الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفية ومناهج الإصلاح - 21

من منهج الدعوة محاولة القيام بما نطيق من فروض الكفايات

السلفية ومناهج الإصلاح - 21
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٤ أغسطس ٢٠١٥ - ١١:٣٤ ص
1725

السلفية ومناهج الإصلاح

الشريط  الحادي والعشرون

عبد المنعم الشحات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا  ، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فال هادي له

وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

ثم أما بعد ،،،

ما زلنا في الكلام في منهج الدعوة السلفية في الإصلاح بعد أن ذكرنا بعض المناهج الأخرى ، وذكرنا أن منهج الدعوة السلفية في الإصلاح يقوم على محورين : المحور الفردي والمحور الجماعي .

إيجاد الأفراد الصالحين ثم بناء المجتمع المسلم من هؤلاء الأفراد .

فهذا الفهم أو هذا المنهج قائم على الفهم الصحيح للإسلام من أن الإسلام دين ينظم حياة الفرد والمجتمع ، وهذا مما لا يكاد ينازع فيه أصحاب الاتجاهات الإسلامية ، ولكن كنا ذكرنا بعض الخلاف مع أصحاب المنهج الفردي في أنهم ربما يؤجلون الكلام على إقامة الإسلام في المجتمع أو على إقامة فروض الكفايات إلى أن تقوم الدولة الإسلامية . وهذا مخالف لما أمر الله تعالى به ولما ورد في الكتاب والسنة من مخاطبة المؤمنين ، وكما ذكرنا ونحن نقرر مشروعية العمل الجماعي من قول شيخ الإسلام ابن تيمية : " خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطاباً عاماً فقال { والسارق والسارقة فاقطعوا } وقال { والزانية والزاني فاجلدوا } "

إن الخطاب للأمة ، وكون أن أفضل الأحوال أن يوجد الإمام الذي ينفذ هذا الخطاب أو يرتب تنفيذه فهذه أفضل الحلول ، ولكن لا يعني هذا أنه متى غاب الإمام أو قصر أو عجز أو غير ذلك أن تسقط هذه الفروض الكفائية

فمن منهج الدعوة محاولة القيام بما نطيق من فروض الكفايات ، بل لا يحصل نصر ولا تمكين إلا بهذا . لأنه إذا أنتجت أفراد صالحين في خاصة أنفسهم يبقى تيار التغريب وتيار الإفساد أكثر قوة وانتشاراً كالفرق بين النهر الجاري والمستنقعات ، فيمكن أن تجد بعض المستنقعات فيها مثل ما في النهر الجاري ، ومن باب الشيء بالشيء ذكر أن الأزمة القائمة الآن على نهر النيل يقال أن الأمطار التي تنزل في بلاد المنبع يتجه منه عشر بالمائة في مجرى النيل وتسعون بالمائة تضيع في المستنقعات ، ومع ذلك الصراع على المياة التي في مجرى النيل ، لأن المستنقعات عديمة الفائدة تقريباً ، فتجد مثلاً أن مصر تعرض على دول المنبع أن تكتفي بمياة المستنقعات أو تجري بحوث أو دراسات لمحاولة الاستفادة من مياة المستنقات بحيث أن يكون عندها ما يكفيها من هذه المياة وتترك مياة النهر لدول المصب التي ليس فيها أمطار بالقدر الكافي ، وهذه الدول التي هي في المنبع ترفض ، لأنك تعرض شيء شبه عديم القيمة تقريباً لا يستطيع أن يصل إليه إلا بعد جهد ومشقة بالغة وتكلفة باهظة ولا يستطيع أن يولد منه طاقة كهربائية ، لأن مياة المستنقعات مياة تحتاج مجهود وبذل طاقة لكي تجمعه بينما مياة النهر بها طاقة ذاتية ويمكن مع جريانها ان تولد منها طاقة كهربائية ونحو ذلك .

وهذا ماء عذب وهذا ماء عذب وهذا من نفس الأمطار ولكن هذا وجه التوجيه الصحيح في مصار اجتمعت فيه المياة قطرة إلى أخرى حتى صار ماء هادر صار له قيمة أنه امتد آلاف الكيلومترات إلى أن وصل إلى بلاد أخرى ، وأن الكل يريد هذا دون الآخر لما فيه من نفع ذاتي وقدرة على النفع والانتشار .

هذه سنن كونية ، فكما توجد في هذه المخلوقات توجد في بني آدم ، وبالتالي جد أن مثلاً بعد الاتجاهات الإسلامية بالفعل هي أقل عدداً من الاتجاه السلفي ، ولكن نتيجه وجود عدد كبير من الرموز ممن يرون مشروعية العمل الجماعي قد لا يستطيعون أن يظهروا بنفس الدرجة في التعبير عن مناهجهم وفي نشر مناهجهم ونحو ذلك .

فلا شك أن هناك قضية محورية ، فنحن نقول أن الإسلام ينظم حياة الفرد والمجتمع ، وهذه القضية قد تكون مسلمة لدى الإسلاميين كما ذكرنا ، وقد تكون محل نزاع مع العلمانيين ، وقد وعدنا في بداية هذه السلسلة أن موضوع البحث الذي نحن بصدد شرحه أنه يركز على ذكر مناهج التغير المطروحة داخل أوساط الصحوة الإسلامية ، وأشرنا أننا قد نحتاج إلى أن نتكلم على مناهج الإصلاح المدعاة عند الاتجاهات العلمانية والديقراطية وغيرها من المناهج التي يطرحها هؤلاء .

قد يكون هناك نقطة خلاف فاصلة بين الإسلاميين ككل وبين العلمانيين في قضية هل الإسلام كما النصرانية علاقة خاصة بين العبد وربه فقط أم أنه دين جاء ينظم حياة الفرد والمجتمع أو دين ودولة كما يقول بعض الدعاة إلى الله  ؟

بلا شك أن هؤلاء العلمانيين والديمقراطيين واللبراليين وغيرهم أنهم ينقلون التجربة الغربية بحذافيرها ، فاستقر الأمر في التجربة الغربية على أن يوصفوا الدين على أنه علاقة خاصة بين العبد وربه وأن تنظيم المجتمع لا علاقة للدين فيه البتة ، وهذا قد يكون موضوع نتناوله إن شاء الله بعد الانتهاء من هذا الموضوع .

فنقول : أن كون الإسلام ينظم حياة الفرد والمجتمع قضية تستطيع أن تدعي أنها متفق عليها بين الإسلاميين ،ولكن الخلاف في هل هناك مجال لأن نبدأ الآن في شيء من الواجبات التي تتعلق بتنظيم المجتمع والتي يصطلح الفقهاء على تسميتها بفروض الكفايات ؟

اصطلح الفقهاء في ذلك على هذا المصطلح ـ فروض الأعيان ، وفروض الكفايات ـ وكلمة فروض من باب الأغلب وإلا فهم يتكلمون على تكاليف أو تشريعات سواء كانت فرضاً أو نافلة ، فمنها ما يكون خاص بالأعيان كما نقول أن الصلاة من فروض الأعيان ولكن سنن الصلاة من سنن الأعيان ، وهكذا فيما يقال أنه من فروض الكفايات فسننه تكون من سنن الكفايات .

فمثلاً لو قلنا أن إقامة صلاة العيد عند بعض العلماء أنها من فروض الكفايات وعند البعض الآخر أنها من سنن الكفايات .

هذا المصطلح وضعه الفقهاء ابتداءاً لبيان أن المسألة في غاية الوضوح في الفقه وظاهرة أن هناك تكليفات يراد من كل مكلف بعينه أن يقوم بها ، وهذه التي اصطلحوا عليها في فروض الكفايات ، فكل مكلف يحتاج إلى تربية خاصة من العبادة والمعاملة ونحو ذلك ، وجزء من هذه التربية الخاصة لكل فرد

هذه التشريعات تشرع أن يقوم بها كل فرد بذاته ، فلا يغني قيام أحد عن الآخر .

وهناك واجبات طلبت من الأمة أن تقوم بها

المهم أن يوجد الفعل بغض النظر عن الفاعل .

ففي فروض الأعيان أنه يراد من كل مسلم أن يكون فاعلاً لهذا الأمر المطلوب ، بينما في فروض الكفايات المطلوب أن يوجد الأمر كأن تتراحم الأمة وأن يكفى فيها فقراؤها وأن يعلن فيها ويؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر وأن تكون قوية قادرة على الرد على أعدائها بل قادرة على الجهاد من أجل نشر دين الله تبارك وتعالى ، فكل هذه أمور المطلوب من الأمة أن توجد فيها هذه الأمور وليس المهم من الذي قام ، بل طالما أن الفعل وجد فإذن الأمة قد سلمت وفعلت ما عليها ، وبالتالي يقول العلماء في هذه أنه متى قام بها البعض سقط الإثم عن الباقي وإلا أثم كل قادر بأي أنواع القدرة . سواء كان قادراً بنفسه أو مع غيره أو بأمر غيره .

فبعض فروض الكفايات يمكن أن يقدر عليها الإنسان وحده مثل أن يجد منكر وهو قادر على إنكاره ، أو هو بنفسه غير قادر عليها ولكن إذا تعاون مع غيره قدر عليها فيجب حينئذ أن يتعاون مع غيره في ذلك أو يكون لا قدرة لا إلا أن يأمر وينصح .

فهذه هي فروض الكفايات ، فنحن نقول أن من منهج الدعوة في ذلك الحرص على أن يقوم الأفراد الذين يتربون على المنهج الفردي أنه يتربى كل فرد على ما يخصه كفرد في العقيدة والمعاملة والسلوك وأن هؤلاء يتعاونون في إقامة فروض الكفاية .

يقول : إن إيجاد الطائفة المؤمنة الملتزمة بالإسلام عملاً من أجله المجتمعة على إقامة فروض الكفاية المضيعة وبكل ما أوتيت من قدره وساعية في نفس الوقت في تحصيل أسباب القدرة فيما تعجز عنه في الحال .

إذن حتى لو تصورنا وجود عجز في إقامة فروض الكفايات فينصرف الأمر إلى الأخذ بالأسباب .

يقول : تحديثاً للنفس به وحباً للخير وحرصاً عليه ونصيحة للمسلمين واهماماً بشأنهم للحديث : ( من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ) وكأن القضية هنا أنه يوجد أحوال لا يوحد فيها متسع للغزو ، لأن الجهاد أحد فروض الكفايات التي تتعلق بالقدرة والعجز والمصلحة والمفسدة ، فمن الوارد أن يكون الإنسان في أرض هو فيها مستضعف أو لا يوجد المجال الشرعي للغزو والجهاد ، فلا يكون الأمر أي قتال ويسمى جهاداً ، فكما ذكرنا أنه لكي يكون القتال جهاداً لابد أن يكون قتالاً شرعياً مما أمر الله به ، فحينئذ يجب على العبد حتى لا يموت حب هذه العبادة من قلبه وحتى لا يدخل إليه الشيطان لأن الجهاد من العبادات التي تكرهها النفوس طبعاً ، والمسلم مطالب أن يجاهد هذه الكراهية الطبيعية ولا يضره وجودها طالما أنها لم تقعده عن الطاعة .

نفترض أن هناك قائم وجاء الإنسان ليجاهد فحدثته نفسه بالجبن أو البخل فهذا حديث نفس معفو عنه ما لم يعمل به . وإن كان مطلوب منه مجاهدة نفسه بأن لا يعمل به فإذا حدثته نفسه بذلك ذكرها بأمر الله وبما أعد الله للمجاهدين ،وأيضاً من كانت نفسه تتفلت عليه مرة بعد أخرى فهو في حاجة إلى مجاهدة أشد حتى يكاد شيطانه ييأس أو لا يجد في كل مرة الممانعة الشديدة عندما يقدم على طاعة الله تبارك وتعالى .

فالقضية هنا أن هذا شيء فيه قدر من المشقة التي تكرهها النفوس ، فإذا فقد فربما استراحت النفوس لذلك ، وبالتالي من الواجب على الإنسان أن يذكر نفسه ويأخذ عليها العهد فيما بينه وبينها وهو أنه لم يقعد عن الجهاد إلا لعدم وجود سبيله وأنه لو وجد لجاهد ، فلابد أن يحدث نفسه بذلك حتى لا يقعد عن طاعة الله تبارك وتعالى أو يكون ممن لم يعذر ، لأن من شروط العذر في عدم فعل طاعة غير مقدور عليها أو العذر في الإكراه على معصية فلابد أن يكون من داخله يتمنى أن لو وجد السبيل للطاعة وإلا فإن الإنسان إذا أكره على معصية فاستراح لذلك وأقبل عليها بشهوة لم يكن هذا إكراهاً ، وبالتالي إذا عجز عن بعض الطاعات لابد أن يحدث نفسه بها .

يقول : نرى أن إيجاد هذه الطائفة المؤمنة على منهج أهل السنة الجماعة والتي يجتمع عليها باقي أهل السنة هو من أهم الواجبات والأولويات ، وهذه الطائفة تسعى إلى أن يكون أفرادها في خاصة أنفسهم يؤدون الواجبات العينية عليهم في العقيدة والعبادة والسلوك والمعاملة والخلق ويتركون المحرمات .

فهذه قضية في غاية الأهمية . فلابد قبل أن يوظف الإنسان في أن يسد ثغرة في الفروض الكفائية أن يؤدي الواجبات العينية التي عليه ، لأن بعض الاتجاهات الإسلامية قد تستغرق في جانب معين من جوانب فروض الكفاية فإذا جاء الفرض لم يأخذ من التربية الفردية إلا ما يخدم هذا الجانب  .. وهذا خلل ، لأن التربية الفردية لابد أن تكتمل عناصرها .

فربما يوجد اتجاه يسد ثغرة واحدة من فروض الكفاية ، فهذا أمر محتمل على مستوى الفرض وعلى مستوى الجناعة لكن غير محتمل في الفروض العينية .

فعلى مستوى الجماعة : لو افترضنا جماعة تقول أنها سوف تركز على موضوع دعوة العوام في الشوارع والمقاهي وإدخالهم إلى المساجد .

نقول هل هذا تفرضه كمنهج ينبغي أن يسير عليه الجميع أم أن هذه ثغرة تسدها وتطالب غيرك أن يسد سائر الثغرات ؟

فلو أنه ادعى أن هذا هو منهج الإصلاح الذي ينبغي أن تسير عليه الأمة تكون نظرة معوجة قاصرة ، ولكن لو قال أن فروض الكفاية يسع فيه أن كل مجموعة تسد ثغرة فلا إشكال في ذلك على أن يكون هذا الأمر واضحاً .

لو افترضنا أن هناك اتجاه ما أخذ على عاتقه دعوة العوام في الشوارع والطرقات والمقاهي وإدخالهم إلى المساجد ، فالفرض الذي ينتمي لهذا الاتجاه لابد أن يتعلم العقيدة ولابد أن يتعلم العبادة الصحيحة وأن يعرف السنة من البدعة وأن يتعلم المعاملات الإسلامية الصحيحة لاسيما فيما لا ينفك الناس عن التعامل به من البيع والشراء . فلو قال ولما كل هذا بل أنا أريد منه أن يجيد إقناع الناس أو دعوتهم إلى أن بعده عن الله تبارك وتعالى وعدم أدائه للصلاة التي هي أعظم عبادات البدن خطر عليه .

نقول أن هذا حقه هو الشخصي

فلا يصح ان يدعو الناس إلى الصلاة وهو يفهم القدر على طريقة مخالفة لما ورد للكتاب والسنة .

نقول أن هناك جوانب في التربية الفردية يحتاجها كل فرد مسلم . وإذا تكلمنا عن فرد مسلم سوف يوظف في الدعوة إلى الله بغض النظر عن الثغرة التي سيسدها سيحتاج درجة أعلى مما يحتاجه الرجل العامي ، وإذا كان شخص سوف يسد ثغرة التعلم والتعليم فهذا يحتاج قدر أوسع بكثير ، ولكن مجرد أنه لكي يكون هو فرد مسلم صالح ولبنة صالحة لابد أن يتربى على هذه المعاني وأن يؤدي الواجب عليه في الفروض العينية .

إذن الفروض العينية لا مجال فيها للفصال كما يقولون .

أما الفروض الكفائية مطلوبة من الأمة ككل فمن الممكن أن البعض يساهم في جانب ولا يساهم في الجانب آخر بحسب استعداداته وهمته وقدرته .

حتى النوافل كذلك فهناك من هو من أهل الصلاة وهناك من هو من أهل الصيام وهناك من هو من أهل الصدقة وهناك من يكون من أهل ذلك كله . فالامر فيه سعة في أمر نوافل العبادات .

نوافل العبادة متلصقة بالتربية الفردية ولكن فيها قدر من السعة ، فمن الممكن أن يكون واحد عنده أموال كثيرة تشغل وقته فمن رحمة الله به أنه إذا أدى الواجب عليه يمكن في الوقت الذي غيره يصوم النهار ويقوم الليل أن يأخذ هو من ذلك بحظ يسير مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ويصلي ركعتين خفيفتن وأن يعوض هذا بصدقة المال الذي أتاه الله منه ، وإذا كان عنده مال وسيجمع إلى هذا صياماً وقياماً ففضل الله واسع بفضل الله تعالى .

فإذن باب النوافل فيه قدر من السماحية والاختيار  .

باب فروض الكفايات فيه سعة واختيار حسب القدرات والاستعدادات سواء على مستوى الفرد أو الجماعة .

أهم شيء أن الفرد قبل أن يوظف في أمر ما لابد أن يكون شخصيته الإسلامية مكتملة .

الأمر الآخر وهو عندما يوجد اتجاه أو جماعة أو هيئة إسلامية فيجب عليها أن تتبنى الإسلامي متكاملاً من حيث النظرية ، فتقرر أن الإسلام جاء ينظم حياة الفرض والمجتمع وأن عناصر التربية الفردية كذا وكذا .

فلو أن جمعية خيرية تسد ثغرة القيام على الفقراء والمساكين أو جمعية تقوم على نشر كتب السلف أو جمعية خيرية دعوة أو جمعية شاملة أو جماعة شاملة فلا حرج لذلك على أن يكون المنهج النظري في غاية الوضوح أيضاً  .

فبعض الاتجاهات يكون موضوعها دعوة العوام ونحن لا ننكر عليها بل هم الذين ينكرون على من يرون المشروع الإسلامي المتكامل ويرى أنه لا خير في الأمة إلا دعوة العوام ، فدعوة العوام تنقله من درجة إلى درجة أفضل منها ولكن أين من يتصدى للعلمانيين ويوضح منهج الإسلام وأين من يربي الأمة على ذلك وأين من يتحاكم إليه الناس ، فهل نقول للناس لا تتحاكموا إلى القانون الوضعي ثم إذا أراد الناس أن يتحاكموا إلى الشرع لم يجدوا طالب علم قد درس أبواب المعاملات وأبواب القضاء وغيره .

فنقول سد هذه الثغرة ولكن وضح أن هذه جزء من المنهج الإسلامي .

داخل الاتجاهات التي تتبنى منهج شامل أيضاً لن يكون الفرد هو الذي يؤذن وهو الذي يؤم الصلاة وهو الذي يفتح المسجد وهو الذي يقم المسجد وينظفه وهو الذي يفتي وهو الذي يدرس وهو الذي يوزع الزكوات وهو الذي يجمعها ؛ فلا يوجد إنسان يستطيع أن يفعل ذلك كله للقدرات الخاصة لكل إنسان ولضيق الوقت .

فإذن في النهاية أن داخل العمل الجماعي الكبير لابد من توظيف ولكن قبل هذا التوظيف لا نقول أن فلان يصلح أن يكون مسئول زكاة ثم هو عقيدته خربة يؤمن بالطيرة ويحلف بغير الله ، فلابد أن يتعلم العقيدة ، ولو ظننا أنها ليس لها تعلق مباشر بالمهام التي سيقوم بها . لأن الواجب عليه هو والواجب على المجتمع المسلم تجاهه واجب أصيل قبل موضوع توظيفه هو في ثغرة من ثغرات المجتمع ، فلابد أن تكون شخصيته شخصية إسلامية متكاملة ناضجة حتى ولو أنه سيعمل في جانب كالزكاة وغيرها . ثم إذا كان سيوظف في جانب الزكاة لابد أن يعرف مزيد في هذا الباب خصوصاً ، لأن فرض العين على الإنسان المسلم العادي أن يعرف أن في دين الله زكاة وأن الواجب منها على كل مسلم زكاة الفطر وأن هناك زكاة للمال لمن بلغ في أجناس معينة من الأموال إذا بلغت نصاباً معينة فإذا وجد أنه لا مال له فيكتسب ثم ينفق ، فلا واجب عليه أكثر من ذلك ، فلو عرف أنه لو صار معه مال لا يزول منه عليه أن يتعلم المزيد حينئذ وصار من أهل الزكاة في الجملة . فعليه أن يتعلم النوع المالي الذي معه ومتى تجب فيه الزكاة وما هو نصابه وما هي شروطه .

فإذن فرض العين يتدرج بحال الإنسان .

فالامر هنا يستع لتنوع الهمم والوظائف .

كنصيحة عملية ربما لا تكون مرتبطة ارتباط كبير في هذا الأمر :

إذا كان في مسجد ما أو في أي مكان دعوي نوظف الطاقات ، فيفضل يكون الأمر كما يسميه البعض " القانون الطبيعي " بمعنى إذا كنا في المسجد مجموعة من الإخوة وجدنا أخ حسن الصوت بالقرآن وماهر في حظفه وتولى هذا الجانب والآخر أكثر ميلاً إلى دراسة الفقه ودرسه وهذا عنده فسحه من الوقت ويستطيع أن يأتي إلى الصلاة مبكراً قبل موعدها ويفتح المسجد ويهيئه للناس فتجد أن الأمر صار بطريقة تلقائية ، وهذا هو الحل الأمثل . وهو أن المجموعة الموجودة تتوزع على الثغرات الموجودة تلقائياً ؛ فإذن يكون هذا أسلم الحلول .

إذا وجدنا أن هناك ثغرة تكاثر الناس عليها وأخرى شاغرة لابد هنا من تدخل وهو أن نأخذ أمثل الناس لهذه الثغرة ، فطالما أنها شاغرة إذن لا يوجد من هو يصلح لها مائة بالمائة وإلا كان سيشغلها مباشرة ، ولكن يوجد من يبعد نسبياً أو من لا يرى من نفسه أنه يصلح لها فحينئذ لابد من تدخل ، لأن بعض الإخوة إذا كلف بأن يكون إمام مسجد مثلاً قد تجد لديه غرض ما في أن ينقل الناس ، فإذا كان هذا يحسن تدريس الفقه طالبه بتدريس العقيدة والآخر الذي يحسن تدريس العقيدة طالبه بتدريس الفقه كنوع من التجرد في العمل أو بعض المبررات ولكنها تخالف السنن الكونية وتخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يستكشف الطاقات في أصحابه ويحضهم على استثمارها ، فلا تحاول أن تصادم طبيعة الشخص الذي أمامك بل استثمره فإذا كانت القضية أن هناك ثغرة شاغرة فلابد حينئذ أن يقال لأحد أن هذه ثغرة قد شغرت فلا مناص من أن تشغلها وأنت أقرب الناس إليها .

وكنا تدارسنا في مناسبة أخرى رسالة الطريق إلى ثقافتنا للعلامة محمود شاكر رحمه الله ، ووقفنا وقفة تأمل وإعجاب للفقيه الكبير حينما كانت بداية النهضة الأوروبية وبداية الانتصارات العسكرية الأوروبية على الدولة الإسلامية وكان السبب أن أوروبا سبقت إلى تطوير السلاح وانتقلت من عهد الفروسية إلى عهد السلاح الناري وعهد البارود ونحو ذلك وهذا له آلات غير آلات الفروسية وكان بداية أنهيار الدولة الإسلامية له أسباب شرعية ومادية فمن هذه الأسباب المادية ذلك الأمر ، يسجل بإعجاب شديد الاستاذ محمود شاكر رحمه الله كيف أن هذا الفقيه الكبير لما سأل عن أحوال الأمة ووجد أن المشكلة أن الأمة لا تحسن الهندسة ولا تحسن صناعة الحدادة والسباكة تعلم هو هذه العلوم وأنشأ مدرسة لتعليم علوم الهندسة والحدادة والسباكة حتى أتت الحملة الفرنسية ، بل يرى الشيخ محمود شاكر أنه لو عد من أسباب قدوم الحملة الفرنسية على مصر القضاء على هذه الصحوة لما أبعدنا كثيراً ، فكانت هناك صحوة دينية موجودة وأيضاً صحوة من أجل الأسباب المادية ، فهذا هو الفقه بعينه .

هناك فرض كفائي شاغر أقل شرفاً من طلب العلم الشرعي ولكنه في ذلك الوقت صار أعلى شأناً وشرفاً . فلو أن العلم جديد وصعب ووجد من يجد نفسه يصلح لهذا الأمر وفي الأمة فقهاء غيره ذهب هو وتعلم وصار معلماً في هذا الباب .

فالاستاذ محمود شاكر يستغرب استغراباً شديداً ان مكتبة الجبرتي أخذتها الحملة الفرنسية بأسرها من كتبها الشرعية والدينية والدنيوية وكأنها لا تريد أن يبقى في الامة أثر لهذه المدرسة .

الشاهد هنا أنه إذا وجدت ثغرة شاغرة فلابد من التصرف وأن تصير هذه الآن هي أوجب الواجبات .

فهذه نصيحة لمن يتولى أمر الدعوة في أي مكان ، بل لمن يتولى أمر من الأمور الدنيوية ، فلو أن إنسان خرج مع إخوانه في رحله فهذا يجيد الطبخ وهذا يجيد نصب الخيمة وهذا يجيد صنع المشروبات ، فلو أن المهام توزعت على الناس توزيعاً تلقائياً لكان هذا هو أسلم الحلول . فكل إنسان يفعل ما يحب وما يجيد .

في المقابل عندما يأتي الإنسان ليعمل ويخدم دين الله تبارك وتعالى ويريد أن يقدم نفسه ويحفر لنفسه طريق في أي ثغرة من الثغرات فعليه أن يستكشف قدرات نفسه ، وفي ذات الوقت عليه أن ينظر أي الثغرات أرجح طالما أنه هو الذي سيوظف نفسه أو أن إخوانه لم يكونوا أسبق منه في اكتشاف قدراته أو توظيفه أو اكتشاف ثغرات يصلح هو لها ، فعليه أن يستكشف قدراته وأن يكون أميناً مع نفسه بقدر الإمكان فلا يبالغ في قدرات نفسه ولا يبخسها من باب الورع الكاذب ، لأن الورع ليس في أن يكون أعطاك الله قدرة فتكتمها ولكن الورع أن تقول هذا من فضل الله وأن توظفها في خدمة دين الله تبارك وتعالى ، فيحتاج الإنسان أن يوازن بين قدراته وبين الثغرات الموجودة .

يوجد من الناس من خلصت نيته وازداد فقه بالدرجة التي يستطيع أن يوظف نفسه وأن يوجد لنفسه دور مهما كانت المسألة ، وفي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ) فهو عبد يسير مع الجهاد اينما سار وهو في النهاية جندي مطيع لأنه يريد أن يكون في جملة الجيش ( إن كان في الساقة كان في الساقة وإن كان في الحراسة كان في الحراسة ) فيوجد ويحاول أن يسد أي ثغرة ولا يتأخر عن أي ثغرة ممكنة .

ولذلك حديث قصة البكائين في غزوة تبوك وهذا الرجل الذي ما وجد سبيل وهي غزوة بعيدة لا يمكن أن يذهبها الذاهب إلا راكباً وليس عنده شيء وحض النبي صلى الله عليه وسلم الأغنياء على الصدقة لكي تؤخذ صدقاتهم ويشترى بها ما يحمل عليه إخوانهم الفقراء ؛ وهذه من فضائل ومآثر عثمان رضي الله عنه الذي تصدق بثلاثمائة ناقة بأقطابها وأحلاثها ، ومع هذا وجد من لم يأخذوا حظهم أو نصيبهم من الركوب فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع .

هذه هي القضية وهذا ما كنا نتحدث عليه ( من لم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو ) فليست القضية انه طالما صار معذوراً فهو يستروح لهذا العذر بل هو يتألم أنه لم يتمكن من أن يشارك .

ومع هذا قام قائمهم بالليل يقول : اللهم إنك لم تعطني ما أجاهد عليه ولم تعطي رسولك ما يحملني عليه وإني لا أجد من مشاركة إلا أن أتصدق على كل مجاهد بكل مظلمة لي عنده في مال أو عرض .

فقه عظيم جداً وحرص بالغ على المشاركة ، ووجد باب قد يكون بعيد وهو أن يخفف عن المجاهد بعض أوزاره . لأن المجاهدين ينصرون بأعمالهم فربما كان بعض المجاهدين اغتابه أو نحو ذلك ، وهو لا يجد شيء غير أن يعفوا عن كل مجاهد منهم اغتابه أو له عنه حق مال فيسقطه عنده ، فهذه هي المساهمة التي يستطيع أن يساهم بها . فلما أصبح قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أبشر فقد كتبت في الصدقة المتقبلة )

إذن نقول أن الأفراد لابد أن يقوموا بالواجبات العينية ثم يقومون بما يتناسب مع هممهم من أنواع النوافل ثم في  العمل الجماعي وإيجاد الطائفة المؤمنة وإيجاد المجتمع المسلم يوظفون أيضاً كل في ثغرة بحسب قدراته من جهة وبحسب حاجة الأمة من جهة أخرى .

فهم يؤدون الواجبات العينية عليهم في العقيدة والعبادة والسلوك والخلق ويتركون المحرمات ، كما أنهم ملتزمون بالتعاون المنضبط على إقامة الفروض التي خوطبت بها الأمة ككل كالتعلم والتعلم ، قال تعالى  { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } [التوبة/122] وللعم منزلة خاصة وأهمية كبرى في دعوتنا ، إذ عليه تقوم وبدونه تفقد هويتها وانتمائها للسلف ، ولابد أن يكون هذا الأمر على كل المستويات في الصغار والكبار والرجال والنساء وفي سائر قطاعات المجتمع .

فقضية العلم قضية لا غنى عنها في التربية الفردية لأن كل عناصر التربية الفردية عبارة عن علم ثم عمل يعلم العقيدة ويعمل بها ويعلم العبادة الصحيحة ثم يؤديها ويعلم السنة ثم يلتزم بها ويعلم البدعة ثم يلتزمها ويعلم الأخلاق الفاضلة ويتخلق بها ويعلم الأخلاق الذميمة ويجاهد نفسه في البعد عنها ، فالعلم هو نصف كل الأمور وكل عناصر التربية الفردية علم ثم عمل ، وكل عناصر الواجبات الكفائية علم ثم عمل

نقول من الواجبات الكفائية القيام على حقوق الفقراء والمساكين فنحتاج ن نعرف الزكاة من الصدقة ومصارف كل منهما ، فقد يأتي إنسان ويقول هذه كفارة يمين وأنت تقوم على حقوق الفقراء والمساكين فكم تأخذ منه وهل تأخذ منه نقود أم طعام أو تأخذ منه نقود وتشتري طعام أم كذا أم كذا وقد تأتي كفارة ظهار ، يقع كثير من الجمعيات الأهمية في أمر بالغ الحرج ، فقد يأتي رجل يدفع كفارة ظهار ثم ينصرف يجامع زوجته ، ويشترط في كفارة الظهار { من قبل أن يتماسا } والجمعية الخيرية أو المسجد توصيفه الشرعي أنه وكيل عن المتصدق فلو أن الرجل المظاهر أخرج النقود من جيبه الأيمن ووضعه في جيبه الأيسر لم يحصل شيء بعد ، فالجمعية الخيرية ليست وكيلاً عن الفقراء ، بدليل أنها بعد أن تحصل على النقود تراجع قوائم الفقراء أو تعطي من يأتيها من الفقراء فهي ليست ممثلة لفقير معين أو نحو ذلك ، بل هي وكيل عن المتصدق ، فإذا قبلنا من أحد كفارة الظهار ينبغي أن ينتظر حتى يأتي ويقال له وصلت إلى الفقير .

فالتفاصيل كثيرة جداً ولكن هذه إشارة .

وأيضاً مسألة الجهاد والتفجيرات والأعمال التي تحدث في بلاد المسلمين الأعمال التي تحدث في بلاد الكفار لمن دخل عندهم بتأشيرة أمان ، فهذه كلها قضايا علمية قبل أن تكون قضايا عملية .

فإذن الأمر في أمر الجهاد أمر علمي ، وفي أمر الزكاة والصدقة أمرة علمي وفي كل هذه الأمور لابد فيها من العلم ، فالعلم هو القاسم المشترك بين جميع الواجبات العينية والكفائية ، وبالتالي أي دعوة تريد أن تكون دعوة صالحة على منهاج النبوة لابد أن تعنى بالعلم ، العناية الكفاية التي تستطيع بها أن تنقل إلى أفرادها العلوم التي يحتاجونها كأفراد وأن تنقل لهم العلوم التي يحتاجونها في سد الثغرات التي يقومون بها .

وأذكر لكم مناظرة قصيرة جداً فيها نوع من الجدل ولكن جدل بالحق كما يقول الشيخ الألباني رحمه الله .

فكان رجل ينكر على بعض السلفيين استغراقهم في العلم وأخذ يذكر نماذج بأن هذا خلل

فأجابه الآخر بما عرفت هذا الخلل بعلم أم بجهل ؟

قال بعلم

قال  إذن لو أن هناك خلل في طلب العلم لا يصلح إلا بالإتقان العلمي الكافي الذي يبين ما هو القدر الواجب في طلب العلم 

إذن لو حصل خلل من البعض في قضية طلب العلم فلا علاج لها إلا بدعوته إلى مزيد من العلم ، حينئذ سوف يستطيع بهذا العلم أن يقول ما هو الذي يحتاجاه الطائفه التي تسد ثغرة طلب العلم وما يحتاجه الطوائف الأخرى .

إذن نحن نقر بأن التوسع في طلب العلم فرض كفاية ولا ندعي أبداً أنه فرض عين ، ولكن داخل الاتجاه الواحد لابد أن يكون العناية بطلب العلم عناية كافية حتى يستطعون أن يبصروا مواضع أقدامهم .

فلو تصورنا أن هناك اتجاه آخر يقول نحن تركنا لكم طلب العلم ، فأحياناً البعض يسفه طلب العلم ،ولا ندري ماذا يقال لإنسان يمدح الجهل !!

فإذا كان يقول أن البعض لا يفقه أو يتكلم عن طلب العلم بطريقة خاطئة أن يكلم كل الناس بدرجة لا تجب عليهم

نقول له هل أنت عندك كيان علمي ؟ وهل استطاع أن يدرس هذه الأمور دراسة جيدة وبالتالي هو درسها ودرس غيرها فلا نتصور أن يوجد اتجاه ما كل دور علماؤه الاشتغال تصويب أخطاء المشتغلين بطلب العلم ، فلن يحدث هذا ، بل طلب العلم ملكة ، لابد أن من يسد هذه الثغرة تشبع بطلب العلم واشتغل به وخالط كتب العلماء ورأى كيف يستنبطون وكيف يخرجون الفروع على الأصول وكيف وكيف وكيف .

فإذا قلنا أن هناك اتجاه ما ينكر قضية طلب العلم بأصلها فنقول : كفى بمن يمدح الجهل جهلاً ، فلا حاجة للكلام معه ، أما إن كان يطلب ترشيد طلب العلم نقول له لابد أن من يشتغل بترشيد طلب العلم أن يكون مشتغل بطلب العلم ، فإذا كان هناك اتجاه عنده عناية بالعلم واتجاه أخرى عنده عناية بالعلم جاز حينئذ أن يكون هناك قدر من التناصح بأن أحد الفريقين يرى أن الآخر يشتغل بالعلم بطريقة غير جيدة ، وهذا يحدث كثيراً حينما يستغرق البعض في طلب علم واحد من العلوم ، وهي نفس قضية من يستغرق بقضية القيام على حقوق الفقراء والمساكين . فلو أنه اشتغل بطلب العلم ولكنه أخذ علم واحد لاسيما وأن العلوم جزئت بغرض الدراسة والتخصص ولكن أيضاً لابد من قدر من الجمع بين هذه العلوم للخروج بنظرة صحيحة عن المطلوب من الفرد ومن الجماعة .

فإذن لابد أن يكون طلب العلم شامل ومتكامل ومتوازن .

إذا وجد اتجاهات ليس عندها من يسد ثغرة طلب العلم ويقولون أنهم سيسدون ثغرة دعوة العوام أو الأنشطة الخدمية

نقول حينما يأتي في دعوة العوام تجد الأسئلة التي تطرح عليك كثيرة ، لأن العوام في بداية إنارة قلبه بنور الهدى تجد عنده كم من الأسئلة أنه فعل كذا وأن عنده أموال في النك وأنه كان يعمل كذا وكذا ، فأول أن يدخل عليه نور الهداية تجد أن هاجمه قدر كبير من الأسئلة فماذا ستفعلون بها ؟

هذا سؤال لابد من الإجابة عليه .

والذي سيسد ثغرة النقابات وغيرها يأتي له نظام البيع بالتقسيد وشراء السيارة والشقة وصناديق التكافل الاجتماعي وصور لا حصر لها ، فمن الذي سينظر في هذه الأمور وينظر هل هي مشروعة أم لا .

فلابد أن نعود إلى الصورة ، فتيار الاتجاه الإسلامي إما أن يوجد في عناية كافية بطلب العلم ولابد أن يكون الشخص العالم داخل الاتجاه ، ولابد أن يكون داخل الاتجاه الواحد عناية كافية بطلب العلم على الأقل لضبط الأبواب التي سيشتغلون بها ، فلا نقول أن هؤلاء سيسدون ثغرة طلب العلم ولكن لابد أن يوجد فيهم من يشتغل بطلب العلم أو يرجعون إلى من يشتغل بطلب العلم ولا يفعلون شيئاً إلا بعد استشارتهم .

هذا فيمن يسد أي ثغرة كالقيام على الفقراء والمساكين أو الأنشطة الخدمية في المجتمع وغير ذلك ، ولكن ثغرة طلب العلم بالإضافة إلى ذلك مطلوبة لذاتها أو مطلوبة في أبواب ذات صبغة علمية صرف كالإفتاء .

فتقول أن البلاد المفرطة في العلمانية لا توظف لهم دولهم مفتياً ، وهناك من يوظفون مفتي يضطر إلى أن يداهن في كثير من القضايا لدرجة لو أن واحد قال لا يجوز أن يتبرع مسلم لبناء كنيسة ثم هاج العلمانيون خرج بعد ذلك يجعل هذا من أجل القربات، وهذا يحصل .

فإذا كانت الفتوى من هذا المصدر صارت متهمة فماذا قدمت أنت من بديل ؟

وأيضاً باب القضاء ،فنقول للناس إن الحكم إلا الله وهي قضية عقدية ومنهجية وتمثل قاسم مشترك بين جميع التيارات الإسلامية ، فلابد للناس من خصومات ، تصور أن الملتزمين لا يتخاصمون تصور مفرط في الخيالية ، ولابد أن تبيع وتشتري فتختلف وغير ذلك .

وليس دائماً طرفي الخصومة ملتزمين ، فيمكن أن تكون أنت تعامل غير الملتزم ، فمن الذي يقضي بين الخصمين إذا تراضيا وفقها وعلما أنهما لابد لهما من التحاكم إلى الشرع ، فهل يوجد من يوفر لهم محكم قادر على أن يحكم ؟

وإذا كان الطرف الثاني غير ملتزم ولكن لابد من نصيحته قبل أن يذهب إلى المحاكم ، ونقول نحن لا نصادر حقك في التقاضي ولكن تقاضى إلى من يحكم بالشرع ، فإن أصر من الذي يعلم الطرف الملتزم بحقه الشرعي بحيث إذا قضي له في القضاء الوضعي بما ليس له بحق شرعي رده ولم يستحله بمجرد أن القانون الوضعي يعطيه إياه .

فهذه كلها مهام تحتاج إلى تعمق في طلب العلم . فإذن طلب العلم مطلوب لكل شخص لكي يعرف عقيدته وعبادته والأخلاق حسنها وسيئها .

وطلب العلم يحتاج إلى كل اتجاه في تنظيم الثغرات التي يقوم بها قلت أو كثرت ، فطلب العلم يراد لثغرات وهذا يحتاج إلى درجة أوسع من التعمق في طلب العلم من الإفتاء والقضاء .

الرد على الشبهات أيضاً باب واسع ، فالرد على شبهات الكفار والرد على الشبهات البدعية وإلى غير ذلك .

فإذن من فروض الكفايات التي لابد من إعطائها حقها طلب العلم

قال : كالحسبة والدعوة ، قال تعالى {  { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } [آل عمران/104] .

وطبعاً الترتيب في هذا البحث مقصود ، بمعنى أننا في الجملة نرى أنه لابد من إيجاد الفرد المسلم ولابد أن الأفراد الملتزمين أن يسعوا إلى إقامة المجتمع المسلم وأن يسعوا إلى إقامة ما يستطيعون من فروض الكفايات ، وأن أهم أبواب فروض الكفايات عند الدعوة السلفية هي طلب العلم والدعوة إلى الله ، فلا نغفل وجود فروض كفائية أخرى ونتكلم عليها ، ولكن نقول بالنسبة لحال أمة فيها هذا الكم من الانحراف يكون طلب العلم هو الفرض الكفائي الأول بصفة عامة

وكما ذكرنا أنه لا فرض عيني ولا كفائي إلا والعلم نصفه أو أكثر ، فكل مسألة عبارة عن علم ثم عمل ، فلابد من طلب العلم ، ويزداد الأمر عندما يكون الزمان زمان شبهات وفتن .

فأي أمة في مرحلة البناء أو مرحلة الاستيقاظ أو مرحلة النهضة فلابد من علم ودعوة ، حتى إن نظرت إلى الأمم الكافرة ، فتجد عصر النهضة كان عصر علم ودعوة فتعلموا علوم الدنيا  ، والفلسفات التي قاموا عليها فيها نفع وضرر وضررها أكبر من نفعها ولكن هي كانت أسلم حالاً مما كانوا عليه قبل ذلك ، فلما وجد العلم والدعوة ونشأ المجتمع وتربى على هذه المناهج الجديدة قامت أوروبا المعاصرة بهيئتها  ، وهي حالها الآن في ظلام كما كان حالها السابق في ظلام وإظلام ، ولكن انتقلت من حال إلى حال بالعلم والدعوة ، فالعلم بالمنهج الجديد ونشره والدعوة إليه ـ فتعلمه وتعليمه والدعوة إليه ـ.

فنحن نرى أن أهم العناصر العلم والدعوة ، أو على الأقل هما أهم العناصر بالنسبة للدعوة السلفية ، فلو افترضنا أن هناك جهات شغلت ثغرات أخرى فنحن نعرض المنهج المتكامل ونشغل في المقام الأول هذين الثغرتين ثم نشغل بعضهم ما نطيق من القيام على حقوق الفقراء والمساكين والخدمات وغير ذلك ، ولكن هاتين الثغرتين بصفة خاصة من خلالهما نستطيع أن نبث في الأمة ككل عواماً وإسلاميين ودعاة فنبث في الأمة من الاتجاهات الأخرى مرجعية فهم السلف ، فإذن نحن نضع هذا الأمر في المقام الأول ولا نغفل وجود غيره ونشارك في غيره بدرجة من الدرجات ولكن نقول أن هذا المقام مقام في غاية الأهمية .

وسنتكفي اليوم بهذا القدر على أن نختم شرح ذلك البحث المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى  .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية