الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فوائد مِن حديث «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير ‏والخمر والمعازف»

متى وجد المنكر ووجد معه الإنكار بإذن الله يمتنع العذاب العام

فوائد مِن حديث «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير ‏والخمر والمعازف»
عبد المنعم الشحات
الأحد ١٧ مايو ٢٠١٥ - ١١:٣٢ ص
18652

فوائد مِن حديث «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير ‏والخمر والمعازف»

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن من الفتن والبلايا التي ابتلينا بها في هذه الأزمان؛ كثرة المجترئين على الحرمات، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قبل حدوثه، وإن كان الواجب على من ابتلي بمعاصرة هذا البلاء أن ينكره، وأن يبذل جهده في رده، عسى الله أن يزيح هذا البلاء عن أهل زمانه، أو على الأقل يلقى الله وقد أدى ما عليه.

 

ومِن الأحاديث التي أخبرت عن هذه الفتن؛ الحديث الذي رواه البخاري وغيره، والذي يحكي عن ظهور استحلال المحرمات.

 

قال الإمام البخاري في صحيحه: وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الكِلاَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ، يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ -يَعْنِي الفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ العَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ».

 

ونقف في هذا المقال مع هذا الحديث عِدَّة وقفات:

الأولى: لمن نرجع في تصحيح وتضعيف الأحاديث؟

تعرضنا أكثر مِن مَرَّة لمسألة معيار قبول الأخبار أو ردها، وأن الأصل فيه قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا?، وأن علماء الحديث قد فرعوا على تلك القاعدة الكلية كل قواعد علم مصطلح الحديث، ووضعوا الشروط التي متى توافرت ووثقنا بنسبة الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن ثَمَّ بقي أن نقول: «سمعنا وأطعنا».

ومتى لم تتوافر لَم نثق في نسبة الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومِن ثَمَّ فيكون هو والعدم سواء.

وهذه القواعد ميسورة يسهل تعلمها، ولكن تطبيقها يحتاج إلى تبحر في معرفة الحديث والرجال وطبقاتهم وأحوالهم مما جعل علماء الشريعة من غير المشتغلين بالحدبث، فضلًا عن العوام يرجعون في التصحيح إلى علماء الحديث امتثالًا لأمر الله تعالى ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ? إلا أن تشغيب المشغبين يجعل البعض قلقًا، ويحتاج إلى ما يطمئن به صدره أنه ممتثل لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

الثانية: الحديث المعلق ومعلقات البخاري:

عرَّف علماء الحديث الحديث الصحيح بأنه: «الحديث الذي اتصل إسناده برواية العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة».

واشتراط العدالة والضبط في كل راوٍ هو تطبيق شامل لقوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا?.

واشتراط اتصال السند جاء مِن كل واحد مِن رجال السند يخبر عمَّن فوقه؛ فإذا قال البخاري: «حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»؛ فالبداية بالبخاري وهو عدل ضابط، فحينئذٍ نصدق أن مالكًا قد أخبره، ثم ننظر في مالك وهو عدل ضابط فنصدق أن نافعًا أخبره، ثم ننظر في نافع وهو عدل ضابط فنصدق أن ابن عمر أخبره وهو صحابي يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنصحح نسبة هذا الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا كان أحد هؤلاء الرجال ليس بالثقة فيسقط كل الخبر؛ لاحتمال الكذب أو الوهم من عنده، وكذلك إذا تصور أنه قد حدث سقط في السند فيبقى هذا الشخص الساقط مجهولًا لنا، ومِن ثَمَّ لا يوثق بخبره؛ لأن الشرع إنما تعبدنا بالأخبار التي استوثقنا منها.

ومِن صور انقطاع السند ما يسميه علماء الحديث بالمعلق وهو «ما حذف من مبدأ إسناده راوٍ أو أكثر»؛ أي أن المصنف (البخاري في مثالنا) يسقط شيخه فلا يسميه، ويبدأ الإسناد من شيخ شيخه، وربما أسقط أكثر من واحد، وإذا جاء غير البخاري من علماء الحديث ليحكم على هذا الحديث فسيرى أنه فاقد لشرط من شروط الصحة، ألا وهو اتصال السند، ولكن ما هو حكم البخاري على معلقاته؟

وقد وجد العلماء أن كل معلقات البخاري التي علقها بصيغة الجزم «قال: أو نحوها، وليس بصيغة التمريض روى وما شابهها» هي صحيحة عنده كما أن لها سندًا متصلًا عند غيره إلى مَن علقها عنه، وقد وصلها ابن حجر في تغليق التعليق.

 

الثالثة: حكم هذا الحديث:

يمكننا أن نقول أن صنيع البخاري في هذا الحديث أنه صحيح عنده وصححه ابن حجر وغيره من علماء الحديث بناءً على الروايات المتصلة المستوفاة لشروط التصحيح.

وخالف في ذلك ابن حزم فلم يقبل أن يقلد البخاري دون أن يطلع على السند كاملًا، ولم يطلع على الأسانيد المتصلة عند أبي داود وغيره لذات الحديث، فحكم بضعفه، ولكنه قال: إن صح هذا عن رسول الله أخذنا به.

 

الرابعة: اتباع زلات العلماء في التصحيح وفي فقه الحديث:

وقع ابن حزم رحمه الله في عدة أخطاء في موقفه من المعازف:

الأولى: رفضه تقليد البخاري في تصحيح الحديث دون أن يطلع على السند كاملًا مع أنه أهل لأن يقلد.

الثانية: أنه فاته السند المتصل الذي ينتج عنه الحكم على الحديث بالصحة.

الثالثة: إغفاله لأن هناك أحاديث أخرى في حرمة المعازف.

ومِن ثَمَّ قال بحل المعازف، ووجد هذا الأمر هوى عند البعض؛ فتابعوا ابن حزم على رأيه في المعازف رغم شذوذاته المعروفة.

 

الخامسة: الحديث مِن دلائل النبوة ومِن دلائل دقة قواعد علماء الحديث:

هل تخليَّت أنك في العصور المتقدمة التي دونت فيها كتب السنة فضلًا عن عصور السلف التي تداول فيها هذا الحديث، هل كان يمكنك أن تتخيل أنه سيأتي على الناس زمان يستحلون فيه الزنا «حتى على تفسير الاستحلال بأنه الاستهتار في اتيانه» ومع هذا فإن علماء الحديث لأنهم يتبعون قاعدة التثبت في الرواية وليس الهوى أو الذوق أو غيرها من الأمور أثبتوا الخبر رغم غرابته آنذاك «وفرق شاسع بين المستغرب والمستحيل؛ فإن الأول يأتي الشرع به في الأخبار والأحكام، والثاني لا يأتي به الشرع قط».

ثم صار هذا الحديث علم مِن أعلام النبوة لما رأينا تأويله جزء بعد آخر.

 

السادسة: المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون من الأمة مَن يستحل الحِرَ «أي الفرج المحرم» والحرير والخمر والمعازف.

ثم يخبر عن أقوام من الأمة ممن يفعل هذا يكونون بجوار علم «أي: جبل» فيعاقبهم الله بوضع الجبل عليهم، وبمسخ بعضهم قردة وخنازير، ويسوق إليهم شاهدًا مِن غيرهم يأتيهم بسارحة غنم أو نحوها يسألهم حاجة فيطلبون منه أن يأتيهم مِن الغد فلا يأتي الغد إلا وقد نزلت بهم العقوبة.

 

السابعة: معنى الاستحلال المذكور في الحديث ودلالته:

قول النبي صلى الله عليه وسلم «يستحلون» يدل على أن كل واحد مِن هذه الأمور المذكورة في الحديث محرم، وإلا لما جاء ذم مستحلها، والتحريم هنا راجع إلى كل واحد على حدة، ومن يدعي أن التحريم راجع إلى المجموع عليه أن يقف مع المعنى ويسأل نفسه: هل يسوغ أن يعطف على هذه المحرمات الماء واللبن وغيرها من المباحات؟

نعم قد يُقال أن العقوبة المغلظة المذكورة في آخر الحديث تقع على مَن وقع في مجموع هذه الأفعال.

والاستحلال المذكور هنا إما أن يراد به إتيانها وكأنها مباحة وهذا لا يخرج صاحبه من ملة الإسلام، وإما أن يقصد به أن يسميها حلالًا، وهذا في الأمور المجمع عليها؛ كحرمة الزنا خروجًا عن ملة الاسلام والعياذ بالله.

 

الثامنة: مدرسة المواءمة مع الحضارة الغربية تفتح ثغرة في حصون الحلال والحرام:

بعد أن رأينا بأعيننا وسمعنا بآذاننا بتمام تأويل استحلال هذه المحرمات بخروج من يدعو إلى إباحة الزنا، جدير بنا أن نقف وقفة مع هذا الأمر ونرى كيف استساغ البعض أن يصل بنا إلى تلك الوهدة التي ما كان يتخيلها أحد ولكنه استدراج الشيطان؟

فكانت البداية بشيء من هذه المحرمات دليله لا يرقى أن يكون دليلًا قطعيًّا، ولكنه في النهاية دليل، ولكنه في النهاية خطاب من الشرع ينبغي أن يعظم وهو المتعلق بأمر المعازف، وقد وجد عندنا طائفة من المنتسبين إلى العلم كانت آفتهم أنه حدث لديهم قدر من الانهزام النفسي أمام الغرب.

الغرب جاءنا بأسلحة متطورة في بداية الاحتلال العسكري لبلاد المسلمين، وكانت البداية التطور العسكري عند الغرب الذي لم يواكبه تطور عسكري عندنا، ثم تطور تقني إلى غير هذا فجاءوا بزخرف من الدنيا كنا نحن الجديرين أن نصل إليه، ولكن هذا ما كان، وهذا ما قدره الله تبارك وتعالى.

انتبه البعض إلى هذا، وأن هذه الأمور داخلة في قوله تعالى: ?وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ? فتعلموا أو حاولوا أن يتعلموا ويعلموا الأمة تلك العلوم، لكن الغرب جاء معها بجزء آخر هو ثقافته هو نظم اجتماعية هو لهوه وعبثه الذي هو ديدنهم عبر التاريخ وأقنعوا البعض بأن هذه حزمة واحدة، أما أن نأخذها جميعًا أو أن ندعها جميعًا فقالوا: بل بأخذها جميعًا.

والأمر ليس كذلك، وليس حزمة واحدة، كان يسعنا أن نأخذ ما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وأن نترك زبالة أفكارهم ورزالة أخلاقهم، ثم أنهم أخذوا منهم أخلاقهم الرذيلة ولم يأخذوا حتى ذلك التقدم الدنيوي.

فخرج بعض أهل العلم يقولون: ما وجدنا من مسألة يحبها الغرب، وليس فيها دليل قطعي؛ فلا بأس أن نقربها لهم، ونحن يجب علينا أن ننصف الجميع، كثير مِن هؤلاء كان له جهده في الدعوة إلى الله، ولكن كانت هذة الثغرة التي آلت بنا إلى ما تسمعونه الآن، بعضهم يقول: إذا ذهبت إلى كوريا فإياك أن تخبرهم أن الشرع يحرم الكلاب -أعزكم الله- فإنه من محاسن الشرع الإسلامي ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النهي عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وقد أثبت العلم الحديث أن تغذي الإنسان على آكلات اللحوم هو أحد مصادر الأمراض، وفيه خطر على صحة الإنسان بل على أخلاقه.

فهو يرى أن الأمر طالما جاء في السنة وليس في القرآن (هذا موضوع طويل تحدثنا عنه مرارًا) فإياك أن تخبرهم به تقربًا إليهم فإن سألوك عن الشرع.

وأنت لا تملك أنت، يجب أن تخبر عن الشرع كما هو، لكن قال لك: إذا ذهبت إلى هؤلاء فلا تخبرهم عن الشرع أو السنة، بل اكتمها عنهم أو بدلها وقل لهم: ليس عندنا دليل قاطع على تحريمها إن اردتم أن تسلموا -على حد ظنه- فلا حرج، وعلى هذا كانت حزمة من الأمور على رأسها الغناء والموسيقى.

 

التاسعة: البداية باستحلال المعازف تتبعًا لزلات العلماء:

إذا نظرنا إلى تلك المحرمات المذكورة في الحديث؛ نجد أن البداية كانت باستحلال المعازف؛ فإذا رجعنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أنه أباح الغناء ولكنه حرم الموسيقى، ونحن في ذمتنا لا نكاد نتصور الانفكاك بين هذا وذلك، ولكنه نقلك، بمعنى أنه يمكن أن يوجد إنشاد ينشده الناس في سفرهم، ينشده العمالة في عملها الشاق، أو يرددهما المسافرون يقطعون بها السفر وبين الموسيقي فإنها خمر النفوس، هذا الإنشاد نعم مستلذ في الأذن، ولكنه لا يتلاعب بالنفوس؛ تلاعب الموسيقى التي يكون فيها آلات وترددات لا تأتي بالحنجرة البشرية فتحرك النفس طربًا، وتجد الرجل الوقور أمام هذه الموسيقى يتراقص ويتمايل إلى غير هذا من مفاسد.

ولكن أدركناها أم لم ندركها ينبغي أن نقول: «سمعنا وأطعنا».

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المعازف أنها جملة الأمور المحرمة، لماذا؟ لأنه أخبر أنه سيأتي من يستحلها؛ إذن فهي حرام.

وأنه سيأتي مَن يتعامل على أنها حلال، وقد وجد من يتعامل مع المعازف على أنها حلال، ووجد من الناس بل ممن ينتسبون إلى العلم من يفتي بأنها حلال، هذه ليست من المسائل القطعية، ولكنها من المسائل الواضحة التي لو لم تفتح تلك الثغرة لما فتح ما وراءها.

ثم إن الشرع قد أذن في قدر محدود من المعازف في مناسبات العرس وقدوم الغائب والعيد -وهو الدف- ولك أن تدرك الحكمة.

المطلوب، ألا تباح الآلات التي تبالغ في التنغيم فتنتزع ما في النفوس وتحركها وتتلاعب بها، فإن كان لا بد من آلة فقد أذن النبي صلي الله عليه وسلم في الدف في الأعراس، وقد ضرب بين يديه بالدف عند قدومه من سفر صلى الله عليه وسلم، هذا هو حكم الشرع.

الأمم الأخرى غزتنا بآلاتها الموسيقية؛ وقد صار هذا واقعًا، كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ من الخلل أن يأتي بعض أهل العلم إلى الواقع الفاسد فيحاول تبرريره.

لا نقول لك أن المسلم الذي وقع في هذه المعصية أهدر حق إسلامه أو أهدر ما يقوم به من صلاة وزكاة وصوم، أو لا تعامله بأخوة الإيمانية، كل هذا قد يتوهمه البعض.

ولكن فقط يبقى التذكير المتكرر بأنه يخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الجزئية؛ فلعله أن يتوب أو أن يشعر بتأنيب الضمير، بدلًا من أن يقدح في الأحاديث ويفتح باب التأويل ويفتح باب إخضاع الشرع للواقع، وكانت هذه هي فتنة لم يشعر الناس بكبير خطرها، ولكن أنظر إلى هذا كيف جرَّ علينا أنه يوجد من يستكمل هذا الحديث.

ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه هناك مَن يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف، وبالفعل خرج من يستحل المعازف كما ذكرنا كأن الحديث لم يرد إلا عند البخاري، فأدخله الناس في نفق معلقات البخاري، وحكم معلقات البخاري ليحدث لدى الناس في النهاية شك في الحديث مع أن الحديث مروى بسند متصل عند غير البخاري، ومع أن إيراد البخاري له بهذه الطريقة عند من يعرف طريقة الإمام البخاري، كأنه يراه صحيحة، دَعْكَ من هذا وقد رواه غيره بسند متصل صحيح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

العاشرة: إباحة النبيذ تتبعًا لزلات العلماء وبغرض التطبيع مع أخلاق الغرب:

 ثم جاءنا مَن يحاول أن يهز الثقة في حرمة الخمر؛ فمِن أين جاءت الثغرة هنا؟ جاءت الثغرة هنا من اتباع زلات العلماء وانظر أحيانًا إذا أرادوا تمرير باطل في المعازف، يقولون: قال ابن حزم: وفي النبيذ يقولون: قال أبو حنيفة  رحمه الله: فإنه ظن أن الخمر عصير العنب إذا قذف بالزبد، فقال: أن هذا منهيٌّ عنه شرعًا فيحرم كثيره وقليله، ثم قال: أما ما سوى خمر العنب من المسكرات فيباح قليلها ويحرم القدر المسكر منه، ولم يطبق عليها قاعدة تحريم القليل والكثير، وقد غاب عن الإمام أبي حنيفة أحاديث إذا ثبتت لدينا؛ فنطبق قول الإمام أبو حنيفة وغيره من الأئمة: «إذا وجدتم قولي يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط».

وجدنا أحاديث لم تصل إلى أبي حنيفة رحمه الله؛ قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام»، ووجدنا أحاديث تقول: «ما أسكر كثيره فقليله حرام»؛ فإن عدنا إلى العقل وجدنا أن هذا موافق تمامًا للعقل، فما العلة في العنب دون غيره؟ العنب حلال طيب فيه ماء ومواد سكرية وغيرها يعصرها الناس ويتركونها ليتكون فيها الكحول المسكر، هل يُعقل أن ينسب إلى دين الله أن تمر بحلال طيب، شأنه شأن العنب، تعصره أو تنقعه في الماء ليحدث فيه ذات الأثر الذي يجعل تلك المواد التي تتحول إلى الكحول المسكر، فنقول: فرق بين هذا وذاك؛ لا العلم الحديث بكيفيه تكوين الخمر في عصائر الفاكهة أو غيرها يقطع بنفي الفارق هو بعينه ذاك الأثر، فذات المادة تتكون هنا، ويتكون هنا الذي يُسكر، في هذا وفي خمر العنب وفي خمر الذرة وفي غيره هو الكحول. والذي يفعله الناس هو أنهم يهيئون الأسباب التي يتحول معها ذلك العصير السكري إلى كحول. وهذا كذاك شرعًا وعقلًا، ولكن يأتي من يعلم كل هذا فيخرج على الناس فيقول: ماذا تصنع لو اتبع أحدهم أبا حنيفة؟ يجوز له ذلك، ونحن نقول له: أين اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

ثم بالله عليكم كيف نفتي الناس بأنه هناك شراب مسكر، عليك أن تشرب منه القدر الغير مسكر وإلا صرت مرتكبًا لكبيرة من أكبر الكبائر، وهو  إذا شرب قدرًا يسيرا فلعل هذا القدر أن يكون قد تلاعب بعقله فعلًا؛ فأنت تقول له: خذ ما يضعف عقلك ثم قس بعقلك أمرًا ما فيكون عاجزًا عن ضبطه.

لكن حدث هذا وأشيع ونشر، وهؤلاء كلهم جند في معسكر واحد، علم من علم وجهل من جهل.

 

الحادية عشر: ووقع استحلال الزنا:

إن الأمة متفقة عبر عصورها على حرمة الزنا، وعلى أنه كبيرة من أكبر الكبائر،

ولكن الزنا في نظر الغرب قاصر على الخيانة الزوجية. لا يرون أن ما سواه من صور الزنا جريمة.

الزنا عندهم ينقسم إلى مباح وممنوع:

الممنوع عندهم هو زنا أحد الزوجين بدون إذن الآخر، وأما الفروج فلا تسباح في دين الله إلا بالزواج، ولذلك قال: «واستحللتم فروجهن بأمانة الله».

فالفرج لايستحل في دين الله إلا بالنكاح كما هو إجماع الأمة، علماؤها وعوامها، بل فساقها وعصاتها، ما وجدنا عاصٍ عبر التاريخ وقع في زنا ولا امرأة زانية تقول أنها بريئة، وإنما كل  من وقع في هذه الجريمة يعترف على نفسه بالجرم.

لكن جاء الوقت الذي يمكن أن يصل فيه البعض إلى استحلال المعلوم من الدين بالضرورة، وإلى تسمية هذا حلال.

 

الثانية عشرة: الطعن في السنة أقصر طريق للزندقة والانحلال:

يبقى أن نشير إلى توقيت هذه الطعنات الخبيثة من ميلونية خلع الحجاب إلى الدعوة لاستباحة الزنا وعلاقتها بالهجمة الشرسة على السنة، فلعلهم ظنوا كما ذكرنا مرارًا أن طعن البعض منهم في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبقي القرآن بلا شرح. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي طريقته، القرآن وما أوتيه الرسول صلى الله عليه وسلم معه؛ فلدينا شروح أولها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يليها فتاوى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يليها ?فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ?.

يأتي آتٍ فينسى ذلك كله. فنقول له: ?وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا? يقول: الزنا بين المتزوجين، نقول له: هذا بخلاف إجماع الصحابة، يقول: ومن الصحابة؟ نقول له: هذا خلاف إجماع أهل العلم، فالجواب عنده هو سب أهل العلم.

تقول الحديث، يقول: لا يوجد ثقة في كتب الحديث كما زعم، فإذن هذه حرب متكاملة، فما كان مستغربًا كيف سيحدث؟ هل يمكن أن تصل الأمة في يوم من الأيام لأن يوجد فيها من يستحل المعلوم من الدين بالضرورة؟

 

الثالثة عشر: عقوبة الخسف والمسخ:

لعل الجزء الذي لم ندركه ما ذكر في آخر الحديث من المسخ والخسف، وهي عقوبة تنزل في آخر الزمان لأنواع من المجاهرين بالمعاصي، لا سيما إذا اجتمعت، فإن كنا قد ابتلينا بإدراك من يدعون إلى استحلال هذه المنكرات فنسأل الله أن يكون في زماننا أقوام ينكرون المنكر؛ لأنه متى وجد المنكر ووجد معه الإنكار بإذن الله يمتنع العذاب العام، كما قالت زينب بنت جحش رضي الله عنها لرسول الله صلي الله عليه وسلم: «أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم؛ إذا كثر الخبث» ليس مجرد وجوده، ولكن إذا كثر ربما جاء العقاب العام.

فدورنا أن نمنع انتشاره وهو في مهده، وليعلم كل واحد أن الجميع مخاطب بهذا؛ فينكر بنفسه ومع غيره وبنصيحة غيره أن ينكر وكل هذه الصور متاحة بفضل الله تنتظر من يشمر عن ساعد الجد، ويتمعر وجهه في الله عز وجل.

نسأل الله أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com