الثلاثاء، ٢٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٧ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

فتح المعابر وغلقها بين المصالح والمفاسد

فتح المعابر وغلقها بين المصالح والمفاسد
الثلاثاء ٢٢ يونيو ٢٠١٠ - ١٨:٣٨ م
86

فتح المعابر وغلقها بين المصالح والمفاسد

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن قرار فتح المعابر المصرية أمام إخواننا المحاصرين في غزة خفف الألم الذي في قلوب المؤمنين بما أدى من تخفيف وطأة حصارهم، وتفريج شيئًا من الكربات المتتالية عليهم، ولكن الذي نتمناه أن ترتقي مثل هذه القضايا فتصير من المُسَلَّمَات التي لا تقبل النقاش أو الجدال، ولا يجوز بحال أن تُستخدم كوسيلة عقاب أو ردع لفرد أو لجماعة؛ لأن هذا المعبر هو النافذة الوحيدة التي يطلون منها على "عالم الحياة" ولا نقول: على "عالم الرفاهية والرخاء"، بل على الاحتياجات الأساسية لأي إنسان من: الغذاء، والدواء، والكساء.

إن هذا القرار بقدر ما أفرح نفوسنا إلا أنه أشعرنا بمرارة التقصير والإثم تجاه هؤلاء المساكين؛ فكم من أطفال سقطوا أمام أعين آبائهم؛ بسبب نقص في الدواء أو الغذاء! وكم من عجائز اخترمهن الموت؛ بسبب البرد ونقص الكساء!

بالإضافة إلى أننا في غاية الخجل مِن أنفسنا إذ جاء تحركنا متأخرًا جدًا عن موقعنا كجيران، بل قد تقهقر حتى جاء بعد تحرك جمعيات إنسانية غير عربية، بل ربما بعضها غير إسلامي، مع أن نخوة العربي الأصيل لا تسمح له أن يكون في مثل هذه المرتبة الدون!

إن أهل مصر يُلقى عليهم جانب عظيم من التحرك في هذه القضية بالذات، وإن قرار فتح المعابر هو قرار لا مفر منه سياسيًا فضلاً عن أن يكون إنسانيًا أو دينيًا؛ لأن أهل السياسة في مصر هم أول من يعون خطورة الأطماع الإسرائيلية في الأراضي المصرية؛ فقد جاء في جريدة "الشرق الأوسط" خبر قرار البرلمان المصري فتح ملف الأطماع الإسرائيلية في الأراضي المصرية للمرة الأولى في ضوء ما كُشف لنواب البرلمان من وجود تطلعات وأطماع إسرائيلية في الأراضي الزراعية في سيناء يتزامن مع ضغوط لتكثيف عمليات التطبيع الزراعي مع مصر.

بالإضافة إلى رفع رئيس مجلس الشورى المصري "صفوت الشريف" تقريرًا برلمانيًا للرئيس المصري يكشف عن خطورة ترك السلطات المصرية سيناء فارغة من التكتلات السكانية، في وقت تزايدت فيه أطماع الإسرائيليين بالعودة إلى احتلال شبه الجزيرة، أو طرد سكان غزة من أراضيهم إلى داخل الحدود المصرية، ورصد التقرير مواجهة سيناء لمخاطر مستمرة تتمثل في أطماع إسرائيلية في العودة إليها أو توطين الفلسطينيين بها بعد طردهم من الأراضي المحتلة.

وفي شهادة على لسان "مصطفى الفقي" رئيس لجنة الشئون الخارجية بيَّن أن الأطماع الإسرائيلية في امتلاك سيناء أو نقل الفلسطينيين لها ما زالت مستمرة، وأخبر الفقي قناة "الجزيرة" الفضائية: "إسرائيل تستهدف مصر أكثر من استهدافها لفلسطين، وإسرائيل عدو واضح أمس واليوم وغدًا، وإسرائيل هدفها لا زال هو العودة إلى سيناء، واحتلال الجزء الشمالي منها".

وأضاف الفقي: "الذي يستهدفنا هو الغرب، وفي مقدمته: الولايات المتحدة بتخطيط "إسرائيلي"، و"إسرائيل" هي المخطط الأول للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ولها مخططات في سيناء، ولا نتصور أن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية هي خاتمة المطاف".

فإذا كان هذا هو كلام أهل السياسة، وتلك هي تصريحاتهم؛ فماذا بقي إذن لأجل أن نتحرك تحركًا إيجابيًا هو في نهاية المطاف يصب في المصلحة العامة لا لشيء آخر، بالإضافة إلى ما يلي:

1- إن إصرار مصر على إغلاق المعابر أمام الفلسطينيين يوقعها في ورطة كبيرة على الساحة العربية والإسلامية، ويعرضها للإحراج الداخلي أمام شعوبها، والتي تمتلك تعاطفًا كبيرًا مع القضية الفلسطينية ككل، بالإضافة إلى إمكانية تنامي هذا التعاطف إلى وسائل أخرى قد تكون غير محمودة العواقب؛ لذا فإن في فتح المعابر حفظـًا لماء وجه مصر السياسي الذي اتهم أكثر من مرة بالخيانة والعمالة مع العدو، وفيه إخماد لجذوة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لهذه الأوضاع.

2- إن الاستمرار في إغلاق المعبر يقدح في الادعاء المصري أنها هي: "الراعي الرسمي والتاريخي" للقضية الفلسطينية، ويحزنها كثيرًا أن تولي بعض الفصائل الفلسطينية شطرها نحو وسيط أو راعي بديل عن مصر، لذا فمن ناحية لابد أن نكون على قدر المسئولية، وأن يكون دورنا دورًا حقيقيًا لا إعلاميًا ولا كلاميًا، ومن ناحية أخرى لابد من دفع ضريبة طبيعية نتيجة التصدر في حل مثل هذه الأزمات.

3- إن إسرائيل تتعمد سياسة إحراج مصر دوليًا وداخليًا، وذلك بإظهارها بمظهر المتواطئ، بل المنسق معها في كل ما تفعله من انتهاكات؛ فقد حدث أيام "السادات" أن اجتمع مع "مناحم بيجين" في شرم الشيخ، ثم بعدها بأسبوع واحد تم مهاجمة المفاعل الذري العراقي، ووقتها ارتاب الرأي العام العربي بأن اللقاء كان يرمي إلى أن ينسق مع القاهرة الهجوم، وأن "السادات" بارك ذلك.

وفي حرب غزة الماضية كان الهجوم بعد أيام من اجتماع وزير الخارجية المصري بنظيرته الإسرائيلية، لذا فمن المطلوب أن تفوِّت مصر الفرصة على إسرائيل بأن تثبت عكس ما تمكر لها به.

4- إن الانفصال الكامل لإسرائيل عن قطاع غزة يُضعِف من إمكانية تأثيرها على ما سيجري في قطاع غزة، وسيحوّل القطاع إلى قاعدة صلبة أمام الغطرسة الإسرائيلية، هذا الوضع يعرقل تقدم إسرائيل، ويمثل حائطَ سدٍّ مجانيًّا أمامها حتى لا تفكر في توجيه ضرباتها إلى الأراضي المصرية.

5- فتح المعابر يشكّل جزءًا من الرد المصري على الاستفزازات الإسرائيلية المتتابعة، وبالتالي فإفشال أهداف إسرائيل من عدوانها ومجازرها وإثبات سقوط حصارها رغمًا عنها هو في حد ذاته انتصار لمصر يثبت مجددًا مدى غباء السياسية الإسرائيلية.

6- فتح المعبر أعاد الاعتبار للبعد والعمق العربي والإسلامي في القضية الفلسطينية، عوضًا عن الارتماء الكلي في أحضان أمريكا، والتي أثبتت مواقفها عبر تاريخها أن مسألة نصرة إسرائيل والانحياز لها هو خيار إستراتيجي لها لا يمكن لها أن تتخلى عنه مهما اختلفت المواقف.

7- الادعاء بأن في فتح المعبر خطورة حيث تسعى إسرائيل لإلحاق غزة بمصر عن طريق عدم تحمّلها لأية مسئولية عن القطاع، وإجبار مصر على تزويده بالطاقة والمواد الغذائية والأدوية، وصولاً إلى مرحلة تضطر فيها مصر إلى ضمّه، أو إعادة الوصاية عليه؛ فهذا أمر بعيد تمامًا عن الواقع؛ فأهل غزة لا يريدون مغادرتها ولا الانتقال عنها، ومن رأى صمودهم البطولي أمام آلة الحرب الإسرائيلية يعرف ذلك تمامًا؛ لذا فهو حل مرفوض فلسطينيًا، وهو أيضًا حل مرفوض مصريًا؛ لأن سيادة مصر لا يمكن أن تستباح من مواطنين عزل جاءوا يبحثون عن الطعام والشراب، أو من مرضى وجرحى لا همَّ لهم إلا في الدواء والعلاج، وتبقى اليقظة والانتباه هما الحائل أمام وقوع أي شر أو فساد.

8- إن أهل مصر وهم يتعرضون الآن لمحاولات تجفيف نيلهم، وقطع شريان الحياة عنهم بأيادي صهيونية وأمريكية ماكرة؛ لابد لهم أن يستشعروا خطورة الموقف في أن الأمة كلها مستهدفة، وأن عدوها مشترك، وأن ما يتعرض له أهل غزة اليوم غير مستبعد أن يتعرض له أهل النيل غدًا، والشواهد على ذلك ظاهرة أمام كل ذي عين؛ فماذا ترى سيكون شعورنا وقتها؟! (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة