الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 11

من الآفات التي قد يبتلى بها بعض هذه الاتجاهات أنه يتصور أن أيسر تنظير للقتال أن يحكم على الفريق الآخر بأنه مرتد جملة وتفصيلاً

السلفية ومناهج الإصلاح - 11
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٥ يونيو ٢٠١٥ - ١٩:١٣ م
1304

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط الحادي عشر

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

ما زلنا في مناقشة التيارات التي ترى الصدام المسلح ، وذكرنا أشياء من ذلك ، كانت قطب روحها يبين أن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلاهما مرتبط بالقدرة والعجز والمصلحة والمفسدة ، وبيان أدلة ذلك وتطبيق هذا في قضية الجهاد خصوصاً في مسألة بيان مراحل تشريع الجهاد وأن كلها معمول بها حسب الحاجة .

فإذن لو أننا تغاضينا عن توصيف الطرف الآخر من جهة مدى ما يظهره من مخالفات ، ولكن فقط أنه لديه القوة والقدرة العسكرية التي لا يتأتى لهؤلاء إلا المناوشة التي تترتب عليها كثير من المفاسد ، فسيكون المنع هاهنا لوجود المفسدة وسيكون العذر الذي يجعلهم يمسكون عن المواجهة أو عن تغيير المنكر حتى في الحالات التي يكون فيها الأمر كذلك أنهم غير قادرين وأنهم مع وجود هذا العجز لا يتأتى لهم أن يأخذو بالعزيمة لعدم وجود مصلحة أصلاً أو لأنهم متى أخذوا بالعزيمة تعدى الضرر إلى غيرهم .

يبقى أن نشير إلى أنه ليس هناك تلازم بين القتال وبين التكفير ، وذلك لأن من الآفات التي قد يبتلى بها بعض هذه الاتجاهات أنه يتصور أن أيسر تنظير للقتال أن يحكم على الفريق الآخر بأنه مرتد جملة وتفصيلاً ، فهذا يعطي له مساحة عالية في المناورة لا يحتاج لكل عملية إلى فتوى خاصة ، فهو يقاتل مرتدين فيقتلهم آحاداً ومجتمعات ويقاتلهم ويقتل منهم . وهذا جعل أن الميل إلى المواجهة المسلحة دائماً ما يتواجد معه الميل إلى التكفير فصارت مشكلة عقدية أخرى بخلاف مشكلة المصالح والمفاسد في التضيق على الدعوة وإلى غير ذلك .

هناك مشكلة عقيدة أخرى ظهرت في أنه يريد أن يوصف حال المخالفين بأنهم مرتدون ، بل الأمر قد يصل إلى أن يتكلم على ردة المجتمع ككل لأنه في كثير من الأحيان لا يستطيع إلا توجيه ضربات خاطفة ويكون هناك ضحايا غير الشخصية المستهدفة ، فالبعض قال طالما أنهم راضون فهم كفار ، وإذا سألته ما هو ضابط الفرق بين من ينتمي لمنهجهم ويسير في الطريق ، فهو يسير في الطريق مثله مثل غيره وهو منكر ويرتب العملية مثلاً وبين آحاد الناس ؟ لا تجد فرق ، ولكن عموماً ان كل من ليس معهم يكون مرتد لأنه إما فعل الردة وإما رضي بها ، والبعض قد يمتنع عن تكفير عموم المسلمين ولكن على الأقل يكفر الأنظمة ثم يقول في شأن عموم المسلمين يبعثون على نياتهم ، وكما ذكرنا أن هذه قضية تحتاج إلى مناقشة مستقلة .

نحن نقول لهم على الأقل حتى لو أنهم أصروا على اختيار المواجهة رغم كل ما بيناه من أدلة لا يلزم من المواجهة التكفير ، لأنه لا يوجد تلازم بين الكفر والقتال .

فمن تتمة ذلك أن نعرف فقه أنواع من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلام ، ولأنه مثلاً الأمر يختلف ، نحن الآن نمنع من المواجهة المسلحة مع الأنظمة لم يترتب عليها من مفاسد ، وكأن هذا يعتبر فاصل مشترك بين كل الأحاوال أما حكم هذه الأنظمة يتفاوت ، ربما مثلاً في بلاد كأفغانستان كان هناك نظام ينتسب إلى الإسلام اسماً ولكن يصرح بأنه يدعوا إلى الشيوعية ويريد أن يجبر الناس عليها ، فالأمر تتفاوت تفاوتاً كبيراً جداً  .

من هذا النموذج مثلاً النموذج الأفغاني وأول ما بدأت الحرب الأفغاني وبين النموزج السعودي الذي يسمى فيه الحاكم بأمير المؤمنين والمحاكم الشرعية تحكم بشرع الله مع وجود مخالفات للشرع خارج النظام القضائي لأن تطبيق الشرع ليس نظام قضائي وفقط ، بل هناك مخالفات في نظام الإعلام والتعليم ، الآن صار عندهم جامعة مختلطة وطبعاً يوجد من يريد أن يبرر هذه الجامعة بنوع من أنواع التلبيس من أن الاختلاط موجود في الحج والمساجد ، وهم يعرفون اختلاط الجامعات ما شأنه وما حله ولماذا يفعل ، فهذا تلبيس الحق بالباطل حينما يقولون بوجود الاختلاط بأماكن العبادة بمعنى أن في مكان واحد يوجد رجال ونساء ولكن مع ضوابط رغم أن المكان مكان عبادة وبعيد عن التهمة والشبهة إلا أن كان هناك ضوابط ، فإذا جئت في مكان تعليم على الأقل أطبق نفس الضوابط . وأن هذه الضوابط يصعب جداً تطبيقها في مكان التعليم ، هناك أوقات العملي التي لابد أن يتواجد الجميع على منضدة واحدة وهناك وهناك وهناك ، فكان اختيارهم إلى وقت قريب أن يوجد جامعات للرجال وجامعات للفتيات ، ما الذي جد لكي يقولوا نحن نريد أن نفعل الاختلاط في الجامعة كما هو في السوق وكما هو في المسجد .

وهناك نظام في بلد ما ينتسب إلى الإسلام اسماً ويريد أن يفرض الشيوعية على الناس كما في أفغانستان وكما في الشيشان وغيرها .

وهناك نظام يطبق جزء لا بأس به من الإسلام ويجعل النظام القضائي الذي يكون الانتباه إليه أولاً عندما يقول تطبيق الشريعة تنصرف الذهن إليه ويجعل نظام قضائي شرعي بينما عنده مخالفات وبينهما الكثير من الأنماط والأنظمة .

طبعاً الأمر في أفغانستان عندما يظهر الحاكم الردة الصريحة مثل أفغانستان مثلاً في حينها أو الشيشان أو يكون هو كافر كفر صريح كاليهود عندما كانوا يحكمون فلسطين كلها أو غير ذلك فأولاً درجة المفسدة من بقاؤه متسلط أعلى لأنه ليس مجرد أنه يطبق الشرع بمعاذير يذكرها ، فالحكم بغير ما أنزل الله كفر أكبر ولكن إذا كان الأمر من جهة مسلم فيوجد مجال لأن تسأل عن إقامة الحجة وفي النهاية اسم الإسلام ظاهر بصفة عامة ،ولكن عندما يصلوا إلى الردة الصريحة تكون المفسدة في وجودة عالية جداً وعادة القدرة على مواجهتهم تعلو نتيجة وجود رغبة لدى الكثيرين في الانضمام للجهاد ووجود من سائر الذين لا يشتركون سيمثلون عمق حماية لمن يقاتلون الكفار ، وحتى عندما أتت القوات الأوروبية تحتل بلاد المسلمين وكان وقتها لدى هذه البلاد من أنواع الأسلحة التي لا تتناسب نهائياً مع ما هو يمكن أن يوجد مع الاتجاهات التي قامت لمواجهة هذا الاحتلال إلا أن المواجهة كانت مثمرة وأرغمت الاحتلال على التراجع ، وكان السبب الرئيسي وجود رغبة كبيرة عند عدد كبير من شباب المسلمين في هذه المواجهة وحتى الذين لا يشتركون يمثلون عمق رئيسي هؤلاء ويوفرون لهم طرق التنقل وطرق الحماية إلى غير ذلك ، ولذا كانت حركات الجهاد والتي يسمعونها بحركات التحرير وكان معظمها نابع من جهاد إسلامي ورغبة في الانتصار للإسلام ، وإن كان سرقت بعد ذلك ووجهت وجهة قومية ، والاحتلال عندما فكر أن ينسحب انتقى الذين يؤمنون بالفكرة القومية أو الذين يمزجون بين الإنتماء الإسلامي والإنتماء القومي وصدر هؤلاء وجعلهم هم الذين يفاوضونه على الانسجاب لكي يظهر للناس أنهم هم الذين قادوا مرحلة المواجهة فهم الذين يخوضون مرحلة التحرير ، بينما اختار الاحتلال اصحاب الأفكار القومية أو القومية الممزوجة بإسلامية فضلاً عن من هم أسوء من ذلك كأتاتورك وغيره ، وأيضاً النماذج متفاوتة ولكنهم في الجملة عندما انسحبوا حاولا ألا يكون الانسحاب لصالح الذين قاتلوهم ، فكان الانسحاب لصالح آخرين ربما كانوا موافقين أو متواطئين أو كانوا معارضين ولكنهم لم يكونوا أهل جهاد وشوكة وعقيدة .

على كل حال تتمة لفقه المسألة ولكي تضبط لابد أن نعرف أصناف من يقاتلون من المنتسبين للإسلام ولأنه قد تختلف الأحوال فيكون مثلاً المواجهة في بلد كأفغانستان أو الشيشان أو غيرها يوجه الحكومات كحكومات مرتدة بينما يمكن أن يوجد في وسط آخر وبيئة أخرى أن يكون التوصيف الأقرب أن يكونوا طائفة ممتنعة وقد يكون في معظم الأماكن يمنع المواجهة على النحو الذي بيناه .

يحتاج الأمر لمعرفة هذا ولو من باب معرفة تتمة الأحكام الفقهية ، لأنه كما ذكرنا لا يوجد تلازم بين القتال والتكفير ، ونحن عندنا ثلاث أمور :

القتال : وهذا أدناها  ، ثم القتل ، ثم الكفر .وكل واحد يتضمن من تحته بمعنى أن الكافر يُقاتل ويُقتل ، يقاتل الكفار كجماعة ، إذا كان المسلمين كجماعة أمام الكفار كجماعة فيشرع قتال الكفار ، الواحد المقدور عليه من الكفار ممن لاعهد له ولا ذمة ولا أمان يجوز قتله إلا إذا كان عصم دمه بشيء غير الإسلام ، فالإسلام عاصم لدم صاحبه تلقائياً أما الكافر فلابد أن يكون معه شيء يعصم دمه من المعاهدة أو آمان أو عهد أو ذمة ، إذن وصف الكفر يتضمن جواز القتل وجواز القتال .

جواز القتل يتضمن جواز القتال وإن لم يلزم منه الكفر ، يعني إذا كان مجموعة حكم عليهم بالقتل في حدود في بعض من حكم عليهم بالمصطلح المعاصر ـ الإعدام ـ ففي أشياء شرعية قد يحكم على الإنسان بالقتل فيها كالقصاص والزاني المحصن فإذا كان مجموعة من هؤلاء المحكوم عليهم بالقتل فروا من تطبيق الحكم وصار معهم سلاح وقاتلوا الإمام فكونهم محكوم عليهم بالقتل كأفراد من باب أولى أن يقاتلوا كمجموعة لأنه أقصى ما سيترتب على القتال أن يقتل منهم من يقتل وفي واقع الامر هم يقاتلون لكي يستسلموا ويقتلوا ، فالقتل يلزم منه جواز القتال إذا لزم . أما القتال فلا يلزم  منه جواز القتل ولا يلزم منه الكفر ، وهذا كقتال البغاة الذين يخرجون على الإمام بتأويل سائغ ، فيجوز للإمام أن يقاتلهم لكي يرد شرهم ، أما الواحد المقدور عليه منه إذا أسر فلا يقتل ، فإذن هناك من يستحق القتال ولا يستحق القتل ، وهناك من يستحق القتل ومن ثم يستحق القتال ، وأما الحكم بالكفر فيشمل هذا وذاك .

بالمناسبة اختلف الفقهاء في حكم تارك الصلاة عمداً على أقوال ثلاثة :

أنه مرتد

أو أنه يستحق القتل ولكنه غير مرتد

أو أنه يستحق القتال فقط دون القتل وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة .

كونه مرتد هذه رواية ف يمذهب الإمام أحمد ، وأنه يستحق القتل دون الردة فهذا مذهب الجمهور من أنه يستحق القتل دون أن يكفر ، ويفرع عليه شيخ الإسلام تفريع من أنه نعم يستحق القتل دون أن يكفر ولكنه إذا قدر عليه وقدم لإقامة الحد وفضل إقامة الحد على الصلاة حينئذ يحكم عليه بالردة ويقتل رده ، فأنت تطلبه لإقامة الحد ، الإمام يطلبه ليقيم عليه الحد ، وهو في هذه اللحظة لو مات من تلقاء نفسه يكون مسلم عاص . ما زال إلى الآن القتل عقوبة له على ترك الصلاة فإذا قيل له نحن نترك لك الفرصة لكي تصلي ونرفع عنك القتل فيفضل القتل على الصلاة فحينئذ يبدو أنه كان جاحداً ويقتل ردة وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ، أو على الأقل يلزم به من يرى أن كفر تارك الصلاة تكاسلاً هو من باب الكفر الأصغر فيرى أنه ينبغي أن يقلبه إلى أكبر إذا فضل القتل على الصلاة لأنه حينئذ لا يكون تكاسلاً بل لا يكون إلا جحوداً ، لأن أي كسل الذي يدفع صاحبه أن يفضل القتل على الصلاة ؟

الإمام أبو حنيفة يرى أن الصلاة يقاتل تاركها ولكن الواحد المقدور عليه منهم يحبس ويؤذى إلى أن يصلي ، يعني لا يرى أنه يعرض على القتل أصلاً ، بل يقول أنه يحبس ويضرب ويؤذى إلى أن يصلي . إذن الإمام أبو حنيفة يحمل الأدلة مثل قوله تعالى  { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم } [التوبة/5] أي أنه إذا أسلم ولم يقم الصلاة يقاتل لأن من شروط تخلية السبيل أنه يسلم ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ، ومن شروط الأخوة التي تعطيه حقوق المسلم في المجتمع المسلم وهذا هو معننى { فإخوانكم في الدين } أن يسلم ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ، وإلا صار ليس له حقوق الإخوة لأنه سوف يقاتل إلى أن يقبض عليه ويؤسر فيحبس ويؤذى ، هذا على مذهب الإمام أبي حنيفة وطريقة تفسيره لهذه الآيات .

على كل حال ذكرنا قبل هذا أن ما نذكره نحن في قضية الجهاد في ثنايا هذا البحث موجود بصورة أوفى في بحث آخر نشر أيضاً في بعض أعداد مجلة صوت الدعوة تحت عنوان ـ فقه الجاهد ـ .

نخلص منه بسرعة ما ذكر تحت عنوان ـ أصناف من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلام ـ

يقول : " أصناف من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلم ، وردت أدلة الكتاب والسنة والإجماع بالأمر بقتال عدة طوائف من أهل القبلة وهم أهل البغي فهذا صنف ، وقطاع الطرق ، ومن أبى قبول الفرائض والتزامها وامتنع عن شريعة من شرائع الإسلام وإن لم يخرج عن الدين كمانعي الزكاة "

أهل البغي وقطاع الطرق هذا صنف ، والطائفة الممتنعة .

الطائفة الأولى : هم البغاة :

الأصل في قتالهم قوله تعالى  { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم  } [الحجرات/9] ، قال ابن قدامة في المغني : " وفي هذه الآية خمس فوائد :

أحدهما أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان لأنه سماهم مؤمنين

الثانية : أنه أوجب قتالهم

الثالثة : أنه أسقط القتال إذا فاءوا إلى الله

الرابعة : أنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم لأنه قال { فإن فاءت فأصحلوا بينهما } وبذلك يكون ما تلف هدر في سبيل وجود الصلح

الخامسة : أن الآية أفادت جواز قتال كل من منع حقاً عليه  ،لأنه جعل غاية القتال { حتى تفيء إلى أمر الله } "

فهذا أصل في قتال البغاه

يقول أيضاً الإمام ابن قدامة : " الخارجون عن قبضة الإمام أصناف أربعة :

أحدهما : قوم امتنعوا عن طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فؤلاء قطاع طرق ساعون في الأرض الفساد يأتي حكمهم في باب منفرد ، فهذا قتال المحاربين أو قطاع الطرق بأن يخرجون عن قفبضة الإمام ويتظاهرون بسلاح ونحوه مقصودهم نهب الأموال وهتك الأعراض وما إلى ذلك دون شبهة ودون تأويل ، فهؤلاء يكونون قطاع طرق

الثاني من الأصناف الخارجين على الإمام : قوم لهم تأويل إلا أنهم نفر يسير لا منعة لهم كالواحد والإثنين والعشرة ونحوهم ، فهؤلاء قطاع طرق في قول أكثر أصحابنا وهو مذهب الشافعي ، لأن ابن ملجم لما جرح علي للحسن رضي الله عنهما إن برءت رأيت رأيي وإن مت فلا تمثل به فلم يثبت لفعله حكم البغاه . فهو جعل أن يلزمه الحد لكن نهاهم أن يمثلوا به ، وقال أبو بكر لا فرق بين القليل والكثير وحكمه حكم البغاة

فعندنا أن الذين خرجوا بدون تأيل يشترط لهم اجتماع شرطين عند الجمهور " التأويل بأنهم يطلبون حقاً شرعياً لهم أو للأمة كلل ، والأمر الثاني أن تكون لهم منعة وشوكة يحتاج معها الإمام أن يضطر إلى قتالهم وإلى أن يقبل منهم رجعوهم متى رجعوا ، أهم شيء أن يرجعوا ويهدر ما في هذا القتال الذي ظنوه أنه على الحق ، فإن انتفى شرط التأويل كانوا قطاع طريق بالإجماع وإن انتفى شرط الشوكة بأن خرج مجموعة صغيرة بتأويل ولكن بلا شوكة فالإمام يستطيع أن يعاملهم آحاداً بمقتضى أفعالهم ، فالجمهور أيضاً على أنهم يعاملون معاملة قطاع الطريق

فهؤلاء صنفين في النهاية : البغاة ، وقطاع الطريق وهم من يخرج على الإمام إما بتأويل أو لهم تأويل بلا شوكة .

فإذا وجد التأويل والشوكة صاروا بغاة ، وإذا فقد احد الإثنين صار هؤلاء قطاع طريق .

فهو ذكر صنفان يؤلا في النهاية على أنهم قطاع طريق

الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعلياً وطلحة والزبير وكثيراً من لصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم ، فظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين أنهم بغاة حكمهم حكمهم ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث ، ومالك يرى استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم ، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين وتباح دماؤهم وأموالهم فإن تحيزوا في مكان وكانت لهم منعة وشوكة صاروا أهل حرب كسائر الكفار وإن كانوا في قبضة الإمام استتابهم كاستتابة المرتدين ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وكانت أموالهم فيئاً لا يرثهم ورثتهم من المسلمين .

وقال ابن المنذر لا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين ،

يقول الرابع : قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعة بتأويل سائغ وفيهم منعة  رحمه الله يحتاج في كفهم إلى منع الجيش فهؤلاء البغاة .

إذن الإمام ابن قدامة ذكر أربع أصناف منهم صنف البغاة الذين يجتمع لهم التأويل مع الشوكة والمنعة ثم ذكر أنه عند غياب التأويل يعتبرون قطاع طريق وعند غياب الشوكة يعترون قطاع طريق أيضاً عند الجمهور وإن كانوا يعتبرون بغاة عند البعض الآخر .

ثم ذكر الخوارج على أن هؤلاء صنف آخر وهذا يسميهم بعض الفقهاء يقول شر أنواع البغاة كالخواج ومانعي الزكاة ، كأنه في كتب الفقه المتقدمة كان موضوع الخوارج ومانعي الزكاة كأنها حالة استثنائية وجدت في التاريخ فصاروا يجعلونها كملحق بباب قتال البغاة يسمونهم شر أهل البغي ، لماذا يقولون عنهم شر أهل البغي ؟ لأنهم وجدوا أن الصحابة كلعي رضي الله عنه قاتل معاوية رضي الله عنه قتال البغاة بإجماع أهل العلم ، وأن علي رضي الله عنه اعتبر معاوية باغياً عليه وطبق عليه أحكام أهل البغي ، لأن المرجع الرئيسي في معرفة أحكام أهل البغي ما كان علي رضي الله عنه يراه في شأن معاوية رضي الله عنه ومن معه ، ولكن علي رضي الله عنه قاتل الخوارج بصفة مختلفة ومن قبله أبو بكر رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة بطريقة مختلفة فصاروا يقولون " وهؤلاء هم شر البغاة " ، إذن طالما أنهم كانوا من شر البغاة  ، هم لهم تأويل ولكنه ليس كتأويل أهل البغي ، تأويل أهل البغي تأويل سائغ ، أما هؤلاء تأويلهم غير سائغ ولكن لهم شوكة ، فقالوا هؤلاء تغنم أموالهم .

إذن هناك فرق بين قتالهم وبين قتال أهل البغي ، والبعض قال هؤلاء مرتدين والجمهور كما في النقل هنا عن ابن عبد البر أن الجمهور لم يوافقه من ذهب إلى تكفير الخوارج ولكن اعتبروهم من البغاة ، وكثير من هؤلاء الجمهور يسمونهم أو يعتبرونهم قسم خاص من البغاة يطلقون عليهم وصف شر البغاة .

هذا التوصيف الذي لم يبلغ مبلغ الدقة التامة في التوصيف أظهره شيخ الإسلام ابن تيمية ونحت لهم مصطلحاً واستقرأ لهم أحكاماً استفادها من قتال أبي بكر رضي الله عنه لمانعي الزكاة وقتال علي رضي الله عنه للخوارج ثم طبقها هو على التتار وصار هذا الأمر برمته ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية وأنه أول من نظر لما يسمى بقتال الطائفة الممتنعة ، وفي الواقع أن شيخ الإسلام أظهر هذا المصطلح وأظهر هذا القسم كقسم مستقل عن قتال البغاة واستقرأ الأحوال التي تمت في عصر الصحابة من قتال الخوارج ومن قتال مانعي الزكاة ثم قتال الخوارج واستنبط أن هناك نوع يستأهل أن يفرض بقسم عن قتال البغاة لأن له أحكام مختلفة وتوصيف أصحابه توصيف مختلف إذن فهو قسم مختلف .

فيحصل من هذا الكلام أن أصناف من يقاتلون من أهل الإسلام ثلاثة ، هذا بخلاف المرتدين لأن قتال المرتدين هو قسم من قتال الكفار ولكنهم يكونون كانوا منتسبين للإسلام أو ما زالوا يزعمون انتسابهم إليه ، فإذن نحن نصنف قتال المرتدين كنوع من قتال الكفار وليس من قتال أهل الإسلام ، ولا مشاح في الإصطلاح فلو أنك اعتبرته أنهم كانوا منتسبين إلى الإسلام ، قتال المرتدين أمر واضح فيمن ارتدوا عن الإسلام ردة صريحة ليس فيها تأويل ولا شبهة كأن يرجعوا إلى دين يخالف دين الإسلام أو ينكرون المعلوم من الدين بالضرورة مما يستوي في علمه الخاص والعام أو نحو ذلك .

نتكلم على قتال البغاة كأصل وهؤلاء يشترط فيهم شرطان :

الأول أن يكون لهم تأويل سائغ

والثاني : أن يكون لهم شوكة ومنعة

إن فقد أحد هذين الشرطين صاروا قطاع طريق ، أو يقاتل من كان هذا شأنه قتال قطاع الطريق ، فهناك قطاع طريق في غاية الوضوح من أنهم يخرجون لنهب الأموال وهتك الأعراض .

ومن خرج بتأويل غير سائغ أو خرج بتأويل سائغ لكن لا شوكة له عومل معاملة قطاع الطريق على الراجح من كلام أهل العلم .

وأم إن كان هناك من له شبهة بتأويل غير سائغ ولهم شوكة ومنعة من أمور قد تخالف المجمع عليه ولكن فيها شبهات وليس مما يحكم بردة كل من ينتحل ذلك القول بلا إقامة حجة ولا غيرها .

الذي يرتد لدين يخالف دين الإسلام أو نحو ذلك تصير هذه الطائفة بأسرها مرتدين وينتهي الأمر ، ويقاتلون قتال المرتدين ، وأما من يمتنعون من شعيرة من شعائر الإسلام الظاهر فمن الوارد أن يكون عندهم شبهة ولكنها تأويل غير سائغ ليس من جنس تأويل البغاة فهؤلاء هم الطائفة الممتنعة الذين يتمنعون عن التزام بعض أحكام الإسلام الظاهرة .

ونتيجة أن يكون عندهم الغالب على هؤلاء في النماذج التي حصلت عبر التاريخ في مانعي الزكاة والخوارج والتتار أن تكون هذه الطائفة أخلاط شتى ، فيعامل كل فرض داخلها بحسبه وهذا أعدل بكثير ممن يريد أنه كلما اختلف مع طائفة أن يكفرها بالعموم .

إذا كان هناك امتناع عن شعيرة من شعائر الإسلام وهذا له شبهة وهذا ليس له وهذا يعرف وهذا جاهل وهذا عالم ، فهذه الطائفة إن كان هناك قدرة على قتالها كان القتال لأن هناك قتال لمن هو خير منها وهم البغاة ، فأمر القتال يسير إذا كان مرتبط بالقدرة والعجز والمصلحة والمفسدة . ولكن الواحد المقدور عليه لا يعطى الطائفة كلها حكم الردة وإنما يعطي كل طريق الحكم المساوي له .

فإذن هذه الأصناف ممن يقاتلون من المنتسبين للإسلام .

مع أن نافلة القول أن نشير أننا ابتلينا في هذا الزمان ببعض المنتسبين إلى الدعوة يوصف الأنظمة المدنية في الدول الإسلامة بأنهم ولاة أمور تجب طاعتهم شرعاً .

فنحن نقول دائماً ما ننادي بتحقيق مصالح المسلمين وعدم تعريض أموالهم ودمائهم ولا مصالح دينهم للفساد ومن ثم من الناحية العملية قد نكون نحن وهم على قدم سواء في عدم إثارة المشكلات ومنازعة السلطات ونحو ذلك ، ولكن اختلاف التوصيف ما بين أن هذه ولاية أمر شرعية أم أن هذا تحقيق لمصالح المسلمين .

نحن نقول أنه باستثناء نماذج قليلة جداً الأصل في الحكومات المدنية المعاصرة في كل بلاد المسلمين تقريباً إلا الندر اليسير أنهم يستنكفون أن يوصفوا بأنهم ولاة أمور شرعيين بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة ، يستنكفون أن يوصفوا بأن دورهم هو تطبيق الدين وسياسة الدنيا بالدين ، فإذن لا يوجد ادعاء أصلاً بوجود ولاية لكي تنظر هل هي مطبقة أم لا .

لكن هنا ولاية نابعة من أمر آخر يرونه ، والمسلم يريد أن يحافظ على مجتمعه وعلى دماء المسلمين وأموالهم وعلى مصالح الدعوة

الأكثر من ذلك لو تغاضينا عن هذه الجزئية ، ونفترض جدلاً أن هناك ولاة أمور شرعيين يقصرون في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب حينئذ أن يتعاون الناس فيما بينهم للأمر للقيام بهذا الفرض الكفائي الذي قصر فيه الولاة ، لكن العجب من هؤلاء الإخوان أنهم بعد أن هؤلاء ولاة أمور شرعيين يرى أيضاً أن هذا حق لا ندري من أين أتو به وهو لا مكن أمر بمعروف ونهي عن منكر إلا بإذنهم ، ومن ثم يرى أن من يأمر بمعروف وينهى عن منكر بغير إذنهم فهو خارجي .

العلماء يتكلمون فيمن خرج على الإمام العدل بالسيف بأن منهم بغاة ومنهم خوارج ، وهؤلاء يرون أن من تكلم بشطر كلمة أو من تعاون مع غيره على أداء الواجبات الشرعية خارجي قولاً واحداً ، حتى إنك إذا حضرت لهؤلاء درس أو خطبة عن الخوارج تكاد تنسى أصل الخوارج .

يعني قديماً إذا قيل خارجي يقال أن هؤلاء الذين يكفرون بالكبيرة ، الآن في حس هؤلاء الخارجي هو الذي يدعو إلى الله ويتعاون مع إخوانه على الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، فهم ينسون أصل الخوارج وأنهم يكفرون بالكبيرة ، وليس هذا فحسب بل ما داموا خوارج فهم يستحقون ما يفعل بهم ولو كان القتل ، حتى أن خطيباً من هؤلاء صار ملكياً أكثر من الملك كما يقولون فصعد المنكر يستنكر على ولاة الأمور عدم قتلهم للخوارج ، وهذا خروج وفق منهجه هو ولكن يبدو أن هذا خروج قانوني أو خروج مرغوب فيه ، فإذا كان أنت لو لم تتعرض لأحد أو تذكر أسم أحد ومجرد أنك تنكر المنكرات دون أنت تذكر أعيان من قام بها فهذا يعد عندهم خروج ، وهو يجيز لنفسه مثلاً أن ينكر صراحة على من يراهم ولاة أمور لأنهم مقصرون في قتل الخوراج ، وكأن هذا المنكر الوحيد الموجود في الدنيا وهو ترك قتل الخوراج الذين يدرسون العقيدة ويدرسون دين الله تبارك وتعالى ويدعون إليه ، وبعضهم يرى أن من يخوض الانتخابات ضد ولاة الأمور خواج ، فهذه مشكلة معضلة ، إذا كان ولاة الأمور دعوا إليها ؟ ، قال لا يطاعون في معصية ، فهم كانوا عصاة عندما دعوا غيرهم لكي يناوءهم ، فهم لا يطاعون في معصية وكأن هذه أيضاً هي المعصية الوحيدة التي عندهم ، فإذا كان هم لا يطاعون في معصية فهناك معاصي كثيرة تستوجب التنبيه ألا يطاعوا فيها ، لماذا إذا تكلم المتكلم أنهم لا يطاعون في تطوير التعلم ولا يطاعون في هذه الانحرافات يقال عليه خروج وهذا نوع من إثارة الناس على الحكام  ، فلماذا تثير الناس ضد الديمقراطية التي يدعوا إليها الحكام ؟ يقول أنهم عصوا في هذا الجانب فلا يطاعون في معصية .

كلام جعل أصحابه مسار سخرية الجميع وإنا لله وإنا إليه راجعون .

على كل حال كنا نتمنى من هؤلاء الإخوة لو أنهم يبالغون في حق من يرونهم ولاة أمور ، على الأقل يجعلون من لا يخرج عليهم بالسيف ، وإنما غاية ما هنالك أن يتعاون ويتعلم العلم الشرعي يجعلونه بغاة مثلاً أو من أهل البغي ، فعندهم متسع بدلاً من أن يجعلونهم خوارج ، ولكن القضية عند هؤلاء يبدو أنها لا تقبل القسمة على اثنين ، فهم خوارج ولابد من قتلهم وينكر على ولاة الأمور تركهم للخوارج ولكن لا ينكر عليهم ما سوى ذلك .

أيماً ما يكن فليس هذا هو موضوعنا الآن ، وإنما كان المقصود بيان أصناف من يقاتلون من المنتسبين إلى الإسلام .

أيضاً من بعض النقول التي توضح هذه القضية قول الإمام النووي في روضة الطالبين : " الذين يخالفون الإمام بالخروج عليه وترك الانقياد والامتناع من أداء الحقوق ينقسمون إلى بغاة وغيرهم "

إذن وكأن وصف البغاة هو أكثر الأوصاف الانضابطاً فبدأ به النووي رحمه الله .

والغير هو من فقد الشرط بأن يكون تأويل سائغ وأن يكون لهم شوكة ، سيتفرع على ذلك وجود شر البغاة الذين لهم تأويل غير سائغ ، وهؤلاء سماهم شيخ الإسلام ابن تيمية طالما لهم تأويل غير سائغ  مع شوكة يعطي أن هؤلاء طائفة ممتنعة أو في اصطلاح المتقدمين ـ شر أهل البغي ـ

إذا كان لا يوجد تأويل أو لا يوجد شوكة يأول الأمر إلى الكلام على المحاربين أو قطاع الطرق .

يقول : " الذين يخالفون الإمام بالخروج عليه وترك الانقياد والامتناع من أداء الحقوق ينقسمون إلى بغاة وغيرهم ، أما البغاة فتعتبر فيهم خصلتان :

إحداهما أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخرو على الإمام أو منع الحق المتوجه عليه ، فلو خرج قوم عن الطاعة ومنعوا الحق بلا تأويل سواء كان حداً أو قصاصاً أو مالاً لله عز وجل أو للآدميين عناداً أو مكابرة ولم يتعلقوا بتأويل فليس لهم أحاكم البغاة

وكذا المرتدون "

يعني الذين ليس لهم تأويل إما أن يكونوا قطاع طريق أو لو كان هناك تأويل بعيد سيكونون طائفة ممتنعة والمرتدون من يرتدون عن الإسلام بالكلية أو ينكرون معلوماً من الدين بالضرورة يستوي في علمه الخاص والعام .

يقول : " ثم تأويل البغاة إن كان بطلانه مظنوناً فهو معتبر وإن كان بطلانه مقطوعاً به فوجهان :

أوفقهما لإطلاق الأكثرين أنه لا يعتبر كتأويل المرتدين "

إذن هو عنده قتال من له تأويل مقطوع البطلان أن يكون كتأويل المرتدين ولكن لا يكون أصحابه مرتدين ، يكون صفة قتالهم كقتال المرتدين ، كل هذا كان تعبير بصورة ما عن من أسماهم ابن تيمية بالطائفة الممتنعة .

يقول : "

والثاني : أنه يكون لهم شوكة وعدد بحث يحتاج الإمام في ردهم على الطاعة إلى كلفة ببذل مال أو إعداد قتال أو بنصب قتال ، فإن كانوا أفراداً يسهل ضبطهم فليسوا بغاة "

يقول : " وشرط جماعة من الأصحاب في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء ، والأصح الذي قاله المحققون أنه لا يعتبر ذلك وإنما يعتبر استعصاؤهم وخروجهم عن قبضة الإمام حتى لو تمكنوا من المقاومة وهم محفوفون بجند الإسلام فقد حصلت الشوكة "

هذا الكلام للإمام النووي نريد أن نخرج منه بفائدة جانبية ، وهو أن معظم العلماء اعتبر من شروط الشوكة الانفراد بأرض ، وبالتالي نحن نوظف هذا النقل في أنه عندما يريد أقوام أن يقاتلوا نقول أن هناك القدرة والعجز والمصلحة والمفسدة ثم أيضاً هناك توصيف الطرف الآخر فينبغي أن يدرج أنه في الأعم الأغلب من شروط القدر الانفراد بأرض ، من الوارد في أحوال نادرة أن تحصل القدرة دون الأنفراد بأرض ولكن هذا نادر جداً ، وبالتالي اعتبر العلماء من شروط الحكم على طائفة ما أنهم بغاة فهل يكون لهم قدرة ومن شروط هذه القدرة أن يفردوا بأرض .

فلابد حينئذ أن يستصحب الذين يريدون أن يقوموا بقتال خصومهم أن هذا شرط اعتبره الفقهاء مراعاة للواقع ، فلابد أن يراعوه هم أيضاً وأنه يندر جداً أن توجد قدرة بغير انفراد بأرض ، كما أنه يندر أن توجد قدرة بغير مطاع ، لذلك أيضاً تكلموا في البغاة هل يمكن يشترط لاعتبارهم بغاة أن يكون لهم مطاع ؟ أيضاً الصحيح أن هذا شرط أغلبي بمعنى أنهم غالباً لا تكون لهم قدرة إلا متى وجد ذلك المطاع .

هذا في توصيف أهل البغي وترفع عليه توصيف الأصناف الأخرى ممن يقاتلون من المنتسبين للإسلام .

وأما صفة قتالهم يقول النووي رحمه الله في المنهاج : " ولا يقاتل البغاة حتى يبحث إليهم أميناً فطناً ناصحاً يسألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها فإن أصروا نصحهم ثم آذنهم بالقتال فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صواباً "

يعني لو طلبوا مهلة ينظر هل يغلب على ظنه أنهم في هذه المهلة يرجعون فإذن يعطيهم المهلة

لو غلب على ظنه أنهم يواصلون الاستعداد لا يعطيهم

يقول : " ولا يقاتل مدبرهم ولا مثخنهم واسيرهم لا يقتل ولا يترك "

فالأسير يحبس إلى أن تنتهي حالة الخروج على الإمام ، ولكن هو دمه معصوم

: " ولا يطلق وإن كان صبياً أو امرأة حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم ، إلا أن يطيع باختياره "

يرجع عن بغيه ويغلب على الظن صدقه في هذا الرجوع .

قال : " ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم "

عصمة أموالهم لا تزول ببغيهم ، وهذا أهم الفروق بين قتالهم وقتال الطائفة الممتنعة  أو قتال شر البغاة على حد اصطلاح متقدمي الفقهاء  فإنهم تغنم أموالهم واسلحتهم .

قال : " ويرد سلاحهم وخيلهم  إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم ولا يستعمل في قتال إلا لضرورة ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق إلا لضرور كأن قاتلوا به أو أحاطوا بنا ولا يستعان عليهم بكافر ولا بمن يرى قتلهم مبدرين "

هذه كلها أحكام تتعلق بقتال أهل البغي .

إلى أن يقول في بحث فقه الجهاد : " مما سبق يتضح أن أهل البغي يقاتلون لدفع شرهم بعد إزالة شبهتهم ودعوتهم إلى الرجوع إلى الحق لقوله تعالى  { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } [الحجرات/9] فلا يبدأون بقتال قبل الإصلاح فإن قوتلوا لا يبتع مدبر ولا يجهز على جريح ولا يقتل أسير عند عدم وجود فئة لهم باتفاق عامة العلماء ، وعند وجود فئة لهم كذلك عند الجمهور"

يعني حتى الأسير من الوارد أن يفر فلا يقتل عند الجمهور ، وأما الأموال والنساء والذراري فتحريمها باق بلا خلاف بين العلماء لأنهم مسلمون ، وأما نفوذ أحكامهم وقبول شهادتهم فالذي عليه الجمهور قبول شهادتهم وأنه ينفذ من أحكامهم ما ينفذ من أحكام قاض أهل العدل ، فإذا تسلطوا على بلد وأقاموا فيها قاض صار له الحكم الشرعي .

 

قال : " وينقض منها ما ينقضي من حكم من حدود أقاموها وزكاة جمعوها وغيرها ، والجمهور على أنهم لا يضمنون نفساً ولا مالا مما يتلفوه حال القتال ولا يجب عليهم بعد توبتهم أو هزيمتهم قصاص ولا دية "

هذا بالنسبة لقتال البغاة ، أما قطاع الطرق فهو حد من الحدود ولكنه يختلف بأنه يسقط ، هذا من التيسيير على الناس أن هذا الحد يسقط متى تاب صاحبه قبل القدرة عليه . وهذا تهييج وترغيب لمن يتوب ممن هذا وضعه وآذاه أن يستسلم ، وأن معه سلاح يؤذي الناس بالمال ويؤذي أعراضهم ونحو ذلك فلو قيل له أنه لابد أن يقام عليه الحد ربما دفعه هذا إلى مزيد من الاستمرار حتى وإن حدثته نفسه بالتوبة فإنه يعان على التوبة بأنه متى تاب سقط عنه الحد ، أما إن ظل على حاله إلى أن قاتله الإمام وأسره ، فهذا يكون الإمام مخير فيه بأنواع من العقوبات مدارها على المصلحة ، فإن شاء قتل منهم من قتل أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو غير ذلك مما يكون مداره على المصلحة

وأما شرع أنواع البغاة باصطلاح المتقدمين أو الطائفة الممتنعة في اصطلاح شيخ الإسلام ابن تيمية ففيها قتوى التتار لشيخ الإسلام ابن تيمية وهي فتوى مليئة بالفوائد نتناولها مستقلة في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى .

سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية