الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

(الحاكمية (9

تركت قضية الحكم بغير ما أنزل الله أثرًا على مسائل الإيمان والكفر والخلاف فيها وقد سبب الخلاف فيها خلافًا أوسع في مسائل الإيمان والكفر...

(الحاكمية (9
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٠٩ مارس ٢٠١٥ - ١١:٠٥ ص
2790

الحاكمية (9)

الشيخ/ عبد المنعم الشحات

تركت قضية الحكم بغير ما أنزل الله أثرًا على مسائل الإيمان والكفر والخلاف فيها وقد سبب الخلاف فيها خلافًا أوسع في مسائل الإيمان والكفر مما حدا بالبعض إلى تأصيل أصول لم يعتن بها السلف كقضية ترك جنس العمل ، وإن كانت العبارة قد وردت مجملة في بعض أقوال السلف ، إلا إنها لم تذكر قط كأصل من أصولهم ، وانتزع البعض عبارات من ثنايا الكلام ، ليثبت أن هناك أصل عند السلف في اشتراط قدر من عمل الجوارح ، وأنه ركن في الإيمان ، ومما اصطلح على تسميتها بمسألة « ترك جنس العمل » .

الأخطر من ذلك أن البعض ادعى أنه قد يوجد صور من صور الاستحلال العملي ، ولم يقدم فارقًا بين فعل المعصية مجردًا وبين الفعل الذي سيكون دليلًا عنده على الاستحلال العملي .

اعتبر البعض أن الإصرار على المعصية - بمعنى تكرارها بلا توبة- نوعًا من أنواع الكفر ، وهذا أحد أقوال الخوارج ، وهذا كله فرع على الخلاف في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ؛ ولأنهم ظنوا أنهم متى سلموا بقول جمهور أهل السنة أن عمل الجوارح جزء من الإيمان ، وليس ركنًا فيه أن هذا سوف يؤدي بهم إلى التسليم بأن الحكم بغير ما أنزل الله في جميع أحواله أو في معظم أحواله كفر أصغر ، وأنه لن يكون أكبر إلا بالاستحلال الذي هو قد يفهم بأنه يصرح بنسبة هذا للشرع .

وذكرنا أن القضية ليست كذلك وأن جمهور أهل السنة يرون أن عمل الجوارح جزء من الإيمان ، ولكنه ليس ركنًا ، وأن منه ما هو واجب ، ومنه ما هو مستحب ، ويرى بعضهم أن هناك جزء منه ركن وهو الصلاة عند بعضهم ، والمباني الأربعة عند البعض الآخر ، وأن جمهور أهل السنة أو كل أهل السنة سواء قالوا بدخول الصلاة أنها من الإيمان الركن أو أنها من الإيمان الواجب ، فكلهم يرون أن إهانة المصحف ، وأن سب الله تعالى ، وأن سب رسوله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ، وأن صرف العبادة لغير الله ، وأن تكذيب النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ، وأن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة ، أن هذا كله كفر - وإن وقع بالجوارح - وذلك لوجود الأدلة في المسألة أولًا .

ثانيًا : لأن هذا الفعل - وإن كان بالجوارح - إلا إنه يدل دلالة قاطعة على انخرام الباطن ، وهذه هي القاعدة التي ذكرها غير واحد من أهل العلم منهم العلامة السعدي والعلامة حافظ حكمي كما أشرنا إلى هذا .

وأكدنا في ثنايا هذا الكلام على أنه أحيانًا تكون هناك خلافات في غاية القوة والاشتعال ، ثم تجد أن سبب هذا الخلاف عدم تحديد مدلول كل مصطلح من المصطلحات المتداولة ، وقلنا أن من أشهرها قضية الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، هل الكفر العملي مرادف للأصغر أم غير مرادف ؟ وهذه مسألة اصطلاحية ، ولكن علينا أن ننبه أننا إذا قلنا أنه مرادف للأصغر ، فينبغي أن يقيد هذا بأنه الكفر العملي المجرد ، وليس أعمال الجوارح التي دل الشرع على أنها كفر ، وعند النظر والتأمل سنجد أنها تتضمن كفرًا قلبيًا ، وهذه هي إحدى القضايا : هل الكفر العملي يساوي الأصغر ، وهذا اصطلاح لبعض أهل العلم ؟ أم لا يساويه ؟ وهذا اصطلاح آخر .

والسؤال : متى يكون أصغر ومتى يكون أكبر ؟ والجواب : إذا كان معه اعتقاد يكون أكبر ، وإذا لم يكن معه اعتقاد يكون أصغر ، كما بينه الشيخ حافظ حكمي في « 200سؤال وجواب في العقيدة » .

أيضًا مسألة حينما يقول عالم : الاستحلال أو الجحود ، هذا في خطاب عامة السلف تدل على كل نوع من انخرام القلب ، وليس معناها أنه يأتي ويقول هذا الأمر حلال ، وإلا قد يقولون الاستحلال بما هو أعم من هذا ، ولو عاملنا بعض نقولهم على أنهم يعنون بالاستحلال أن يقول الشخص : هذا حلال فقط ، فسوف يترتب على هذا أن عدة أئمة من أئمة السنة أقوالهم في نصرة السنة معروفة معلومة ، سيخرجون بهذا القول من السنة ، والأولى أن تفسر كلامه بعضه ببعضه ، وهذه قضية أخرى بينا أهميتها .

أولًا: فصل أقوال العلماء عن الترجيح فندرس الأدلة ، وبعد ذلك نتحرى نسبة كل قول لقائله في هذه المسألة ثم نتحرى ما هو رأي فلان في المسألة ، والأمر الشرعي هذا أمر آخر ، وبالتالي فإذا كان للشخص الواحد عدة نقول في المسألة ظاهرها التعارض ، فيحتمل أن يكون له قولان ، ويحتمل أن يكون له قول واحد ، فنبحث في القرائن فإذا كان له قول واحد فيرد المتشابه إلى المحكم ، ويرد المجمل إلى المبين .

ولذلك ينقل في كتب المسائل مثلًا عن الإمام أحمد عدة أقوال ثم يقال في كتب المذهب : « والصحيح عنه كذا » فهو هنا يحقق في أي مذهب يمكن أن ينسبه إلى الإمام ، وبعد أن يقول : « والصحيح عنه » يعود ويقول : « والصحيح كذا » أي : هذا الصحيح وفق الأدلة ، فهذه مسألة وهذه مسألة ، فتحقيق نسبة القول إلى قائله ، هذه مسألة يجرى عليها تقريبًا نفس القواعد التي تجرى على النصوص الشرعية التي ظاهرها التعارض مع وضع هنا في احتمال قائم فالغفلة والوهم عند البشر وارد ، ولكن أيضًا عندك قرائن فتقول أي موطن هو الأدق والأضبط أو الأكثر شيوعًا في كلامه على الأقل إلى غير هذا من الكلام .

ومن جملة الأشياء العجيبة في المسألة كما ذكرنا أن الخلاف في هذه القضية أنتج خلافًا آخر في مسائل الإيمان والكفر ، وهي مسألة ادعاء ركنية عمل الجوارح أو ركنية جزء منه ، مما يفتح مجال للتلاعب في هذه القضية التي كلام السلف فيها مشهور ومعلوم .

والعجب أن يخرج من الناس الآن من يتبنى قول الشيخ الألباني : في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، ويتبنى في ذات الوقت قضية ركنية عمل الجوارح أو ركنية جزء منه فهذا عجب من العجب أن البدع تتوالى .

كما ذكرنا فكانت القضية قديمًا قضية الحكم بغير ما أنزل الله ، ثم عممت فمن يقول أن فيها كفرًا أكبر اضطر بعضهم أن يعيد صياغة مسائل الإيمان والكفر كلها ، فيثبت أن هناك جزء من عمل الجوارح ، لا بد أن يكون ركنًا أو يدعي التكفير بالإصرار إلى غير ذلك من الأمور التي من خلالها بسهولة إلى الوصول إلى الحكم بكفر الحاكم بغير ما أنزل الله .

وفي المقابل لكي يدافع الآخرون عن هذه القضية اخترعوا ما كان من تهوين قضية الحكم بغير ما أنزل الله ، وادعوا أنها كفر أصغر بإطلاق ، وربما أطلقوا عبارات يفهم منها أنهم لا يكفرون إلا بالاستحلال بأن يصرح الشخص بهذا الأمر .

والعجب أن  يأخذ مسألة من هنا ومسألة من هنا ، وهذا اتجاه موجود الآن ، فيأخذ بمذهب الشيخ الألباني في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، بل ربما يأخذ بمذهب تلامذته ،  وقد قلنا أن مذهب تلامذته أكثر تفريطًا من موقف الشيخ كما سنبين ، وأن موقف الشيخ الألباني موقف يحتمل التأويل ، فتجد البعض يأخذ هذا الموقف ، ويأخذ معه القول الآخر في قضية محاولة اشتراط عمل الجوارح كله أو جزء منه .

كما ذكرنا أنه من حيث تحقيق مواقف العلماء ذكرنا في ثنايا النقول كلام الإمام ابن كثير : في نقل الإجماع على الذي فعله التتار من وضع الياسق كفر أكبر بلا خلاف ، وبينا أن محاولة البعض التهوين من شأن هذا الإجماع بادعاء أن هناك أسباب أخرى لكفر التتار أن هذا أمر في غاية العجب ؛ لأن الكلام هنا كان على مسألة معينة يحكيها أن من فعل هذا وليس أنه يحكم على التتار ، فنقول : هل كفرهم بهذا الفعل أم بهذا الفعل ؟ فكان من الممكن أن يكون الأمر محتمل لو أن شخصًا سأله عن التتار : ما حكمهم ؟ ووصف له أوصاف أنهم يفعلون كذا وكذا ، وفي النهاية حكم عليهم بأنهم مرتدون ، ووقتها نقول : بأي فعل من هذه الأفعال حكم بردتهم ؟! فالأمر محتمل ولكن أن يتكلم على فعل واحد من أفعالهم حتى ولو كانت عندهم أسباب أخرى للكفر ، ثم يقول : « ومن فعل هذا فقد كفر بإجماع المسلمين » فهذا كلام لا يمكن حمله على غير هذا المحمل .

أيضًا ادعاء أن التتار نسبوا هذا الكلام إلى الشرع مغالطة تاريخية ، فهذا الكلام معلوم سواء في كلام الحافظ ابن كثير أو في كلام غيره وأن التتار لم ينسبوا هذا إلى دين الله تعالى ، بل كما ذكر ابن كثير أنهم أخذوا هذا من ملل شتى ، ولم ينسبوه إلى دين الله تعالى ؛ لأن الفريق  كما ذكرنا المنسوب إلى الشيخ الألباني أو إلى غيره ، يحاول أن يدعي أن حالة الكفر الأكبر حالة واحدة وهي أن ينسب الحاكم المبدل ما يشرعه لشرع الله ، فيكون من باب الكذب على الله تعالى ، وإما أن يقول أن من حقه أن يبدل الشرع فيكون هذا من باب الاستحلال ، أما سوى ذلك عندهم فليس كفرًا !! ويحاولون أن يؤولوا كلام ابن كثير : ، وقد ذكرنا أن كلامه في غاية الوضوح .

وأيضًا كلام الشيخ أحمد شاكر في غاية الوضوح ، فهو أخذه أولًا من كلام ابن كثير ، ونقل كلام ابن كثير فهو تبع لابن كثير في المسألة ، بل قد يفهم من كلام الشيخ أحمد شاكر تكفير دارس هذا القانون كما ذكرنا في بعض نقوله ، وإن كان هذا ليس هو المقصود لأنه يمكن أن يدرسه لبيان الباطل أو غير هذا ، فكيف يقال : إن كلام الشيخ أحمد شاكر قد يشترط فيه قيد الاستحلال أو غيره ؟! وكذا كلام الأستاذ محمود شاكر ، وكلام العلامة الشنقيطي أيضًا في غاية الوضوح في النقول التي سبقت الإشارة إليها ، ويقولون أنه له كلام آخر اشترط فيه الاستحلال ، فلماذا أعملتم هذا وتركتم هذا ؟

فالأمر يحتاج إلى  قدر من الإنصاف بوضع هذا النقل أمام هذا النقل والنظر من المجمل ومن المبين ، ثم إن الاستحلال في كلام السلف عمومًا هو انخرام الباطن كما ذكرنا فينبغي أن يحمل هذا عليه .

وذكرنا كلام الشيخ محمد بن إبراهيم المضمن في فتواه المصدرة بخلاصتها فهو لم يترك الناس حتى يصلوا إلى آخر كلامه لكي يستخلصوا ولكن قال في البداية : « إن من الكفر الأكبر المستبين ، تنزيل القانون اللعين ، منزلة شرع رب العالمين في الحكم بين المتنازعين » .

إذن فالكلام في غاية الوضوح ، وكان الغرض من التفصيل الذي ذكره كما سبقت الإشارة إليه إثبات أنهم سيقولون دوافع كثيرة ، ومهما تعددت الدوافع فطالما بدلوا الشرع شرعوا شرعًا مخالفًا لدين الله تعالى فهذا كفر ، وذكر أن الكفر الأصغر إنما يكون في القضية المعينة .

كلام الألباني وتعقيبات العثيمين :

والخلاف الكبير في موقف العلماء المعاصرين أئمة العصر من العلامة الألباني والعلامة ابن باز والعلامة ابن عثمين ما موقفهم في هذه القضية ؟

في موقف الشيخ ابن باز قدر من الإجمال لكن موقف الشيخ الألباني والشيخ العثيمين واضح جدًا من خلال الفتوى التي أشرنا إليها مرارًا أثناء الكلام وهي عبارة عن حوار مع جريدة المسلمون ، ثم نشر الحوار بإذن الشيخ الألباني ، ثم قرأه الشيخ العثيمين وعلق عليه تعليقات معينة ، وجاء بعض تلاميذ الشيخ الألباني وهو الشيخ علي حسن عبد الحميد ونشر هذا الكلام ، وأضاف إليه مقدمة من قلمه  ولن نناقشها ، ولكن سنركز نظرنا على كلام الأئمة الثلاثة ، وأضاف إليه بعض الفتاوى وهذا نشر تحت عنوان : « التحذير من فتنة التكفير » من جمع علي حسن عبد الحميد .

ونشر أيضًا تحت عنوان : « فتنة التكفير » من جمع علي حسين أبو لوز ، والكتابان يكادان يكونان متطابقين ، والفرق في المقدمات والحواشي التي أضافها جامع هذا الكتاب ، ومن الواضح أن كلاهما يؤيدان نظرة الشيخ الألباني .

والعجيب أن في الكلام استدراك واضح من الشيخ العثيمين : على الشيخ الألباني : فالعجيب أن في مقدمة الشيخ على حسن عبد الحميد أن هذه فتوى الألباني ووافقه ابن باز والعثمين فكيف لأحد أن يتكلم بعدهم ؟! والمخالفة صريحة وواضحة وكونها مخالفة بأدب وبرفق كما أشار هو بعد ذلك فلم نختلف أن هذا هو السلوك الواجب ، ونحن نستنكر على من يريد أن يغلوا في القضية لا سيما إذا اتخذها تكأة للطعن في العلماء لا سيما العلامة الألباني الذي جعله الله تبارك وتعالى بحق سببًا في انتشار السنة ، وهذا الرجل لم تقدر الأمة قدره إلا بعد عصور طويلة ، يغلب على الظن أنه بعد انقراض الجيل الذي عاصره فعومل العلامة الألباني كمعاملة الأئمة الكبار جدًا حينما وصلت آثاره إلى الأجيال التي بعده ، فالعلامة الألباني له آثار علمية عظيمة .

فربما كان الشيخ ابن باز والشيخ العثيمين من العلماء الأجلاء الذين لهم أثر على الأمة في عصرهما ، ولكن ربما بركة العلم بقاؤه ، فكتب الله للألباني  : بقاء آثار عظيمة تحتاجها الأمة ، ربما أيضًا كان للشيخ العثيمين وللشيخ ابن باز آثار ولكن آثار الألباني أكثر بفضل الله تعالى .

فقد كان الألباني صاحب دعوة في بلاد غربة حقيقية ، فلم يكن له معين على دعوته إلا الله  ـ سبحانه وتعالى ـ  ، بلا شك أنه سوف تقدر الأجيال القادمة العلامة الألباني قدره الحقيقي حينما تجد آثاره تحقيقاته العلمية ، والآن بفضل الله تعالى الألباني مضافًا الحاسوب يساوي تحقيق لكل التراث بعد المجهود الذي تركه الألباني .

فكل كتب الوعظ التي كانت تمثل ثغرة كبيرة جدًا فقد كانت أشبه بالألغاز ولا يستطيع أن يتعامل معها إلا الأثبات من طلبة العلم ؛ لأنه يجد أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة ، وتختلط أحاديث الوعظ بأحاديث الأحكام ، وكان هذا يمثل جفافًا لموارد الواعظ والخطيب .

أما الآن بفضل الله تبارك وتعالى فقد أصبحت البيئة السلفية أكثر غنى بالمادة الوعظية ، وهذا الكلام لم يكن موجودًا قبل عقود قليلة ، فكانت أحد أسباب ضعف المادة الوعظية عند السلفيين أنه لا بد أن يكون الحديث صحيحًا ، وليس عنده كتاب وعظ فيه حديث صحيح ، ولا يكون واعظًا جيدًا إلا إذا درس كتب السنة وغاص في أعماقها ، فلن يكون واعظًا جيدًا إلا بعد عمر طويل جدًا يكون غالبًا قد فقد المرونة المطلوبة في الواعظ فأصبح باحثًا أكاديميًا أكثر منه واعظ .

والآن ما تجدونه من غنى في المادة الوعظية حتى أن صغار طلبة العلم من الممكن أن يحصلوا كتبًا في الوعظ والرقائق ، ويحضرون منها وهم مطمئنون في نسبة هذا القول للنبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ، وأن هذا يصلح في الأحكام ، وهذا لا يصلح ، وهذا كله ثمرة من ثمار جهود الشيخ الألباني ، استعمله الله تعالى فيها فحقق : أشياء كثيرة بنفسه ، فقد حقق الكتب المشهورة كتب السنة ، وأضاف الحكم على أحاديث كثيرة غير موجودة في الكتب المشهورة في « السلسلة الصحيحة » و « السلسلة الضعيفة » .

وصار الآن  أي باحث وخاصة مع ما من الله به على الناس من أجهزة الحواسيب فصار من الممكن أن تجد طبعات لابن كثير مخرجة على كلام الشيخ الألباني ، وطبعات للترغيب والترهيب مخرجة على كلام الألباني ، وطبعات لكتب السيرة مخرجة على كلام الألباني ، فبلا شك أنه ترك أثرًا بالغًا وعظيمًا في الأمة ، فلا بد من أن يحفظ له قدره .

والعلامة العثيمين مع أنه من العلماء الأثبات الذين جعل الله لهم أيضًا بركة فيما شرحوا وفيما درسوا ودون عنهم العلم ، حينما اعترض على الألباني كان لا بد أن يراعي هذا الأدب ، لكن مراعاة الأدب في الاعتراض لا يساوي موافقة ، فهذا نوع من أنواع الكذب والتخليط في المسألة ، فالاعتراض واضح وبين كما سنبينه إن شاء الله .

نعم قد يقال أن الشيخ ابن باز وافق على الكلام جملة لكن الشيخ ابن باز وافق على كلام الألباني مع كلام العثيمين ، إذن ففي كلام الشيخ ابن باز في المسألة قدر من الغموض في موقفه أنه يؤيد نظرة الشيخ الألباني في أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفرًا أكبر إذا كان باستحلال ، وإلا يكون أصغر ، ثم يقال بعد ذلك أنه لو كان يأتي بشرع آخر بدعوى أنه لا يلزمه اتباع الشرع فهذا كفر مستقل ، وكأن المسألة عنده على حالات الشيخ محمد بن إبراهيم حين فصلها لست حالات مستقلة ، بينما يتكلم هو عندما يسأل على حالة منها وهي الحالة التي وصفها الشيخ محمد بن إبراهيم بأنها كفر أصغر ، وقد قلنا أن هذه الحالة لو أضيف لها الاستحلال ستكون هي أيضًا كفرًا أكبر ، فالست حالات التي قال أنها أكبر ليست تحتاج قيد الاستحلال ولو أضفته ستجده موجودًا ، وهذا كلام الشيخ العثيمين الذي سنذكره ، والحالة الأخرى التي هي كفر أصغر لو أضيف إليها الاستحلال ستكون كفرًا أكبر وهذا غالب كلام الشيخ ابن باز : تعالى .

وسنذكر كلام الشيخ الألباني إجمالًا ونذكر أهم مقاصده ونتوقف على أهم النقاط فيه يقول :

« بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله : أما بعد :

فإن مسألة التكفير عمومًا - لا للحكام فقط بل وللمحكومين أيضًا - فتنة عظيمة قديمة ، تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية القديمة وهي المعروفة بـ « الخوارج » .

ومع الأسف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقعوا في الخروج عن الكتاب والسنة ولكن باسم الكتاب والسنة .

والسبب في هذا يعود إلى أمرين اثنين :

أحدهما : هو ضحالة العلم .

والآخر - وهو مهم جدًا - : أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية » .

الشرح :

كان الإمام الألباني : كثير الدندنة حول قضية لزوم منهج السلف حتى لا يكاد يخلو كلام من كلامه منها ، وهذا من الأمور التي ينبغي أن نستفيد منها ، فهناك أمور معينة لا ينبغي للداعي أن يمل من تكرارها ؛ لأنها مثل أصول لا بد من بيانها .

يذكر :  كلامًا طويلًا حول قوله تعالى : ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾[النساء:115] فالشيخ الألباني : دائمًا يذكر هذه الآية ، ويثني على الشافعي : الذي استدل بهذه الآية على حجية الإجماع ، وهذا من فقهه الدقيق أن من اتبع غير سبيل المؤمنين مذموم ، ولذلك فلو اتفق المؤمنون على سبيل معينة لتعين أن هذه هي سبيلهم التي لا يجوز مخالفتها بحال من الأحوال .

ثم يبين أن أولى من يدخلون في هؤلاء المؤمنون الذين يجب اتباع سبيلهم هم الصحابة  ـ رضي الله عنهما ـ  فذكر هذه الآية ، وذكر حديث افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، وأن هذا أيضًا يؤيد ما يأخذه من هذه الآية .

ويستدل أيضًا بحديث العرباض بن سارية وفيه : « وأنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ » فتأكيد أن سبيل المؤمنين أولى من يدخل فيه هم الصحابة  ـ رضي الله عنهما ـ  .

ثم يقول أن الخوارج القدماء كالخوارج المحدثين حيث خالفوا إجماع السلف ولم يلتزموا باتباع سبيل المؤمنين ، ومن باب تكرار الخطأ أيضًا في نفس الآية أو في نفس القضية استدلوا بقوله تعالى :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [ المائدة : 44 ] فبين أن الآيات ذكرت أن أولئك هم الكافرون وأنهم ظالمون وأنهم فاسقون .

ثم يأخذ الشيخ الألباني في بيان أن الكفر في نصوص الكتاب والسنة ينقسم  إلى أكبر وأصغر ، وأن هذه القضية بعينها قضية الحكم بغير ما أنزل الله جاءت فيها نصوص أنها من الأصغر ، فيقول :

 ولنرجع إلى آية : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ فما المراد بالكفر فيها ؟ هل هو الخروج عن الملة ؟ أو أنه غير ذلك ؟ .

فأقول : لا بد من الدقة في فهم هذه الآية ، فإنها قد تعني الكفر العملي وهو الخروج بالأعمال عن بعض أحكام الإسلام ، ويساعدنا في هذا الفهم حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس بالذي أجمع المسلمون جميعًا إلا ما كان من الفرق الضالة على أنه إمام فريد في التفسير ، فكأنه طرق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تمامًا من أنه هناك أناس يفهمون هذه الآية فهمًا سطحيًا من غير تفصيل (إذن فالشيخ الألباني يؤكد أن هناك تفصيل ) فقال  ـ رضي الله عنه ـ  :  « ليس الكفر الذي تذهبون إليه » و : « إنه ليس كفرًا ينقل عن الملة » و : « هو كفر دون كفر » .

هنا يشير على حسن عبد الحميد إلى أن الآثار عن ابن عباس خرجها الألباني في « السلسلة الصحيحة » تحت الحديث رقم ( 2552 ) إذن فالألباني يصحح هذه الآثار .

« ثم كان من عواقب هذا أنهم سفكوا دماء المؤمنين ، وفعلوا فيهم ما لم يفعل بالمشركين ، فقال : ليس الأمر كما قالوا أو كما ظنوا ، إنما هو كفر دون كفر ، فهذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية ، والحكم الذي لا يمكن أن يفهم سواه من النصوص التي أشرت إليها قبل .

الشرح:

هنا يثبتا تعليقًا للشيخ العثيمين على هذا الجزء من كلام الشيخ الألباني يوافقه فيؤكد أن هذا الأثر عن ابن عباس ما دام احتج به الألباني وهو أعلم بالحديث فهذا تصحيح منه للحديث كما ذكرنا ، وأشار علي حسن عبد الحميد إلى أن الألباني خرج هذه الآثار في الصحيحة .

وكأن الشيخ العثيمين يرد على طائفة ردت هذا الأثر عن ابن عباس بكونه ضعيفًا فقال : هم لا علم لهم بالحديث فكيف حكموا بضعفها مع أن عامة المحدثين عملوا بها ومنهم الألباني / وأضاف تعليقًا في هذه المسألة ، إلى أن انتهى بقوله - كلام الشيخ العثيمين - : « وأما بالنسبة لأثر ابن عباس آنف الذكر فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به وينقلونه فالأثر صحيح » .

فالحاصل أن الشيخ الألباني يقرر قاعدة انقسام الكفر إلى أكبر وأصغر ، وأن صور الحكم بغير ما أنزل الله تحتمل الصورتين ، وأنه على الأقل ابن عباس قد حكم في الصورة التي كانت في أهل زمانه بأنها كفر أصغر بهذه الآثار التي صححها عنه العلامة الألباني / ، ويؤكد مرة أخرى إلى أن هناك نصوص كثيرة حملها أهل السنة على الكفر الذي هو دون كفر كما في قوله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  : « سباب المسلم فسوق وقتاله كفر » إلى آخر هذا الكلام .

يقول - الألباني - : « ومن ناحية أخرى هل يمكن لنا أن نحمل الفقرة الأولى في حديث : « سباب المسلم فسوق » على معنى الفسق المذكور في اللفظ الثالث ضمن الآية السابقة » .

الشرح :

لما ذكر أنه من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون فقد ذكر أن أولئك هم الكافرون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الفاسقون وفي حديث : « سباب المسلم فسوق » مجمع على أنه فسق دون فسق ، فهل هذا هو نفسه المذكور في قوله تعالى :﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ ؟

قال : « والجواب أن هذا قد يكون فسقًا مرادفًا للكفر الذي هو بمعنى الخروج من الملة ، وقد يكون الفسق مرادفًا للكفر الذي لا يعني الخروج من الملة ، وإما يعني ما قاله ترجمان القرآن أنه كفر دون كفر ، وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى ؛ لأن الله تعالى قال : ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ ﴾ [ الحجرات : 9 ] .

[ فذكر ربنا  ـ عزوجل  ـ  هنا الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة المؤمنة المحقة ، ومع ذلك فلم يحكم على الباغية بالكفر ] ، مع أن الحديث يقول : « ... وقتاله كفر » إذن فقتاله كفر دون كفر ، كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة تمامًا ...

ومن هنا جاء هذا التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه الإمام بحق شيخ الإسلام ابن تيمية / ، وتولى ذلك من بعده تلميذه البار ابن القيم ، إذ لهما الفضل في التنبيه والدندنة على تقسيم الكفر إلى ذلك التقسيم الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة ، فابن تيمية / وتلميذه وصاحبه ابن القيم يدندنان دائمًا حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج على جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديمًا وبعض أذنابهم حديثًا » .

ثم يذكر أيضًا نوعًا من أنواع المناظرة التي دارت بينه وبينهم ،  فيقول : « ومن جملة الأمور التي يفيد ذكرها وحكايتها أنني التقيت مع بعض أولئك الذي كانوا من جماعة التكفير ، ثم هداهم الله  ـ عزوجل  ـ  فقلت لهم : « ها أنتم كفرتم بعض الحكام فما بالكم – مثلًا - تكفرون أئمة المساجد ، وخطباء المساجد ، ومؤذني المساجد ، وخدمة المساجد ؟ وما بالكم تكفرون أساتذة العلم الشرعي في المدارس وغيرها ؟ قالوا : لأن هؤلاء رضوا بحكم الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله !! .

فأقول:  إذا كان هذا الرضا رضا قلبيًا بالحكم بغير ما أنزل الله ؛ فحينئذ ينقلب الكفر العملي إلى كفر اعتقادي » .

الشرح :

فهو هنا لا يقول بأن الكفر العملي أنه مستحيل يكون أكبر ، فلو كان معه اعتقاد يكون أكبر ، وهذا كلام الشيخ حافظ حكمي وكلام العلامة السعدي وغيرهما .

يقول : « فأي حاكم يحكم بغير ما أنزل الله وهو يرى ويعتقد أن هذا الحكم هو الحكم اللائق تبنيه في هذا العصر ، وأنه لا يليق به تبنيه للحكم الشرعي المنصوص عليه في الكتاب والسنة ، فلا شك أن هذا الحاكم يكون كفره كفرًا اعتقاديًا وليس كفرًا عمليًا فقط ، ومن رضي ارتضاءه واعتقاده فإنه يلحق به » .

الشرح :

إذن فهذا كلام واضح جدًا من الشيخ الألباني في مسألة أن من يرى أن هذا هو اللائق سواء بهذا العصر أو بغيره من جواز الحكم بغير ما أنزل الله ، ونحن قلنا أن هناك نقطة نزاع معينة مع الشيخ الألباني ، ولكن ليست بالحجم المتصور ، ولذلك هنا رغم هذا الكلام الواضح فقد قالوا عنه : « مرجئ !! » .

يقول علي حسن عبد الحميد : قال العلامة الألباني معلقًا : ثم يلقبنا هؤلاء – بالباطل- مرجئة العصر !!.

ثم ذكر أصول أهل السنة في المسألة ، فما هي المشكلة عند الشيخ الألباني؟ يقول :

 « ثم قلت لهم : »  يعني بعد أن بين أنه لو قال أن هذا الحكم هو الأنفع وأنه لا ينبغي أن يحكم بغيره  « فأنتم لا تستطيعون أن تحكموا على كل حاكم يحكم بالقوانين الغربية الكافرة ، أو بكثير منها أنه لو سئل عن الحكم بغير ما أنزل الله لأجاب بأن الحكم بهذه القوانين هو الحق والصالح في هذا العصر ، وأنه لا يجوز الحكم بالإسلام ؛ لأنهم لو قالوا ذلك لصاروا كفارًا حقًا دون شك ولا ريب .

الشرح :  

فكلام الشيخ غاية في الوضوح في المسألة ، ويذكر الشيخ الألباني حالة نادرة ويعتبرها هي الأصل ، وهي حالة الذي ورث القوانين ولم يكن هو الذي أنشأها ، وأنه لم يحصل في زمانه قوانين جديدة وإنما ورث كل القوانين وهو يحاول أن ينقي ، فكل الجديد موافق للشرع وليس مخالفًا له ، وأنه يقول أنه في سبيله إلى التنقية مع بقائه حارسًا للعمل بهذه القوانين ، وهذه الصورة ليست هي الأصل ، و لو كانت هي الأصل فلا ينبغي أن ندمج الحكم في الفتوى ، فهو هنا يقول : لم لمْ يكفر هؤلاء ؟ لأنه يذكر أنه إذا قيل له ذكر خيرًا وأنه سوف يحاول ، وأن الأمر يحتاج إلى معالجة ، وهذه حالة فتوى ، والكلام مع أنه من الممكن أن يخالف فيها كفتوى ، ولكن الخلاف كفتوى أهون بكثير من الخلاف كحكم .

إذن فقد كنا نتمنى أن الشيخ الألباني يتكلم عن المسألة مجردة كحكم ، وفي هذه الحالة ما كان سيوجد خلاف على الأقل من ناحية الحكم ، كما هو واضح ، ولذلك لما اعترض الشيخ العثيمين / ؛ قال الشيخ الألباني / : أنا لا أرى كبير فرق ، فالشيخ العثيمين قال أن من يدعو لهذه القوانين ، ويفرضها لا بد وأن يكون مستحلًا ، قال الألباني / : « وأنا أرى ذلك أيضًا » .

إذن فالقضية واضحة وغاية ما هنالك أنك من الممكن أن تعترض على كلام الشيخ الألباني اعتراض إجرائي أو اعتراض في طريقة عرض الكلام وتنظيمه ، ولكن الكلام أسيء فهمه ، وكان الأولى التبرؤ من الأفهام الخاطئة التي نسبت إلى الكلام ، ولكن البعض أحيانًا إذا ما اختار هذه الطريقة للطرح ، فليس من الإنصاف أن تستثمر هذه الطريقة في الطرح التي من الممكن أن يكون قد اختارها لسبب أو لآخر ، وما زال كلامه يَنص فيه على الحق المطلوب أن يُنص عليه فتحمل الكلام ما لا يحتمل .

إذن فالخلاف مع الشيخ الألباني سيكون خلافًا في توصيف الواقع ابتداء هل الحالة الأكثر شيوعًا هي حالة من يرث قوانين ، وأنه لم يحصل في عهده أي نوع من أنواع التجديد ؟ والشيء الآخر أن هذا الذي ورث ويتباطأ في تطبيق الشرع هل نقول أن فعله من حيث هو فعله كفر أكبر ، وأن توهمه أنه معذور هذا لا يجعله كافرًا من حيث التعيين ؟ .

إذن كان الكلام سيتطابق ، لكن كما ذكرنا أن الشيخ الألباني تكلم على مسألة في توصيف الواقع على أن هذا هو التوصيف الوحيد للمسألة ، وأشار أنه يوجد توصيف آخر ولكنه نادر مع أن المسألة على العكس من ذلك !!

وأيضًا حتى ولو كان التوصيف الذي قاله الشيخ الألباني فهل عندما نقول أن هذا لم يكفر من باب أن فعله ليس كفرًا أم من باب أنه كمعين ؟ لأنه توهم أنه معذور ،  ففرق بين أن يكون الفعل ابتداء ليس كفر أكبر ، وقد علل ذلك بأنه غير مستحل ، فالمكره يفعل كفرًا أكبر وقلبه مطمئن بالإيمان ، فهذا من الممكن أن تعبر عنه بأنه قلبه مطمئن بالإيمان ، وتقول : « هذا لم يكفر لأنه لم ينخرم باطنه ؛ بدليل أنه مكره » ففي الكلام نوع من الإجمال له مبرراته ، وكنا نتمنى لا سيما مع وجود الخلل في فهم القضية أن يكون الكلام أوضح ولكن يكفينا جدًا للذب عن عرض الألباني / إقراره لاعتراض الشيخ العثيمين كما أشرنا .

فهو هنا يبين أن الصورة الأشهر في هذه المسألة فيما يرى هو أناس ورثوا هذه الحال  ، ولا يجيزون استمرارها بأي صورة من الصور إلا كمسألة وقت ونحو هذا ، وهذه الصورة كان من الممكن أن نناقشها كمسألة فتوى لا كمسألة حكم ، ويبقى أنه في ثنايا كلامه إثبات الحكم لمن تأمل .

وناهيك أن هناك نص على أن الذي يقول أنه يسوغ تشريع ، وهذه الحالة لم يشترط فيها الاستحلال ؛ لأنها لا تكون إلا كفرًا اعتقاديًا ، وهذا هو الكلام الذي نقوله ، فلم يشترط في الحالة الثانية أنه قال : لو قالوا أن هذا هو الحكم اللائق فيكون هذا كفر اعتقادي ، ولن نحتاج أن نقول أنه لن يكون كفر اعتقادي إلا إذا كان اعتقاديًا أو لا يكون كفرًا أكبر إلا إذا استحل فهذه هي نفس القضية ، وهذا واضح في كلام الشيخ / تعالى .

يذكر أيضًا الشيخ هنا أن هؤلاء الذين يقولون بالقضية الواحدة ، وهذه مسألة أيضًا مهمة أن نعرف كلام الشيخ فيها يقول : « ومن جملة المسائل التي توضح خطأهم وتكشف ضلالهم أن يقال لهم : « متى يحكم على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وقد يكون يصلي أنه ارتد عن دينه ؟  أيكفي مرة واحدة ؟ أم أنه يجب أن يعلن أنه مرتد عن الدين ؟ !

إنهم لن يعرفوا جوابًا ولن يهتدوا صوابًا ؛ فنضطر إلى أن نضرب لهم المثل التالي فنقول : قاض يحكم بالشرع هكذا عادته ونظامه لكنه في حكومة واحدة زلت به القدم فحكم بخلاف الشرع أي أعطى الحق للظالم وحرمه المظلوم ، فهذا قطعًا حكم بغير ما أنزل الله ، فهل تقولون بأنه كفَر كفر ردة ؟ ! » .

الشرح :

انظر إلى المثال فهو أتى بمثال في الذي عنده القانون المعلن هو الشرع ، وخالف في قضية معينة ، فهذا إما أنه متأول معذور ، وإما أنه كافر كفرًا أصغر ، فيسألهم الشيخ : هل ستقولون كفر ردة ؟ .

يقول : « سيقولون : لا ؛ لأن هذا صدر منه مرة واحدة » ( وهذه ليست العلة ) لأن هذا صدر منه بلا تبديل في قضية معينة ( وليست في واحدة ) مع بقاء أصل الشرع معروف عنده ( فقال : « ماذا لو قضيتين أو أكثر » .

فيقول : « أنهم لن يستطيعوا أن يضعوا حدًا عنده يقولون أنه كفر كفرًا أكبر في حين يستطيعون عكس ذلك تمامًا إذا علم منه أنه في الحكم الأول ( من مرة واحدة فقط ) استحسن الحكم بغير ما أنزل الله - مستحلًا له - ، واستقبح الحكم الشرعي ، فساعة إذن يكون الحكم عليه بالردة صحيحًا ، ومن المرة الأولى وعلى العكس من ذلك لو رأينا منه عشرات الحكومات في قضايا متعددة خالف فيها الشرع ، وإذا سألناه : لماذا حكمت بغير ما أنزل الله تعالى فرد قائلًا: خفت وخشيت على نفسي ، أو ارتشيت مثلًا ، فهذا أسوأ من الأول بكثير ، ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقول بكفره حتى يعرب عما في قلبه بأنه لا يرى الحكم بما أنزل الله  ـ عزوجل  ـ  ، فحينئذ فقط نستطيع أن نقول أنه كافر كفرًا أكبر .

الشرح :

كلام ممتاز جدًا ويبقى السؤال : لو أنه من بداية الأمر قال أنه من الآن فصاعدًا وإلى ما شاء الله لن يحكم بما يخالف الشرع ، فهذه قضية التبديل ، وانتبه أن هنا الكلام على قضاة لم يكونوا يكتبون القانون عندهم ، وإنما القاضي هو كل شيء فهو يحكم في الأصل بشرع الله ، ولكنه ظلم المظلوم وأعطى الحق للظالم ؛ لأنه أخذ الرشوة ، وليس تبديلًا لشرع الله ولكن لو سئل : لماذا فعلت ذلك ؟ فقال : هذا هو الشرع ولكن أستحسن هذا ، فهذا يكفر من أول مرة ، والسؤال عن الذي قبل أن يطبق قال أنه يعتزم في كل مسألة تعرض عليه فيها قضية زنا أنه لا يراه جريمة إلا إذا كان باغتصاب أو كان دون السن إلى غير هذا ؟ ! .

فهذا استحسن أو لم يستحسن أعرب عما في قلبه أم لم يعرب ، فلو تأملت كلام الشيخ ستجد أن كلامه واضح ، فالقضية كلها أنه استثنى حالة كان يمكن الخلاف أن يكون معه فيها هين ، وهي حالة شخص ورث قوانين وهو غير مستحسن لها ، ويقول أنوي تغييرها فهو يتكلم هنا بمثال مجرد آخر اتضح فيه الكلام جدًا أنه حكم في مرة فلما سئل عن ذلك قال : رشوة ، ومرة أخرى قال : هوى ، وكذلك أكثر من مرة يفعل ذلك ، فهذا لا يكفر .

ولو قال من أول مرة : استحسانًا فقال أن هذا هو الاستحلال الذي نقول عليه أنه يكفر كفرًا أكبر ، والسؤال بناء على كلام الشيخ : لو أن هذا هو الكلام الذي عندك وقيل لك رجل سألته : ماذا تنوي أن تقضي في حالات الزنا التي تعرض عليك فقال : لن نرجمها إلا في حالات كذا وكذا ، نقول له : هذا يخالف حكم الشرع ، يقول : نعرف ولكن أنا ملزَم بحكم غير الشرع ، فهذا كما قال الشيخ محمد بن إبراهيم : سواء قال الشرع حسن أو قال ليس بحسن ، فلن تختلف ، فهذا أعرب عما بقلبه أنه مستحسن لهذا الحكم أو مجوز للحكم به ، فليس لها احتمال آخر إلا الاحتمال الذي ذكره أنه يقول : لا أرى ، ولا أرضى ، ولا أجوز  ولكن سأستمر بالعمل به اضطرارًا ، وهذه حالة كان من الممكن أن نناقشها كحالة معينة ، وليس كأصل الحكم في المسألة ، وكلام الشيخ واضح في هذه المسألة إلى أن يقول :

«  إذن الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل إنما علاقته الكبرى بالقلب » .

الشرح :

فما زال يذكر مثال قاضي حكم في هذه القضية ، وبعد أن حكم وانتهى سألناه :هل هذا  الحكم مخالف للشرع ؟ فقال : نعم ، ولكن أخذ رشوة ، والثاني قال أنه استحسانًا ، فما زال هناك سؤال أن الأول قبل أن تأتيه قضية قال أنه سيعمل كذا كذا فما حكم هذا ؟ اجرِهِ على القواعد ؛ لأن الشيخ الألباني لما ذكر المعاصرين قال: ورثوا أمورًا سيئة ، ويعدون بالتحسينات ، ولما ذكر مثال لم يذكر شخصًا نص على القوانين مجردة ثم طبق على وقائع بل بالعكس هو كأنه تكلم على قاضٍ لم ينازع في المسألة ، ولكن الخلاف ظهر في التطبيق ، ولما تسأله لماذا ؟ يقول لك : بسبب الرشوة ، وماذا عمن أعرب عن نفسه وقال أنه لن يطبق إلا هذا ؟ وأنه لو سمع عن أحد غيره طبق غير هذا فسوف يتعرض للذم والعقاب ؟ ! .

قلنا المسألة إن كانت من أجل اشتراط الاستحلال فالأمر أعظم من الاستحلال ، فقد وصل إلى تحريم الحكم بما أنزل الله كما هو بين ، ثم يؤكد أن الكفر الاعتقادي ليس له علاقة أساسية بمجرد العمل ، وإنما علاقته بالقلب .

ثم يقول معلقًا لما عرض عليه المسألة يقول علي حسن عبد الحميد : « قال العلامة الألباني معلقًا : « ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفرًا اعتقاديًا ؛ لأنها تدل على كفر دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره كمثل من يدوس المصحف مع علمه به وقصده له » .

وهذه قضية مهمة جدًا ، والتي قلناها أنه ليس هناك مصلحة حينما  يصل الأمر إلى المعين ، فليس لنا غرض في بحثه ؛ لأن الدين الذي تعبدنا الله تعالى بنشره وتعبدنا بنقله هو بيان الأحكام ، أما تطبيقه على معينين لا سيما إن لم يكن يترتب على ذلك ثمرة ، فليس بالذي يستأهل الخلاف والصدام وجر الإشكالات ونحو هذا .

يقول : « ولقد قلت - وما أزال أقول - لهؤلاء الذين يدندنون حول تكفير حكام المسلمين : « هبوا أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة ، وهبوا أيضًا أن هناك حاكمًا أعلى على هؤلاء ، فالواجب - والحالة هذه - أن يطبق هذا الحاكم الأعلى فيهم الحد ، ولكن الآن ماذا تستفيدون أنتم من الناحية العملية إذا سلمنا جدلًا أن هؤلاء الحكام كفار كفر ردة ؟ ماذا يمكن أن تصنعه وتفعله ؟ إذا قالوا : ولاء وبراء .

فنقول :الولاء والبراء مرتبطان بالموالاة والمعادة قلبية وعملية ، وعلى حسب الاستطاعة ، فلا يشترط لوجودهما إعلان التكفير وإشهار الردة ، بل إن الولاء والبراء قد يكونان في مبتدع أو عاصٍ أو ظالم .

ثم أقول لهؤلاء : ها هم هؤلاء الكفار قد احتلوا من بلاد المسلمين مواقع عدة ونحن مع الأسف ابتلينا باحتلال اليهود لفلسطين ، فما الذي نستطيع - نحن وأنتم - فعله مع هؤلاء حتى تقفوا أنتم وحدكم ضد أولئك الحكام الذي تظنون وتدعون أنهم من الكفار ؟ , هلا تركتم هذه الناحية جانبًا وبدأتم بتأسيس القاعدة التي على أساسها تقوم قائمة الحكومة المسلمة وذلك باتباع سنة رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  التي ربى أصحابه عليها ونشأهم على نظامها وأساسها .

نذكر هذا مرارًا ونؤكده تكرارًا لا بد لكل جماعة مسلمة من العمل بحق لإعادة حكم الإسلام ليس فقط على أرض الإسلام بل على الأرض كلها ، وذلك تحقيقًا لقوله تبارك وتعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾ [ التوبة : 33 ] ولقد جـاء في بعـض بشائر الأحاديث النبوية أن هذه الآية ستتحقق فيما بعد .

فلكي يتمكن المسلمون من تحقيق هذا النص القرآني والوعد الإلهي لا بد من سبيل بين وطريق واضح ، فهل يكون ذلك الطريق بإعلان ثورة على هؤلاء الحكام الذين يظن هؤلاء أن كفرهم كفر ردة ؟ ! ثم مع ظنهم هذا - وهو ظن غالط خاطئ - لا يستطيعون أن يعملوا شيئًا ، إذن ما هو المنهج وما هو الطريق ؟ .

الشرح :

 يبين / أن المنهج هو التصفية والتربية ودعوة الناس إلى الحق .

هنا تعليق للشيخ العثيمين / الذي أشرنا إليه عدة مرات ، وهذا التعليق على قول  العلامة الألباني : « أن حتى الكفار الأصليين كاليهود لم تستطع الأمة أن تفعل شيئًا معهم فما المصلحة في الدندنة حول تكفير غيرهم ؟ » .

يقول على حسن عبد الحميد : « قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : « هذا الكلام جيد ، يعني هؤلاء الذين يحكمون على الولاة المسلمين بأنهم كفار ماذا يستفيدون إذا حكموا بكفرهم ؟ أيستطيعون إزالتهم ؟ لا يستطيعون ، وإذا كان اليهود احتلوا فلسطين قبل نحو خمسين عامًا ، ومع ذلك ما استطاعت الأمة الإسلامية كلها عربها وعجمها أن يزيحها عن مكانها ، فكيف نذهب ونسلط ألسنتنا على ولاة يحكموننا ؟ ونعلم أننا لا نستطيع إزالتهم وأنه سوف تراق دماء ، وتستباح أموال وربما أعراض أيضًا ، ولن نصل إلى نتيجة .

إذن ما الفائدة ؟ حتى لو كان الإنسان يعتقد فيما بينه وبين ربه أن من هؤلاء الحكام من هو كافر كفرًا مخرجًا من الملة حقًا ، فما الفائدة من إعلانه وإشاعته إلى إثارة الفتن ؟ كلام الشيخ الألباني هذا جيد جدًا ، ولكن قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، فهذه المسألة تحتاج إلى نظر ؛ لأننا نقول من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى ( يعني هو ما زال يطبق شرع الله ولكن يقول : ليتكم تأتون لنا بغيره ) فهو كافر ، وإن حكم بحكم الله ، وكفره كفر عقيدة ولكن كلامنا على العمل ( فهنا يقول أن مسألة القلب هذه محسومة ، ولكن الكلام هنا على العمل أنه يحكم بغير شرع الله ماذا سنستفيد من ذلك حتى العمل التبديل يستفاد منه كفر العقيدة ) وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانونًا مخالفًا للشرع يحكم فيه في عباد الله إلا وهو يستحله ، ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي فهو كافر هذا هو الظاهر ، وإلا ما الذي حمله على ذلك ، قد يكون يحمله على ذلك خوفًا من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه فيكون هنا مداهنًا لهم فحينئذ نقول : إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي .

يثني على حسن عبد الحميد على الشيخ العثيمين أنه يقول: (  قد ) و(تحتاج وإلى نظر ) و( قد نخالفه ) فإن هذا من حسن الأدب وهذا فعلًا كذلك ، ولكن ليس معناه في النهاية ما خلص إليه في المقدمة أنه موافق ، فهو اعترض ولكن بأدب يناسب العلماء مع بعضهم البعض .

قال : هذه المسألة تحتاج إلى نظر لأننا نقول من حكم بحكم الله وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى فهو كافر ، وإن حكم بحكم الله وكفره كفر عقيدة ، ولكن كلامنا على العمل وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانونًا (انتبه أن التشريع العام الذي وضعه في الأول يغنينا  أن نسأله كل مرة مثل المثال الذي قاله الشيخ الألباني سنسأله في كل مرة لماذا ؟ حينما وضع قانونًا مقررًا سيحكم به في كل مرة أغنانا عن السؤال كما ذكرنا )والشيخ العثيمين: يقول :وفي ظني أنه من يطبق قانوناً مخالفاً للشرع يحكم به في عباد الله لا يمكن إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من القانون الشرعي فهو كافر هذا هو الظاهر وإلا فما الذي حمله على ذلك قد يكون الذي يحمله على ذلك خوفًا من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهنًا لهم فحينئذ نقول : « إن هذا كالمداهن في بقية المعاصي » .

أيضًا الحالة التي استثناها الشيخ الألباني كأن العثيمين يقول لو أن هذه هي الحالة فقط كان ممكن نتكلم فيها وهذا ما يفهم من كلام الشيخ العثيمين .

يقول : « وأهم شيء في هذا الباب هو مسألة التكفير الذي ينتج العمل وهو الخروج على هؤلاء الأئمة وهذا هو المشكل نعم لو أن إنسانًا عنده قوة ومقدرة يستطيع أن يصفي كل حاكم كافر له ولاية على المسلمين ، كان هذا مما نرحب به إذا كان كفرًا بواحًا عندنا فيه من الله برهان ، ولكن المسألة ليست على هذه الصفة وليست هينة » .

يقول علي حسن عبد الحميد : « قال شيخنا معلقًا ( يقصد الألباني ) لم يظهر لي وجه احتمالية هذه المخالفة .

الشيخ العثيمين يقول : كلام الشيخ الألباني هذا جيد جدًا في أنه ليس هناك مصلحة في الكلام على المعين ، ولكن قد نخالفه (وهنا أيضًا من المبالغة في الأدب ، فإن هذه الجزئية مرت قبل هذه ، ولكن لم يقل المخالفة عندها ، ولكن انتظر حتى ترد في جزئية موافقة فقالها وقال : إذا كنا سنوافق على هذه فإننا نعترض على الأخرى ، وهذا كله أدب عالٍ بلا شك فهو أجل الاعتراض حتى مر بموطن فقال : نحن نوافق على كذا وكذا بدلًا من أن يصدر المخالفة ).

يقول علي حسن عبد الحميد يقول : قال شيخنا معلقًا ( يقصد الألباني ) : « لم يظهر لي وجه احتمالية هذه المخالفة ، إذ أنني أقول لو أن أحدًا من الناس - ولو من غير الحكام - رأى أن حكم غير الإسلام أولى من حكم الإسلام ، ولو حكم بالإسلام عملًا فهو كافر » .

 إذن لا اختلاف فإن المرجع أصلًا إلى ما في القلب .

إذن هذه موافقة عالية جدًا من الشيخ الألباني للشيخ العثيمين على هذا الكلام ولكن يبقى ما ذكرنا دمج الحالات في بعض أو دمج الحكم في الفتوى أو تعميم حالة ليس هي العامة هذه المسألة لا بد من تبيينها .

في طبعة « فتنة التكفير » لعلي حسين أبو لوز أضاف سؤالًا خارجيًا سئل الشيخ العثيمين لعله من مواطن أخرى يقول : وقد سئل فضيلة الشيخ العثيمين عن الشبهة التالية وهي هناك شبهة عند كثير من الشباب هي التي استحكمت في عقولهم وأثارت عندهم مسألة الخروج ، وهي أن هؤلاء الحكام المبدلون وضعوا قوانين وضعية من عندهم ، ولم يحكموا بما أنزل الله ، فحكم هؤلاء الشباب بردتهم وكفرهم ، وبنوا على ذلك ما داموا كفارًا فيجب قتالهم ، ولا ينظر إلى حالة الضعف ؛ لأن حالة الضعف قد نسخت كما يقولون بآية السيف ، فما عاد هناك مجال للعمل بمرحلة الاستضعاف التي كان عليها المسلمون في مكة  فأجاب فضيلته عن هذه الشبهة فقال :

لا بد أن نعلم أولًا هل انطبق عليه وصف الردة أم لا ؟ وهذا يحتاج إلى معرفة الأدلة الدالة على أن هذا القول أو الفعل ردة ثم تطبيقها على شخص بعينه ، وهل له شبهة أم لا ؟ .

يعني قد يكون النص قد دل على أن هذا الفعل كفر ، وهذا القول كفر لكن هناك مانع يمنع من تطبيق حكم الكفر على هذا الشخص المعين ، والموانع كثيرة منها : الظن وهو جهل ومنها : الغلبة ، فالرجل الذي قال لأهله : « إذا مات فحرقوني واسحقوني في اليم ،  فإن الله لو قدر علي ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحد من العالمين » ,  هذا الرجل ظاهر عقيدته الكفر والشك في قدرة الله ، ولكن الله لما جمعه وخاطبه ، قال : « يا رب إني خشيت منك » أو كلمة نحوها فغفر له ، فصار هذا الفعل منه تأويلًا .

ومثل ذلك الرجل الذي غلبه الفرح وأخذ بناقته قائلًا : « اللهم أنت عبدي وأنا ربك » كلمة كفر لكن هذا القائل [ لا ]  يكفر ؛ لأنه مغلوب عليه ، فمن شدة الفرح أخطأ أراد أن يقول : « اللهم أنت ربي وأنا عبدك » فقال : « اللهم أنت عبدي وأنا ربك » .

والمكره يكره على الكفر فيقول كلمة الكفر أو يفعل فعل الكفر ، ولكن لا يكفر بنص القرآن ؛ لأنه غير مريد وغير مختار .

وهؤلاء الحكام نحن نعرف أنهم في المسائل الشخصية كالنكاح والفرائض وما أشبهها يحكمون بما دل عليه القرآن على اختلاف المذاهب ، وأما في الحكم بين الناس فيختلفون ... ولهم شبهة يوردها لهم بعض علماء السوء » .

فعند الشيخ العثيمين هنا مجال للكلام على المعين أنه من الممكن أن يكون هناك شبهات أو غير هذا ، فالكلام على المعين وارد ويقول : لهم شبهة يوردها لهم بعض علماء السوء يقولون إن النبي  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  يقول : «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وهذا عام ، فكل ما تصلح به الدنيا ، فلنا الحرية فيه لأن الرسول  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  قال:« أنتم أعلم بأمور دنياكم » وهذا لا شك شبهة لكن هل هو مسوغ لهم في أن يخرجوا عن قوانين الإسلام في إقامة الحدود ومنع الخمور وما شابه ذلك وعلى فرض أن يكون لهم في بعض النواحي الاقتصادية شبهة فإن هذا ليس فيه شبهة وأما تمام الإشكال المطروح ( يعني بعد أن أشار إلى أن هناك فرق بين النوع والعين فحتى المعين كما في صلب الفتوى المتأكدين منه كاليهود يراعى مسألة المصالح والمفاسد ) .

وأما تمام الإشكال المطروح - مسألة أن المستضعف يعمل بآية الاستضعاف – فيقال فيه : إذا  كان الله تعالى بعد أن فرض القتال قد قال :﴿ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مائتين وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون﴾ [ الأنفال : 65 ] فكم هؤلاء ؟ ! واحد بعشرة .

ثم قال :﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مائتين وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين﴾ [ الأنفال :66 ] وقد قال بعض العلماء : إن ذلك في وقت الضعف والحكم يدور مع علته ، فبعد أن أوجب الله عليهم مصابرة العشرة قال : ﴿الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ .

ثم نقول: « إن عندنا نصوصًا محكمة تبين هذا الأمر وتوضحه منها قوله تعالى :﴿ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [ البقرة : 286 ] فالله  ـ سبحانه وتعالى ـ  لا يكلف نفسًا إلا وسعها وقدرتها ، والله تعالى يقول : ﴿  فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ .

فلو فرضنا أن الخروج المشار إليه على هذا الحاكم واجب ، فإنه لا يجب علينا ونحن لا نستطيع إزاحته ، فالأمر واضح ، ولكن الهوى يهوي بصاحبه » .

الشرح :

هذا التعليق مفيد جدًا أيضًا في هذه الطبعة ، وطبعاً سواء الطبعة التي بإشراف علي حسن عبد الحميد أو الطبعة التي بإشراف علي بن حسين أبو لوز أضيف إليها بعض الفتاوى مجموعة من كتب الفتاوى المختلفة ، منها فتوى للشيخ العثيمين لتأكيد المسألة التي ذكرنا حينما ، وحينما نقول قضية معينة فإننا نفرق بين أن يكون هناك تبديل القانون المكتوب [ بالشرع ] وبين أن تكون قضية معينة .

يقول : وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين أيضًا :

هل هناك فرق بين المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي وبين المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا؟ فأجاب : نعم هناك فرق ، فإن المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق أنه أكبر وأصغر ، فالاحتمال حسم التشريع العام أنه اختار وهذا عمل قلبي ، اختاره ورضي به ، فإنها من القسم الأول فقط ؛ لأن هذا المشرع تشريعًا يخالف الإسلام إنما شرعه ؛ لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام ، وأنفع للعباد ، كما سبقت الإشارة إليه ، والحكم بغير ما أنز الله ينقسم إلى قسمين :

أحدهما : أن يستبدل هذا الحكم بحكم الله تعالى بحيث يكون عالمًا بحكم الله ، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى وأنفع للعباد من حكم الله ، أو أنه مساوٍ له ، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز ، فيجعله القانون الذي يجب التحاكم إليه ، فمثل هذا كافر كفرًا مخرجًا من الملة » .

وهذا نفس كلام الشيخ محمد بن إبراهيم .

« لأن فاعله لم يرض بالله ربًا ولا بمحمد رسولًا ولا بالإسلام دينًا وعليه ينطبق قوله تعالى : ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُون ﴾[ المائدة :50 ] وقوله تعالى :﴿ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون ﴾ وقوله تعالى : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُم فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم﴾ .

ولا ينفعه صلاة ولا زكاة ولا صوم ولا حج ؛ لأن الكافر ببعضه كافر به كله ، قال تعالى : ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون ﴾ [ البقرة  :  85 ] وقوله  ـ سبحانه وتعالى ـ  :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ [ النساء : 151 ] .

الثاني : أن يستبدل بحكم الله حكمًا مخالفًا له في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانونًا يجب التحاكم إليه » .

فهنا واضح أن الشيخ وضع القيود التي تزيل الإشكال في المسألة ، فله ثلاث حالات وهذا الذي فيه التفصيل وهو الذي خالف في القضية المعينة ؛ لأنه لو خالف في القضية المعينة مستحلًا ، إذن فما زال يمكن أن يكفر فالأول استحل وانخرم باطنه باختياره غير شرع الله تعالى .

أما الذي خالف في قضية معينة فمن الممكن أن يكون مستحلًا ، ومن الممكن أن يكون غير مستحل ، فالتفصيل إنما يقال هنا ،  إذن فحينما يقال : إن بعض العلماء يقولون : « إذا استحل » فهذا هو التوضيح ، فمتى يقال إذا استحل ؟ ففي الأول يكون من باب تحصيل الحاصل ؛ لأنه مستحل فعلًا كما ذكر العثيمين  ووافقه الألباني ، فمن الذي من الممكن أن يتأتى فيه التفصيل ؟ الجواب الذي خالف في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانونًا عامًا .

يقول : « فله ثلاث حالات :

الأولى : أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله تعالى معتقدًا أن ما خالفه أولى منه وأنفع للعباد أو أنه مساوٍ له أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز فهذا كافر كفرًا مخرجًا عن الملة لما سبق في القسم الأول » .

لأن من الممكن لمن يخالف في قضية معينة - مثل المثال الذي ذكره الألباني - فأنت لا تعرف له قانونًا مكتوبًا عنده ولم تر له إلا قضية معينة ، ولما سألته فيها قال : هذه فرع على اعتقاد أي فرع على حكم يراه هو الأصلح ، فهذا هو الأول بعينه رغم أنك لم تعرف الحكم هذا عنده إلا في هذه القضية المعينة ، فحينما سألته قال : لأني أنا أرى أن هذا الحكم هو الأفضل .

         يقول : « الثانية : أن يفعل ذلك عالمًا بحكم الله معتقدًا أنه أولى وأنفع لكن خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه ، أو نفع المحكوم له ، فهذا ظالم ، وليس بكافر ، وعليه يتنزل قوله تعالى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [ المائدة : 45 ] .

الثالثة : أن يكون كذلك لكن خالفه لهوى في نفسه أن مصلحة تعود عليه ، فهذا فاسق وليس بكافر ، وعليه يتنزل قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [ المائدة : 47 ] .

كأنه حمل الكفر على الأكبر ، وقال أن هذا الذي رضي بغير حكم الله والظلم حينما يكون بين العباد ، فيأخذ حقًا من شخص ، وأعطاه للآخر لهوى في نفسه جعله أولى بوصف الفسق ، وإن كان الثلاثة منهم أكبر وأصغر ولكن هذا ناسب التنويع في الحالات .

يقول : « وهذه المسألة أعني مسألة الحكم بغير ما أنزل الله من المسائل الكبرى التي ابتلي بها حكام هذا الزمان ، فعلى المرء أن لا يتسرع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه حتى يتبين له الحق ؛ لأن المسألة خطيرة » .

ويتضح هنا الشيخ العثيمين يحاول أن يحجز الناس عن الخوض في الكلام على المعين ، فالمسألة بيان العقيدة وبيان الحكم المطلوب .

يقول : « نسأل الله تعالى أن يصلح للمؤمنين ولاة أمورهم وبطانتهم ، كما أن على المرء الذي أتاه الله العلم أن يبينه لهؤلاء الحكام ؛ لتقوم الحجة عليهم ، وتبين المحجة ، فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، ولا يحقرن نفسه عن بيانه ، ولا يهابن أحدًا فيه ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين » .

إذن فالكلام واضح متى نقول : إذا استحل ، ومتى لا نقول .

أيضًا يذكر فتوى أخرى للجنة برئاسة ابن باز يقول : سئلت اللجنة الدائمة : من لم يحكم بما أنزل الله هل هو مسلم أم كافر كفرًا أكبر وتقبل منه أعماله ؟

فأجابت اللجنة : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وصحبه وبعد :

قال تعالى :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ وقال تعالى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾وقال تعالى﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ ولكن إن استحل ذلك واعتقده جائزًا فهو كفر أكبر وظلم أكبر وفسق أكبر يخرج من الملة .

وإما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر ، وهو يعتقد تحريم ذلك ، فإنه آثم يعتبر كافرًا كفرًا أصغر ، وظالمًا ظلمًا أصغر ، وفاسقًا فسقًا أصغر لا يخرجه من الملة كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآية المذكورة » .

إذن فلا بد يضاف إلى هذا الكلام كلام الشيخ العثيمين ، أن هذا التفصيل يتأتى في القضية المعينة التي لم يسبقها تشريع عام ، كما فصل / وبين ، وفي الإجابة المطولة للشيخ الألباني واعتراض العثيمين عليها ما يوضح هذا أيضًا الفتوى هنا كأن اللجنة اكتفت بذكر التفصيل أنه إذا استحل وإذا لم يستحل .

وهناك سؤال آخر للجنة برئاسة ابن باز : متى يجوز التكفير ؟ ومتى لا يجوز ؟ وما نوع التكفير المذكور في قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾؟

فأجابت : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد :

وأما قولك متى يجوز التكفير ومتى لا يجوز ؟ فنرى أن تبين لنا الأمور التي أشكلت عليك حتى نبين لك الحكم فيها .

هو كأنه يسأل على قضية التكفير ، وهذه لجنة فتوى ، وليس أن يسأل فيبعثوا له بكتاب مثلًا ، كأن هذا الجزء من السؤال لن يجاب أما إذا كان السؤال على هذه الآية بعينها .

ففتوى اللجنة : « وأما نوع التكفير في قوله تعالى :﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ فهو كفر أكبر » .

وهذه هي اللجنة برئاسة ابن باز فلا بد أن نضم الكلام بعضه إلى بعض ، ولو تتبعت كلام الشيخ ابن باز التفصيلي حينما يسألونه متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا أكبر ؟ يقول : إذا استحل .

فإذا سألوه : وإذا استحسن ؟ فيقول : هذا كفر مستقل ، إذن « إذا استحل » يتكلم عن شخص لا نعرف لماذا هو فعل ذلك ؟ فهو حكم في قضية معينة بحكم مخالف للشرع ، فتسأله يقول استحل فهذا يكفر كفر أكبر ، إذن فقيد الاستحلال المذكور عند كثير من أهل العلم عند من لم يعرف عنده تبنٍ لتشريع عام مخالف للشرع .

إذن فيحتمل الأكبر والأصغر بناء على هل استحل أم لا ؟ أما من عرف عنه تبنيه لتشريع عام مخالف للشرع وسواء سميت هذا التبديل أو لم تسمه ، فالبعض يقول مصطلح التبديل عند المعاصرين وليس هو مصطلح التبديل عند القدماء .

فهناك كلام محكم يبين أن من رضي بغير شرع الله استحل وانتهينا منه فلا نحتاج أن نسأله ، فسواء سمي هذا استحلالًا أو سمي رضا أو سمي انخرامًا للباطل سمه ما شئت ، فهذه هي حالة الكفر الأكبر الواضحة .

ومن الممكن أن يأتي كلام على المعين ، فنقول : هذا نوع ، ولكن المعين يحتاج لوجود شروط وانتفاء موانع ، لكن الذي يحكم في قضية معينة دون أن يعلم عنه تبنٍ للحكم العام قبل ذلك فهذا هو الذي نسأله عن استحلاله وعدم استحلاله ، فلا يأتي شخص يأخذ كلام لبعض العلماء ويترك البعض الآخر .

قال القرطبي في « تفسيره » : قال ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد رحمه الله : ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً للقرآن وجحداً لقول الرسول  ـ صلى الله عليه وسلم ـ  فهو كافر » .

وأما من حكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أنه عاصٍ لله ، ولكن حمله على الحكم بغير ما أنزل الله ما يدفع إليه من الرشوة ، فهذا الذي يدفع إليه رشوة ليس متصور أن يكون متبنٍ لتشريع عام فالكلام على قضية معينة ) أو عداوته للمحكوم عليه أو قرابته أو صداقته للمحكوم له ونحو ذلك ، فهذا لا يكون كفره أكبر ، بل يكون عاصيًا لله ، وقد وقع في كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق كما ذكرنا .

من هنا يتضح - بفضل الله تبارك وتعالى - موقف العلماء المعاصرين في المسألة ، وإن هناك مسألة ، وكأنها كانت خارجة عن موضوع البحث ، وجرها البعض إلى الدخول وهي مسألة التبديل سواء سمي تبديلًا أو سمي تشريعًا عامًا ، فمسألة من رضي بغير شرع الله ، فهذه مسألة ليس عليها خلاف لا بين ابن تيمية وابن القيم ومحمد ابن إبراهيم والشنقيطي وابن كثير ولا ابن باز والعثيمين والألباني .

فكل هؤلاء متفقين على أن هذه حالة كفر أكبر ، وأكد المعاصرون أكدوا علينا أن لا  نتسرع في الحكم المعين ، فلو أنه اعتذر بعذر نقبله ، لأننا ليس أمامنا غير هذا .

فالمشكلة أنك مستضعف ثم تلبس نفسك ثوب الممكن ، فهو لو اعتذر بعذر فأقبله مؤقتًا حتى تمكن ، فالواقع أن ليس الأمر كذلك ، فالكلام كله على المعين كما ذكرنا والتي فيها تفصيل القضية المعينة ، والأصل فيها أنها أصغر ، وبالتالي يناسب هنا ذكر قيد الاستحلال أنه إذا استحل ينقلب أكبر ؛ لأن هي في أصلها كفر أصغر .

وبذلك نكون قد انتهينا مما أردنا ذكره في هذه القضية قضية الحكم بغير ما أنزل الله واختلاف الاتجاهات الإسلامية المعاصرة فيها ، وقد مهدنا بمناقشة طويلة للعالمانية وجذورها والأسباب التي أدت إلى انتشارها ، ونعود في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى إلى كتاب « فتح المجيد » مرة أخرى ، وقد نفرد محاضرة مختصرة موجزة لمناقشة شبهات العالمانيين ، فهذه قضية كثيرة الفروع ، وفرع منها  وهو مناقشة الخلافات الداخلية بين الحركات الإسلامية لأنه يسبب إعاقة للعمل لدين الله وانتشار الدعوة واستنزاف طاقات كثيرة في المحاورات الجانبية .

وأيضًا رد الشبهات التي يرددها دعاة في محاولة صد الناس عن تطبيق شرع الله أو إيهامهم  أن تطبيق القوانين الوضعية أو تطبيق نظم غير إسلامية في الحياة بصورة أشمل كما بينا  لا يتصادم مع إيمان المؤمن ، وقد تكلمنا عنها بالتفصيل ولكن قد تكون هناك شبهات لم نجب عنها إجابة مركزة ، فقد نفرد لها المحاضرة القادمة .

موقع أنا السلفي

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1564 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1705 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2032 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2028 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1666 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥