الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

قبل أن يصير إدمانًا!‏

حري بالدعاة والعلماء أن يمارسوا دورهم في الوقاية وبذل المجهودات لإخراج فلذات الأكباد من العالم ‏الوهمي إلى عالم الواقع

قبل أن يصير إدمانًا!‏
عصام حسنين
الأحد ٢١ يونيو ٢٠١٥ - ١١:٠٦ ص
1538

قبل أن يصير إدمانًا!‏

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 في عام 1994 أجرت (د/ كيمبرلي يونغ) دراسة على (500حالة) حول عدد الساعات التي يقضونها ‏أمام الحاسوب واستخدام شبكة الإنترنت؛ فخلصت إلى أن هناك إدمانًا واستخدامًا غير صحي يهدد ‏المجتمع الأمريكي في أهم مورد من مواردها وهو المورد البشري!‏

 

وتكون بذلك أول مَن أطلق مصطلح (إدمان الإنترنت) لتدق ناقوس الخطر!‏

 

ولأجل معالجة هذه الظاهرة في مهدها قبل التنامي أسست (مركز الإدمان على الإنترنت)، وأصدرت ‏كتابين:‏

‏1- «الوقوع في قبضة الإنترنت».‏

 

‏2- «التورط في الشبكة».‏

 

‏- عرَّفت إدمان الإنترنت بأنه: «استخدام مرضي  يؤدي إلى اضطرابات في السلوك».‏

 

والاستخدام المرضي: «استخدام شبكة الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعيًّا».‏

 

وأما الاستخدام الصحي: «يقدر بحوالي خمس ساعات أسبوعيًّا للحصول على معلومات مفيدة لهم في ‏أعمالهم أو دراستهم».‏

 

‏(قلت: ولا شك أننا مع هذا الاستخدام الصحي المعتدل!)‏

 

‏- وبهذه الدراسة وهذا التحذير تنبهت الدول المتقدمة وشبه المتقدمة لهذا الإدمان الجديد المنهك ‏لأهم مواردها وبدأوا يتخذون التدابير الوقائية العلاجية له!‏

 

‏- تؤكد الدراسة أن حوالي (24 مليون) شاب صيني مصابون بإدمان الإنترنت.‏

 

وفي كوريا الجنوبية 7% من بين 50 مليون شخص يمثلون خطرًا متناميًا لإدمان الإنترنت، وترتفع ‏النسبة بين المراهقين لتبلغ 20%.‏

 

وفي سنغافورة نسبة 87% من بين 4- 5 ملايين نسمة يمتلكون هواتف ذكية مقابل نسبة 65% في ‏الولايات المتحدة.‏

 

ومعدل ما يقضيه السنغافوريون على موقع التواصل نحو (38دقيقة) في الجلسة الواحدة، وهو يمثل ‏ضعف المعدل المسجل لدى المستخدمين الأمريكيين.‏

 

وكشفت دراسة أجرتها جامعة (نيهون) بتكليف من وزارة الصحة والعمل اليابانية أن أكثر من نصف ‏مليون طالب ممن تراوح أعمارهم بين 12 - 18 سنة يعانون من الإدمان المرضي على الإنترنت.‏

 

وفي دراسة سويسرية سنة 2008 وجدت أن عدد المدمنين يصل (70.000) مِن مختلف الفئات ‏العمرية، وعدد (110) آلاف وصفتها بالخطيرة، ويمكن مقارنتها بحالات الإدمان.‏

 

 

‏- أعراض المرض:‏

 

‏- وتشابهت الدراسات في أعراض المرض؛ من ذلك:‏

‏- الجلوس أمام الشبكة مدة 38 ساعة أسبوعيًّا فما فوق، بحيث تتجاوز الفترة التي حددها لنفسه.‏

 

‏- الجلوس من أجل التواصل مع الآخرين والدردشة.‏

 

‏- إهمال الواجبات الاجتماعية والأسرية والوظيفية.‏

 

‏- قطع أواصر الصلات بين المستخدم والعالم الحقيقي المحيط به وتجعله يعيش في عالم افتراضي خيالي لا ‏وجود له في الواقع.‏

 

‏- استمرار استعمال الشبكة مع وجود بعض المشكلات (اللامبالاة).‏

 

‏- عدم القدرة على التعامل مع الضغوط الحياتية اليومية.‏

 

‏- التعب والخمول والأرق والحرمان مِن النوم وآلام في الظهر والرقبة والعينين.‏

 

‏- التأثير السلبي على قدرات الإنسان خاصة التركيز.‏

 

‏- فقدان السيطرة على ردود الأفعال؛ حيث لا يتمكن في أغلب الأحيان من التمييز بين عالم الواقع ‏وعالم الخيال؛ فيكون رد فعله غير واقعي.‏

 

‏- العزوف عن الزواج كما في سنغافورة وغيرها.‏

 

‏- تراجع الأداء الدراسي.‏

 

‏- زيادة الهواجس والاكتئاب.‏

 

‏* والناظر في هذه العوارض يجد أنها لوازم للإفراط في استخدام هذه الشبكة المشوقة والتي تتنوع ‏وسائل تشويقها بحيث تستغرق أكثر وقت الفرد إلا الحازمين، وقليل ما هم!‏

 

‏* وأكدت الدراسات على أن أكثر الفئات العمرية تعرُّضًا لهذا الإدمان:‏

 

‏1- المراهقون.‏

‏2- الصبية.‏

‏* وأكدت على أن أكثر المواقع تسببًا في هذا المرض:‏

‏1- مواقع التواصل.‏

‏2- المواقع الإباحية.‏

‏3- الألعاب والأفلام.‏

 

‏4- المواقع الإخبارية والثقافية المليئة بالأخبار والمعلومات المثيرة.‏

 

‏* أســــبـــاب الإدمــــــــان:‏

 

‏(الملل – الفراغ – الوحدة - المغريات – الهروب من الواقع وعدم القدرة على مواجهته – ‏الاكتئاب).‏

 

‏* وأضيف:‏

 

إرادة الخير دون ضبطٍ  يطغى على أنواع الخير الأخرى وعدم إعطاء كل ذي حق حقه.‏

 

‏* العلاج:‏

 

على المستوى الفردي والأسري

 

قالوا: إشكالية إدمان الإنترنت تكمن في أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعرفون خطورة الظاهرة، ‏وهذا صحيح فإن بداية العلاج اعتراف المريض  أنه مريض وأنّه في حاجة إلى علاج؛ فلابد وأن ‏نعترف أن هناك ظاهرة مرضية، وأنّ الاستخدام الإنترنتي بإفراط يؤدي لإدمان مرضي ذي نتائج خطيرة ‏على الفرد والمجتمع.‏

‏- أن نعلم أن الحقوق كثيرة، وتحتاج إلى أوقات تفوق ساعات اليوم للقيام بها؛ لذلك جاء الإسلام ‏بالوسط، وأمرنا بالتوسط والاعتدال في أمورنا كلها، قال الله تعالى: ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا?؛ ‏قال ابن عباس رضي الله عنه: أي: خيارًا عدولًا. وقال تعالى: ? وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا‎ ‎إِنَّهُ لَا يُحِبُّ ‏الْمُسْرِفِينَ?؛ قال عطاء: «نهوا عن الإسراف في كل شيء». وقال الراغب: «تجاوز الحد في كل فعل ‏يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر». وقال ابن القيم: «إنّ مجاوزة الحدِّ في كلِّ أمر يضرّ ‏بمصالح الدنيا والآخرة، بل يفسد البدن‎ ‎أيضًا، إذ إنه متى زادت أخلاطه عن حدِّ العدل والوسط ‏ذهب من صحته وقوته‎ ‎بحسب ذلك، وهذا مطرد أيضًا في الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل‎ ‎والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك».‏

 

 

 

ولما قال‎ ‎سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما: «إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك ‏ولضيفك عليك حقًّا، فأعطِّ كل ذي حقٍّ حقه»، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «صدق‎ ‎سلمان ‏الفارسي»‏.

 

 

 

فالتوسط محمود في كل شيء؛ فمن جالس الإنترنت فليكن لحاجة وبحسبها، وليحزم أمره على عدم ‏تجاوزها.‏

 

ومما يُعين على ذلك أن يرتب  لنفسه جدولًا بأولويات مرتبة بحيث إن فرغ من الأَوْلَى انتقل لما بعده ‏وهكذا.‏

 

‏- وأثناء تصفحه إن ظفر بمعلومة مفيدة ليست محل بحثه وأولوياته فليدونها أو ليشر إليها في مفكرة ‏ليرجع إليها فيما بعد.‏

 

‏* وأنصح أن - يكون الجلوس بعد حالة إيمانية عالية وبنية طيبة ليؤجر عليها.‏

 

‏- الحزم في عدم تجاوز الوقت الذي حدده.‏

 

‏- منع استخدام الإنترنت في الغرف المُغلقة.‏

 

‏- تنويع الأنشطة التي يمارسها الأطفال والمراهقون.‏

 

‏- وتقليل عدد الساعات (وهذا لمن وقع في الإدمان ولا يستطيع التخلص منه).‏

 

‏- مراقبة الألعاب الإلكترونية التي يحرص المراهقون على ممارستها مع لاعبين آخرين بحيث تكون ‏ملائمة لأعمارهم، وألا يزيد استخدامه في اليوم عن نصف ساعة.‏

 

‏- الحذر من المواقع الإباحية التي تترك أثرًا نفسيًّا سيئًا على المراهقين من الجنسين وغيرهما.‏

 

‏- إن إدمان المواقع الإباحية أقلق الدول المتقدمة وأقامت دراسات وحددت إجراءات للمواجهة، من ‏ذلك أن مجلس الشيوخ الأمريكي أجرى جلسة استماع للباحثين النفسيين لوضع سبل العلاج ‏والمواجهة.‏

 

وممن تحدث في هذه الجلسة: د. ماري آن، الباحثة بالمركز العلاجي الإدراكي بجامعة بنسلفانيا، قالت: ‏‏«المواقع الإباحية هي أخطر مهدد للصحة النفسية نعرفه اليوم». وقال د. جيفري ساتينوفر في ‏شهادته: «إن المشاهد الإباحية وما يتبعها من استثارة جنسية تستحث الجسم لإفراز أشباه الأفيون ‏الطبيعية، وبذلك يكون أثرها أقوى من أثر مخدر الهيروين».‏

 

‏- العلاج على مستوى الدول:‏

 

اختلفت طرق المواجهة والعلاج لهذه الظاهرة مِن دولة إلى أخرى وتشابهت في بعضها لكنهم متفقون ‏على العلاج والوقاية.‏

 

 

 

‏- في كوريا الجنوبية أعدت الحكومة نحوًا من مائة مستشفى لعلاج هذا الإدمان الذي تعدى نسبة ‏‏90%.‏

 

‏- في اليابان عزمت الحكومة بعد الدراسة المخيفة المنذرة التي أقامتها جامعة نيهون على إقامة مخيمات ‏لا تتوافر فيها خدمة الإنترنت تشجع قيم التواصل الشخصي وجهًا لوجه بعيدًا عن أجهزة الحاسوب ‏والهواتف، مع حضور جلسات استشارية مع أطباء نفسيين.‏

 

‏- في الصين أقامت الحكومة حوالي 25 معسكرًا يشرف عليه متقاعدون عسكريون يمارس فيه ‏تدريبات عسكرية لإعادة الشباب إلى عالم الواقع بعد أن استحوذ عليهم عالم الإنترنت الوهمي.‏

 

‏- في أمريكا تقضي الأسرة أسبوعًا في الصحراء بعيدًا عن كل أدوات التكنولوجيا، مع وجود المراكز ‏البحثية والمستشفيات المعالجة.‏

 

‏(راجع مواقع: ويكيبديا – الجزيرة - سيدتي).‏

 

 

 

‏* الوقاية في الدول العربية:‏

 

قبل أن تصل دولنا العربية والإسلامية إلى مرحلة الإدمان في تصفح الإنترنت وغيرها من وسائل ‏الاتصال كما أصاب هذه الأمم فلابد من وضع خطة وقائية تقي فلذات أكبادها من مرحلة الإدمان ‏وتكون بالآتي:‏

 

‏1- تعريف بالمرض. ‏

 

‏2-التحذير منه.‏

 

‏3- إرشادات عن كيفية الاستخدام الصحي للإنترنت.‏

 

‏4- تنويع الأنشطة واستغراق طاقة الشباب فيما ينفعهم وينفع مجتمعهم.‏

 

‏5- فتح مجالات عمل وأنشطة في الصيف تستغرق طاقات الشباب في البناء والتعمير. ‏

 

‏6- الاهتمام بالتعليم ومناهجه.‏

 

‏7- غرس القراءة والاهتمام بالكتاب.‏

 

وأخيرًا:‏

 

حري بالدعاة والعلماء أن يمارسوا دورهم في الوقاية وبذل المجهودات لإخراج فلذات الأكباد من العالم ‏الوهمي إلى عالم الواقع.‏ والله المستعان.‏ ونسأل الله صلاح الأحوال للبلاد والعباد.‏

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً