الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المعارك الفكرية ملهاة عن السياسية ، أم ضرب في الأعماق؟

ويذهب المحللون مذاهب شتى في تفسير الارتباط بين هذه الزوابع الفكرية و بين تللك الاستحقاقات

المعارك الفكرية ملهاة عن السياسية ، أم ضرب في الأعماق؟
عبد المنعم الشحات
الأحد ٠٣ مايو ٢٠١٥ - ٠٨:٢٨ ص
1979

المعارك الفكرية ملهاة عن السياسية ، أم ضرب في الأعماق؟

 كتبه / عبد المنعم الشحات

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم .. وبعد

 تمهيد: الاستحقاقات السياسية حديث الساعة

 

الاستحقاقات السياسية هي الحدث الأعلى صخباً، والمستحوذ على اهتمام شرائح أكثر من الشعب المصري من كافة التيارات، فالجميع يترقب موعد قانون الانتخابات و الطعون عليه، و الجميع يتساءل عن موعد إجراء الانتخابات القادمة و عن التحالفات و القوائم و الفرص و ....

 

وحتى الذين اختاروا سياسة "هدم الدولة" - نسأل الله أن يهديهم إلى رشدهم و أن يردهم عن غيهم - و بالتالي فهم لن يشاركوا في الانتخابات بل و لا في الدعوة السلمية بالحكمة و الموعظة الحسنة و لا في أي شيء من هذا القبيل و مع هذا؛ شغلهم الشاغل هو هذه الانتخابات، لأنهم مشغولون بتعطيلها ضمن مسلسل "هدم الدولة" الذى يتبنونه.

 

و في ظل هذا الانشغال الدائم بهذه الأحداث يتعمد البعض أن يفجر كل يوم قضية فكرية جديدة تثير صخبا و تصبح حديث الناس!

 

ويذهب المحللون مذاهب شتى في تفسير الارتباط بين هذه الزوابع الفكرية و بين تللك الاستحقاقات السياسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى في العلاقة بين تلك الزوابع الفكرية بعضها البعض.

 

وفي هذا المقال نستعرض أهم معركتين فكريتين مثارتين الآن، ثم نتناول بالتحليل العلاقة بينها و بين الاستحقاقات السياسية، وهاتان القضيتان هما:

 

أ- دعوات الاكتفاء بالقرآن أو إخضاع السنة للذوق.

 

ب- العلمانية المفلسة و محاولة فاشلة لاستنساخ الدعوة لخلع الحجاب.

 

المعركة الفكرية الأولى : دعوات الاكتفاء بالقرآن أو إخضاع السنة للذوق.

 

الدعوات إلى حرق كتب التراث و تكذيب كتب السنة و الاكتفاء بالقرآن، وهي الدعوات التي يرددها كثيرون، وليس إبراهيم عيسى أو البحيري فقط ، وإن كان الأخير قد تنصل من الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن لعدم قدرته على الدفاع عنها في مناظرته الشهيرة مع الشيخين أسامة الأزهري والجفري و فر منها إلى دعوى أنه يريد أن يخلص السنة من قيد الإسناد و أن يعتمد على العقل، وكان صريحا جدا حينما عطف عليه "الذوق"، إذن فهو يريد إلقاء جميع قواعد علم الحديث و المنبثقة من قوله تعالى "يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " و يجعل معيار القبول و الرد لما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هو الذوق، ولا يخفى على عاقل أن هذا المعيار يمكن أن يمرر أخبارا هي من رواية الفاسقين أو غير الأثبات الذين أمرنا برد أخبارهم بينما يرد أخبار الثقات العدول الذين جعل رسول الله الواحد منهم كافيا لإقامة الحجة على قبائل بأكملها في أصول الدين و فروعه.

 

المعركة الفكرية الثانية: العلمانية المفلسة و محاولة فاشلة لاستنساخ الدعوة لخلع الحجاب.

 

وهي فكرة سقيمة عقيمة تدل على أن العقل العلماني في غاية الإفلاس، فهم يعيشون على نتاج العلمانيين الأوائل، حيث كانت الثقافة الغربية الوافدة هي الجاذبة لكثير من عقول أبناء المسلمين، فأنتج هؤلاء هجوما شرسا على الهوية الإسلامية ما زالت الأجيال المعاصرة من العلمانيين تجتره وتعيش عليه،

 

وفي هذا الصدد لا بد من توضيح نقطتين:

 

الأولى: أن كثيرا من رموز العلمانية الأوائل في العالم الإسلامي قد تابوا إلى الله فكتم أتباعهم، ونشرت الآلة الإعلامية كلامهم حال الانبهار بالغرب ولم ينشروا بين الناس رجوعهم إلى حب إسلامهم وتمجيد تراثهم وفخرهم بشريعتهم، منهم على سبيل المثال طه حسين، كما بين ذلك الأستاذ الدكتور محمد عمارة في كتابه؛ "طه حسين من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام"

 

الثانية: أنه و منذ فترة ليست بالقليلة أفلست العلمانية ولم تستطع اجتذاب عقول جديدة إلا فيما ندر، بينما اتجه معظم الشباب الجامعي إلى الاعتناء بالعلوم الإسلامية، إما بدراسة متعمقة حتى من غير خريجي كليات العلوم الشرعية أو بدرجات دون ذلك، مع وجود تنوع منهجي كبير لدى هذا الجمهور.

 

المهم أن هذه العلمانية المفلسة قد حاولت استنساخ حركة سعد زغلول فى نزع "النقاب" من على وجه هدى شعراوي،

 

غير أن هذا الاستنساخ ولد ميتا، لعدة أمور يمكن أن تتضح من خلال عرض الفكرة القديمة التي أرادوا استنساخها.

 

القصة الأولى لمظاهرة خلع الحجاب:

 

الأول: رغم قدم الخلاف في؛ هل يجب على المرأة ستر جميع بدنها؟ أم يستثنى الوجه و الكفين من هذا الوجوب و يكون حكمهما الاستحباب؟ إلا أنه كان يسمى فقهيا بالخلاف في حد عورة المرأة، وكان أحيانا يسمى هذا الزي المستجمع للشروط "حجابا"، وقلما ترد كلمة نقاب اللهم إلا في نهي المحرمة أن تنتقب، و هذا في حد ذاته أحد أدلة شيوع ستر الوجه في زمن النبوة و أن الشرع منع المحرمة "دون غيرها" من إحدى صور تغطية الوجه "و هي النقاب" مع بقاء مشروعية الإسدال للمحرمة.

 

المهم أنه مع وجود هذا الخلاف فقد شاع في مصر "الحجاب المتضمن ستر الوجه و الكفين"، واشتهر هذا بين الناس باسم الحجاب.

 

و مع موجات التغريب و التي استهدفت -كما في جميع أطوارها- تعرية جسد المرأة ككل وإعطائها الحرية الجنسية وقصر مفهوم الزنا عند مفهوم الحرية الشخصية، وقاد هذا الحملات بعض النصارى، مثل؛ لويس عوض وبعض العلمانيين المتبجحين، مثل؛ أحمد لطفى السيد، بينما تصدى لها في بداية الأمر قاسم أمين ثم عاد من فرنسا ليكتب في إطارها العام ويناصر الدعوة لما يسمى بتحرير المرأة بحيث يظن القارئ أنه يتفق تماما مع كل فحواها مع هدم تصريحه بمصادمة المعلوم من الدين بالضرورة و إن كان لا يرد على قائليها.

 

و في هذه الأثناء كانت الريادة الدينية للشيخ محمد عبده رحمه الله، والذى كانت له جهود جيدة في تجديد دماء الدعوة إلى الله، إلا أن الثغرة الرئيسية التي أُتيَ منها هي وضعه لموافقة الغرب كأحد أهم المرجحات عند مسائل الخلاف، ولما كان الغرب يريد من المرأة العري، لم يجد الشيخ محمد عبده أكثر من الانتصار للقول بأن وجه المرأة و كفيها ليسوا بعورة، بل لم يكن يشير إلى أن القائلين بأنهما ليسا بعورة يرون أن سترهما مستحب

 

و من هنا التقط قاسم أمين الخيط ليجد لدعوته سندا دينيا، وكأن مشروع حياته هو "كشف وجوه المسلمات" ليس إلا، وأن هذا من باب التخفيف عن المرأة، لا سيما و أنها خرجت للدراسة و العمل و الثورة و أخيرا "تمثيل مصر في المؤتمرات الدولية".

 

و كان سعد زغلول يريد أيضا أن يعطي للغرب صورة أن مصر المستقلة ستكون أقرب إلى الغرب من "مصر العثمانية" و من ثم هَمَّ برفع البرقع عن وجه زوجته "صفية زغلول" إلا أنه تراجع في النهاية حتى استطاع رفعه من على وجه "هدى شعراوي" في بداية مؤتمر أعد لاستقباله بعد عودته من تمثيل مصر في فرنسا.

 

و من هذا السياق تتضح الفروق الجوهرية بين القصتين و منها:

 

1- أن الأجواء كانت مفعمة بآمال استقلال و تقدم و هي فترات تطيش فيها الأحلام، وأن من أقدم على هذا؛ رموز هذا الحراك.

 

2- أن الذى تم خلعه في المرة الأصلية هو البرقع و ليس كل الحجاب و أن هذا و إن جاء خلال زخم ثوري أشرب ثوب العلمانية قسرا (و إلا فإن المنبر الرئيسي لثورة 1919 كان هو منبر الأزهر)، إلا أنه استند إلى رؤية شرعية فيها جانب من الصواب و هي وجود الخلاف في حكم ستر الوجه و الكفين إلا أن ثمة خطأ فادح، بإهمال أن سترهما لا يقل عن الاستحباب و بالتالي لا يجوز النهى عنه بل يستحب الترغيب فيه.

 

3- أن الغالب على نساء هذا الزمان هو الالتزام بالزي الشرعي دون معرفة المستند الديني، فخال على بعضهن ادعاء أن الحجاب أحد مظاهر تسلط الرجل على المرأة، بينما يغلب على هذا الزمان معرفة أن الحجاب "فريضة" كالصلاة حتى عند غير المحجبات و بالتالي انبرت الكثيرات منهن للدفاع عن الحجاب، نسأل الله أن يهديهن للعمل بما علمن.

 

وفي هذا الصدد نريد أن نؤكد على فائدتين:

 

أ‌- في بداية فرض الحجاب على أمهات المؤمنين فوائد؛ منها الحرص على الآداب الاسلامية بصفة عامة وليس مجرد ستر الجسد فبدأ الله بضرورة عدم الخضوع بالقول، ثم أمرهن بأعلى درجات الحجاب و هي القرار في البيت وهي واجبة في حق أمهات المؤمنين مستحبة في حق باقي النساء، وأتى بالصلاة و الزكاة في ذات السياق، ثم ختم بالأمر الجامع لذلك كله وهو طاعة الله ورسوله، فقال تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (*) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأحزاب: 32، 33]

 

ثم بين بعدها الحجاب الواجب على جميع المؤمنات بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ } [الأحزاب: 59].

 

ب‌- يشيع بين الناس مفهوم خاطئ، وهو أن المتلبث بذنب ما يعرض عن سماع الأدلة على حرمته، بدعوى أنه متى استمع الى تلك الأدلة لزمه الاقلاع عن الذنب، وهو لا ينوي ذلك، فمن ثم يفضل عدم معرفة تلك الأدلة ليبقى جاهلا معذورا، وفي الواقع أن هذا يوقع نفسه في خطر داهم، ففعل المعصية ذنب، و أما إنكار أنها معصية يكون كفرا إذا كانت معلومة من الدين بالضرورة، وتجهيل النفس بالإعراض عن الحجة بعد وصولها ليس عذرا، وهذا قد يحدث في قضية مثل قضية الحجاب، فتجد بعض المتبرجات هوى في نفسها لتسمع للدعوات الطاعنة في وجوبه، والحمد لله أن الغالبية العظمى من غير المحجبات قد فطن إلى هذه السقطة الشنيعة، نسأل الله أن يهديهن إلى الحجاب وأن يتوب علينا وعليهن.

 

المعارك الفكرية "ملهاة عن السياسية" أو "ضرب في الأعماق"؟

 

و في هذا السياق اختلفت وجهات النظر في توصيف حال من يفتحون الملفات الفكرية في خضم استحقاقات سياسية كثيرة فذهب الناس فيهما إلى أحد طريقين:

 

الاول: من يرى أنه هذه "ملهاة".

 

الثاني: من يرى أنه "ضرب في الأعماق".

 

و لكل وجهة نظره، نعرضها فيما يلي:

 

من يرى أن الحرب الفكرية ملهاة عن الاستحقاقات السياسية:

 

يرى البعض أن الحرب الفكرية ملهاة عن الاستحقاقات السياسية يقوم بها الفريق الخاسر سياسيا أو من بعض الأجهزة التي تتعمد وجود مباراة جانبية "من وجهة نظرهم" بين أي فريقين، وليكن إسلاميين وعلمانيين، حتى لو كانت مؤسسة "الأزهر " -وهي المؤسسة الدينية الرسمية- داخلة في طرف الإسلاميين الذين يهاجمهم الطرف الآخر، وللمفارقة يصفهم بـ "الوهابية"

 

و بناءً على هذا التوصيف؛ يرى هؤلاء أن من الكياسة ألا نعير تلك المعارك المثارة اهتماما، وإلا سنكون كحال ذلك الرجل الذى يشاغله اللصوص بمثل قولهم؛ "شفت العصفورة" فينظر ويسهل لباقي العصابة أن يقوموا بسرقته.

 

و إذا كان هذا رأي كثيرين ممن لم يتورطوا في مشروع هدم الدولة فلا شك أن المتبنين لهذا المشروع أكثر قناعة بمؤامرة الملهاة، وأكثر إصرارا على توصيف ما يحدث بأنه "ملهاة" و أنهم لا ينبغي "أن يتكعبلوا" في هؤلاء على حد تعبير أحدهم.

 

و من أفحش ما يقع من هذا الفريق -بالإضافة إلى أصل فكرتهم في هدم الدولة- زاعمين أن الهدم إنما يكون على رأس من يحكم، بينما الهدم لا يكون إلا على رؤوس الناس جميعا، وهؤلاء في سبيل تهييج الناس على النظام يشيعون كل هذه الشبهات لنسبتها إلى النظام، متغافلين أنه -وبغض النظر عن المتهم بها من وجهة نظرهم- يجب عليهم أن يردوا هذه الشبهات، لا سيما إذا كانوا يساهمون في نشرها.

 

من يرى أن الحرب الفكرية "ضرب في الأعماق":

 

لا نريد أن نختلف مع أصحاب الفريق الأول في أهداف من يحرك هذه القضايا الآن، ولكننا نختلف معهم جذريا في توصيفهم لها من وجهة نظرنا بأنها؛ "ملهاة" ينبغي أن نعرض عنها.

 

إن الخصم إذا شعر بقوتك في معركة ما فيمكن أن يفتعل معك معركة تافهة أو يحاول أن يلفت نظرك إلى تلك المعركة التافهة على طريقة؛ "شفت العصفورة".

 

كما أن الجيوش التي تشعر بضعف موقفها على الجبهة قد تلجأ لفتح جبهة أخرى تكون هامة جدا عند الخصم بحيث يضطر إلى سحب بعض قواته إليها، بل قد يلجأ الى ضرب العمق ليجبره على اتخاذ تدابير دفاعية تتعلق بالعمق لخطورته الشديدة الحساسية.

 

و لنا بعد ذلك أن نحكم على الطعن في السنة ومحاولة هز فرضية الحجاب و الطعن في تراث الأمة وإهانة كل الرموز الإسلامية، بما في ذلك المؤسسة الدينية الرسمية، هل يندرج عندك تحت باب "شفت العصفورة" و يكون حله الإهمال؟ أم يندرج تحت باب فتح المزيد من الجبهات أو الضرب في الأعماق، فيحتاج إلى إعلان حالة الاستنفار العام؟

 

إن الاستنفار العام في الحرب العسكرية يعنى تعبئة الجيش كله بل الشعب كله لخوض معركة المصير، بغض النظر أن الخصم قد شنها ليخفف الضغط عن نفسه في معركة أخرى.

 

وكذلك وبدون التنازل عن المكتسبات السياسية التي حققها الشعب المصري بعد 25 يناير، يجب أن نستنفر الجميع لخوض حرب المصير الفكرية.

 

لقد استعمل الجميع مع هذه المعارك سياسة الإهمال في أول الأمر، لا من باب عدم الدخول في هذه الملهاة، ولكن من باب قول السيوطي رحمه الله وهو يرد على أسلاف هؤلاء في كتاب "مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة"،

 

حيث قال: "اعلموا رحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء، ومن الآراء كهيئة الخلاء، لا تذكر إلا عند داعية الضرورة"

 

ثم قال و كأنه يصف زماننا:

 

"وإن مما فاح ريحه في هذا الزمان وكان دارسًا بحمد الله تعال منذ أزمان، وهو أن قائلا رافضيًّا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية –زادها الله علوا و شرفا – لا يحتج بها و أن الحجة في القرآن خاصة"

 

إلى أن قال: "هكذا سمعت هذا الكلام بجملته منه، وسمعه خلائق غيري، فمنهم من لا يلقي لذلك بالا، ومنهم من لا يعرف أصل هذا الكلام ولا من أين جاء؟ لذا أردت أن أوضح للناس أصل ذلك و أبين بطلانه و أنه من أعظم المهالك" ا.هـ

 

الطعن في الحجاب بعد الطعن في السنة ضرب متتابع في الأعماق:

 

إذا كان التمثيل الصحيح للمعارك الفكرية أنها من باب الضرب في الأعماق؛ فيبقى الكلام؛ ولماذا قضية و ثانية و ثالثة؟ والإجابة واضحة، عبر عنها الشاعر بقوله:

 

لو كان سهما واحدا لاتقيته و لكنه سهم و ثان و ثالث

 

إلا أن قضية السنة تبدو أكثر عمقا من هذا، حيث يهدف دعاتها إلى إحداث فراغ تشريعي بإبعاد السنة الشارحة و الموضحة و المبينة للقرآن، فإن تم لهم ذلك أمكنهم أن يتلاعبوا بنصوص القرآن، لأنها ستكون حينئذ بدون بيان

 

و لكن من جملة الغباء الذي يتسم بها هؤلاء في هذا الزمان والحمد لله رب العالمين، أنهم وقعوا في خطأين

 

الأول: انهم بدأوا في الفروع قبل أن ينضج الأصل – لا انضج الله لهم كيدا-

 

الثاني: أنهم اختاروا قضية الحجاب رغم أنها من القضايا المبينة في القرآن، فلن ينفعهم فيها ما أصلوه من الطعن في السنة كثيرا و إن كان هذا ينبهنا غلى عظيم الخطر أنهم متى تمكنوا من قضية السنة فسوف يأولون القرآن وفق أهواءهم، حتى تلك القضايا التي وجد بيانها في القرآن.

 

و من هنا نفهم تصريح صاحب دعوة مليوينة "خلع الحجاب" بأنه أجلها، لأن الأمر يحتاج إلى بعض التمهيد المجتمعي،

 

و هذا هو بيت القصيد

 

فهل نستطيع تنظيم دفاعاتنا؟ أم يعودون لنا بهجوم ينتزعون به اليقين من بعض شعبنا – المتدين بطبعه و إن رغمت أنوفهم-؟ سؤال يحتاج إلى أن تكون الإجابة عليه مواصلة الليل بالنهار لتعلم الحق بدليله و معرفة شبهات الباطل و ردها، وهذا هو جهاد الوقت لمن يسأل عن الجهاد "و جاهدهم به جهادا كبيرا"

 

وبالاستعانة بالله والتوكل عليه وتكامل الجهود ؛ لن يشغل شيء من هذا أبدا عن الاستحقاقات السياسية أو المشاركة المجتمعية بفضل الله و حوله و قوته.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com