجين على أحكام الشرعية محرمة سواء كانوا في دار الإسلام أم في دار الحرب.

إذن حدود الغلو في قضية دار الحرب ودار الإسلام تظهر في بعض المواقف:

منها: استحلال الدماء والأموال وإعلان الجهاد على هذه الدار التي جعلت دار كفر بزعمهم، إذا حكموا بأنها دار كفر بسبب قصر النظر وقلة العلم والجرأة على الفتيا في دين الله -سبحانه وتعالى- فإنهم يطبقون عليها كل أحكام دار الكفر فيكون أهلها كفارًا وتستحل الدماء والأموال ويعلن عليها الجهاد كأنه هؤلاء كفار!.

أيضًا من مظاهر الغلو في هذا الموضوع: تكفير أهل الدار بناء على وصف دارهم بأنها دار كفر، وبالتالي لا يشهدون جمعة ولا جماعة.

لكن على أي الأحوال لا يقال في حق من يحكم على بعض بلاد المسلمين التي تحكم بغير شريعة الله بالقوانين الوضعية- لا يقال بأن هذا غلة لأن الغلو كما أشرنا في هذه الجوانب التي ذكرناها من استحلال الدماء والأموال وإعلان الجهاد على المسلمين بحجة أنهم يعيشون في دار كفر.

ثانيًا: يكون بتكفير أهل الدار بناء على وصفها بأنها دار كفر.

أما وصف العلماء بالذات من المعاصرين لبعض الديار بأنها ديار كفر لا يدخل في التنطع ولا التطرف ولا هذا الغلو لأن هذا اجتهاد له مساغ لأن بعض الفقهاء يعتبرون أن أعمال الإمام الحاكم هي التي تحكم على الدار، فيحكم على الدار بالكفر طبقًا للأحكام التي تعلوها بغض النظر عن أهلها، فهذا قال به أعلام من علماء المسلمين لكن ليس أحد منهم يقول باستباحة الأموال والدماء وإعلان الجهاد على أهلها.

وحتى لو قيل ذلك فإن المستقر عند عامة أهل العلم أن الخطاب في مسائل القتال والجهاد موجه للأمة كلها ممثلة في ولي أمرها ولو ساغ أن يخاطب كل فرد أو كل جماعة معينة بإعلان الجهاد دون الأمة لأدى ذلك إلى التهارج وإلى الفتنة.

ومن النماذج الواقعية ما حصل من جماعة شكري مصطفى جماعة الخوارج الجدد المسماة بـ«التكفير والهجرة» فإنهم لما حكموا على مصر وعلى بلاد المسلمين بأنها بلاد كفر أدى هذا إلى أن قالوا بتكفير كل مقيم فيها، فهم يعتقدون أن هذه البلاد تعيش في حياة جاهلية كاملة وأن أهلها كفار لأنها دار كفر، ويقول أن الذي يعيش في هذه الجماعات يكثر سواد الكفار فيجب أن يعتزل.

إذن خلاصة الكلام في هذا الموضوع أن مفهوم دار الإسلام ودار الكفر غير منضبط بصورة قاطعة وليس له حدود واضحة بحيث تخرج الدار إذا تجاوزتها عن وصف الإسلام وجعل هذا المفهوم طريقًا لاستحلال الدماء والأموال أمر خطير، وذلك أن الدماء والأموال شأنها عظيم ولا تستحل إلا ببرهان ساطع ودليل قاطع.

ثانيًا: الاستدلال في هذه القضية بكلام العلماء لا يستقيم لأمرين:

أولًا: أن كلام العلماء في التفريق بين الدور ينبغي أن لا يقطع عن ظرفه الزماني والمكاني إذ معظم العلماء الذين تكلموا في الدور وفرقوا بينها كانوا على عهد الخلافة التي تمثل الوحدة السياسية لبلاد المسلمين.

وإذا أردت أن تعرف أهمية هذه المسألة فانظر إلى آراء ابن تيمية والسبكي والرملي والإسبيجابي والحلواني وغيرهم من العلماء كانوا يعيشون في عهد استولى فيه التتار على بلاد كثيرة للمسلمين.

قارن بين آراء هؤلاء العلماء وبين آراء الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد الذين كانوا يعيشون في عهد الخلافة الإسلامية الزاهرة تجد تفاوتًا مع أنهم كلهم يتكلمون عن دار الإسلام ودار الحرب كما ترون في كلام ابن تيمية في بلدة ماردين أو في غيرها.

فهذا التفاوت ناشئ عن التأثر بالواقع السياسي الذي تعيشه الأمة فالتفريق في هذه المسألة مبني على الواقع فلا بد أن نراعي الخلاف بين الواقع باختلاف الزمان والمكان.

أيضًا الكلام في موضوع التفريق بين دار الإسلام ودار الحرب ليس موجهًا إلى عوام الناس وإلى آحاد الناس ودخول آحاد الناس في هذا هو من دخولهم فيما لا يعني «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

فهذه القضية كما ذكرنا من قضايا الفقه السياسي وآثارها موجهة إلى الأئمة وإلى الأمراء فتسويغ مقاتلة الخارج عن شريعة الله في الدار التي تجاذبتها مظاهر الكفر والإسلام كما في فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية ليس لأفراد الناس بل لمن هو تحت راية الإمام أو الحاكم المسلم.

لذلك من الخطأ الفاحش ما يحصل من بعض الإخوة حينما يستدلون بكلام شيخ الإسلام  في واقع كان يعيشه وذلك عند هجوم التتار على بلاد المسلمين فيحكون إجماع العلماء على وجوب مقاتلة الطائفة التي تمتنع عن إقامة شيء من شرائع الإسلام الظاهرة - صحيح أن ما نعيشه اليوم أقبح وأفحش من مجرد امتناع  طائفة عن شيء من أحكام الشريعة فما نحن فيه أشد من ذلك لأنه ليس مجرد امتناع عن شريعة بل نبذ للدين- ويتناسون تمامًا أن الكلام موجه إلى دولة المماليك فكان هناك دولة وجيش وتمايز بين الصفوف.

كان ابن تيمية يتكلم على واقع فكيف تأخذ هذا الكلام من الكتب وتطبقه على الواقع الذي نعيشه الآن مع الإهمال الكامل لهذه الملابسات وهذا الفرق الشاسع؟!

فهذه دولة له قوتها ولها جيوش ولها أمراءها كيان إسلامي متميز يواجه التتار، والتتار أفضل ممن يحكموننا الآن من حيث موقفهم من الدين لكن ينبغي أن يلاحظ الفرق، ولا يصلح أن تطبق على واقعنا فتوى صدرت نتيجة تفاعل مع واقع آخر بل ينبغي أن يراعى الفرق وهذا سوف نزيده إيضاحًا إن شاء الله تعالى.

فحيثما قرأت في أي كتاب من كتب الفقه أن تارك الصلاة يقتل ويستتاب هل هذه لآحاد الناس؟ إقامة الحدود رجم الزاني المحصن وجلد الزاني غير المحصن أو جلد شارب الخمر أو قطع يد السارق هل تترك هذه لآحاد الناس؟

إذن لكان الأمر فوضى فلا بد أن يكون هناك ولي أمر للمسلمين هو الذي يقيم الحدود فهذا سؤال سنجيبه عنه بالتفصيل ونناقشه بأدلته.

أيضًا قضية تكفير المسلمين مسألة خطيرة لا بد أن تقوم على برهان - ولا يجوز حتى لو حكمنا على الديار بأنها ديار كفر- أن يكفر أهلها بالذات في بلاد المسلمين التي نعيش فيها.

نلم أيضًا إلمامة بقضية من القضايا الأساسية جدًا بل هي أخطرها على الإطلاق بعد أن سبق من قبل التفريق بين مسمى الجهاد ومسمى الخروج على الحاكم فاعتقد الآن بعدما ذكرناه من قبل أنه لا ينبغي أن نخلط بين الأمرين فالجهاد مصطلح محدد في الفقه الإسلامي ينصرف عند الإطلاق وكثير من الإخوة لا ينتبهون إلى مثل هذه الضوابط في الكلام نقول: «ينصرف عند الإطلاق» فيأتي لبعض الأفعال ويقول: هذه تسمى جهادًا ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [التوبة: 73]

فأنا أقول: «عند الإطلاق» لكن بخلاف ذلك يمكن أن يستعمل لفظ الجهاد فبر الوالدين جهاد «ففيهما فجاهد» العبادات جهاد مقاومة الشهوات جهاد وغير ذلك من الأحاديث كما سبق أن بينا من قبل.

فأنا أتكلم عن الجهاد بالمعنى الفقهي الاصطلاحي ينصرف إلى قتال الكفار لإعلاء كلمة الله والمعاونة على ذلك وناقشن ذلك بالتفصيل من قبل.

ندلف بعد ذلك إلى الشق الآخر من الكلام بعد أن فرقنا وقلنا أن الأعمال التي تحصل الآن هي أقرب ما تكون إلى الخروج على الحكام وليس على الجهاد الاصطلاحي لأن الجهاد قتال كفار أما الجنود والجيوش فليست كفارًا فنحن لا نكفر هؤلاء الذين يظهرون الإسلام وسنزيد هذا الأمر إن شاء الله إيضاحًا فيما بعد لكن باختصار شديد نشير إلى أحكام الخروج حتى نعي الفرق بين هذا الباب وذاك:

أولًا الخروج يكون على واحد من اثنين إما على حاكم كافر أو على حاكم جائر فاسق ظالم ولكن ما زال مسلمًا.

فالآن نفرق من البداية بين نوعن من الحكام: حاكم كافر مرتد خارج من الملة وبين حاكم فاسق أو جائر أو فاسق أو ظالم أو عاصٍ لله تبارك وتعالى.

ففيما يتعلق بالخروج على الحاكم الكافر فقد أجمع العلماء على أن إمامة الكافر لا تصح بحال فلا يتولى كافر أبدًا أمور المسلمين وإن طرأ عليه الكفر وجب عزله إن أمكن وإلا خرج عليه المسلمون إن قدروا.

يقول الحافظ ابن حجر : تعالى: «إنه ينعزل» يعني الإمام «بالكفر إجماعًا فيجب على كل مسلم  القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض» لا يقيم في بلد يحكم فيها بأحكام الكفر.

أما الأدلة التي استدلوا بها على ذلك:

 قوله تبارك وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾  [النساء: 59]

فقوله ﴿مِنْكُمْ﴾ أي من المؤمنين فإن لم يكن من المؤمنين فليس له عليهم حق الطاعة.

ثانيًا قول الله تعالى ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141] فهل هناك سبيل أقوى من أن يكون الحاكم كافرًا يحكم على المسلمين ويجري عليهم أحكام الكفر؟! فهذا من أوضح وأقوى السبيل فلذلك لا ينبغي ولا يكون أبدًا.

وأيضًا قول عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة ، في العُسر واليُسر، والمنْشَط والمكْرَه، وعلى أثَرَةٍ علينا، وعلى ألا نُنازع الأمر أهْلَهُ، «إلا أن تَرَوْا كُفرًا بَواحًا، عندكم فيه من الله برهان».

أيضًا لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أحوال بعض الأمراء سأله الصحابة: «أفلا ننابذهم عند ذلك؟» أي: إذا فعلوا هذه المظالم قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» أي لا تخرجوا عليهم ما أقاموا فيكم الصلاة «ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدًا من طاعة».

يقول القاضي عياض : تعالى: « أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل. قال: «وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها».

وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» فهذا فيما يتعلق بالحاكم الكافر ولا خلاف في هذا الأمر بل عليه الإجماع كما ذكرنا.

القسم الثاني: الحكام الجائر أو الفاسق أو الظالم سمه ما شئت حتى لو وصف هنا بالكفر فإنه كفر دون كفر، كفر أصغر كالمعاصي والكبائر.

حكم الخروج على الحاكم الجائر أو الفاسق أو الظالم - وكثير من الحكام يتمنون أن يكون جائرين أو فاسقين أو ظالمين ويفرحون بذلك كثيرًا إذا أخرج من وصف الكفر- يقول العلماء: «هذه من أعظم مسائل الخلاف بين الأمة» أي من أمهات المسائل التي انقسمت عليها الأمة الإسلامية.

يقول الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان».

خلاصة الكلام في هذه القضية قضية الخروج على الحاكم الجائر أو الفاسق أو الظالم لكنه مازال مسلمًا- مذهب أهل السنة والجماعة تحريم الخروج على أهل الظلم والجور بالسيف ما لم يصل ظلمهم إلى حد الكفر وهو مذهب جمع من الصحابة لا نقول: جميع الصحابة- وعامة أهل الحديث بل قال الإمام النووي : تعالى: «وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين- وإن كانوا فسقة ظالمين-» ا.هـ

وأما ما وقع من قيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية فهذا كان بالفعل لكن استقر أهل السنة بعد ذلك على التحريم.

فقد وقع في صدر الإسلام اختلاف بين العلماء في هذه القضية بالذات ثم استقر الأمر على ما سنذكر.

يقول الإمام النووي : تعالى: «إن هذا الخلاف كان أولًا ثم حصل الإجماع على منع خروجهم» بل صار العلماء بعد ذلك يذكرون هذه القضية كما تلاحظون في متن «الطحاوية» وغيرها من المتون يكون في آخر متونها: «ونرى عدم الخروج على أئمتنا وإن جاروا ...» إلى آخر الكلام كما هو معروف.

فيذكرونها في قضايا العقيدة ويأمرون بالصبر على جور الأئمة ورد قتالهم، ورد الحافظ ابن حجر على من جرح الحسن بن صالح الهمداني بأن يقول بالخروج على الأئمة.

أي أن بعض علماء الحديث جرحوه فقالوا: هذا لا تقبل روايته لأنه يرى الخروج والسيف على الأئمة المسلمين الجائرين الظالمين.

فرد الحافظ ابن حجر : تعالى مدافعًا عنه فقال: «وقولهم: «كان يرى السيف» أي كان يرى الخروج بالسيف على أئمة  الجور «وهذا مذهب للسلف قديم لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه ففي وقعت الحرة ووقعت ابن الأشعث عظة لمن تدبر».

فهو يريد أن يدافع عنه بأن هذا ليس بدعًا من القول بل هو مذهب قديم من مذاهب السلف ولا يجرح الإنسان بمجرد أن يرى هذا المذهب لكن التجارب التاريخية والوقائع التي وقعت من أحداث الخروج والفتن التي ترتبت عليها فيها عظة لمن تدبر لذلك استقر اتفاق السلف بعد ذلك على تحريم ذلك.

يقول الشرقاوي: «حرمة الخروج على الإمام الجائر مأخوذ من إجماع الطبقة المتأخرة من التابعين».

قبل أن نذكر الأدلة على ذلك نشير إلى أنموذج من أحداث الخروج التي وقعت في الصدر الأول ولا نتتبعها جميعًا لأن هذا يطول.

فحينما أشار المغيرة بن شعبة على معاوية بن أبي سفيان بعد أن أصبح خليفة أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ليتجنب ما حدث من خلاف وسفك للدماء بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه- فإذا حدث للخليفة حادث كان ابنه إمامًا وأميرًا بعده أبيه ولا تسفك الدماء ولا تكون هناك فتنة ففعل ذلك معاوية واتصل بالجماهير عن طريق الولاة ولما حصل على الأغلبية طلب من كبار الصحابة أن يبايعوا يزيد عارضوه بعنف وفي مقدمتهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ب والحسين بن على بن أبي طالب ب وعبد الله بن الزبير بن العوام ب وعبد الله بن عباس ب وعبد الرحمن ابن أبي بكر .

ولما جمع معاوية المعارضين أمر رئيس الحرس أن يشهر السيف في وجوههم ويخبر الناس أن المعارضين قد بايعوا فمن كذب الخليفة في ذلك فالسيف موجود.

وتكلم معاوية في أهل الشام وقال: «إن هؤلاء النفر من الصحابة بايعوا يزيد فسكت هؤلاء النفر من الصحابة ولم يتكلموا حذر القتل ثم ارتحل معاوية على الفور راجعًا وهكذا تمت البيعة ليزيد بالشدة والغلظة والإكراه.

وما من شك أن هذه سنة أتت بالحكم الجبري القهري كما تنبأ -صلى الله عليه وسلم- وانتهى بذلك عهد الخلافة الراشدة.

ولما مات معاوية وتولى ابنه يزيد الحكم وأراد أن يأخذ البيعة باللسان لم يكتف الصحابة بالإنكار باللسان أو بالامتناع عن البيعة كما حصل في الحالتين السابقتين في زمن معاوية بل وجدوا معهم قوة وشوكة فأعلنوا قتاله واقتتلوا معه مع يزيد ابن معاوية-.

فخرج عبد الله بن الزبير بالجيوش من مكة وأعلن الحرب على يزيد وخرج الحسين بن علي إلى العراق حيث طلبوه لحرب يزيد، وأعلن أهل المدينة خلع يزيد ابن معاوية فكانت وقعت الحرة التي قتل فيها ثمانون مجاهدًا من صاحبة النبي -صلى الله عليه وسلم- - ووأسفاه!!-.

ولم يبق أحد من أهل بدر وقتل من قريش ومن الأنصار نحو ألف أو ألف وسبعمائة، وقتل من سائر البلدان عشرة ألاف بخلاف النساء والصبيان.

يقول المستشار سالم البهنساوي بعدما ذكر هذا الكلام الذي تلوناه عليكم: «لهذا وللتجارب التاريخية وبسبب هذه الفتنة التي أدت إلى سفك الدماء وقتل هؤلاء الأبرياء يرجح جمهور الفقهاء عدم الخروج على الحاكم ولو كان مغتصبًا للسلطة وطاغيًا طالما أن الجيش والقوة العسكرية تساند هذا الحكم وتحميه فعزل مثل هذا الحاكم لا يكون إلا عن طريق الجيش الذي يسانده فلو رأى قادة الجيوش ذلك لكان هذا هو السبيل الذي يجنب البلاد والعباد فتنة الاقتتال وسفك دماء الشعوب».

نعود إلى موضوعنا ونذكر الأدلة على هذا المذهب:

استدل هذا الفريق الذي استقر إجماعه على تحريم الخروج وهم الطبقة المتأخرة من التابعين- بعدة أدلة:

أولها: الأحاديث التي فيها الأمر بالطاعة وعدم نكث البيعة بل نص فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصبر على جور الأئمة منها: النصوص التي ذكرناها من قبل ومنها: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى من أميره شيء يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة فمات؛ مات ميتة جاهلية» يعني: لا يخلع يدًا من طاعة بل يبقى على طاعته حتى ولو كان ظالمًا.

وفي لفظ: «فإنه من خرج على السلطان شبرًا؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

واستدلوا بالأحاديث التي تحرم القتال بين المسلمين:

كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» وبقوله: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» وبقوله: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجئًا فليعذ به».

أيضًا أحاديث فيها بعض ما يقع من الأئمة من ظلم وانحراف ومع ذلك لم يأمر بالخروج عليهم:

كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هلكت أمتي على يد غلمة من قريش» ولم يأمر بالخروج عليهم. كذلك في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: «قوم يهدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر» فلما سأله عن المخرج قال: «الزم جماعة المسلمين وإمامهم»

مع كل ما يفعلونه ومع وجود قوم يهدون بغير هديه ويستنون بغير سنته ومع وجود دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ومع ذلك كان المخرج: «الزم جماعة المسلمين وإمامهم».

وفي الرواية الأخرى قال له: «فإن كان ثم خليفة الله فالزمه ولو أخذ مالك وضرب ظهرك» أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فهذا ظلم بلا شك ومع ذلك لم يأمر بالخروج عليهم.

من هذه الأدلة أيضًا:

قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم» «أدوا إليهم حقهم» يعني: من السمع والطاعة، «وسلوا الله حقكم» واصبروا على ذلك.

يقول شيخ الإسلام : تعالى: «فأمر مع ذكره لظلمهم بالصبر وإعطاء حقوقهم وطلب المظلوم حقه من الله ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور التي يكون القتال فيها فتنة».

أيضًا من هذه الأدلة التي ذكروها:

مراعاة مقاصد الشريعة إذا كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن هذا الأمر مما يأمر الله -سبحانه وتعالى- به.

ومما يشهد لهذا إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر منه وأعظم وذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه.

فينبغي للإنسان أن يراعي هذه القاعدة وينظر للعواقب فإذا قتل حاكم من الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله حدث كثير من العواقب مع أنهم يعلمون أن هذا الحكم لا يزول وغاية ما في الأمر استبدل شرير بشرير آخر لكن لا يحصل تغيير للمنكر بالفعل مع العواقب التي تحصل والبلايا التي تقع.

يقول: «باستقراء وقائع التاريخ أيضًا يعلم أن مفاسد الخروج على الحكام أيضًا أكثر من مصالحه».

ما زال كلامنا في الحاكم الجائر أو الفاسق أو الظالم مع استمرار وصف الإسلام في حقه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : تعالى: «لعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته».

فكأن هذه القاعدة صارت غالبة وأن غالب الخروج على ذي السلطان يترتب عليه فساد أعظم من الفساد الذي أزالته، فكأن الأمر شبيه جدًا بالسبع الضاري - الأسد المتوحش- الذي في فمه قطعة من اللحم وهناك من يريد أن ينتزعها من فمه ففي الغالب يترتب على ذلك كثير من الفتن حتى ولو أدى الأمر إلى أن يدكوا البلاد على أهلها كما حصل في حماة حيث قصفت البلد ودمرت تمامًا وأبيد عدد ضخم جدًا من المسلمين!!

وهذا أمر غير مهم بالنسبة لهم فالمهم أن يبقى في الكرسي وهذا مع الفارق لأن هذا داخل في الحاكم الكافر لا الجائر الذي نتكلم عنه لأن النصيرية كما هو معروف أشد كفرًا من اليهود والنصارى.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : تعالى: «وأما إذا زاد شره» يعني النهي «وعظم وليس في مقابلته خير يفوته لم يشرع إلا أن يكون في مقابلته مصلحة زائدة فإن أدى ذلك إلى شر أعظم منه لم يشرع مثل أن يكون الآمر لا صبر له»

أي الإنسان الذي يحاول أن يغير المنكر ليس عنده صبر «فيؤذى فيجزع جزعا شديدا يصير به مذنبا وينتقص به إيمانه ودينه» يعني: فلا يتعرض من البلاء لما لا يطيقه.

والخروج على أئمة الجور مفسد لأمن الأمة ففي كما يقول القرطبي استبدال الأمن بالخوف وإراقة الدماء وانطلاق أيدي السفهاء وشن الغارات على المسلمين والفساد في الأرض.

خامسًا: باستقراء وقائع التاريخ يتبين أنه لا يتحقق للخارجين مرادهم بل لا يرى من الخروج إلا الشر.

قال شيخ الإسلام: «وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج ابنه بخراسان وكابي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا.

وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا.

والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ومع هذا لم يحمدوا ما فعلوه من القتال وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم».

فحتى لو قام بذلك رجال صالحون أو أناس أهل دين وخير فلن يكون أعظم من الفريق الذي قاتل كعائشة وطلحة والزبير ومع ذلك لم يحمد منهم هذا القتال مع أنه من أفضل أولياء الله فالصحابة أفضل أولياء الله ومع ذلك ذم هذا القتال في حقهم.

ذكر الإمام الأشعري خمسة وعشرين خارجًا من أهل البيت لم يصل أي منهم إلى مطلوبه فإذا كان مآل الخروج دائمًا إلى فساد حتى وإن كان الخارج قد قصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهذا لا يجوز لأن الشارع لا يأمر إلا بما فيه مصلحة.

سادسًا: إن الحاكم الظالم ليس شرًا من كل الوجوه:

قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» وقد قيل: «ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام».

وظلمه ظلم الحاكم- يكون كالمصائب تكون كفارة للذنوب يثابون عليها كتسليط العدو.

نظرًا لوضوح دلالة الأدلة على تحريم الخروج على الحاكم المسلم الجائر وصل الأمر إلى حد أن قال الإمام ابن حزم : تعالى بأنها منسوخة ومعنى ذلك أن التعارض عنده بين الأمرين كان واضحًا جدًا بين الأدلة التي تبيح والأدلة التي تحرم وكان ابن حزم يرى الخروج على الحاكم الفاسق وإن كان قد ذكر شرطًا سنذكره.

على أنه لا يصح أن يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع فما صار إليه ابن حزم لا يصح لأنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع إذ في النسخ إلغاء أحد الدليلين وفي الجمع إعمال الدليلين معًا وإعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما.

فلا يستساغ هنا أن يقال بالنسخ كما قال ابن حزم لأن الجمع ممكن بأن أدلة التحريم خاصة وأدلة الأمر بالمعروف عامة. هذا فيما يتعلق بالفريق الذي يرى تحريم الخروج على الإمام الظالم أو الجائر أو الفاسق ما دام مسلمًا.

أما الفريق الآخر فهم القائلون بجواز الخروج على الحاكم المسلم الظالم بل يقول بعضهم بوجوب هذا الخروج حتى وإن كان فاسقًا جائرًا ظالمًا مع إسلامه هؤلاء الذين يجيزون الخروج بل يوجبونه أحيانًا هم طوائف من أهل السنة وجميع المعتزلة وجميع الخوارج والزيدية.

أما أدلتهم:

فاستدلوا أولًا بقوله تعالى ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ﴾ [الحجرات: 9] فقالوا: إن «الفئة الباغية» هي الإمام الظالم ومن معه.

أجاب الفريق الأول فقالوا: دلت النصوص - التي ذكرناها في أدلتهم- على تحريم الخروج على أئمة الظالمين فالخارج عليهم باغٍ ومعيار تحديد البغي هو النصوص لا غير، فإذا كانت النصوص قد ذكرت أن الخارج على الإمام باغٍ وأنه يجب الصبر عليه فلا ينبغي أن يحرف تعريف الباغي وأن يقلب بهذه الصورة.

قالوا: «ليس في الآية أن مجرد وجود البغي موجب للقتال بل النصوص آمرة بالصبر على الإمام الجائر وعدم مقاتلته فلم يأذن في دفع البغي مطلقًا بالقتال بل إذا كانت فيه فتنة نهي عن دفع البغي وأمر بالصبر».

الدليل الثاني:

قالوا الدليل قوله تعالى ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 124] والإمامة هي عهد الله فلا يجوز أن يناله ظالم بل يجب كفه عن ظلمه.

أجاب جمهور أهل السنة فقالوا: إن هذه الآية لا علاقة لها بالخروج وهي تدل على أنه لا يكون من ذرية إبراهيم إمام يقتدى به وهو ظالم فهذا غاية ما يستدل به من الآية.

ثالثًا: استدلوا بقوله تعالى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]

قالوا: عدم الخروج إعانة للظالم على الإثم والعدوان والخروج عليه معاونة للخارجين على البر والتقوى.

فأجاب علماء أهل السنة على ذلك بقولهم: إن غاية ما تدل عليه الآية تحريم التعاون على إثم مع الإمام وغيره.

 ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ فغاية ما يؤخذ منها تحريم التعاون على الإثم سواء كان مع الرعية بعضهم البعض أو التعاون بين الرعية وبين الإمام.

بما أن النصوص دلت على تحريم الخروج وتأثيم فاعله إذن لا يكون معاونة الخارج عليه من التعاون على البر بل يكون تعاونًا على الإثم والعدوان لأن هذا مخالفة للنصوص الآمرة بالصبر على جور الأئمة بجانب قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .

استدلوا أيضًا بالعمومات الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

كقوله تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104]  وبقوله تعالى ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ [المائدة: 79] وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب».

وبقوله: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ...» إلى آخر الحديث.

وبقوله: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ...» إلى آخر الحديث.

وبقوله: «فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» وبقوله: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين».

فنقول: كل هذه الأدلة التي ذكروها لا خلاف عليها وقوله: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» خطأ الأئمة المضلون وانحرافهم لا يسوغ الخروج عليهم، فهذه الأدلة التي ذكروها كلها عمومات خصصت بالأحاديث التي سبق ذكرها في أدلة من يقول بتحريم الخروج والتي فيها الأمر بالصبر على جور هؤلاء الأئمة.

يقول الشوكاني : تعالى: «وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة».

أما النصوص الدالة على عزل الظالم فليس واقعة على خصوص الدعوة، أي أنهم يأتون بالنصوص الدالة على عزل الإمام المسلم الظالم وهذه النصوص لا علاقة لها بموضوعنا لأننا نناقش قضية الخروج لا العزل فهذا باب مستقل فالذي عين هو الذي يملك أن يعزل وهم أهل الحل والعقد فإذا عينوا إمامًا فهم يملكون أن يعزلوه.

فعزل الظالم غير الخروج عليه فلم أمكن عزله بغير فتنة وإبداله بخير منه وجب ذلك أما إن استلزم إراقة الدماء فعند ذلك يحرم لما سبق من الأدلة.

أما استدلالهم بقوله: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ...» إلى آخره فهذا مشروط بأنه لا يستلزم فتنة كما أنه وارد على سبيل الخبر فيمن سبق من الأمم.

لأن أول الحديث: «ما من نبي بعثه الله إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويهتدون بهديه ...» إلى آخر الحديث، وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة.

كذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» والمعنى: إذا أمر الحاكم بمعصية فلا يسمع له ولا يطاع في المعصية، أما منازعته في الأمر فلا تجوز للأدلة التي ذكرناها فهذه نقرة وهذه نقرة.

والطاعة ليست قاصرة على الإمام العادل بل كذلك الجائر في غير معصية يقول -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ...» الحديث وفي آخره: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم».

أيضًا فيما يتعلق بآخر أدلتهم وهو اتفاق العلماء على قتال الطائفة الممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام المتواترة حتى يكون الدين كله لله وهذا لا خلاف عليه لكن من المخاطب أن يرفع راية القتال ويقاتل هؤلاء القوم؟ المخاطب هو الإمام كما فعل أبو بكر مع مانعي الزكاة وأطلق على قتاله لهم حروب الردة تغليبًا وغلا فليس كل الذين قتالهم أبو بكر مرتدين بل كان قسم كبير منهم بغاة منعوا الزكاة بتأويل لهم كما هو معلوم، كذلك من الذي قاتل التتار في عهد شيخ الإسلام؟

شيخ الإسلام وأمراء الجيوش وأمة متميزة بكيان مستقل قائم وظاهر ومعلن تحيز له المسلمون يجاهدون التتار.

إذن فهذا الخطاب موجه إلى الإمام وليس إلى آحاد الناس، وإنما يورد العلماء هذه المسألة عند كلامهم على مهام الأئمة ومسئولياتهم، فقتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة يأتي الكلام عليه في باب مسئوليات الخليفة فوظيفته حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين.

كذلك أيضًا تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية» ولا توكل مثل هذه القضية إلى آحاد الناس.

ونرجئ الكلام عن هذه النقطة في الأسبوع القادم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

ربما يهمك أيضاً

رسالة من غريق
1904 ١٢ يناير ٢٠١٧
آداب التخلي -3
2385 ٠٨ ديسمبر ٢٠١٦
آداب التخلي -2
1859 ٠١ ديسمبر ٢٠١٦
البيع بالتقسيط
2833 ١٧ نوفمبر ٢٠١٦
السيرة البازية
1467 ١٠ نوفمبر ٢٠١٦