الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدعوة السلفية

البقاء في الجماعة راحة قلبية ونفسية وذهنية ومكسب ديني ودنيوي

الدعوة السلفية
سعيد الروبي
الأربعاء ٠٣ يونيو ٢٠١٥ - ١١:١٦ ص
1939

الدعوة السلفية

كتبه/ سعيد الروبي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الدعوة السلفية دعوة راسخة بفضل الله تعالى، بدأت منذ أربعين عامًا تقريبًا، وبارك الله فيها فانتشرت وتوسعت شرقًا وغرباً وشمالًا وجنوبًا، وانضم إليها الكثير والكثير من المسلمين في شتَّى بقاع الأرض، وهي دعوة متطورة تستوعب أساليب العصر وتحافظ على هُويتها وصبغتها وثوابتها، ومن لم يدخل في هذه الدعوة فإنه لا يستطيع أن يفهمها جيدًا.

 

وقد انضممت إلى هذه الدعوة المباركة منذ ثلاثين عامًا تقريبًا، وعاصرت أجيالًا وأحوالًا، وتعرفت على شخصيات ونوعيات عديدة، كثير منهم ما زال حيًّا وموجودًا في هذه الدعوة، وبعضهم قد مات، وبعضهم قد ترك الدعوة وانضم إلى غيرها، وبعضهم ترك الدعوة ولم ينضم إلى أي اتجاه إسلامي.

 

والأجيال القادمة من أبناء الدعوة السلفية مختلفة إلى حد كبير عن الأجيال الجديدة في صفاتهم النفسية وصفاتهم الفكرية وصفاتهم السلوكية، والأهم في صفاتهم الإيمانية.

 

المنهج واحد ولكن الصفات فيها اختلاف .. هناك فرق .. ولكن هذه هي السنن كما حدث في جيل الصحابة ثم في جيل التابعين ثم في جيل تابعي التابعين وهكذا، ولا أقصد تشبيه أجيال الدعوة السلفية بأجيال الصحابة والتابعين، ولكن أردت الإشارة إلى اختلاف الأجيال.

 

وعلى مدى السنوات التي قضيتها في الدعوة السلفية حتى الآن لاحظت أن مَن خرج مِن الدعوة تغيرت أحواله إلى درجة ما، حتى لو انضم إلى جماعة أخرى مِن جماعات العمل الدعوي، تطرأ على الواحد منهم تغيرات نفسية وشخصية وصفاتية إلى الأقل للأسف.

 

ولا يكون كما كان سابقًا في الدعوة السلفية مع استمراره في أعمال الخير والدعوة والعمل الصالح .. هذه حقيقة لاحظتها كثيرًا وباستمرار وإلى يومنا هذا، مع احترامي وحبي للذين فارقوا الدعوة السلفية وانفصلوا عنها وانضموا إلى غيرها أو لم ينضموا.

 

قد أكون مخطئًا أو مبالغًا فيما لاحظته، وقد يلاحظ غيري ما لم ألاحظه وغير الذي لاحظته.

 

ولكن يبقى أن هذه هي ملاحظتي الشخصية مع تمنياتي الخير للجميع، ولا أقول هذا الكلام تعصبًا للدعوة السلفية أو انحيازًا، ولكن ذكرًا للحقيقة والواقع.

 

لذلك أنصح أبناء الدعوة ألا يتركوها مهما كانت الأحوال والظروف والأسباب؛ حتى لا يتغيروا أو تتغير أحوالهم.

 

وأقول لهم: لا تكرروا ما حدث مع غيركم، استفيدوا وتعلموا مِن الأحداث، واعتبروا بغيركم.

 

وهنا سؤال عن الذين خرجوا من الدعوة السلفية وتركوها .. لماذا فعلوا ذلك؟ لماذا تركوا الدعوة السلفية؟

 

والحقيقة أن هذا موضوع مهم وطويل ويحتاج إلى دراسة بل إلى دراسات، ولكني أقول: الذين تركوا الدعوة أنواع مختلفة، وبالتالي لهم أسباب مختلفة .. أكاد أقول إن لكل واحد منهم سببًا غير السبب الذي عند غيره، وبالتالي فالأسباب مختلفة ومتنوعة بعدد الأشخاص الذين انفصلوا عن الدعوة؛ فمنهم من ترك الدعوة لأنها ضيقت عليه في طريقة الرقية والعلاج من الجن، ومنهم من انفصل عن الدعوة بسبب كشفه في معاملات مالية سيئة، ومنهم مَن انفصل عن الدعوة بسبب انتقاده في إخلاف الوعود والمواثيق، ومنهم مَن انفصل عن الدعوة بحثًا عن دور عند جماعات أخرى، ومنهم مَن انفصل عن الدعوة بسبب ملله مِن طريقة الدعوة وخطها الفكري، ومنهم مَن انفصل عن الدعوة بسبب حماسته الزائدة أو ربما تهوره واندفاعه وذهب إلى غيرها، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب فقدانه لمن يحتويه ويزوره ويسأل عنه، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب مساعدات مادية أو مالية طلبها ولم يجدها، ومنهم مَن ترك الدعوة لأنه وجد عند غيرها من يهتم به ويراعيه، ومنهم مَن ترك الدعوة توهمًا منه أنه يستطيع أن ينشئ كيانًا موازيًا ومشابهًا للدعوة، ومنهم مَن ترك الدعوة تخلصًا مِن قيود وآداب الالتزام بمنهج الدعوة، ومنهم مَن ترك الدعوة لأنه يريد أن يُجرِّب جماعات أخرى؛ لأنه فضولي عنده حب استطلاع، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب معاصيه وانحرافاته وأصدقاء السوء، ومنهم مَن ترك الدعوة رغبة في التمتع بالدنيا، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب خلافات زوجية أو عائلية مع أحد أبنائها، ومنهم مَن ترك الدعوة تأثرًا بدعايات وإشاعات ووشايات الخصوم، ومنهم مَن ترك الجماعة رغبة ألا ينسب إلى جماعة معينة أو لمخاوف أمنية، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب عدم وجود نظام معين يبحث عنه أو ترتيبات معينة، ومنهم مَن ترك الدعوة لأنه يحب العمل السري والدعوة عملها علني، ومنهم مَن ترك الدعوة لأن عنده طاقة لم تستغلها الدعوة وقدرات لم تنتفع بها الدعوة، ومنهم مَن ترك الدعوة لأنه قدَّم اقتراحات وآراء لم تعمل بها الدعوة، ومنهم مَن فارق الدعوة بسبب مواقفها السياسية مِن الأحداث، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب حُكم حُكِمَ عليه مِن أحد أبناء الدعوة، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب منصب قيادي حُرِمَ منه، ومنهم مَن ترك الدعوة بلا سبب إلا تقليدًا أو تعلقًا بشخص يحبه ترك الدعوة قبله، ومنهم مَن ترك الدعوة لأسباب نفسية أو مرضية أو عصبية، ومنهم مَن ترك الدعوة بسبب خلافات زوجية، ومنهم مَن ترك الدعوة حسدًا لأحد أقرانه.

 

قد يظن القارئ أن أعدادًا كبيرة تركت الدعوة ولم يبقَ إلا القليل، وهذا غير صحيح؛ فالنماذج التي ذكرتها لمن غادر الدعوة هي نماذج فردية شخصية قليلة .. غادروا على مدار ثلاثين عامًا أو أكثر .. وبقي الكثير والكثير مِن أبناء الدعوة القدامى والجدد، ولم تتأثر الدعوة السلفية بمن خرجوا منها والحمد لله؛ فلا هي ضعفت ولا قَلَّت ولا تراجعت، بل العكس تمامًا والحمد لله.

 

ويعلم الله أنني ما قصدت أحدًا بعينه في مقالي هذا .. ولا جرحت في أحد .. ولا شمت في أحد .. ولا عرضت بأحد.

 

ولكني رصدت أحوال من فارقوا هذه الدعوة المباركة .. فلم أجد أحدًا منهم حقق مطلوبه، ولا نال رغبته؛ بل كل مَن فارق الدعوة خسر بدرجة مِن الدرجات .. هذه حقيقة .. لذا أنا مشفق على أبناء الدعوة، وأريد لهم الخير، ولا أريد لأحد أن يُكرر ما فعله السابقون عليه .. فكلامي موجه إلى أبناء الدعوة الحاليين: لا تفكروا في الانفصال والابتعاد .. سوف تخسرون .. وربما تندمون .. لن تحققوا شيئًا، ستتوهون وتتحيرون وتضعفون؛ الدعوة السلفية تحميكم وتحافظ عليكم.

 

ربما تعاصرون أحداثًا ضاغطة، ولكن لا تبتعدوا أبدًا، لا تقل أخي الحبيب: سأبتعد قليلًا وأرجع عندما أريد .. لا .. لا تقل هذا .. فإنك لو ابتعدت ربما لا تستطيع الرجوع إلى الدعوة مرة أخرى لأسباب متعددة .. ستخسر كثيرًا، وما يُقال عن الرجال يُقال أيضًا عن النساء، ولكن بأعداد أقل.

 

قد يشعر الواحد منهم أنه حقق شيئًا، أو وجد شيئًا كان يبحث عنه أو استراح من شيء ما .. ولكن تبقى الملاحظات التي ذكرتها في بداية المقال .. تظهر عليهم تغيُّرات نفسية أو سلوكية أو أخلاقية أو اجتماعية لم تكن موجودة عندهم سابقًا .. تغيرات سلبية للأسف الشديد.

 

كما قلت: لا أقول هذا تجنيًا على أحد أو تعصبًا للدعوة السلفية، ولكن هذه هي ملاحظاتي الشخصية أو انطباعاتي الشخصية.

 

قد يقول قائل: أنا لاحظت أن التارك للدعوة السلفية يتغير للأحسن. أقول: لك ملاحظتك، ولك انطباعك، لا حرج عليك ولا عليَّ.

 

ربما يتغير أحد الأفراد عندما يترك الدعوة السلفية تغيرًا للأحسن، ولكن هذا نادر وقليل.

 

ما أريد أن أقوله إن الدعوة وكل المجتمع يتعرضان للهزَّات باستمرار مواقف وظروف وأحوال تؤدي إلى غربلة .. يتساقط فيها البعض مبتعدًا عن الدعوة .. ومتخلفًا عن السير في الطريق .. والبعض وهم الأكثر يكملون الطريق .. فلا تكن أخي من الساقطين المتراجعين.

 

 لا تترك دعوتك وانتماءك وكيانك وجماعتك لأمور عارضة وأسباب ضعيفة .. لأنك ستتوه .. وتخسر .. وتنجرف .. وتعاني وتحتار وتضيع .. وغالبًا لن تستطيع العودة للجماعة .. ابق في الجماعة واستمر معها وتمسك بها .. فهي أمان وضمان وحماية لك.

 

مرة أخرى أقول: إن  كلامي هذا للمذبذبين .. المترددين من أبناء الدعوة السلفية، وهم ليسوا كثرة ولا كتلة والحمد لله، وليس موجهًا للذين تركوا الجماعة قديمًا أو حديثًا .. أردت أن أوفر عليهم المعاناة وأنقل لهم ملاحظاتي: البقاء في الجماعة راحة قلبية ونفسية وذهنية ومكسب ديني ودنيوي.

 

ليت رسالتي هذه تصل إلى كل مذبذب .. متردد .. متأثر، ولا أدَّعي أن الدعوة السلفية خالية من العيوب أو السلبيات؛ بل فيها عيوب وسلبيات، ولكنها ليست مبررًا لترك الجماعة.

 

ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد.

 

مرة أخرى أؤكد على أنني لم أقصد أحدًا بعينه إطلاقًا، لا من المقربين ولا من البعيدين .. لا ممن أعرفهم شخصيًّا ولا ممن لا أعرفهم جيدًا، وإنما كلامي هذا كلام عام يُلخص خبرة ثلاثين عامًا، ويُقدم خلاصة تجربة حقيقية واقعية، مع تمنياتي الطيبة لكل مَن ترك الدعوة، وبالأحرى لكل مَن ثبت فيها واستمر معها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة