الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

بيان من الدعوة السلفية بشأن استنكار نسبة أفعال داعش إلى الشرع الحنيف

نود أن ننبه هؤلاء إلى الأدلة الصحيحة الصريحة المانعة مِن مثل هذه الجرائم، والتي يجب تقديمها على غيرها "لو أرادوا معرفة حكم الشريعة مِن محكمات نصوصها"

بيان من الدعوة السلفية بشأن استنكار نسبة أفعال داعش إلى الشرع الحنيف
الدعوة السلفية
الجمعة ٠٦ فبراير ٢٠١٥ - ١٨:٣٠ م
3855

بيان من "الدعوة السلفية" الصادر في "6-2-2015م" بشأن استنكار نسبة أفعال "داعش" إلى الشرع الحنيف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قام تنظيم "داعش الإرهابي" بتنفيذ عملية قتل الطيار الأردني "معاذ الكساسبة" بحرقه حيًّا بطريقة أثارت اشمئزاز الجميع، وقد بادر "الأزهر" قبل غيره بالاستنكار، وتبرئة الشريعة الغراء مِن إباحة مثل هذا الفعل الشنيع، ولكن بعض الإعلاميين الذين يشنون منذ فترة حملة هوجاء على "الأزهر" وعلى "التراث الإسلامي كله!" - خرجوا ليعلنوا أن ما تفعله "داعش" موجود في التراث الإسلامي الذي يدرِّسه "الأزهر"، والذي دوَّنه أئمة الإسلام، وأخذ هؤلاء يتبارون في سرد استدلالاتهم على ما ذهبوا إليه.

وابتداءً نود أن ننبه هؤلاء إلى الأدلة الصحيحة الصريحة المانعة مِن مثل هذه الجرائم، والتي يجب تقديمها على غيرها "لو أرادوا معرفة حكم الشريعة مِن محكمات نصوصها".

فمن ذلك:

- ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما مِن نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن المثلة في قتال المشركين، وهي أعم مِن الحرق؛ فتشمل كل ما مِن شأنه أن يكون فيه إتلاف للأعضاء بعد أو أثناء القتل.

- ومنها ما رواه البخاري وغيره مِن النهي الخاص عن التعذيب بالنار، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلا اللَّهُ) (رواه البخاري)، وعن حمزة الأسلمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

وأما ما أورده تنظيم "داعش" مِن أقوالٍ لبعض أهل العلم، وتَناقـَله بعض الإعلاميين عنهم دون وعي، بل وأضافوا إليه مِن عند أنفسهم الكثير؛ مما لبَّس على الناس أمر دينهم.

وغرضهم مِن هذا: إثبات ما يفترونه على كتب التراث منذ فترة، بل تجرأ بعضهم وقال: "إن هذه الأمور موجودة في الكتاب والسنة!"، ولا ندري كيف يجمع بين إيمانه بالكتاب والسنة، وبين اعتقاده نسبة أمر مستقبح كهذا إليهما؟!

والواجب على كل مسلم في مثل هذه الحالات أن يسأل أهل العلم عملاً بقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43).

وسيجد أن الأمر لا يخلو من أحد الاحتمالات الآتية:

الأول: أن يكون الفعل المستقبح غير ثابت سندًا، ومِن ثَمَّ فهو والعدم سواء، ومنه في قضيتنا هذه ما رُوي مِن تحريق أبي بكر -رضي الله عنه- لبعض المرتدين أو إقراره خالدًا على ذلك.

الثاني: أن يكون قد استقبح هو ما ليس بمستقبح في عرف العقلاء، ومنه ما ذهب إليه بعض أهل العلم في جواز تحريق مَن حرق غيره بالنار عملاً بعموم قوله -تعالى-: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (النحل:126)، ومستندين إلى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في "العرنيين" وكانوا قد فعلوا هذا في عماله -صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة، مع أنهم قد خالفهم في هذا بعض أهل العلم؛ فتمسكوا بعموم النهي عن المثلة، ويجب أن نعلم أن تمحُّك "داعش" في مثل هذا القول، وتطبيقه على غير واقعه في قضية "الكساسبة" لا يجعل أصل المسألة مِن الباطل البيِّن البطلان، فالمسألة في حالة المعاملة بالمثل تدور بيْن الصواب والخطأ، وليس بين الحق والباطل.

الثالث: سوء فهم المنتقِد لكلام أهل العلم: ويستوي في ذلك "داعش" وهؤلاء "الإعلاميون"؛ فقد بالغ بعض أهل العلم في اجتناب ما نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأى أنه يحرم رمي الكفار بالمنجنيق وغيره من الأسلحة النارية في حال المواجهة بين الجيشين، وليست في حالة الأسير المقدور عليه -وقد تقدم حكمه-.

ولما رأى بعض أهل العلم أن امتناع المسلمين عن استعمال مثل هذه الأسلحة قد يؤدي إلى انتصار الأعداء "وهو في زماننا يؤدي إلى ذلك حتمًا حيث أصبحت كل الأسلحة نارية، بما في ذلك الأسلحة الشخصية للجنود"؛ اكتفوا بوصف المسألة بالكراهة دون التحريم، ومِن ثَمَّ فتمسُّك "داعش" بهذه الأقوال في تبرير جريمتهم البشعة في حرق أسير مسلم بين أيديهم تلبيس للحق بالباطل، ويكون ترديد هذا مِن قِبَل البعض من باب الجهل أو الهوى أو كليهما!

وفي النهاية: تبقى القاعدة: "كل يؤخذ مِن قوله و يترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، ويبقى مِن أمانة السلف مع مَن بَعدهم أنهم نقلوا أخطاءهم؛ ليَتعلم منها مَن بعدهم، فأما مَن سلم قلبه لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيتعلمون من هذه الوقائع، ويحفظون للصحابة جميلهم وتجردهم لبيان الحق ولو على أنفسهم حتى نقلوا أخطاءهم مع تصويبها، بخلاف مَن في قلوبهم مرض؛ الذين يَفرحون بالخطأ ويروجون له!

ومِن ذلك: أن عليًّا -رضي الله عنه- لما هاله قول عبد الله بن سبأ بتأليهه -أي بتأليه علي رضي الله عنه- همَّ بإحراقه بالنار هو ومَن على رأيه؛ فهرب وأصاب الإحراق بعض مَن معه، ومع هذا فقد راجعه ابن عباس -رضي الله عنهما-، ولم ينقل لنا الفعل وإلا ومعه الإنكار مِن ابن عباس، والندم مِن علي -رضي الله عنهم-.

كما أن وقوع هذا الفعل من علي -رضي الله عنه-، وما تناقله كتَّاب السيِّر عن فعل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- له بإقرار أبي بكر -وقد قدَّمنا عدم صحة ذلك سندًا-؛ لم يمنع علماء المذاهب المختلفة على تقديم الدليل؛ حتى وقع إجماع أهل العلم على حرمة حرق الأسير الكافر؛ فما بالك بالمسلم؟!

- قال الإمام البغوي الشافعي -رحمه الله- في كتابه "شرح السنة 11/ 55": "فأما تحريق الكافر بعد ما وقع في الأسر، وتحريق المرتد؛ فذهب عامتهم إلا أنه لا يجوز" انتهى.

- وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي -رحمه الله- في كتابه "المغني 9/ 286-287": "أما العدو إذا قدر عليه؛ فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه".

وهذه النقول في شأن الأسير الكافر حجة عليهم على كل حال؛ لأننا نعلم أن أصل بدعتهم أنهم يكفـِّرون جميع خصومهم، وللرد على هذه البدعة موطن آخر، ولكنهم أضافوا إلى بدعتهم تلك بدعة التمثيل بالقتلى، ثم أضافوا إلى ذلك إحراقهم أحياءً، وهو ما لا يجوز مع مسلم ولا كافر؛ فوقعوا في ظلمات بعضها فوق بعض نسأل الله أن يعصم شباب المسلمين منها.

و"الدعوة السلفية" تدعو "داعش" إلى التوبة مِن غلوها، وتدعو هؤلاء إلى التوبة مِن جرأتهم على دين الله -عز وجل-، وتدعو جميع المسلمين إلى الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتدعو "الأزهر" إلى أن يستمر في الدفاع عن السنة في مواجهة بدعة "داعش"، والدفاع عن التراث في مواجهة موجة التغريب، وكل واحدة منهما أخطر وأشد مِن الأخرى.

نسأل الله أن يعصمنا مِن الفتن ما ظهر منها، وما بطن.

الدعوة السلفية بمصر

الجمعة 17 ربيع أخر 1436هـ

6 فبراير 2015م

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com