الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

انتظرته .. لكنه لم يأتِ

التأثير العميق في المجتمع إنما يكون بتقديم النموذج الإيجابي للملتزم بصدق

انتظرته .. لكنه لم يأتِ
مصطفى دياب
السبت ٣١ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٢:٢٠ م
1724

انتظرته .. لكنه لم يأتِ

كتبه/ مصطفى دياب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم، وبعد؛

مناسباتٌ كثيرة هي تلك التي تمر علينا وننتظر فيها حضور مَن نحبهم، ونرجوا رؤيتهم، لكننا نُصدم بأنهم يعتذرون فلا يحضرون، أو يُشاركوننا أفراحنا أو أطراحنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، فأجد جُمل التهنئة في باقة ورد على الفيس، أو أجد برقية تعزية على الواتس، أو تُفاجئُني مكالمة هاتفية على (الفايبر).

إنه غياب .. في ثوب حضور.

إنه انقطاع .. في ثوب تواصل.

إنها غُربة تدق على أبوابنا، ووحدة تخيم على مجتمعنا، وتشتت يهدد الجسد الواحد.

أخي الحبيب:

كم كنتَ سعيدًا يوم زواجك وانتظرتَ أصحابكَ وإخوانك وأنت في وسط زفافك ترقب عيناك صديقًا لك وحبيبًا إلى قلبك انتظرته .. لكنه لم يأتِ.

ثم سرعان ما سمعت صوت الهاتف؛ فإذا برسالة تهنئة مِن ذلك الأخ الحبيب الغائب الذي لم تمنعه الحدود والمسافات، لكنه انشغل فلم يحضُر.

وفي ميلاد طفلك راسلته وأعلنت ذلك على صفحات الفيس وغيرها، ودعوته للعقيقة وانتظرت حضوره .. لكنه لم يأتِ.

ومرَّت الأيام وحصلت على الدكتوراه وأقمت الحفل وانتظرته .. لكنه لم يأتِ.

ومرض والدك .. لكنه لم يأتِ.

ومات والدك .. لكنه لم يأتِ.

ووقعت في مشكلة وديون .. لكنه لم يأتِ.

ومرضتَ أنت .. لكنه لم يأتِ.

إذًا متى يأتي صاحبك وأخوك الذي شغلته الدنيا عن التواصل الحقيقي .. عن الأجر قد انشغل .. عن الدرجات قد انشغل .. عن أفضل الأعمال قد انشغل .. عن أحب الأعمال قد انشغل «ومَن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته مِن الدنيا إلا ما قُدِرَ له».

أخي الحبيب:

أما أدرك ذلك المسكين أنه قد حرم نفسه مِن خير كثير، وأنه يحتاج للتواصل أكثر مما تحتاج إليه؟ أما سمع ذلك الأخ الحبيب الغائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أحب الناس إلى الله أنفعهم»، فربما انتفع بك أخوك أو أدخلت عليه السرور؛ فتفوز بأحب الأعمال إلى الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم»، لعل حضورك لفرحه يُدخل عليه السرور، لعل سؤالك عنه يُدخِل عليه السرور، لعل حضورك عقيقة ولده يُدخل عليه السرور، لعل مشاركتك في تشييع جنازة والده مع حزنه يُدخل عليه السرور.

أخي الحبيب:

قيمتك في نفعك لغيرك؛ فقيمة المرء ما يبذل .. لا ما يستهلك .. قيمتك ماذا قدمت؟ ماذا بذلت؟ .. لا ماذا أكلت؟ أو ماذا لبست و ركِبتَ؟

أخي الحبيب:

تَذكُر متى آخر مرة زرت أخًا لك في الله (لله)؟

قال صلى الله عليه وسلم: «مَن عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله؛ ناداه منادٍ أن طبت وطاب ممشاك، وتَبَوَّأت مِن الجنةِ منزلًا».

وفي الحديث القدسي: «... وحقت محبتي للمُتزاورين فيَّ»؛ فهل رسالة الواتس أو الفيس تحمل نفس الأجر؟!

أخي الحبيب:

هل تذكر آخر مرة أهديت أخًا لك في الله هدية لله؟!

وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا»، لكنك ترسل له باقات الورد على صفحات الفيس والواتس.

هل تذكر آخر مرة اتصلت بأخ لك في الله تسأل عنه فقط وتطمئن على دينه ودنياه؟

أخي الحبيب:

زار النبي صلى الله عليه وسلم سعدَ بن أبي وقاص .. وزوج ربيعة وقال: أجمعوا له .. وسأل عن جابر، ولما رآه مهمومًا قال له: ما لَك يا جابر؟ فعلم أن والده مات وترك تسعة من البنات وعليه دين؛ فذهب معه حتى حل له المشكلة؟

أما علمتَ أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: «ومَن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يُثبتها له أثبت الله قدمه يوم تَزِلُ الأقدام»؟

أما علمتَ أن مِن أحب الأعمال إلى الله أن تكشف عن أخيك كُربة، أو تقضِ عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا؟

أما علمتَ أن زيارتك لأخيك المريض تنتفع أنت بها قبل المريض؟ قال الله في الحديث القدسي: «يا ابن آدم؛ مرضتُ فلم تعدني، فيقول: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمتَ أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمتَ أنك لو عُدته لوجدتني عنده؟». وروى مسلم: «أن المؤمن إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة (جناها)»، وعن جابر: «مَن عاد مريضًا لم يزل يخوض في الرحمة، فإذا جلس أنغمس فيها».

أخي الحبيب:

كفانا كلامًا وحفظًا لنصوص مقدسة لا نعمل بها.

إننا نريد النموذج الإيجابي الذي يفهم الإسلام فهمًا عميقًا، ويطبقه تطبيقًا دقيقًا، ويعمل بنصوص الوحيين الشريفين.

إن النموذج الإيجابي كالجمرة الملتهبة، تبعث الحياة في كل مَن يقترب إليها ويخالطها بإذن الله.

أخي الحبيب:

الالتزام ممارسة يومية؛ فلنتعلم ونعمل ونسأل الله التوفيق.

إن التأثير العميق في المجتمع إنما يكون بتقديم النموذج الإيجابي للملتزم بصدق.

وصلِّ اللهم على محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

ممنوع الاقتراب!
186 ١١ أكتوبر ٢٠٢٢
أحبك يا رب
124 ٢١ فبراير ٢٠٢٢
هل لك منارة؟
199 ١١ ديسمبر ٢٠٢١
اضبط البوصلة
247 ٣٠ نوفمبر ٢٠٢١
صناعة النموذج
207 ٠٦ نوفمبر ٢٠٢١
اترك أثرًا (4)
121 ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١