الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

رحيل رمضان .. دروس وخواطر

المحروم في حياته هو مَن لم يطعم طعم الإيمان

رحيل رمضان .. دروس وخواطر
علاء الدين عبد الهادي
الأحد ٠٢ أغسطس ٢٠١٥ - ١٠:٤٣ ص
1289

رحيل رمضان .. دروس وخواطر

كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

رمضان ودع وهو في الآعماق *** يا ليته قد دام دون فراق

ما كان أقصره على آلافه *** وأحبه في طاعة الخلاق

زرع النفوس هداية ومحبة *** فأتى الثمار أطايب الأخلاق

 

جاء رمضان ثم رحل، ولكنه ما بين مجيئه ورحيله ترك لنا عبرًا وعظات وخواطر ومآثر، وعلى المحب المشتاق أن يستحضر هذه العبر والعظات ويصنع لنفسه منها دروسًا تفيده في المسير إلى الله وزادًا ينفعه في الطريق إليه، ومن هذه الدروس والخواطر:

 

1- الخير في الأمة موفور، ولو كره مدعو جاهلية المجتمع:

في رمضان -وكل رمضان- كم مِن مسجد امتلأ بالمصلين والمعتكفين، وملأ جنباته دوي القُرَّاء والمتضرعين، وكم مِن مصحف فتحه صاحبه بعد طول هجران، وكم مِن آية تُليت وفُسرت وتدارسها المسلمون في مساجدهم، وكم وكم ...، والعجيب أنك بعد ذلك ما زلت ترى مِن بعض دعاة التكفير بدرجاته يردد -دون وعي وفي مناقضة صريحة للواقع الذي يراه بعينيه- أن الإسلام في بلادنا يُحارب، وأن المعتكفين يمنعون مِن المساجد، وأن المساجد قد أغلقت وعطلت، وأن المجتمع قد وقع في الجاهلية -أو في الكفر صراحة- لما لم يوافق الجماعة المنحرفة في أفعالها.

 

إن أمتنا ستظل محفوظة إن شاء الله من أن يكون سوادها الأعظم طائفة مبتدعة مارقة عن الكتاب والسنة، وستظل محفوظة إن شاء الله، أن يعم فيها الانحلال الأخلاقي الذي يحاط شبابها به، أو أن تتحول إلى أمة علمانية تعبد المادة، وتقدس قوانين البشر، وتترك كتاب ربها، أو أن يسود فيها الفكر الإلحادي الشاذ المجافي للفطرة البشرية والعقول السوية.

فالحمد لله الذي جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما وصف: «إن مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره».

 

ولكن على الدعاة والمصلحين والمربين مسئوليات جسيمة وصعاب ينبغي أن يتجشموا عنائها، فهل مِن مشمر؟

 

2- الأمة قد تغيرت بالفعل -ولو مؤقتًا- ولنا أمل:

إن نصر الأمة لا يتحقق إلا بتغير الأمة و{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، فالمطلوب أن نتغير تغيرًا حقيقيًّا في جميع الجوانب الإيمانية والعلمية والأخلاقية والسلوكية وإصلاح المفاهيم والأخذ بأسباب القوة الممكنة في كافة الجوانب، وإن مما يثير الأمل في القلوب أننا قد رأينا تغيرًا هائلًا يحدث للأمة، تغيرًا في العبادات والسلوك الاجتماعي والارتباط بالكتاب والسُّنَّة والالتفاف حولهما طيلة شهر رمضان.

 

نعم؛ إن هذا التغير ما زال ناقصًا، ولكنه كان هائلًا حتى انصبغ المجتمع كله به طوعًا ولم يكرههم على ذلك أحد، ونعم؛ إن التغير يحدث طيلة الشهر -لا سيما أوله- وسرعان ما تذهب الفورة ويعود الكثير إلى عاداته القديمة، ولكنه حدث بالفعل.

 

لقد أثبتت الأمة أنها -بفضل الله- قادرة على التغير، ولكن الأمر يحتاج إلى صدق وعزيمة وإخلاص وعلم نافع وعمل دءوب وتعاون على البر والتقوى مِن كافة المصلحين والدعاة؛ لكي يستمر هذا التغير، ويعم، ويزداد عمقًا، ويعمق أثرًا، وتتربى عليه أجيال بعد أجيال.

 

3- بالسُّنَّة نهتدي:

كل ما كان يهذي به الضالون المضلون أعداء السُّنَّة كان كأن لم يكن بفضل الله تعالى، يخبرك هذا حرص الناس على أداء الطاعات وفقًا لسنته الشريفة صلى الله عليه وسلم، في تعجيل الفطر وتأخير السحور وقيام الليل وقراءة القرآن والاعتكاف وزكاة الفطر وغير ذلك مِن أعمال رمضان التي ما علمناها إلا مِن خلال السنة الشريفة.

فالحمد لله الذي رد كيد أعداء هذا الدين.

 

4- المعونة مِن الله، ولولا الله ما اهتدينا:

قال تعالى ﴿وَمَا بِكُمْ مِن نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ﴾، وقال أيضًا: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى﴾، وقد علمنا سبحانه أن نربط عبادته بمعونة الله لنا، وأن نقول: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، وأن أهل الجنة يقولون: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ﴾.

 

فلا تنظر إلى جهدك أبدًا، ولا ترَ عينك إلا رحمة الله بك، وليكن شعارك ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، واسأل الله تعالى القبول لأعمال رمضان، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته بعد رمضان.

 

5- للطاعة لذة وحلاوة .. فحافظ على طعم الإيمان بقلبك:

قد ذقت شيئًا مِن حلاوة القرب مِن الله، وشممت شيئًا مِن عطور جنة العبادة في الدنيا، فلا تحرم قلبك مِن لذة الطاعة، ولا تصرف همك إلى شيء لا يسعدك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا تعذبه بالبعد عنه بعد القرب، والمحروم في حياته هو مَن لم يطعم طعم الإيمان.

 

يقول ابن القيم رحمه الله: «إن في القلب شعث: لا يلمه إلا الإقبال على الله، وعليه وحشة: لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته، وفيه حزن: لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق: لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه، وفيه نيران حسرات: لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلب شديد: لا يقف دون أن يكون هو وحده المطلوب، وفيه فاقة: لا يسدها إلا محبته ودوام ذكره والإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا».

 

6- رمضان مرَّ سريعًا .. كذا العمر:

رمضان مرَّ علينا سريعًا، فذكرنا أن شهرًا مِن عامنا قد انقضى، بل جزء مِن عمرنا الذي سنحاسب عليه قد مضى ولن يعود إلى يوم القيامة، ويذكرنا ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير مِن الناس؛ الصحة والفراغ»، فليس مِن يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه بحاله: «يا ابن آدم؛ أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك غدًا شهيد، فاعمل فيَّ خيرًا أشهد لك به غدًا فإني لو قد مضيت لم ترني أبدًا».

ربنا تقبل مِنَّا إنك أنت السميع العليم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com