قبل أن يصير إدمانًا!
كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛
في عام 1994 أجرت (د/ كيمبرلي يونغ) دراسة على (500حالة) حول عدد الساعات التي
يقضونها أمام الحاسوب واستخدام شبكة الإنترنت؛ فخلصت إلى أن هناك إدمانًا واستخدامًا
غير صحي يهدد المجتمع الأمريكي في أهم مورد من مواردها وهو المورد البشري!
وتكون بذلك أول مَن أطلق
مصطلح (إدمان الإنترنت) لتدق ناقوس الخطر!
ولأجل معالجة هذه الظاهرة
في مهدها قبل التنامي أسست (مركز الإدمان على الإنترنت)، وأصدرت كتابين:
1- «الوقوع في قبضة
الإنترنت».
2- «التورط في الشبكة».
- عرَّفت إدمان الإنترنت
بأنه: «استخدام مرضي يؤدي إلى اضطرابات في
السلوك».
والاستخدام المرضي:
«استخدام شبكة الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعيًّا».
وأما الاستخدام الصحي:
«يقدر بحوالي خمس ساعات أسبوعيًّا للحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراستهم».
(قلت: ولا شك أننا مع
هذا الاستخدام الصحي المعتدل!)
- وبهذه الدراسة وهذا
التحذير تنبهت الدول المتقدمة وشبه المتقدمة لهذا الإدمان الجديد المنهك لأهم مواردها
وبدأوا يتخذون التدابير الوقائية العلاجية له!
- تؤكد الدراسة أن حوالي
(24 مليون) شاب صيني مصابون بإدمان الإنترنت.
وفي كوريا الجنوبية
7% من بين 50 مليون شخص يمثلون خطرًا متناميًا لإدمان الإنترنت، وترتفع النسبة بين
المراهقين لتبلغ 20%.
وفي سنغافورة نسبة
87% من بين 4- 5 ملايين نسمة يمتلكون هواتف ذكية مقابل نسبة 65% في الولايات المتحدة.
ومعدل ما يقضيه السنغافوريون
على موقع التواصل نحو (38دقيقة) في الجلسة الواحدة، وهو يمثل ضعف المعدل المسجل لدى
المستخدمين الأمريكيين.
وكشفت دراسة أجرتها جامعة
(نيهون) بتكليف من وزارة الصحة والعمل اليابانية أن أكثر من نصف مليون طالب ممن تراوح
أعمارهم بين 12 - 18 سنة يعانون من الإدمان المرضي على الإنترنت.
وفي دراسة سويسرية سنة
2008 وجدت أن عدد المدمنين يصل (70.000) مِن مختلف الفئات العمرية، وعدد (110) آلاف
وصفتها بالخطيرة، ويمكن مقارنتها بحالات الإدمان.
- أعراض المرض:
- وتشابهت الدراسات
في أعراض المرض؛ من ذلك:
- الجلوس أمام الشبكة
مدة 38 ساعة أسبوعيًّا فما فوق، بحيث تتجاوز الفترة التي حددها لنفسه.
- الجلوس من أجل التواصل
مع الآخرين والدردشة.
- إهمال الواجبات الاجتماعية
والأسرية والوظيفية.
- قطع أواصر الصلات
بين المستخدم والعالم الحقيقي المحيط به وتجعله يعيش في عالم افتراضي خيالي لا وجود
له في الواقع.
- استمرار استعمال الشبكة
مع وجود بعض المشكلات (اللامبالاة).
- عدم القدرة على التعامل
مع الضغوط الحياتية اليومية.
- التعب والخمول والأرق
والحرمان مِن النوم وآلام في الظهر والرقبة والعينين.
- التأثير السلبي على
قدرات الإنسان خاصة التركيز.
- فقدان السيطرة على
ردود الأفعال؛ حيث لا يتمكن في أغلب الأحيان من التمييز بين عالم الواقع وعالم الخيال؛
فيكون رد فعله غير واقعي.
- العزوف عن الزواج
كما في سنغافورة وغيرها.
- تراجع الأداء الدراسي.
- زيادة الهواجس والاكتئاب.
* والناظر في هذه العوارض
يجد أنها لوازم للإفراط في استخدام هذه الشبكة المشوقة والتي تتنوع وسائل تشويقها
بحيث تستغرق أكثر وقت الفرد إلا الحازمين، وقليل ما هم!
* وأكدت الدراسات على
أن أكثر الفئات العمرية تعرُّضًا لهذا الإدمان:
1- المراهقون.
2- الصبية.
* وأكدت على أن أكثر
المواقع تسببًا في هذا المرض:
1- مواقع التواصل.
2- المواقع الإباحية.
3- الألعاب والأفلام.
4- المواقع الإخبارية
والثقافية المليئة بالأخبار والمعلومات المثيرة.
* أســــبـــاب الإدمــــــــان:
(الملل – الفراغ – الوحدة
- المغريات – الهروب من الواقع وعدم القدرة على مواجهته – الاكتئاب).
* وأضيف:
إرادة الخير دون ضبطٍ يطغى على أنواع الخير الأخرى وعدم إعطاء كل ذي حق
حقه.
* العلاج:
على المستوى الفردي والأسري
قالوا: إشكالية إدمان
الإنترنت تكمن في أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعرفون خطورة الظاهرة، وهذا صحيح فإن
بداية العلاج اعتراف المريض أنه مريض وأنّه
في حاجة إلى علاج؛ فلابد وأن نعترف أن هناك ظاهرة مرضية، وأنّ الاستخدام الإنترنتي
بإفراط يؤدي لإدمان مرضي ذي نتائج خطيرة على الفرد والمجتمع.
- أن نعلم أن الحقوق
كثيرة، وتحتاج إلى أوقات تفوق ساعات اليوم للقيام بها؛ لذلك جاء الإسلام بالوسط، وأمرنا
بالتوسط والاعتدال في أمورنا كلها، قال الله تعالى: ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطًا?؛ قال ابن عباس رضي الله عنه: أي: خيارًا عدولًا. وقال تعالى: ? وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ?؛ قال عطاء: «نهوا عن الإسراف في كل شيء».
وقال الراغب: «تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر».
وقال ابن القيم: «إنّ مجاوزة الحدِّ في كلِّ أمر يضرّ بمصالح الدنيا والآخرة، بل يفسد
البدن أيضًا، إذ إنه متى زادت أخلاطه عن حدِّ العدل والوسط ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك، وهذا مطرد أيضًا في الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك».
ولما قال سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: «إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا،
ولأهلك ولضيفك عليك حقًّا، فأعطِّ كل ذي حقٍّ حقه»، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم فقال: «صدق سلمان الفارسي».
فالتوسط محمود في كل
شيء؛ فمن جالس الإنترنت فليكن لحاجة وبحسبها، وليحزم أمره على عدم تجاوزها.
ومما يُعين على ذلك أن
يرتب لنفسه جدولًا بأولويات مرتبة بحيث إن
فرغ من الأَوْلَى انتقل لما بعده وهكذا.
- وأثناء تصفحه إن ظفر
بمعلومة مفيدة ليست محل بحثه وأولوياته فليدونها أو ليشر إليها في مفكرة ليرجع إليها
فيما بعد.
* وأنصح أن - يكون الجلوس
بعد حالة إيمانية عالية وبنية طيبة ليؤجر عليها.
- الحزم في عدم تجاوز
الوقت الذي حدده.
- منع استخدام الإنترنت
في الغرف المُغلقة.
- تنويع الأنشطة التي
يمارسها الأطفال والمراهقون.
- وتقليل عدد الساعات
(وهذا لمن وقع في الإدمان ولا يستطيع التخلص منه).
- مراقبة الألعاب الإلكترونية
التي يحرص المراهقون على ممارستها مع لاعبين آخرين بحيث تكون ملائمة لأعمارهم، وألا
يزيد استخدامه في اليوم عن نصف ساعة.
- الحذر من المواقع
الإباحية التي تترك أثرًا نفسيًّا سيئًا على المراهقين من الجنسين وغيرهما.
- إن إدمان المواقع
الإباحية أقلق الدول المتقدمة وأقامت دراسات وحددت إجراءات للمواجهة، من ذلك أن مجلس
الشيوخ الأمريكي أجرى جلسة استماع للباحثين النفسيين لوضع سبل العلاج والمواجهة.
وممن تحدث في هذه الجلسة:
د. ماري آن، الباحثة بالمركز العلاجي الإدراكي بجامعة بنسلفانيا، قالت: «المواقع
الإباحية هي أخطر مهدد للصحة النفسية نعرفه اليوم». وقال د. جيفري ساتينوفر في شهادته:
«إن المشاهد الإباحية وما يتبعها من استثارة جنسية تستحث الجسم لإفراز أشباه الأفيون
الطبيعية، وبذلك يكون أثرها أقوى من أثر مخدر الهيروين».
- العلاج على مستوى
الدول:
اختلفت طرق المواجهة
والعلاج لهذه الظاهرة مِن دولة إلى أخرى وتشابهت في بعضها لكنهم متفقون على العلاج
والوقاية.
- في كوريا الجنوبية
أعدت الحكومة نحوًا من مائة مستشفى لعلاج هذا الإدمان الذي تعدى نسبة 90%.
- في اليابان عزمت الحكومة
بعد الدراسة المخيفة المنذرة التي أقامتها جامعة نيهون على إقامة مخيمات لا تتوافر
فيها خدمة الإنترنت تشجع قيم التواصل الشخصي وجهًا لوجه بعيدًا عن أجهزة الحاسوب والهواتف،
مع حضور جلسات استشارية مع أطباء نفسيين.
- في الصين أقامت الحكومة
حوالي 25 معسكرًا يشرف عليه متقاعدون عسكريون يمارس فيه تدريبات عسكرية لإعادة الشباب
إلى عالم الواقع بعد أن استحوذ عليهم عالم الإنترنت الوهمي.
- في أمريكا تقضي الأسرة
أسبوعًا في الصحراء بعيدًا عن كل أدوات التكنولوجيا، مع وجود المراكز البحثية والمستشفيات
المعالجة.
(راجع مواقع: ويكيبديا
– الجزيرة - سيدتي).
* الوقاية في الدول
العربية:
قبل أن تصل دولنا العربية
والإسلامية إلى مرحلة الإدمان في تصفح الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال كما أصاب
هذه الأمم فلابد من وضع خطة وقائية تقي فلذات أكبادها من مرحلة الإدمان وتكون بالآتي:
1- تعريف بالمرض.
2-التحذير منه.
3- إرشادات عن كيفية
الاستخدام الصحي للإنترنت.
4- تنويع الأنشطة واستغراق
طاقة الشباب فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم.
5- فتح مجالات عمل وأنشطة
في الصيف تستغرق طاقات الشباب في البناء والتعمير.
6- الاهتمام بالتعليم
ومناهجه.
7- غرس القراءة والاهتمام
بالكتاب.
وأخيرًا:
حري بالدعاة والعلماء
أن يمارسوا دورهم في الوقاية وبذل المجهودات لإخراج فلذات الأكباد من العالم الوهمي
إلى عالم الواقع. والله المستعان. ونسأل الله صلاح الأحوال للبلاد والعباد.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com