الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 10

مراحل تشريع الجهاد - 2

السلفية ومناهج الإصلاح - 10
عبد المنعم الشحات
الثلاثاء ٠٩ يونيو ٢٠١٥ - ١١:٤٦ ص
1598

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط العاشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

ذكرنا أننا بصدد مناقشة فكر الاتجاهات الإسلامية التي ترى المواجهات المسلحلة مع الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية

نحتاج لمعرفة عدة أمور وتتبع الأساس الفكري الذي بني عليه هذا الكلام ، وانتهينا في ذكر ذلك إلى أننا ناقشنا من حيث المبدأ قضية وجوب مراعاة المصالح والمفاسد بصفة عامة وفي قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصفة عامة والجهاد بصفة خاصة ، ثم تطبيقها الأخص في قضية الجهاد هو معرفعة مراحل تشريع الجهاد .

هذا أحد جوانب المناقشة مع هذه التيارات وأنه سبق وقد ذكرنا أن بعضهم يرى أن الجهاد هو المرحلة الأخيرة ، وجوب الجهاد والبدء بالقتال هو آخر ما استقر عليه التشريع ومن ثم فلا يرى هناك أي مجال لتطبيق أحكام أخرى في هذا الباب ،مع أنه لا يفرق بين أنواع من يقاتلون وصفة قتال كلمنهم ، وبالتالي كل مسألة من هذه المسائل تحول جزء من الإشكال .

فمن هذه الجزئيات مراحل تشريع الجهاد على أنها التطبيق الخاص لقضية مراعاة المصالح والمفاسد فيما يتعلق بقضية الجهاد خاصة .

وقد ذكرنا في المرة السابقة هذه المراحل ثم استطردنا استطراد في الرد على العلمانيين والمتأثرين بهم من الإسلاميين الذين ينكرون جهاد الطلب ونحو ذلك ، فعنعود إلى مصارنا مرة أخرى أن الغرض من ذكر مراحل تشريع الجهاد في هذا السياق هو بيان أن قضية الجهاد وغيرها من القضايا من القضايا التي عند تطبيقها العملي ينبغي أن يراعى فيها المصالح والمفاسد .

يقول : " قد مر الجهاد بعدة مراحل :

الكف والإعراض والصبر على الأذى ما الاستمرار في الدعوة إلى الله "

وذكرنا أنه مما نزل في هذه المرحلة قوله تعالى  { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين } [الحجر/94]

المرحلة الثانية : إباحة القتال من غير فرضية

والمباح هنا كان جهاد الدفع  { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } [الحج/39] إذن الإذن كان لمن يقاتل فقط وكان إذناً وليس أمراً .

الثالثة : فرض القتال على المسلمين لمن يقاتلهم فقط  { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [البقرة/190] ولا تعتدوا أي لا تبتدئوا أنتم .

وبعد استقرار تشريع الجهاد على أنه يشرع بدء المشركين بالقتال صار { لا تعتدوا } تحمل على لا تتجاوزوا الأحكام الشرعية في القتال كأن تقتلوا امرأة أو طفلاً أو غير ذلك مما جاء ضوابطه في الشرع .

الرابعة : قتال الكفار ابتداءاً كما في قوله تعالى  { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين } [التوبة/36]

يقول : " وقد استقر أن الجهاد على المرحلة الأخيرة التي ذكرت في سورة التوبة وهي قتال المشركين حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية مع الذل والصغار على الخلاف المشهور في جواز قبول الجزية من الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس "

فإذن ما هي غاية القتال ؟ القتال إما ينتهي في جهاد الطلب ، فأنت الذي بدأت إلى قتال المشركين وتقاتلهم فإلى ماذا تدعوهم ؟ إلى إما الإسلام أو الجزية أو استمرار القتال ، بمعنى أن الجهاد يرتفع إذا اسلموا أو رضوا بدفع الجزية .

هل يمكن عرض الجزية على أي نوع من أنواع الكفار ؟

هناك اتفاق على أن المرتدين لا تقبل منهم جزية وهناك اتفاق على أن اليهود والنصارى والمجوس تقبل منهم الجزية ،والخلاف فيمن عاداهم من الكفار الذين هم ليسوا يهود ولا نصارى ولا مجوس وفي نفس الوقت ليسوا مرتدين .

الجمهور على أنهم لا تقبل منهم الجزية ،والراجح أنها تقبل ، والكلام فيه خلاف واسع معروف .

هذه هي مراحل تشريع الجهاد .

يقول : " وقد فهم البعض القول بالنسخ فهماً غير صحيح "

هناك إذا طالعت تفسير سورة التوبة وتفسير آية السيف { وقاتل المشركين كافة } ستجد أن عامة المفسرين يقولون أن هذه الآية نسخت آيات الصبر والموادعة والصلح والهدنة مع المشركين ووضعت السيف .

فهذه الآية جعلت الفيصل هو السيف ، ولذلك يسميها العلماء آية السيف ويصرحون بأنها نسخت الآيات الأخرى التي تتكلم على الصبر والصلح والهدنة ، وهذا كلام لا ينكر ، إذا طالعت في كتب التفسير فستجد هذه القضية .

من ثم تمسك البعض بهذا الأمر ، ولكن هنا عند التنقيح عندما تتكلم عن النسخ فهناك ناسخ وهناك منسوخ ، أتقول أن آية السيف نسخت آيات الصبر والهدنة والصلح مع المشركين ، فلو كان الأمر المقصود به النسخ الذي يسبق إليه الذهب والمراد عند الإطلاق في اصطلاح الأصوليين فالطبيعي أنك تراجع الآيات الناسخة فتجد أن يقال أن هذه ناسخة لما قبلها ،وأن تراجع الآيات المنسوخة فتجد أنه يقال أن هذه الآيات منسوخة لا يعمل بها ، فإذا لم تجد ذلك فإذن المسألة لها إشكال اصطلاحي لابد من حده ، ونحن إذا راجعنا إلى كتب المفسرين الذين صرحوا بالنسخ وقالوا أن آية السيف ناسخة لآيات الصلح والهدنة والصبر والكف والإعراض ، ثم نظرنا في أقوالهم  في آيات الصبر والكف والإعراض وما شابهها لوجدنا أنهم يقولون أن هذه خاصة بمن كان مستضعفاً .

نخلص من ذلك أن كلمة النسخ التي قيلت عند آية السيف لم تكن بالمعنى الاصطلاحي المعهود وهو رفع حكم شرعي سابق بخطاب شرعي متراخ عنه ، هذا هو النسخ في الاصطلاح ، ولكن كلمة النسخ في اصطلاح المتقدمين قبل استقرار علم الأصول كانت تشمل التخصيص والتقييد ونحو ذلك فكأن آيات المراحل الأولى من الصبر أو قتال من يقاتل فقط نزلت مطلقة ثم نزلت آية السيف فقيدتها بحال المستضعف فقط ، وهذا نوع نسخ ، لأنه عندما نزل قوله تعالى  { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } [الحج/39] لم يقال فيها أن هذا الحكم لأنهم ضعفاء وإلا لم يكن هناك أي باب لذكر كلمة النسخ ، لو أن الحكم نزل مقيد يوم نزل لم يكن هناك أي مجال بأن يقل هناك نسخ ، لكن كانت كل مرحلة تنزل دون إشارة إلى أنها ستقيد ، النسخ الذي هو النسخ أيضًا يكون الحكم مطلق ، { لا تقربو الصلاة وأنتم سكارى } هو مقيد بزمن ولكن لم يبين الزمن في الخطاب الأول وتبين الزمن في الخطاب الثاني حيث أن الخطاب الثاني أنهى زمن العمل بالخطاب الأول فصار القضية أن الحكم الأول مقيد بمدة إلا أن المدة بينها الخطاب الثاني ، هذا هو النسخ الذي هو الرفع بالكلية ، فهنا القضية مشابهة تماماً ولذا كان القدماء يسمونها نسخاً ، وهو أن الخطاب الأول مقيد بالمستضعف الذي لا يقدر على تنفيذ الخطاب الثاني ، ولكن لما كان الخطاب الثاني لم ينزل أصلاً كان هذا حكم عام للقادر وغير القادر لا يقاتل إلى من قاتله . ثم لما نزل الخطاب الثاني نزل لكي يقيد الخطاب الأول بأنه خاص بالمستضعف ، من الذي يبين ذلك ؟ السنة العملية والقولية من النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما استقر عليه كلام أهل العلم في ذكر هذه السنة ومعرفتها ، فإذن كان هذا الخطاب ليس نسخاً ولا رفعاً للخطاب الأول وإنما تقييداً له بحالة المستضعف ، هذا نوع نسخ لأن الخطاب الأول إلى نزول آية السيف كان خطاب عام لكل المؤمنين ، فلما نزلت آية السيف خص بالمستضعف ، وهذا نحت له الزركشي إصطلاح وسماه النسء وأنكر على جمهور المفسرين أنهم يقولون أن آية السيف ناسخة لما قبلها فقال : " وهذا في واقع الامر ليس نسخاً بل نسئاً هو يعمل بالحكم الأول عند وجود سببه ويعمل بوجود الثاني عند وجو سببه " وفي الواقع القضية اصطلاحية ،والمفسرين الذين أنكر عليهم الزركشي الإصطلاح قالوا بمقتضاه ، من أي نعرف أنهم قالوا مقتضاه ؟ عندما نرجع إلى الآيات التي قيل أنها منسوخة ، لما أتوا إلى تفسيرها هل قالوا يبق لها حكم ؟ وهذا مقتضى قول من يرى أن قضية الجهاد إما أن يرى أن الشرع عموماً لا ينظر في تطبيقه إلى المصالح والمفاسد أو على الأقل يقول في قضية الجهاد أنه لابد من القتال لأن هذه هي التي استقر عليه تشريع الجهاد ولا عبرة للمراحل المنسوخة

نقول له ارجع إلى تفسير هذه الآيات وانظر ، كيف النسخ من قال بالنسخ ؟ .

اتفقنا على أن آية السيف ناسخة بصورة أو بأخرى ، لا نرد حشد النقول في أن آية السيف ناسخة لأننا متفقون من حيث المبدأ أنها نسخت ما قبلها بصورة أو بأخرى ولكن المخالف يقول أنها نسختها تماماً ورفعت حكمها ، ونحن نقول أنه قيدت حكمها بالمستضعف فالمحك هنا يظهر في تفسير الآيات الأخرى وكما قاله السلف في شأنها فإن قالوا أنها منسوخة لا يعمل بها أصلاً فيكون هذا حجة لصاحب هذا القول وأما إن قالوا أنه يعمل بها للمستضعف يكون حجة لما نقول .

يقول : " هذا الفهم غير صحيح وهو مخالف لما قرره أهل العلم "

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين اوتوا الكتاب والمشركين ، وأما أهل القوى فإنما يعملون بآية القتال للأئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عند يد وهم صاغرون "

من أين أتى العلماء بهذا الفهم ؟ من التطبيق العالم لقاعدة المصالح والمفاسد وعندما يجد أن الشرع تدرج في تشريع الجهاد مع تدرج القوة والضعف عند المسلمين ، فهم يعرفون أن هذا إعطاء كل مرحلة احكمها المناسب وأن هذه المراحل تعود وليس أنها تنسخ ، لأن هذا يتماشى مع قضية المصلحة والمفسدة والقدرة والعجز ونحوها .

أحياناً يلزمك البعض لما هو ليس بلازم ثم يفترض أنك قد التزمته ، وهذا من الخلل في المناظرة بمعنى أنه من الممكن في المناظرة أن يقول الإنسان قول فأنت تقول له يلزم من قولك كذا ثم تنتظر جوابه إما أنه يعترف بأنه يلزم من هذا القول ذلك اللازم وإما لا ، فإن اعترف إما أن يلتزمه وإما أن يتراجع ، وبالتالي يقول العلماء لازم القول ليس بالقول ، فأنت تستخدمه في المناقشة من باب أنه لو كان اللازم باطلاً كان هذا دليلاً على بطلان الملزوم ، ولكن فرق أن تستعمله في المناقشة وبين أن تفترض أن المخالف قد قاله .

هنا يقول المخالفون يلزم من قولكم هذا إبقاء المرحلية في كل الأحكام التي صار فيها تدرج مثل قضية تحريم الخمر .

هذا إلزام منهم فعليه الجواب منها ، فعليه أن ينتظر الجواب ولكنه يفترض أننا التزمنا هذا اللازم ، ويقول هؤلاء الذين يقولون بمرحلية الجهاد مرحلية الأحكام عامة  ويطلق لنفسه العنان .

نقول لا ، بل هناك أحكام ونسخ تام وهو ما ذكرناه وهو أن الخطاب الشرعي المتأخر يقيد الخطاب المتقدم بأحوال مخصوصة فلا يكون نسخاً والضابط عندنا هو فهم السلف ، وبالتالي قد فهم السلف أن آيات الجهاد كلها معمول بها لاسيما وأنه ليس في أي منها تصريح بأن الأخرى غير معمول بها أو رفع حكماها ، فصار أنه لما كان حال المسلمين كذا نزل كذا  ، اما التدرج في تحريم الخمل أو في غيرها فهو مما أجمع المسلمون على أنه نسخ فلا يجوز أن يقول به أحد ، والبعض أحياناً يصل في خياله ما هو أبعد من ذلك ويتكلم على أنه إذا كنت ستعمل بآيات المرحلة المكية في الجهاد إذن ستترك الصلاة أو الصيام أو تقول أن الحج ليس بواجب وكأنه يلزم أن تعود بكل الأحكام إلى هذا التاريخ وهو وهم مريض لا يقبل به أحد مطلقاً ، وكما ذكرنا أن القضية هنا هل تم النسخ أصلاً لكي يكون هناك كل هذه الأسئلة وكل هذه التلازمات التي يطرحها أم لا .

نقول أن هذه الآيات نزلت لم تتعرض واحدة منها بنسخ الأخرى صراحة ونزلت كل منها مع وجود تطور في أحوال المسلمين من حيث القوة والضعف ثم أن مع وجود الآيات ووجود النصوص التي تتكلم عن المصلحة والمفسدة والقدرة والعجز علم أن هذا كالطبيق العملي لقضية القدر والعجز ، بخلاف التشريع العام الذي لا يكون القضية فيه مراعاة للقدرة والعجز بقدر ما هو مراعاة لطبائع النفوس أو غيرها ، فهذا مما لم يقل أحد فيه بالمرحلية .

والمحك في النهاية هو فهم السلف ، وهذا هو فهم السلف لهذه القضية .

إذن علماء السلف قالوا أن آي السيف ناسخة لكنهم في ذات الوقت قالوا عن آيات الصفح والصبر أنها للمستضعفين .

يقول : والنسخ عند السلف يشمل التقييد والبيان والتخصيص ولا خلاف بين العلماء في العمل بمراحل الجهاد ، وإلا فالسلف لا يكلفون المستضعف من المسلمين الذي حاله مشابه بحال النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بالقتال ، وإنما الواجب عليه أن يجتهد لكي يصل إلى حال قوة يجاهد فيها الكفار 

يقول : وكيف يكون الجهاد واجباً على الناس وهم غير قادرين ولا مستطيعين ، فالواقع هو الذي يحدد أي الأحكام هو الأمثل في مراحل الجهاد وأن التطبيق بحسب الظروف الموجود ، فلابد من النظر بعين الاعتبار لحالة المسلمين وما هم عليه من قوة أو ضعف ، وقد تكلم العلماء في جواز مداهنة الكفار بمال عند ضعف المسلمين .

القضية ليست فقط مجرد جواز المهادنة ، جواز فداء الأسير كحكم شرعي مجمع على انه لم يتغير ، يدل على أن هناك مجال لتطبيق المصالح والمفاسد في قضية الجهاد ، وأنه يمكن بدلاً من أن تقاتل الكفار لانتزاع الأسير الذي عندهم وتجد أن هذا غير متيسر والقوة لا تسمح بهذا فتدفع لهم مال لكي تحصل على الأسير . فإذن هذا كله يدل على أن القضية بالفعل خاضعة لقضية القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة ، وليست قضية نسخ تام كما يتصور هؤلاء .

يقول : وقد تكلم العلماء في جواز مهادنة الكفار بمال عند ضعف المسلمين

قال ابن قدامة : لا تجوز المهادنة مطلقاً بغير تقدير مدة ، لأنه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية ، هذا هو أثر آية السيف على آيات المهادنة ، يعني لو لم تنزل آية السيف لجازت المهادنية بغير تقدير مدة لأنه ليس واجباً أن تقاتل الكفار ، ولكن لما صار من الواجب أن تقاتلهم صار من غير الجائز أن تضع أمام نفسك العراقيل التي تمنعك من هذا الواجب ، ولكن إن كان في المسلمين ضعف فهم بطبيعة الحال عاجزون عن قتال الكفار فجاز لهم أن يأمنوا أنفسهم بعهد مع المشركين ، لأن واجب قتال الكفار سقط بالعجز فجاز معه الهدنو وبالتالي الهدنة تكون مدتها وفق تقدير الإمام ، ما هي الفترة التي يحتاجها لكي يكون لديه القدرة على قتال المشركين .

ومن ثم اتفق العلماء على عدم جواز الهدنة المطلقة مع الكفار ولكنهم اختلفوا هل لابد من كتابة المدة صراحة مع المشركين أم يمكن أن تكتب لهم مدة مطلقة ، ولكن تضمر أنه متى وجدت القوة يغدر ؟ لا يغدر ولكن ينبذ إليهم العهد .

قالوا لو أنه غير ملزم ببيان المدة في العهد ، وهذا خلاف بين العلماء مع اتفاقهم على جواز عقد الهدنة ، وهذا يرد على من يقول أن آية السيف ناسخة ومع اتفاقهم على أن هذه المدة لابد أن تكون في واقع الأمر وفي حس المسلمين مقيدة وهذا يرد على الذين يقولون أنه يمكن ترك الجهاد مطلقاً حتى ولو وجدت القوة .

ولكن اختلفوا في طريقة تطبيق شرط التوقيت .

هل يلزم الإمام أن يضع مدة مع أعدائه حتى لا يلجأ إلى الغدر ، فهو لابد أن يقاتل متى وجدت القوة ، فقالوا يضع مدة وهذا هو مذهب الجمهور ، والبعض قال أنه يمكن أن يعقد العقد على مدة مطلقة على أساس أنه متى وجدت القدرة لديه خيار آخر غير الغدر ونبذ العهد هو أن ينسحب منه دون أن يحرك الجيوش ولا أن يتخذ الإجراءات إلى أن يصل هذا النقد إلى خصومه فيكونون هم والمسلمين في العلم والاستعداد لنقض العهد سواء { فانبذ إليهم على سواء } وهذا على خلاف الراجح ، والظاهر أن نبذ العهد إنما شرع مقيداً بأن يكونوا هم الذين بدأوا بمناوشة النقد وأن يكون بدر منهم ما يخيف المسلمين  { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } [الأنفال/58] ولا يجوز أن يجعل هذا وسيلة لنقض العهد ولكن يجعل المعاهدة مؤقتة بمدة .

إذن أثر آية السيف على آية المهادنة هو أن آية السيف جعلت آية المهادنة مقيدة في حالة ضعف ، وتلزم الإمام عند عقد الهدنة أن يجعلها مقيدة بمدة .

قال ابن قدامة : لا تجوز المهادنة مطلقاً بغير تقدير مدة لأنه يقضي إلى ترك الجهاد بالكلية وتجوز مهادنتهم على غير مال بأن لا يدفع المسلمون ولا يدفعون هم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هادنهم يوم الحديبية على غير مال لهم ، ويجوز ذلك على مال يأخذه منه فإنها إن جازت على غير مال فعلى مال أولى ، وأما إن صالحهم ببذله لهم فقد أطلق أحمد القول بالمنع منه وهو مذهب الشافعي لأن فيه صغاراً للمسلمين وهذا محمول على غير حال الضرورة ، فأما إذا دعت إليه الضرورة وهو أن يخاف على المسلمين من الهلاك أو الأسر فيجوز لأنه يجوز للأسير فداء نفسه بالمال ، فكذا هاهنا إذا كان الأسير يجوز له فداء نفسه فإذا غلب على الظن أن يقع في المسلمين أسر فجاز أن يفدوا أنفسهم من قبل أن يقعوا .

قال :  بذل مال وإن كان فيه صغار فإنه يجوز تحمله لدفع صغاراً أعظم منه وهو القتل والأسر وسبي الذرية التي فضي سبيهم إلى كرهم .

هذا كلام يؤكد أن القضية برمتها خاضعة  لحساب المصالح والمفاسد

الجديد في آية السيف أنه إذا وجدت القدرة للتقال وجب أن يقاتل ، لم يكن هذا موجود من ضمن الخيارات القدمية ، أما الخيارات القديمة كانت إلى أن يصالحهم على مال يدفعه لهم ، وهم النبي صلى الله عليه وسلم لكي يفرق الأحزاب أن يصالح بعضهم على بعض نخل المدينة أو بعض ثمر نخل المدينة ، إذن يجوز وهم به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن هم به شفقة على الأنصار أن تقتحم عليهم المدينة ولكن لما وجد منهم إصرار على القتال صبر معهم صلى الله عليه وسلم وأمضى لهم مشروتهم حتى نصرهم الله عز وجل .

ولكن هذا يدل على أن هذا كان من الخيارات المطروحة التي لم تنسخ وإنما تجوز عند حال الضرورة ـ لأن فداء الأسير مجمع على بقائه فهذا منه ـ ومنه أنه إذا غلب على الظن وقوع أسر في كثير من المسلمين ويمكن دفع ذلك بدفع المال حينئذ

يقول : وهذا الكلام من الأئمة الأعلام رد بليغ على التهور والاندفاع المفضي إلى الشر والفساد ، وقد بين أهل العلم أن العجز كما يشمل العجز الحسي كالأعذار المنصوص عليها في القرآن من المرض والعمى والعرج والضعف وعدم النفقة فإنه يلزم كذلك مسألة الضر روالهلاك الذي يغلب على الظن حصوله لضعف المسلمين ونقص قوتهم عن نصف قوة عدوهم  قال تعالى  { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين } [الأنفال/66]

قال النووي رحمه الله : "  إذا زاد عدد الكفار على مثلي المسلمين جاز الانهزام "

هذه قضية أخرى ـ أحد صور تبطيق قضية القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة في قضية الجهاد .

كما ذكرنا أن المخالف قد يخالف أن و ينازع في قضية تطبيق المصالح والمفاسد بصفة عامة أو قد ينازع في قضية تطبيقها في الجهاد بصفة خاصة .

نقول له ابتداءاً حكم عام تكلم العلماء على مراحل تشريع الجهاد وتكلموا على أن آية السيف ناسخة ولكن كلامهم بعد ذلك إذا نظرت في كلامهم على آيات الصلح وكلامهم في الفقه على آيات الصلح وجدت أنه مازال الصلح والهدنة لهما عند العلماء متسع إذا وجد الضعف ولم يستطيعون الجهاد . فدل على أن هذه المراحل معمول به وموجودة وليست أنها منسوخة ولكن قيدت بحال الحاجة أو الضعف وبقي الحكم الأصلي عند وجود القوة وهو مبادءة المشركين بالقتال .

أيضاً صوة أخرى لتقريب هذا الحكم تقريباً وهو لكلام على متى يجب على المسلمين قتال عدوهم أو متى يجب عليهم الثبات ومتى يجوز لهم الانهزام

حتى ولو بدأ القتال وهذا أشد من أنه لم يكن بدأ

بمعنى أنه بالفعل يلتقي الصفين فعندما يلتقي الصفان أيضاً هناك مزال تطبيق للقدرة والعجز والمصلحة والمفسدة ، كما ذكرنا أن القدرة والعجز أولاً ثم المصلحة والمفسدة ثانياً

بمعنى أننا عندما نطبق القضية نقول أنه إذا وجد العجز سقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كنا نتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو سقط الثبات أمام العدو أو بدأ العدو بالقتال إذا كنا نتكلم في باب الجهاد سقط من الوجوب إلى الاستحباب بشرط وجود مصلحة وبشرط عدم تعدي الضرر لأنه في تعدي الضرر إلزام للغير بالمستحب وهذا غير مشروع ، وفي وجود مفسدة إذا لم توجد مصلحة مطلقة أي إذا لم توجد أي مصلحة فكأن الإنسان يتلف نفسه بغير فائدة ، فيأتي هاهنا تطبيق قضية المصالح والمفاسد  .

العجز من أي يأتي ؟

بأنه إذا فعل ترتب عليه مفسدة كبيرة في النفس أو العرض أو المال أو غيرها ، وإذا كان كذلك سقط الوجوب وانتقل إلى الاستحباب بشرط أن تتحق مصلحة في هذا الثبات الذي يثبته وهذا التحمل الذي يتحمله بشرط ألا يتعدى الضرر . فإن تعدى الضرر لزمه أن يأخذ بالرخصة حتى لا يلزم غيره بعزيمه أعطاه الله عز وجل فيه رخصة وإن كان ثباته مفسدة محضة أيضاً لم يجز له حينئذ الثبات كأن يكون في القتال فيستأصل شأفته مما يقوي قلوب الكافرين لا العكس ، ولكن إن كان كما في غزوة مؤتة الثابت يلقي الوهن في قلوب المشركين ويحدث فيهم نكاية فيحنئذ يكون الثبات مستحب وبالتالي ثبت الجيش الإسلامي في مؤتة طالما أنه كان يحدث نكاية ، وعندما بدأت الأمور تتحول وتضعف قوى المسلمين بعد قتال طويل مع غير قوى غير متكافئة انسحب بهم خالد وأثنى عليه البي صلى الله عليه .

لذلك نقول إذا زاد عدد الكفار على مثلي المسلمين جاز الانهزام .

قال : " وإذا جاز الفرار نظروا إن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا ظفروا استحب لهم الثبات وإن غلب على ظنهم الهلاك ففي وجوب الفرار وجهان ، وقال الإمام إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية وجب الفرار قطعاً ، وإن كان فيه نكاية فوجهان "

يقول : وهذا الذي قاله الإمام النووي هو الحق ، وأصح الوجهين هو أن يجب الفرار ولكنه مستحب ، ومن هذا يتضح أن الجهاد بمفهومه الصحيح في واقعنا اليوم لم يقوم على أكتاف أفراد قلائل بلا قوة ، بل إن جهاد المائة والمائتين ضرره أكثر من نفعه .

هذا كما ذكرنا للتأكيد على أن قضية المصالح والمفاسد قضية مطبقة في الجهاد أكثر ما تطبق لا العكس ، فهم يفترضون قضية الجهاد كأنها عندما يقول منهم المصالح والمفاسد وكأنه يفترض أن قضية الجهاد مستثناه من أصل مراعاة المصالح والمفاسد ، بل هي قضية يطبق فيها المصالح والمفاسد أكثر ما يمكن أن يطبق لأن القضية هنا إما أن يحدث المسلمين نصر أو على الأقل نكاية وإما أن يحدث قتل في المسلمين وأسر ومفسدة وبالتالي لابد من المراعاة الدقيقة للمصالح والمفاسد .

أيضاً من جملة الشبهات التي تلحق بهذه المسألة ، فكما ذكرنا انهم كانوا ينكرون تطبيق المصالح والمفاسد أصلاً أو ينكرون تطبيقها في قضية الجهاد خاصة أو يقولون أن أعظم مفسدة هي الكفر بالله ، فيقولون إذا طبقت المصالح والمفاسد فستجد أنه دائماً أي عمل وأي مواجهة فيها إزالة لكفر وهذا أعظم من أن يقتل من فعل أو أن يحدث ما يحدث ، وحتى من يتكلم في تغيير المنكرات يقول نحن نتكلم على منكرات كبرى ، منكرات بعضها يصل إلى الكفر ، مع أنه ليس بالضرورة أن كل تغيير لمنكر من المنكرات سوف يتعلق بقضية تحكيم الشرع ،ولكن على الأقل هو يتكلم عن تغيير منكرات كبرى تتعلق بتحكيم الشرعية وتعاطي الخمور وتتعلق بإشاعة الفواحش ووجود أماكن اللهو والفجور .. إلى غير هذا ، وهذه إن وضعتها في كافتي المصالح والمفاسد ستجد دائماً أن كفتها أرجح .

في الواقع أن هذا فيه قدر من عدم رؤية الأمور رؤية صحيحة ، لأنه هو هنا يتكلم أن هناك كفر وهناك كفار لهم شوكة وقوة وكفرهم قائم ، فماذا سيحدث بعد مواجهة العدد القليل الذين يغلب على الظن ان يستأصلون ؟ ، يبقى الكفر كما هو ويزيد عليه ان هذه الفئة قد قتلت كلها وأسر منها بل ربما أسر وقتل غيرهم ، فإذن لا يقال " ليس بعد الكفر ذنب " أو أن الكفر هو اعظم المفاسد .

هو يفترض جدلاً على المنكر الذي تكلم على انه منكر كبير قد زال وهذا غير صحيح ، فهو لا يزول بل يزيد ، أحياناً بعض المنكرات في الأنظمة المدنية التي فيها قوانين يحمي هذه المنكرات ، أنت تحتاج إلى مجهود دعوي كبير لإسقاط هذه القوانين ، هناك قوانين توجد في بلاد المسلمين بفضل الله لا يكاد يعمل بها أحد . إلى الآن مثلاً نسبة من تحتمي بقانون الحرية الشخصية في الزنا ؟ لا تكاد تذكر بفضل الله ، بينهم في بلاد أخرى تكثر لأن الثقافة وغياب الدعوة جعل أن النساء يعتنقن هذا المذهب ويرين أن قضية التصرف في الزنا حرية شخصية وبالتالي إذا وجد من يتعرض لذلك استعملوا هذا القانون ضده .

لكن عندما يوجد الدعوة ويستقر في نفوس الناس أن الزنا جريمة تخجل من تفعله من أن تستخدم هذه القوانين في حمايتها وإن حدث يكون ممن أزداد فجورها ، فهذه القضية إن وجدها بالدعوة فعلى الأقل تقلل من آثارها ومفاسدها .

لكن إن واجهت هذا الذي يفعل الجريمة وهو يعرف أنها قانوناً ليست جريمة فيحتمي منك بالقانون ، فلا تقول أن هذا المكان الذي يبيع الخمور ما المشكلة في أن يقدم أي إنسان على إتلافه ويحتسب نفسه في سبيل الله ؟

أولاً غالب الظن أنه لا يكون نفسه فقط ، لأنه يفعل ويهرب فإلى أن يصلوا إلى الفاعل يكون قد ابتلي من ابتلي وفتن من فتن ، وهذا واقع مشاهد مجرب ، لا يفعل ويثبت ويقول أنا احتسبت عند الله أن أفعل هذه فأتحمل .

لا يوجد هذا في تطبيق هؤلاء .

الأمر الآخر وهو أنه إذا كان الصورة الأولى أو الثانية ماذا يكون ؟ صاحب المنكر يطالب مزيد من الحماية لأن موقفه قانوني فيطالب بمزيد من الحماية فيتمتع المنكر بمزيد من الحماية ، حتى صار الآن كل كاتب مغمور يريد أن يشتهر يدعي أن وصله خطاب تهديد بالقتل من الإسلاميين ، وهو لا يستحق أن تطلق عليه رصاصة أصلاً ، نعم يكون عنده من الانحراف ما فيه ولكن هو شخص لا يؤبه له فلا هو مؤثر وحتى باطله لا يسمعه أحد فإذا أراد أن يشتهر فأقصر طريق للشهرة أن يسب في الإسلام وهذا وحده لا يكفي للشهرة بل يجري ويصرخ أنقذوني من المتطرفين .

فلو كان هناك الدولة الإسلامية قائمة وإذا وجدت من يسب الإسلام وتحركت الشرطة لمنعه .

الآن ما زال في قوانين تهمة اذدراء الأديان ولكن الحرية الشخصية تبغى عليها ، ومتى يعتبرون الأمر اذدراء للدين ؟ لا أدري ، فهناك حالات كثيرة جداً يكون فيها بالفعل اذدراء ويكون التكييف أن هذا ليس اذدراءاً .

ولكن أنت تنظر إلى عاقبة الفعل .

نحن نعطي لهؤلاء الأقذام فرصة لكي ينتشر باطلهم ولا يكون في هذا إنكار  ، ولذلك نقول ليس فقط إنكار المنكر باليد حتى باللسان وبالكلمة ، ليس كل ما يخرج إنسان سافل نرد عليه على المنابر وغيره ، بل لا نرد إلا إذا انتشر باطله .

هذا القني ما كان يعرفه أحد ، عشران السنين وهو في المزبلة ، لا اقول مزبلة التاريخ بل مزبلة الواقع ،ولكن لما انتشر باطله فأنت مضطر أن ترد حينئذن ، فهذا الانتشار ضرر في حد ذاته وبالتالي كان الإهمال قبل أن ينتشر هذا الكلام وهو الخيار الصحيح ، حتى قضية المصالح والمفاسد في قضية تغيير المنكر باللسان .

فإذن عندما يقولون أنه ليس بعد الكفر ذنب أو يتكلمون على بعض المنكرات التي يقولون أنها عظيمة يمكن أن يتحمل المفسدة إلى جوارها ، نقول : نحتاج أولاً أن ننظر في هل أن هذا الذي يتحمل المفسدة سوف يتحملها وحده أم لا ؟

وهي قضية جوهرية حتى لا يضر غيره ، بل هو الذي يهرب والذين لم يختاروا لأنفسهم أن يأخذوا بهذه العزيمة وعندهم رخصة من الله هم الذين يبتلون

الأمر ثاني هل بالفعل سيزول هذا المنكر ويقل أم تعلوا شوكة أهل الباطل وتزداد بأن يكتسبوا مزيد من الحماية ويتعين لهم حراس شخصيين إلى غير ذلك من الأمور ، فلابد من مراعاة ذلك .

أيضاً بعد الكلام على هذه الأمور يطرح البحث السؤال ، هل الجهاد هو الخروج على الحكام فقط ، لأن المخالف يحشد كل النصوص الواردة في أمر الجهاد ، وأولاً يجعل أنه ليس فيها مرحلية ولا مصالح ولا مفاسد ثم يصور أن الصورة والحيدة هي الخروج على الحكام ، مع أن الجهاد عند الإطلاق يراد به قتال الكفار .

هناك بعض من ينستبون للإسلام يقاتلون قتال البغاة وقتال الطائفة الممتنعة وقتال المرتدين .

وإن شاء الله تبارك وتعالى في المرة القادمة نشير على عجاله لأصناف من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلام .

ولكن الجهاد عند الإطلاق ينصرف إلى قتال الكفار .

ربما ذكرنا في تطور فكر جماعة الجهاد المصرية والجماعات المشابهة لها كانوا قديماً يقولون بردة الأنظمة الحاكمة ، ثم يقولون أن محاربة العدو الداخلي أهم من محاربة العدو الخارجي ، وكما ذكرنا انه طرأ على فكرة جماعة الجهاد تغير في أنهم قالوا أن محاربة العدو الخارجي أولى ، وهذا في حد ذاته تطور إلى الأحسن ، بمعنى أنه حتى وإن لم يغير نظرته إلى واقع مجتمعات المسلمين فعلى الأقل امتنع عن إحداث مفسدة فيه ،

كما ذكرنا ان مجمتعات المسلمين حتاج إلى الدعوة والبيان وال تحتاج إلى إراقة دماء وأحداث مفاسد ، ولكن القضية بدون تغيير في التنظير فالذي تغير فقط أن محاربة العدو الخارجي أولى وبالتالي انضموا إلى تنظيم القاعدة وأنشأوا قاعدة الجهاد والقتال وهذا من حيث المبدأ أمر حسن ، فأنا أقول أن الجهاد إذا وجدت شروطة صار جهاداً شرعياً ، وهذا كالقتال في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها ، ولكن يبقى أيضاً أنهم لم يطبقوا المصالح والمفاسد في قتال العدو الكافر ، لأنه لابد من تطبيق المصالح والمفاسد واستثارة  الدول الغربية وغيرها بالاعتداء على سفاراتها أو نحو ذلك في بلادهم أو بلاد أخرى تعتبر بلاد محايدة ، أولاً يكون خلل في الإجراءات بأن يكون حاصل على تأشيرة والتأشيرة هي عقد أمان ثم يغدر وهذا لا يجوز .

الأمر الثاني أن هذه البلاد يكون فيها كثير من المسلمين لم يطلب أحد منهم أن يهاجروا لأنه لا يوجد دولة إسلامية تحارب الكفار وتنذر المسلمين أن يهاجروا وتوفر لهم الأرض الآمنة لكي يهاجروا ، بل كثير ممن يمثلون قاعدة لإمداد هذه التيارات الجهادية بالأفراد موجدين بهذه البلاد ، فماذا يحدث لو كانوا موجودين في هذا المكان في ذلك الوقت ، يقولون أنهم يبعثون على نياتهم  ،وهذه نحتاج إلى ان نناقشها ، لأن كثير من العمليات التي يقوم بها هذه التيارات في الداخل أو في الخارج إذا قيل له أن عمل يتعرض لأن تقتل أنت بما وضعته من متفجرات بعض المسملين يقول يبعثون على نياتهم ، فهذه شبهة نحتاج إلى تناقش .

الأمر الثالث : الآثار ، هل هذا يرد أمريكا ؟ ، هل أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو ما دونها في الأثر يرد أمريكا ، نحن ذكر الحادي عشر من سبتمبر كمثال لأن القاعدة تبنتها ولكن هل هي التي فعلتها أم لا ؟ فهذا موضوع آخر .

ولكن هل هذه الأحداث ردت أمريكا عن مواجهة المسلمين ؟ بالعكس وفرت المبرر والغطاء والضغط النفسي على بلاد المسلمين أن تشترك بنفسها في هذه المعركة بالتضييق على الدعاة والجمعيات الخيرية ، كل هذا له أثره ، بخلاف المواجهة في أرض المعركة في بلاد المسلمين ، لأن الواقع والأفهام المستقرة عند الناس لها أثر ، الناس يعتبرون أن هذا محتل وبالتالي يوفرون  الحماية والإمداد حتى وإن لم يشتركون في الجهاد ، الخصم نفسه مهما بلغ من وقاحته وجبروته لا يكون في نفس درجة عندما يكون معتدى عليه في عقر داره .

فكما ذكرنا كانوا في وقت من الأوقات يحصرون الجهاد كقضية الخروج على الحكام ، ويعتبرون أن هذا هو أوجب الواجبات .

حدث تطور في فكر جماعة الجهاد وربما في معظم الجماعات المشابهة في العالم الإسلامي ، أنهم قالوا فلنبدأ في حمالات الاحتلال الجديدة التي تمارسها أمريكا في أنحاء العالم الإسلامي تحت ذرائع شتى .

وهذا كان في حدى ذاته تطور حسن ولكن ليتهم أيضاً داخل هذا الاختيار أخبضوعه لحساب المصالح والمفاسد والقدرة والعجز ، ولم يحاربوا الدنيا بأسرها في وقت واحد ، ورأوا أن استمرار الدعوة في بلاد المسلمين واستمرار الدعوة في بلاد الغرب أهم من هذا القتال ، يعني إذا اكن هو مشروع ولكن لا ينبغي أن يأتي على ما هو أصل له بالهدم ، لأنه إذا ضيق على هذه الدعوة ومنعت لن يوجد من يجاهد فضلاً أن يوجد من يبين الإسلام إلى غير ذلك .

فحدث تطور في هذه القضية ، لكن وقت كتابة البحث ربما كان الأمر المسيطر على فكر هذه الاتجاهات حصر مفهوم الجهاد في مواجهة الحكام .

في الواقع كما ذكرنا أن الجهاد عند الإطلاق يعنى به قتال المشركين في أرض المعركة .

وإذا عممته دخل في كل أنواع الجهاد من جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين وجهاد العصاة الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال من يستحق القتال من المسلمين ، لأنه من الممكن أن يوجد من يبغي على الإمام العدل فيستحق القتال ومن الممكن ان تمتنع طائفة عن استخدام شرائع الإسلام والحكم به فتستحق القتال .

فهناك أنواع من قتال المنتسبين للإسلام ، وأيضاً في هذه الأنواع يراعى القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة .

البحث هنا لم يتعرض لأنواع من يستحقون القتال من المنتسبين للإسلام لأنها بينت في بحث آخر وهو بحث الجهاد في سبيل الله .

إن شاء الله في المرة القادمة نذكر ملخص لأصناف من يقاتلون من المنتسبين للإسلام وأحكام قتالهم .

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية