السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الولاء والبراء -2

معاني الموالاة وصورها

الولاء والبراء -2
عبد المنعم الشحات
الاثنين ١٦ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٤:١٩ م
1613

الولاء والبراء (2)

عبد المنعم الشحات

  انتهينا في المرة السابقة بحمد الله تعالى من الكلام على بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في قضية الموالاة بصفة عامة واليوم نشرع بإذن الله تعالى في الكلام على

معاني الموالاة وصورها:

جاء في «لسان العرب» - وهو أحد قواميس اللغة التي تعرف المفردات-: «والمُوالاةُ - كما قال ابن الأَعرابي-: المُوالاةُ أَن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصلح ويكون له في أَحدهما هَوىً فيوالِيه أَو يُحابيه»

قد يوجد في كتب اللغة كلمة غير شائعة الاستخدام وأخرى شائعة الاستخدام تقوم مقامها فيعرف هذه الكلمة بتلك وأحيانًا لا يكون ذلك فيشرح الموقف لأن اللغات بصفة عامة واللغة العربية بصفة خاصة أعقد من أن يكون لها وضع اصطلاحي محدد دقيق وإنما نمت اللغات عبر العصور وعبر كلام أصحاب اللغة ولذا فالترابط الموجود في هذه الكتب بناء على الخبرة بكلام أهل هذه اللغة لدى واضعي المعاجم اللغوية وبالنسبة للغة العربية على وجه الخصوص أشعار الشعراء الذين يعتبرون أصلًا في الرجوع للغة العرب فيعرف أنهم استخدموا هذه الكلمة بمعنى هذه أو يشرح الموقف الذي استخدمت فيه الكلمة، فهنا يشرح أحد الموقف الذي تستخدم فيه كلمة«الموالاة» وهو أن يكون حكمًا أو مصلحًا بين اثنين فيوالي أحدهما ويحابيه على الآخر.   

يقول: «ووالى فلان فلاناً إِذا أَحبَّه ... والمولى: اسم يقع على جماعة كثيرة فهو : الرَّبُّ والمالِك والسَّيِّدُ والمُنْعِم والمُعْتِقُ والنَّاصِر والمُحِبُّ والتَّابع والجارُ وابن العَم والحَلِيفُ والعَقِيدُ والصِّهْرُ والعَبْدُ والمُعْتَقُ والمُنْعَمُ عليه... والمُوالاةُ : ضِدّ المُعاداة، والموالاة: المتابعة».

فالموالاة تطلق على أي طرفين بينهما نوع من الحب أو النصرة كالمنعم والمنعم عليه والمعتِق والمعتَق كلاهما يسمى وليًا للآخر.

يقول: «وقال صاحب «المصباح المنير»: «(الوَلِيُّ) فعيل بمعنى فاعل من (وَلِيَهُ) إذا قام به ويقال:  المؤمن ولي الله» - بمعنى أنه مطيع الله-.

هذا بالنسبة لكلمة الموالاة في اللغة وربما مر بنا في غير هذه المناسبة الكلام على مسألة الرجوع إلى اللغة في تفسير الألفاظ والمصطلحات وذكرنا ملخص الكلام في هذه المسألة قوله تعالى ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف: 2] فهذا القرآن عربي والرسول  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ  رسول عربي تحدث بلغة قومه إذن فللعربية موضع مهم جدًا في تفسير النصوص لكن الذي ننكره أن يقدم التفسير اللغوي على التفسير الشرعي لأن الله -عز وجل- قد يتكلم بكلام ويتكلم رسوله  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ  بكلام ثم لا يعوزك إلى أن تسأل أهل اللغة عن معنى هذه الكلمة لأنه يفسر لك معناها فيأتي بع الناس لا يروق له هذا المعنى فيطلب الرجوع للغة كيف يكون ذلك وعندنا الأمر الآكد والأثبت، وكقاعدة شرعية دائمًا الحقيقة الاصطلاحية مقدمة على الأصل اللغوي ففي كل علم من العلوم يكون للكلمة في اللغة معنى معين ثم يأتي أهل علم من العلوم فيختارون لها اصطلاحًا معينًا فيكون المعنى الاصطلاحي أسبق إلى الذهن، كذلك يأتي القرآن والسنة إلى بعض الألفاظ فيعطيها معنى خاص مثل الصلاة والزكاة والصوم والحج كل هذه الكلمات كان لها معانٍ لغوية خصصها الشرع بجزء من معناها أو بمعنى خاص فصار الأسبق إلى الذهن في خطاب الشرع عند إطلاق لفظة الصلاة أنها الصلاة الشرعية أو يقال الزكاة فهي الزكاة الشرعية لو علم أن المراد به أصل معناها اللغوي بدليل أو بآخر فيرجع إليه.

إذن فتفسير النصوص الشرعية يكون أولًا بالنصوص الشرعية ثم بالرجوع إلى لغة العرب فلو استخدم الشرع لفظًا لم يبين أنه يعني به معنى خاصًا فهو يعني به المعاني التي استخدمها العرب فيه، فلذلك نرجع دائمًا في أي بحث إلى المعنى اللغوي ثم نبحث هل المعنى الشرعي يخالف المعنى اللغوي وغالبًا ما يكون في هذه الحالات أخص منه مثل الصلاة فهي في اللغة الدعاء أم المعنى الشرعي دعاء مخصوص بهيئة مخصوصة أو نحو ذلك، وكذلك الزكاة فهي في اللغة النماء لكنها شرًعا سبب خاص لنماء المال وطهارته وذلك بإخراج جزء منه بهيئة معينة بقيمة معينة إلى غير ذلك من الأمور.

فيرجع أولًا إلى المعنى اللغوي ثم ينظر بعد ذلك هل أبقى الشرع هذا المعنى اللغوي؟ بمعنى أنه إذا لم يتعرض له فقد أبقاه على معناه اللغوي، ولذلك فنحن دائمًا نحتاج إلى الرجوع للمعنى اللغوي في لغة العرب.

  هنا أيضًا نجد معنى الموالاة في اللغة يشمل صورًا كثيرة جدًا معظمها جاء فيه نص خاص به على أنه من الموالاة أو على أنه مطلوب أن يبذل للمؤمنين وأن لا يبذل للكافرين فباجتماع المعنى اللغوي مع هذه النصوص الشرعية حتى لو جاءت نصوص تحض على نصرة المؤمنين ولم تسمى موالاة فهي في اللغة موالاة فهي داخلة في النصوص العامة الآمرة بتولي المؤمنين بالوضع اللغوي لكلمة موالاة وجاء أيضًا الأمر بها مستقلًا في نص خاص بها.

إذن بالنسبة لهذا اللفظ لفظ «الموالاة» فهو لفظ يشمل صورًا كثيرة وكون الشرع أمر بتولي المؤمنين وهذا اللفظ يشمل هذه الصور في لغة العرب ولم يبين الشرع أنه أراد شيئًا منها دون الآخر إذن فكل هذه الصور مأمور بها شرعًا في ثنايا الأمر بتولي المؤمنين ناهيك عن أن معظم هذه الصور الخاصة بها نصوص خاصة وهذا الذي سيبينه المؤلف في الباحث الآتية، فبذلك يكون أصل المعني اللغوي مضافًا إلى النصوص التي تأمر بتولي المؤمنين، وكل نص فيه تولى المؤمنين فإنه يعني الأمر بمحبتهم ونصرتهم ومعاونتهم والإحسان إليهم كل هذا داخل في النص بدلالة الوضع اللغوي وحده لكلمة الموالاة بالإضافة إلى ما يأتي مفصلًا من أنواع الصور.

قال شيخ الإسلام: «أصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد».

مع أن هذه اللفظة لها صور كثيرة جدًا إلا أن بعض أظهر من البعض الآخر وأقرب ولا شك أن المحبة أكثر صور الموالاة وأظهرها وضوحًا.

يقول في «الفضل»: «ويتضح بما ذكرنا أن أكثر المعاني تدور حول: «الحب والنصرة والقيام بالأمر ولوازم ذلك كالطاعة، والمتابعة، والمعاونة، والصداقة، ولوازم هذه الأمور وإليك تفصيل أحكامها:

1-      الحب والمودة:»

كما ذكرنا كون الحب معنى من معاني الموالاة فهو مأمور به في النصوص التي تأمر بتولي المؤمنين ناهيك عن أن هذا المعنى من أكثر المعاني التي ورد فيها نصوص خاصة لأهميتها.

قال تعالى ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: 22].

قلنا أن كل صورة من صور الموالاة يقابلها صورة من صور المعاداة أو صورة تبرؤ، والقسمة النظرية تجعلنا نقول أن كلًا من الصورتين - الموالاة وضدها- يمكن صرفها للمؤمنين أو صرفها للكافرين فينشأ عن ذلك أربع صور:

أ‌-       حب المؤمنين.

ب-حب الكافرين.

د- بغض المؤمنين.

هـ- بغض الكافرين.

وتظهر الحاجة إلى هذا التقسيم ببيان كل صورة وضدها، فنفي الحب قد يستلزم غالبًا نفي البغض وإن كانت هناك حال ثالثة وهي أن الإنسان قد لا يشعر بحب ولا بغض تجاه بعض الناس، أما في الشرع فالشرع يأمرك أن تحب المؤمنين وتبغض الكافرين وبهذا تظهر الحاجة إلى الكلام على الصورة وضدها لأن المسألة ليست قسمة ثنائية إما أن تحب فلان وإما أن تبغضه وإنما هناك حالة ثالثة وهي أن لا تشعر تجاهه لا بحب ولا ببغض، فحينما نتكلم عن حب المؤمنين ننظر إلى الكافرين هل الواجب بغضهم أم عدم حبهم؟ ولذلك يقول الشيخ الألباني : تعالى أن كثيرًا من المصنفين والدعاة جزاهم الله خيرًا عندما يتكلمون في قضية التشبه ينهون عن التشبه بالكافرين قال: وهذا حسن في ذاته ولكنه دون المطلوب شرعًا لأن المتأمل في نصوص الشرع يجد أن المطلوب هو القصد إلى مخالفة المشركين وهذا أمر أعلى من مجرد ترك التشبه بهم بل حينما تقوم بعمل اتفاقًا وعمله الكافر أيضًا فهذا لا يسمى تشبهًا ولكن الشرع أتى بالقصد إلى المخالفة وهذا أمر أعلى من النهي عن التشبه كما في صوم عاشوراء حيث أمر  النبي  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ  بصومه لكونه ثبت لديه بالوحي أنه يوم فاضل نجا فيه موسى وأنه فيلته تبقى لأن هناك أيام فاضلة تكون فيلتها في عامها فقط، وقد ثبت بالنص أن الفضيلة تتكرر كل عام وكان اليهود في كل عام بالذات يوم المدينة كانوا يصومون هذا اليوم فهذا من الحق الذي هم عليه ومع ذلك شرعت المخالفة حتى في الحق الذي هم عليه وهذا يسمى القصد إلى المخالفة وكون الشرع قصد إلى مخالفتهم حتى فيما معهم من الحق فهذا دلالته من باب أولى عن النهي عن التشبه بهم.

ونحن في كل صورة من صور الموالاة نتكلم عن الصورة وما يضادها، ثم كل صورة وما يتعلق بصرفها للمؤمنين وصرفها للكافرين وكذا الضد في صرفها للمؤمن وصرفها للكافر، فهنا يجب أن تحب المؤمن وتبغض الكافر وليس لا تحب الكافر، وهاتان الصورتان مشروعتان  وواضح بالتبع أنه من المذموم أو من غير المشروع أن تبغض المؤمن أو أن تحب الكافر.

ولذلك فالآية التي ذكرها هنا تتضمن النهي عن حب  الكافرين قال تعالى ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [المجادلة: 22].

هذا مفاد الآية ومثلها الآيات العامة التي تدل على فضيلة آيات الولاء والبراء.

وقال رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ : «إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله».

وقال رسول الله  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ : «المرء مع من أحب» يقول أنس -رضي الله عنه- راوي هذا الحديث: «فنحن نحب النبي  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ  وأبا بكر وعمر».

وهذا الحديث من أشد الأحاديث ترغيبًا وترهيبًا، ولذلك كان من جوامع كلمه  ـ صلى الله عليه وسلم   ـ  لأنه بين القضية من الجهتين ومعظم النصوص في هذه القضية تدل على كل أطراف القضية: «من تشبه بقوم فهو منهم» ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51]  فمن تشبه بالمؤمنين فهو منهم ومن تشبه بالكافرين فهو منهم، فلينظر أين يريد أن يكون مصيره في الآخرة وليحب أهله، فهذا من أشد نصوص الترغيب في محبة المؤمنين والترهيب من محبة الكافرين.

يقول: «وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته... بحسب محبة نفسه وبغضها؛» أي: يحب ما يوافق هواه ويبغض ما لا يوافقه.

«لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله وهذا من نوع الهوى ؛ فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ﴾ [القصص: 50]».

وقال: «إن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه.

 وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر»(1).

تكرر معنا قضية أن الإيمان له أصل وكمال وهذه مسألة في غاية الأهمية إذ يتفرع عليها أمور كثيرة فإذا اجتمع في الرجل إيمان وكفر ينظر إلى أي درجة بلغها إيمانه فلا بد أن يكون معه أصل الإيمان وإلا فإن هناك إيمان لا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة فهذا لا يقال عنه معه إيمان وكفر بل هو كافر كفر أكبر حتى ولو كان معه إيمان لا ينفع لكن من كان معه أصل الإيمان فهو مسلم حتى وإن كان عنده أنواع من البدع والمعاصي والفجور فهذا يقال عنه أنه اجتمع فيه إيمان وكفر لأن معه أصل الإيمان ومعه بعض الكفر الأصغر فهذا يحب لأصل إيمانه ويبغض لما عنده من المعاصي إذن مهما كان الإنسان عاصيًا فإن هناك زاوية يحب منها الإنسان إذا كان مسلمًا لأجل ما معه من أصل الإيمان بينما نقول في الكفار أن بعض الكفار أكثر شرًا من بعض وبعض الكفار أهون شرًا من بعض، فهو مشتركون في الشر وفي البغض ولكن قد نبغض قادتهم ورءوسهم أكثر من بغض الآخرين لكن لا يقال أنهم اجتمع فيهم إيمان وكفر أو محبة وبغض بل يجب أن يبغضوا بينما المسلم العاصي يحب لأجل إسلامه ويبغض لأجل معصيته.

إذن فالقضية هنا تتناول الكلام  عن وجوب حب المؤمنين ووجوب بغض الكافرين على ما هم عليه من الكفر ولأن سبب البغض يعود إلى الفطرة لولا وجود من يشغب حولها.

فالناس من كثرة ما سمعت عن فضيلة عدم التمييز بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين وهذا خبث يجمع لك أمورًا متفق عليها بداهة أن التمييز عليها أمر غير حسن فيقول: اللون التفريق على أساس اللون وهذا فعلًا شيء عجيب أن يتم التفريق بناء على شيء قدري محض أنه مولود أبيض أم أسود أو هذا مولود من الجنس الفلاني وهذا مولود من الجنس الفلاني فهذه الأمور قد استقر في بداهة عدم الاعتراض والتفريق بين الناس على أساسها لكنه يضع معها الدين لأن الذي يولد عندهم على دين لا يفكر ما هو الذي عليه، فعندهم الدين فعلًا جزء من الأمور التي يولد عليها الإنسان فوجد نفسه كذلك وتجد أناسًا كثيرين يتكلمون بهذا المنطق بعينه فيقول: إنسان ولد فوجد نفسه كذلك وأنت ولدت فوجدت نفسك مسلمًا وهو ولد فوجد نفسه كذلك سبحان الله ولو أنصفها لقاسها على أمر أقل من الدين بكثير شخص ولد فوجد نفسه سارقًا هل يشرع له أن يبقى سارقا فلا يقول أحد أن آباءه علموه هذا الأمر وإنما يقولون لك: هو مسئول ما دام له  عقل وفهم.

في كل القوانين الوضعية ليس عندهم اعتبار من الذي علمه فيعتبرون الجريمة مشتركة بينه وبين الذي علمه فيقلل العقوبة لكن في النهاية الفعل عنده ذميم ويستحق العقوبة حتى لو اتضح لهم أنه علم المنكر - مما هو في عرفهم منكر- ومثلًا هل هم استخدموا الشفقة والرحمة مع الإرهابيين الذين ولدوا فوجدوا أنفسهم كذلك أو تعلموا الإرهاب؟!!

أبدًا نقصد أن الشيء إذا كان مذمومًا عند أحد لا يلتفت ويمكن أن يكون له اعتبارات في تخفيف العقوبة أحيانًا لكن يبقى الفعل ذميمًا لا يتغير وصفه من أنه مذموم حتى وإن ولد الإنسان عليه أو وجد نفسه عليه أو أنه تعلمه فهذه كلها الأمور [هو مسئول عنها عند جميع العقلاء] ثم يوضع الدين بعد ذلك بين هذه الأمور القدرية مع أنه آكد الأمور الاختيارية وأهمها.

لذلك نقول دائمًا: بداية المناقشة مع هؤلاء الناس تكون مناقشة من نقطة لن نصل إلى حل فعنده أن الدين علاقة خاصة بين العبد وربه أن الدين  ليس مهم وأنت تبدأ بنقطة أن الدين هو أهم شيء للحياة وهو آكد أعمال الإنسان التي يسأل عليها لذلك فسيظل يقول: لا يجوز أن تقول على غيرك من الناس كفارًا لأجل أنك ولدت فوجدت نفسك مسلمًا لأنه هو الآخر ولد وجد نفسه كذا وكذا ولأن عنده أن الموضوع لا يستحق أكثر من ذلك فكل الإنسان وجد نفسه على دين فيستخدم هذا الدين في الحياة  لأن عندهم أن الحياة الدنيا هي الأعلى. 

فنقول: لا، بل إذا قستها على فعل اختياري في أمر له قيمة عندهم فستجد أنه في الحال يسلم بأن من فعل هذا الفعل الاختياري مسئول عن هذا الفعل حتى وإن كان من صغره قد تربى عليه وأن الواجب حتى لو عذروه في أكثر القانونين تطرفًا في مراعاة ظروف نشأة المجرم تقول: «اذهبوا به إلى مكان يتعلم فيه بدلًا من أن يعقاب».

فالمسئول عن انحراف هذا اللص هو المجتمع الذي وصل به إلى هذا الحد فيقول: «خذه فعلمه» ومعنى ذلك أنه ارتكب خطأ لكنه لا يريد أن يحاسبه عليه، لكن لا يقول: «اتركه هو حر» «هو وجد نفسه كذلك منذ ولد» أو «هو مسرور بذلك الفعل» أو نحو هذا لا يقول أحد بهذا.

لذلك من العجب العجاب أن تجد أناسًا قد يتشبعون بهذه الفكرة ويربون أبنائهم على أنه لا حرج، وأن لكل إنسان الدين الذي يدين به والذي يعتقده وأنه لا يخطئ إنسان اختار دينًا معينًا وهو نفسه الذي يقول له: لو وجدت شخصًا مثلًا ويمكن أن يكون في أمر يسير مثلًا أنه يتأخر عن المدرسة فيقول له: «لا تصاحبه هذا صديق سوء».

فهذا قمة الازدواج في الشخصية حيث ترى علوًا في مبادئ الحياة الدنيا أمام المبادئ الآخرة فيعلم ابنه أن لا مشكلة في مصاحبة الذي اختار أن يسب الله لأنه حر فيما يعتقده والذي يتأخر عن المدرسة يقول له: «هذا صديق سوء وقد يعلمك ما هو عليه وأنه مسئول عن تصرفاته حتى لو كان أبواه هما الذين أهملاه ولم يعلماه أن ينضبط» ليس لنا شأن به فلندعه ما دامت هذه حاله ولسنا مسئولين عن سبب سوئه هذا أمر فطري موجود [في النفوس] لولا الدعوات المصادمة التي حشت عقول الخلق بخلاف هذا الأمر.

وأخبث من هذا أنه يقيس الدين على الأمور القدرية القهرية الاضطرارية ويقول: «ما ذنبه في ذلك؟!!» لا، بل هو إنسان عاقل ومن لطف الشرع بالإنسان أن الطفل الصغير يمكنه أن يميز ويفهم أن هذا الكلام مناقض للفطر والعقول.

ومن رحمة الشرع أنه جعل الإنسان لا يكلف إلا بعد البلوغ الذي يعبر عن درجة اكتمال عقله مما يجعله مسئولًا مسئولية تامة عن تصرفاته.

إذن فالإنسان بلغ عاقلًا ويجد القضية فطرية بدهية وتوجد مسألة وهي أنه قد أخذ الميثاق على العباد وهم في ظهر أبيهم آدم وهناك فطرة ولذلك لا تكاد تجد كافرًا على وجه الأرض مطمئن إلى عقيدته إلا أن يسكت داعي الإيمان في قلبه فإما أن تجده لا يريد أن يفكر وإما أن يكون متشككًا في عقيدته فتراه في قمة الغي والضلال من كثرة ما عصى الله ومن كثرة ما كتم داعي الإيمان في قلبه حتى أشرب حب الكفر وهذه طائفة قليلة جدًا ولا يوجد إنسان يبلغ ومن يوم ما بلغ وهو مستقين بالباطل يوجد ناس مستيقنون بالباطل بتقصير منهم ابتدءًا جاءهم داعي الحق فكتموه إلى أنهم تصورا أنهم على الحق ومع ذلك الواقع المشاهد المجرب يقول أن هؤلاء قليل جدًا قل أن تجد المشركين من عنده يقين في عقيدته أو دينه.  إذن فالمسألة مسألة فطرية أن الإنسان مسئول عن تصرفاته الاختيارية وأهمها وأعلاها: الدين الذي يختاره ودين الإسلام هو الحق وما عاده هو الباطل.

وأما أن يجعل الدين مثل الأمور القهرية الاضطرارية أو يحاول أن يقول أن قدر الاتفاق بين الأديان أكبر بكثير جدًا من قدر الاختلاف فإن هذا من الكفر والزندقة والعياذ بالله.

الإسلام هو الحق وما عاده هو الباطل هذه القضية لابد أن تكون واضحة ليست الأديان متقاربة فيما تدعو إليه والناس يحاولون أن يقولوا أن مجرد الاعتراف بوجود الله هذه مساحة مشتركة كبيرة جدًا بين الأديان، فلماذا أرسل الله الرسل إذن؟!.

ولو كانت هذه القضية هي القضية المطلوب تقريرها [لما كانت هناك حاجة لإرسال الرسل] إذ كانت موجودة عند المشركين.

إذن فالقضية ليست كما يتصورن تأتي تقارن بين الإسلام وبين الديانات التي أصلها من عند الله ولكنها حرفت حتى تجد أنواعًا من نسبة النقص إلى الله تبارك وتعالى والتعب والإعياء والصاحبة والولد ونسبة النقائص إلى الأنبياء وكلامًا في غاية العجب هذه هي الديانات التي أصلها سماوي فما ظنك بالذين يعبدون البقر والذين يعبدون الفئران والذين يعبدون الحشرات إلى غير ذلك كيف يقال أن المساحة المشتركة بين الأديان كبيرة؟!!

هذا مصادم للمعلوم من الدين بالضرورة أن الإسلام حق وما عاده هو الباطل وهذه المساحة التي يتكلمون عنها - وهي الاعتراف بوجود الله- كانت موجودة عند مشركي قريش وما عند أهل الكتاب من الحق كان موجودًا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أضعافه وقد ذكرنا أن اليهود الذين كانوا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعلم بكثير من يهود زماننا وأكثر قربًا إلى الحق مع كفرهم من يهود زماننا.

لذلك غالبًا لما حدث شتات لليهود -كما ذكرنا في دروس التفسير- الشتات الثاني الذي حدث على أيدي الروم وتشرذموا وفرقوا من الأرض المقدسة اتجه من عندهم علم منهم إلى الأرض التي يعلمون أنه ستكون مبعثًا أو مهاجرًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك يهود المدينة وما حولها كانوا ينتظرون بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهؤلاء هم الذين كان عندهم علم من الكتاب وعلم من التوراة وكان تحريفهم للتوراة حتى زمن بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- يغلب عليه أن لا يكون تحريف للكتاب فكان كثير من آيات التوراة كما هي ولكن في التطبيق يحرفونها ويشرعون من عند أنفسهم.

الحاصل أن اليهود الذين عاصرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عليه قرآنًا يحكم عليهم بكفرهم ولعنهم وغضب الله عليهم وأنهم باءوا بغضب على غضب وهؤلاء أمثل بكثير من يهود ونصارى الأزمنة المتأخرة لأنهم كانوا على علم أكثر.

ومعلوم إجمالًا أن عبر التاريخ أن ديانات اليهود أمثل من ديانة النصارى من جهة قربها من التوحيد وإن كانت هاتان الديانتان بعد  التحريف كلاهما ديانتين مشركتين وعلى الأقل الكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم- كفر بجميع الأنبياء ولكن النصارى مطبقون على تأليه عيسى بينما لم يقل بتأليه العزير إلا طائفة خاصة من اليهود. ولذلك كان اليهود - في بعض الفترات التي مارس النصارى فيها أنواعًا من البطش والتنكيل ضدهم- يحاولون أن يستميلوا المسلمين ويقولون: «نحن موحدون مثلكم فأنقذونا من هؤلاء المثلثين!!».

والعجيب أن اليهود يستنجدون بالمسلمين حينما تستعلي عليهم النصارى وكذلك يستنجد النصارى بالمسلمين عندما يستعلي عليهم إخوانهم النصارى من المذاهب الأخرى فإذا ملك هؤلاء وهؤلاء فإنهم يكيدون للمسلمين.

ففي بعض الفترات كان اليهود يستميلون المسلمين بأننا موحدون مثلكم وهؤلاء مثلثون مع أنهم ليسوا بموحدين لأن بعضهم قال العزير ابن الله وعلى الأقل فهم مطبقون على القول بأن الله تعب يوم خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استرح في اليوم السابع!! فليس هذا بتوحيد وليست القضية أن يقول أن الله واحد وإن كان هو فعلًا أمثل من الذي يقول: إن الله ثالث ثلاثة!! هو يقول أنه واحد ويصفه بصفات البشر ولذلك الفرق الجوهري بيننا وبين اليهود في الصفات لأن معظم فرق اليهود موحدون يقولون بإله واحد ولكن يصفونه بصفات البشر!!. إذن فاليهود والنصارى الذين نزل فيهم القرآن بكفرهم وجادلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا أمثل حالًا من اليهود والنصارى الذين جاءوا بعدهم فمن أين يقال توجد مساحة مشتركة بين الأديان تقتضي عدم تكفير هؤلاء؟!! هذا كله من الباطل.

فالقضية واضحة جدًا أن إنسانًا اختار الباطل بإرادته وهذا الباطل واضح البطلان جدًا والأدلة في بطلانه مركوزة في الفطر والنصوص قبل أن تكون موجودة في الكون فهذا الإنسان لا يستحق وصفًا إنسانيًا إلا أن الله تبارك وتعالى من رحمته أجل الحكم إلى يوم القيامة وأنه جعل المؤمنين يحسنون إليهم بأنواع من البر والإحسان ولا يمكن أبدًا أن يكون منها الحب وإنما يحب أن يبغض هؤلاء الذين سبوا الله لأن كل من لم يؤمن بالله يكون سابًا لله -عز وجل- أو سابًا لرسوله -صلى الله عليه وسلم-.

لو افترضنا الصورة النظرية التي دائما ما تكلم الناس عليها ولا وجود لها على ظهر الأرض الآن شخص ليس بمسلم ويقول أن الله واحد لا شريك له ويصفه بصفات الكمال وينزهه عن كل نقص ولا يقل أنه تعب وأنه بكى إلى غير ذلك ولا يقول أنه ولد أو وُلد ولا يقول شيء من هذا كله ولكن ليس بمسلم.

فنقول: إذن هو مكذب بمحمد -صلى الله عليه وسلم- ما دام أنه لم يسلم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه رسول للعالمين وأنه مرسل من عند ربه لو قال أحد: نصدق أنه رسول ولكن ليس لنا فإنه يكون مكذب له لأنه -صلى الله عليه وسلم- إنما أخبر أنه أرسل للعالمين وأرسل للناس كافة وقال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا أدخله الله النار».

إذن فالقضية أنه لا يوجد على ظهر الأرض أحد يمكن أن يكون على غير الإسلام وفي نفس الوقت لا يكون قد سب الله -عز وجل- أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

والتكذيب بمحمد -صلى الله عليه وسلم- في الواقع الأمر سب لله -عز وجل- لمن يتأمل لأن رجلًا يكذب على الله والعياذ بالله [كلمة غير مسموعة] إما أن يصدق الرسول وإما أن يكذبه فإن صدقه لا يسعه إلا أن يدخل في الإسلام وإن كذبه يكون مكذبًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- والتكذيب للرسول فيه نسبة النقص والعجز لله وهو أن يوجد من يكذب عليه ثم هو ينصره ويؤيده بأنواع المعجزات الباهرة المعجزة وأعظمها القرآن ثم عبر قرون متطاولة لا يقدر أحد من خلقه أن يرد على هذا القرآن أو أن يعارضه أو أن يأتي بمثله.

ويمكن أن يوجد كفار كثيرون ويمكن أن توجد مبادئ كفرية كثيرة لكن لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة بمعنى وجود الكفر على ظهر الأرض مع وجود من يرده ويفنده ويبينه هذا فتنة وابتلاء لكن أن يوجد في زعمهم من يكذب على الله ولا يكون معه إلا أنواع من التأييد فهذا إن نسب إلى الله فهذا يكون بمثابة سب لله -عز وجل- وانتقاص منه تبارك وتعالى.

إذن فكل كافر على وجه الأرض فهو يسب الله تخيل أن إنسان يسبك أو يسب آبائك هل يمكن أن تجد في قلبك نوعًا من المحبة له ؟! لا يمكن أبداً أن يرضى أو يحب من يسبه ولكن يحب من يسب الله لأنه لا يريد أحد أن يفكر.

فالقضية أنه متلقي دعوة يريدها أن تكون مغلقة لا يريد أن يفكر في تفنيد كل شبهتاها فهو أولًا يريد أن يصور الدين بصورة قهرية اضطرارية وهو ليس كذلك إنما هو اختياري ولو هو اختياري يقول أن الاختيارات متقاربة مع أن الناس يتعاركون على الكرة نع أن الأمر متقارب جدًا تجد أنه لو قال أن هذا هو الفريق الأحسن فلا يمكن أن يقبله أو أن يقر للآخر حتى بحق الوجود مع أن المسألة يسيرة جدًا.

فهذه مسألة فطرية في الإنسان أنه لو اختار أمرًا فإنه يصعب عليه أن يقر بالاختيارات الأخرى مع أن الكثير من المواقف تكون المسألة ممكنة فيقول: اختيارية لكن الاختيارات قريبة انظر إلى مدى القرب والبعد أنت آمنت بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يقل أن هذه الأشياء قريبة وإنما قال أنها بعيدة وهؤلاء بعينهم الذين نزل عليهم الشرع وهم الذين كفرهم الشرع وهم الذين لعنهم الشرع وإلى غير ذلك فكيف يقال أن الأمور قريبة؟!

فالناس يريدون أن يحافظوا على الموضوع أن يكون مغلقًا وأنهم لا يفكرون فيه، تقربه إلى أقرب مسألة في الأمور المستهجنة فالذي ولد فوجد نفسه سارقًا هل تتركونه؟!!.

أمثلهم طريقة يقولون: لا يعاقب لكن يؤخذ فيعلم فلماذا تطالب بالسكوت عن دعوة الكفار إلى الإسلام وأن نخدعهم ونقول لهم أنكم على الحق ؟ مع أن أكثر الناس تعاطفًا مع المجرم يقول: لا داعي لمعاقبته ولكن علمه ألا تفعلون هذا في أمر الدين؟!!.

تريد الناس أن يحبوا من يسب ألههم فهل يمكن لأحد يطلب من أحد الناس أن يحب من يسبه أو من يسب أباه وأمه؟!! فكيف يطلب بأن يحب من يسب ألهه؟!! ولذا فليست القضية هنا أن يحب المؤمنين وليس شأن بالكافرين بعد ذلك بل يجب أن يحب المؤمنين ويبغض الكافرين لأنه يعلم أنهم يسبون ألهه ويسبون نبيه -صلى الله عليه وسلم-. العجيب في زماننا تجد أن الناس يكرهون عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أولى من له منة على أهل هذه البلاد حيث دخل الإسلام على يديه فلماذا يكرهونه؟ يقولون أنه كان ضد علي -رضي الله عنه- هل حب علي -رضي الله عنه- بهذه الدرجة  التي تجعلك تبغض رجلًا مسلمًا موحدًا صحابيًا دخل الإسلام مصر على يديه؟!!.

فنأخذ هذه الجزئية ونقول له: وماذا عن الذي يسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه؟!! ما هي فضائل علي -رضي الله عنه-؟ أنه ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه من أول من آمن وأنه من أول من جاهد كل هذه الفضائل مرجعها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنت كرهت الذي عادى عليًا -رضي الله عنه- وهذا ظلم لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- لأنه لم يعادي عليًا -رضي الله عنه- فنقول: لو أنت تغاضيت عن هذا فأنت كرهت إنسانًا مسلمًا موحدًا محبًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- والرسول -صلى الله عليه وسلم- محب له وله عليك نعمة هي من أجل ما يكون لبشر على بشر أنه سبب في أنك مسلم وكل هذا لأنك تتوهم أنه أبغض رجلًا أقرب منه إلى الحق فلذلك كرهته.

أما المشرك الذي يسب الله -عز وجل- ويسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيقول: لا لم يسبه - نعم يوجد سب فاحش بذيء- هذا له حكمه لكن التكذيب الضمني به أو الصريح هذا نوع غليظ من المسبة وإن كان الشرع أقرهم على دينهم ما لم يظهروا هذا السب، لكن عقيدتهم ما هي إلا عبارة عن سب للرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد أنت تتولاه وتحبه وتقول: لا شأن لي بعقيدته، فإذا رأيت هذه التناقضات فاعلم أن وراء الشياطين.

فيكون الإنسان على الأقل على قاعدة واحدة لأن الشيطان يريد منه أن يحب الكافر مخالفة لأمر الشرع ويريده أن يبغض الصحابة تذرعًا بخلافات نشأت بينهم قد سامح فيها بعضهم البعض ولهم من الحسنات الماحيات ما تمحو خطأ الاجتهاد لمن أخطئ فيهم وناهيك أن يكون له فضل عليك مباشر حتى لو أنه أخطأ في حق آخر فالفضل اليد التي له عليك يد عظيمة جدًا وتجد أن الناس يقعون في هذا الخطأ المتناقض العجيب، أنت لو كرهت أحد الصحابة لأنه أخطئ في حق صحابي آخر وهما الاثنين صحابيين فكيف بعد ذلك أن تسوغ لنفسك أن تحب من سب الله -عز وجل- وسب رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟!!.

فالقضية كما ذكرنا قضية فطرية ولكن عدم التأمل والتدبر في قضية مغلفة بدعوى أنه ولد فوجد نفسه كذلك وأن الأمور قريبة وكل هذه شبهات واهية عند التأمل فالإنسان مسئول عن تصوراته متى بلغ عاقلًا فهو مسئول عن أفعاله الاختيارية. نعم لا ننكر أن من رحمة الله -عز وجل- وفضله على بعض الناس أن يولد في الإسلام وبينما غيره يولد على الشرك ولكن أفاضل هذه الأمة ولدوا في الشرك ولما كتب الله لهم الإيمان دخلوا في الإيمان.

فالقضية ليست عذرًا لأحد يمكن أن يكون شخص كان عنده أسباب أكثر من الآخر ولكن البالغ العاقل هذا أهل لأن يحاسب ولا يقل: غيري أذكى فالإنسان يحاسب بمجرد أن يكون بالغًا عاقلًا يحاسب أما أن غيره أذكى منه ففهم المسألة بسرعة لكن أصل مناط التكليف وجد أيضًا إنسان عمر كثيرًا شخص مات بعد بلوغه بلحظات فالاثنين يحاسبون فالذي عمر كثيرًا أخذ فرصة أطول ولكن أصل التكليف نشأ وصار هذا الفرق وإن كان لم يكن عنده نفس الأسباب التي عند غيره إلا أنه صار مخاطبًا ومكلفًا وأهلًا على أن يحاسب على تصرفاته.

يقول: «ولا شك أن من أحب الكافرين على كفرهم أو حتى رضي بكفرهم وإن لم يحبه فهو كافر مثلهم».

لذا ينبغي أن نبين بالنسبة للمخالفة واجب محبة المؤمنين وبغض للكافرين ولو أحد خالف فأحب الكافرين قلنا أنه ليس من المناسب أن نترك صور المخالفة إذا كانت على درجات متفاوتة في الحب فمن غير مناسب أن نتركها هكذا خاصة إذا كنا في مجال الأحكام وذكرنا في قصة حاطب -رضي الله عنه- وستأتي الإشارة إليها مرة ثانية أنها دليل قاطع على أن من صور الموالاة ما لا يكون شركًا لأن حاطب -رضي الله عنه- كان قد أرسل للمشركين يخبرهم بخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونزل فيه قرآن يبين أن هذا الفعل موالاة وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو إمساكه عن قتله يدل على أن هذا ليس بكفر.

إذن فمعنا دليل قاطع على أن هذا من الموالاة وليس بكفر هذا بالنسبة لهذا الفعل وهذا في حد ذاته ينفي القاعدة التي يحاول البعض تقريرها وهي أن كل صور الموالاة كفر هذا المثال ينفي هذه القاعدة ويفيد أن هناك تفصيل ويبقى أن هذا التفصيل يعلم بالسبر والتقسيم أو يعلم برد الأمور إلى أصولها وعندنا أصل جامع في مسألة الإيمان هو: أن المخالفة لشعب الإيمان إن كانت راجعة  إلى أصل الدين وإلى أصل الإيمان فهي كفر أكبر وإن كانت راجعة إلى كماله الواجب فهي كفر أصغر.

فإما نردها إلى هذه القاعدة وإما نرجع إلى استقراء النصوص  لبيان الصور التي عدت كفرًا وما هي الصور التي لم تعد؟ مع أثبات أصل مسألة.

وقصة حاطب -رضي الله عنه- تأصل لقضية أن بعض صور الموالاة للكافرين ليست كفرًا هذا كافٍ لنقض القاعدة الأخرى التي تقول أن كل صور الموالاة للكافرين كفر وقصة حاطب -رضي الله عنه- دليل قاطع على نفيها وما دام نفيناها إذن فليس أمامنا إلا أن نقول أن هناك تفصيل لأنه ثبت أن بعض صور الموالاة كفر إذن هناك صورة كفرية وصورة ليست كفرية إذن هذا المبدأ يقول أن هناك تفصيل نعرفه عن طريق رد الفروع إلى أصولها فالأصل المتقرر عندنا في الإيمان أن الإيمان بضعُ وسبعون شعبة وأن له أصل وله كمال وأن الإيمان ضد الكفر وكما أن الإيمان شعب فالكفر شعب وشعب الكفر التي تقابل أصل الإيمان هي كفر أكبر وأما الشعب التي تقابل كماله فهي كفر أصغر وتطبيقًا لهذه القاعدة التي هنا لمعرفة ما ينفي منها أصل الإيمان في القلب ناهيك عن المقدم على ذلك فلو ورد نص خاص بإحدى الصور أن هذه من الأكبر أو أنها من الأصغر فمثلًا ومثال ذلك وردت من أسئلة في المرة السابقة في الفرق بين الجاسوس وفيمن يخرج في جيش الكفار محاربًا من وليه من المسلمين؟

[وكانت الإجابة أن] هذه ثبت أنه ليس بكافر كفرًا أكبر وهذه ثبت أنه كافر كفرًا أكبر فما دام قد ثبت الدليل فلابد من المصير إليه ولكن العلماء ما دام أن لها فروع وحواشي فنحن في الأول سنقطع بأن صورة الجاسوس ليست كفرًا أكبر وصورة الخروج في جيش الكفار محاربًا من وليه من المسلمين من الكفر الأكبر ولكن يفضل أن نفهم النكتة التي في الموضوع لأننا قد نحتاج إلى قياس أو نحو هذا هنا يوجد فرق بين الجاسوس وبين من يخرج في جيش الكفار محاربًا من وليه من المسلمين.

الصورة أن الجاسوس لا يلزم من إطلاع الكفار على بعض أمور المسلمين أن ينتج من هذا الفعل غلبة للكفار على المسلمين بخلاف الذي يقاتل في المعركة يريد أن ينتصر جيش الكفار يريد أن يعلو الكفر على الإسلام وهذا يختلف عن قتل مسلم وهذا هو السؤال الوارد في المرة السابقة ولم يتسع الوقت للإجابة إليه ونصه: ما هو الفرق بين قتل مسلم وقتل المسلمين؟ [والصحيح أن يقال:] قتل المسلم وقتل المسلمين مثله أيضًا؟ فهذه كبيرة من الكبائر ولكن تختلف عن حالة أن يكون جيش أمام جيش ومحصلة المعركة قد تكون غلبة للكفر بكامل نظامه تفرق بكامل نظامه على الإسلام وبالتالي هناك فرق لمن يتأمل.

[ولا بد هنا من التنبه إلى أن] صور الكفر الأصغر ليس معناها أنها دائما تكون كفرًا أصغر بل معناها أنها بمجردها لا تفيد الكفر الأكبر فلو وجدنا من يفعل هذا الفعل لا نستطيع أن نجزم [بكفره كفرًا أكبر] ولكن نعامله بما ظهر منه.

وهناك شخص لا يظهر منه الكفر الأصغر ويكون منافقًا في باطنه الله أعلم به لكن هنا كثير ممن يتلبس ببعض صور الكفر الأصغر ويكون في الباطن معه كفر أكبر لم نره فنحكم على الظاهر فقط.

ولذا قلنا أن الإمام مخير في الجاسوس لأن الفعل في حد ذاته ليس بردة لكن لو ارتاب فيه الإمام فقد أعطاه الشرع قتله لأن معظم صور الجاسوسية يكون معها أنواع من القلق والاضطراب والذبذبة في العقيدة مما لا يؤمن [معه] بقاء هذا الشخص لكن هناك صورة غير ذكر الصورة التي نزل فيها النص فحاطب -رضي الله عنه- شهد بدرًا ولكن الشرع إذن للإمام أن يقتل الجاسوس لأنه بالفعل يُرتاب منه لكن كإجراء لأحكام الإيمان والكفر فنحن نجري بما ظهر ففعل التجسس في حد ذاته كفر أصغر وإن كان لا يلزم منه أنه لم يكن كفر أكبر الله أعلم بما في القلوب ولكن نعامله بما ظهر منه.

ولكن لخطورة هذه المسألة وحساسيتها فقد أعطى الشرع للإمام الحق في قتله نحن لا نكفره إلا بما ظهر منه والإمام يقتله لأن الشرع أعطى له حق في القتل ولكن باطنه إلى الله ما دام أنه لم يظهر منه أمر يفيد إلا الكفر الأصغر وأذن الشرع بقتله فهذا فيه إشارة إلى أنه يرتاب منه ريبة شديدة إذن فالقضية ورود صور مثل صورة حاطب -رضي الله عنه- فيها أنه ليس بكافر وورود صورة مثل من خرج في جيش الكفار محاربًا من ولي من جيش المسلمين يفيد أن هذه الصورة كفر أكبر معنى ذلك أن هذه المسألة فيها تفصيل أما المسائل المنصوص عليها أنها أكبر تكون أكبر والمنصوص عليها أنها أصغر تكون أصغر ثم ترد باقي المسائل على الأشباه والنظائر من الأصول العامة التي أجمعها الأصل أن الإيمان له أصل وكمال وأن للإيمان شعب أيضًا الكفر له شعب والذي ينافي أصل الإيمان هذا هو الكفر الأكبر الذي ينافي كمال الإيمان هو الكفر الأصغر فهذا هو الذي يجرى في تفاصيل صور هذه القضية أن الذي ورد به النص يعمل به وبعد ما نعمل بالنص نحاول أن نعلله ليس من باب أن معلق الحكم على هذا التعليل لأن الحكم ثابت ولكن التعليل نوع من الفقه لأن المسألة فيها فروع مسكوت عنها فنريد أن نلحق النظير بنظيره وهذه عادة العلماء في ذلك - وقد نبهنا في دروس الفقه على ذلك- أن هناك أكثر من فرق بين الذي يقول: أقنعني ويعلق التطبيق على القناعة العقلية لا على أساس الدليل قال الله وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتجد من يقول: «أقنعني» بمعنى أن تقول له الحكمة وتفهمه إياها والفرق الذي يقول ذلك معلقًا التطبيق على هذا وبين الذي يقول هذا معلمًا الحكم ما دام ثبت يطبق ولكن من باب الفقه في دين الله ولأن الشرع أتى بإلحاق النظير بنظيره ونحو هذا.

ومن الفقه في دين الله أن نعرف العلل والأحكام والحكم وغير ذلك ما أمكن ذلك.

فلذلك يقول: «ولا شك بعد أن بين خطورة محبة الكافرين يبين أن منها كفر أكبر ولا شك أن من أحب الكافرين على كفرهم أو حتى رضي بكفرهم وإن لم يحبه فهو كافر مثلهم فإن الرضا بالكفر كفر لأنه رد لكتاب الله -عز وجل- قال : ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] وقال : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾  [آل عمران: 19].

وقد تبرأ حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- كما تقدم من أن يكون فعل ما فعل رضًا بالكفر بعد الإسلام وهذا من المعلوم قطعًا من دين الإسلام بل المؤمن حقًا هو من كان ألقاه في النار أحب إليه من الكفر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار».

فتبين كما ذكرنا لمن يكون حب المؤمن ولمن يكون بغض المؤمن فالمؤمن كامل الإيمان يحب من كل وجه والكافر يبغض من كل وجه والفاسق العاصي الذي عنده أصل الإيمان يحب لإيمانه ويبغض لفسقه ومعصيته».

سبقت الإشارة في العبادات القلبية أن الحب المقصود هنا ليس الحب الطبيعي وإلا فيمكن الإنسان أن يحب ويكره- كحب وكره طبعي- أمور ويختلف الحب الطبعي ويمكن يجتمع الحب الشرعي مع الكره الطبيعي والعكس كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: في ما يرفع الله به الدرجات ويحط به الخطايا قال: «وإسباغ الوضوء على المكاره». هنا اجتمع حب شرعي للوضوء مع كره طبعي لبرودة الماء ولا ينفك هذا عن الآخر فهو كاره للبرودة لكنه محب لطاعة الله تبارك وتعالى.

إذن يمكن أن يجتمع الحب الشرعي مع الكره الطبعي والعكس والمطلوب شرعًا في هذه الحالة من الإنسان إذا أحب امرأة كتابية وتزوجها مطلوب منه أن يكرهها كرهًا شرعًيا ويحبها وإن كان هو لن يتزوجها ابتدءًا إلا لأنه يحبها حبًا طبيعيًا فهو يحب منها ما يحب الرجل من المرأة هذا في حد ذاته ليس قادحًا في الإيمان ولكن ينبغي أن يكون مع هذا بغض شرعي لها.

وهذه الصورة قد تكون متصورة أحيانًا في إنسان يحب معصية معينة ويكره من يدعوه إليها شرعًا يكون عنده بقية إيمان وعنده كره شرعي للمعصية ولكن نفسه تغلبه عليها.

لذلك تجد أن معظم الشباب الذي فيه خير تجده يكره المتبرجات ويرى أنهن يساعدن على المعصية بينما هو ما زال الحب الطبعي هو الذي يطغى عليه إذن يمكن أن يجتمع حب شرعي مع بغض طبعي ويمكن العكس.

إذن فالحب والكره المقصود هنا هو الحب والبغض الشرعي والأولى بالإنسان أن يحاول أن يجمعهما معًا فيمرن نفسه أن حب الأمر الشرعي والأمر غير الشرعي فيحاول أن لا يحبها بالذات إذا كانت معصية حتى ولو كان لها طريق مباح مثل الزواج من الكتابية فلا شك أنه مكروه فإذا أحب كتابية أحب منها ما يحب الرجل من امرأته والمستحب له أن يدفع ذلك الحب فإن اندفع فهو أولى وإلا جاز له أن يتزوجها وفي حال زوجها منها يجتمع الحب الطبعي وهو أن يحب منها ما يحب الرجل من المرأة مع البغض الشرعي هذا هو المقصود هنا هذا بالنسبة لاجتماع الحب والبغض الشرعيين فهذان هما المطالب بهما أن يبغضها على دينها لأنها تكفر بالله -عز وجل- وبرسوله -صلى الله عليه وسلم- وإن كان الشرع قد أذن في الزواج منها فالمسألة ليست موكلة إلى أحد فليس لأحد أن يمنع [من ذلك] ولكن إذا كان نكاح المسلمة العاصية مكروه فما بالنا بنكاح المشركة؟!!.

فهو أشد كراهة ولذلك نقول: إذا وقع في قلبه حبها فالأولى أن يطرد ذلك الحب وإن لم يجد بد من قضاء شهوته منها فيمكن أن يقضيه بطريق المباح والشرع يأذن له في هذا ولعل هذه المبالغة في إخضاع الإنسان مشاعره للأمور الشرعية ومن ذلك ما ورد في أن أنس لما وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- يتتبع الدباء في الطعام الدباء وهو القرع سواء العسلي أو غيره ولعل أصدق على القرع العسلي فيقول أنس-رضي الله عنه-: «فما زلت أحبه منذ رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحبه».

وليس من المستحبات شرعًا أن يحب الإنسان أكلًا معينًا حتى ولو كان يحبها -صلى الله عليه وسلم- ولكن من علامات المحبة أن يجد نفسه تلقائيًا أحبه فأنس-رضي الله عنه-  علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبه فوجد أن جوارحه انصاعت إلى هذا فيجب على الإنسان متى علم بعادة طبعية للنبي -صلى الله عليه وسلم- فوقع في نفسه حبها أحب هذه العادة الطبعية فهذا من علامات صدق الإيمان وهذا - والله أعلم- مقصود من قال من العلماء أن سنن العادة قد تدخل في المستحبات الشرعية وقد نهى عمر -رضي الله عنه- عن عدم تتبع عادات النبي -صلى الله عليه وسلم- التي يعلم أنه فعلها عادة وليست عبادة ولكن الظاهر أنه لو كان من كمال الحب أنه لو رأى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب طعاماً معينًا مثلًا فيجد نفس تلقائيًا يحبه فهذه درجة عالية من درجات تطويع الحواس للحب الشرعي ويصبح الحب الطبعي تابعًا للحب الشرعي وليس العكس.

فإذا احتل الحب الطبعي عند الإنسان مكانة كبيرة فإنه يتعب كثيرًا وهذا غير محرم ولكن قد يجد نفسه يحب أشياء كثيرة خلاف الحب الشرعي الواجب عليه أن يجاهد نفسه فيها لأنه سيجد نفسه يحب بعض المعاصي أو بعض المنكرات أو بعض المحرمات كل هذا وكونه سيجد في نفسه حبًا لها فإن هذا لا يقدح في إيمانه طالما أنه أبغض هذه المعاصي شرعًا وتركها وحتى لو فعلها فلازم عليه أن يحافظ على بغض المعاصي في قلبه حتى يعني يحافظ على إيمانه.

يقول: «وبما تقدم يتبين لك بطلان الدعاوى المعاصرة التي تنادي بالمحبة لأهل الأديان والمساواة بينهما وتعانق الهلال والصليب وعبارة الدين لله والوطن للجميع».

أيضًا من الحاجات العجيبة أن تجد أن الأعداء يدعون إلى دعوتين متناقضتين: - والدعوة إليهما تخرج من أضواء واحدة- الدعوة إلى الإنسانية والعالمية وذوبان الفوارق حتى يضيع بها الولاء للدين وفي نفس الوقت يدعون إلى القوميات والوطنيات حتى يصبح المسلمون ممزقون بلا رابطة تجمعهم يقول: لك هذا مصري وهذا شامي وهذا يماني وحتى تجد داخل البلد الواحد أنواعًا مختلفة من النعرات لدرجة تصل إلى صورة مبتذلة جدًا من النعرات.

لكن كيف تسير هذه الدعوة في طريق يلغي كل الحزبيات بينما الأخرى تسير في طريق آخر يقوم على التحزب على حزبيات صغيرة وكأن المقصود هو تذويب الرابطة الإيمانية فهم يريدون أن تذوب في العالم كله أو  أن يتقوقعوا داخل قوم معنيين أو فئة معينة وهذا لا إشكال فيه عندهم.

ولكن المحرم عندهم هو الولاء للدين الذي هو الرابطة الوحيدة التي اعتبرها الشارع والذي فطر الناس عليها ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ [القلم:35] هذه هي القاعدة الشرعية عندهم تذهب هكذا أو هكذا فيوسعونها حتى تكون إنسانية أو عالمية أو يضيقونها على القوم أو العشيرة لكن لا تجعلها على الإسلام.

يقول: «وقد يسمي بعضهم اتباعًا للملل المختلفة - بالنسبة إلى الرسل- المؤمنين من أهل الأديان السماوية وسعى بعضهم إلى بناء مجمع الأديان وكل هذه الدعاوى إنما نبعت من الكفر والزندقة والنفاق أردوا هدم هذا العقيدة لدى المؤمنين نسأل الله أن يكف عن المسلمين شر هذه الدعاوى وشر أصحابها».

 ________________________________________

(1)  وبعده: «فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة فيجتمع له من هذا وهذا كاللص الفقير تقطع يده لسرقته ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة» ا.هـ

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1567 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1708 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2035 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2038 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -8
1670 ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -7
1431 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥