الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

دوله مدنية بمرجعية عسكرية

دوله مدنية بمرجعية عسكرية
أحمد الشحات
الأربعاء ٠٩ ديسمبر ٢٠١٥ - ١٣:١٩ م
951

دوله مدنية بمرجعية عسكرية

كتبه/ أحمد الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-

كثيرا ما يدور النقاش بعد الثورات حول بعض القضايا الكلية التي يكثر الحديث عنها في أوساط الساسة والمفكرين ويرون في إصلاحها نقاط تحول رئيسية في مسيرة الوطن ولكن ليس بالضرورة أن كل ما يطرح من هذه القضايا يكون نافعا للناس في دينهم أودنياهم لأن هذا الأمر يتوقف علي قناعات النخبة التي يتم التغيير علي يديها بالإضافة إلي مدي وعي الجماهير وقدرتها علي حمل النخبة علي الإستجابة لمطالبهم وتحقيقها.

ومن أهم القضايا التي تناقشها الدول في مرحلة ما بعد الثورات عموما هي مسأله العلاقة بين المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة ، ويثور السؤال المعروف هل من اللائق وفقا للنظام " الغربي الحديث في الحكم " أن يظل الجيش هو الحاكم بأمره في الدولة سواء كان ذلك بصورة صريحة وعلنية أم بشكل مستتر وخفي؟

ولأن معظم من يتكلمون في نظم الحكم والسياسة الأن يميلون لترجيح مذهب المدرسة الغربية والتي تري أن الجيش لابد أن يكون أحد المؤسسات التي تخضع لنظام الحكم الداخلي وبالتالي لا يكون لها مميزات خاصة ولا وضع متفرد عن غيرها من الحقائب الوزارية الأخري بالدرجة التي أوصلت أمريكا إلي إختيار وزير دفاعها من  المدنيين.

وبناءا علي ذلك فإن أنصار الثورة وصانعوها يتوجهون إلي تغيير الدستور أو تعديله حتي يستطيعون من خلاله أن يؤسسوا لحياة سياسية جديدة وفق تصورات ورؤي مختلفة عن المراحل السابقه وتبقي الأزمة أيضا كما هي لأن هذه التعديلات إذا كانت ستضر بالمؤسسة العسكرية بدرجة كبيرة أو تسلبها إمتيازاتها دفعة واحده فستحاول عرقلة هذه المسيرة أو التأمر عليها لإسقاطها حتي ولو بعد حين ، لذلك تحتاج هذه المرحلة إلي قدر كبير من التعقل والتوازن وتقديم مصلحة الوطن من كل الأطراف علي المنافع الخاصة.

ونحتاج إلي توصيف موضع النزاع جيدا وهو متي يمكن أن نسمي حكم البلاد أنه حكما عسكريا أو أن الدولة يحكمها العسكر؟

والجواب أن ذلك يتم في إحدي الصور التالية:

·       إما أن يكون رئيس الدولة قائد عسكري محتفظ بزيه العسكري ورتبته العسكرية.

·       إما أن يكون رئيس الدولة قائد عسكري ولكنه إرتدي البدلة المدنية قبيل ترشحه للرئاسة.

·       إما أن يسيطر الجيش علي مؤسسات الدولة ويقوم بعسكرتها عن طريق إستحواذه علي المناصب الهامة والحساسة والتحكم في إقتصاد البلاد ومراقبة ملفات الأمن الداخلي عن قرب مع أن رئيس الدولة يكون مدنيا تماما ولكنه يدار من خلال الجيش في الباطن.

كل هذه الصور السابقة يمكن أن يطلق عليها حكما عسكريا وإن كانت الصورة الثالثة هي الأكثر شيوعا حيث تتماشي مع الشكل الخارجي للحكم الديمقراطي وفي نفس الوقت تحقق مطالب الجيش وأهدافه.

نحتاج أيضا إلي تفهم وجهه نظر من يعارضون تدخل الجيش في الحياة السياسية ويرون في ذلك خطر علي الجيش وعلي مؤسسات الدولة الأخري علي حد سواء

·       نظام الحكم وفق المنظور الغربي الحديث ينقسم إلي ثلاث سلطات متكافئة هي السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وبالتالي فمؤسسة الجيش تندرج هيكليا تحت السلطة التنفيذية فلا يجوز إذن أن تتغول فتصير سلطة فوق السلطة ودولة داخل الدولة.

·       لا يعترف الجيش غالبا بما يسمي الفصل بين السلطات وتوزيع السلطة والتكافؤ بين القوي داخل الدولة.

·       عبر تجارب التاريخ تزامن مع الحكم العسكري أنواع من القهر وكبت الحريات والتعدي علي حقوق المواطنين وفرض الإجراء الإستثنائية وكل ذلك بدعوي فرض الأمن والحفاظ علي الإستقرار وصيانة هيبة الدولة.

·       لا يؤمن الجيش بمسألة تداول السلطة والتناوب علي الحكم بل يري لنفسه الحق المطلق في قيادة الدولة لأنه هو حاميها والقادر بما معه من قوه علي الحفاظ عليها داخليا وخارجيا.

·       يري الجيش في قادته أنهم الأقدر علي حكم البلاد من غيرهم لأنهم علي طوال تاريخهم العسكري يكونوا قد جمعوا من العلوم والمعارف والخبرات العامة والخاصة ما لا يتاح لغيرهم وأتذكر هنا أحد مرشحي الرئاسة السابقين الذين كانت خلفيتهم عسكرية يقول أن لديه من الخبرات والعلوم ما لم يتاح لأحد في مصر بحكم ما كان يشغله من مناصب عسكرية.

·       يميل الجيش إلي تفضيل الحكم الشمولي ويري أن الديموقراطية دمية وصنم عجوي وأنها مجرد قناع جمالي لحقيقة ديكتاتورية متخفية وبالتالي فلا داعي للتزويق والخداع.

·       في ظل وجود الرئيس من داخل القوات المسلحة فلا يمكن أن يحلم أحد بالقيام بتظاهرات أو ثورات من أجل التغيير أو من غيره فالدولة وقتها تتعامل من وجهة نظر عسكرية محضة وتنظر للمعارض أيا ما كان أنه يهدف إلي زعزعة الأمن والتأمر علي مصلحة البلاد وبالتالي تصنفه في خانه العميل والخائن.

وإذا عدنا إلي الحالة المصرية علي وجه التحديد سنجد أن تاريخها كله يؤكد أن معظم حكامها كانوا عسكريين سواء الذين رضي الشعب عنهم أم الذين سخطوا منهم وعند دراسة وتشريح حالة الشعب المصري سنجد أن الغالبية العظمي لا تتوقف كثيرا أمام نوعية الحاكم هل هو مدنيا أم عسكريا ولكنها تنظر لما يقدمه لها الحاكم من خدمات وما يتحقق علي يديه من مصالح بل والأغرب من ذلك أن نسبه لا يستهان بها من الشعب تري أن الحكم العسكري هو أنسب نظام حكم يتلاءم مع طبيعة الشعب المصري وقد هام الشعب حبا في "عبدالناصر" ولقبوه ب "الزعيم" وهتفوا بإسمه في كل وادي وعلقوا صوره في كل مكان مع أنه كان عسكريا وقبله "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة كان أيضا قائدا عسكريا لذا فإن الحالة المصرية ينطبق عليها الصورة الثانية  من صور الحكم العسكري وهو الحاكم الذي يخلع بدلته العسكرية ويرتدي الزي المدني ويتعهد للمؤسسة العسكرية أن تظل في الصدارة ولو من وراء ستار.

والسؤال هل نتعامل مع هذا الأمر كواقع موجود فنرضي به أم نقاومه ونسعي لتغييره في المستقبل القريب أو البعيد؟

في رأيي الشخصي أن واقع الدول العربية وما يتهددها من أخطار في الداخل والخارج قد يفرض عليها أن يحكمها أحد الأفراد ذوي الخلفية العسكرية شريطة أن يصل إلي كرسي الحكم عبر صناديق الإنتخابات النزيهة وفي ظل دستور يحدد صلاحيات وواجبات واضحة لرئيس الجمهورية والتي من أهمها ألا يبقي في الحكم طيلة حياته كما كان يحدث قبل ذلك ولا بأس أن يصاغ وضع المؤسسة العسكرية في الدستور حتي لا يتمدد دورها بعد ذلك.

وأري أن معظم من يتكلم في هذا الأمر يكون غالبا أسير التصور الغربي في الحكم لدرجة أنهم يجعلونه المقياس الذي يقيسون عليه الصواب أو الخطأ وقد يكون هذا بسبب الإقتناع الحقيقي أن هذا هو الصحيح وقد يكون بسبب تتابع التجارب الواقعية التي طبقت فيها هذه المفاهيم ونجحت فيها.

وأري أننا كإسلاميين يجب علينا أن نتعامل مع الأمر بطريقة أبسط من ذلك لأن كل هذه النماذج ليست متطابقة مع النموذج الإسلامي في الحكم ونحن نتعامل معها علي أنها إجتهادات بشرية قد تصيب وقد تخطيء وقد تنجح وقد تفشل وبالتالي يكون موقفنا منها أكثر ليونة وأقل تشددا لأن التعامل معها علي أنها مسلمات وقواعد حتمية لا يجوز مخالفتها يجعل التفاهم حولها صعبا وعسيرا.

ولا نريد أيضا أن نقع أسري ثنائية " يسقط يسقط حكم العسكر " أو " الشعب والجيش إيد واحدة " فإما أن نؤيد العسكر وإن ملأوا الدنيا فسادا وإما أن نعاديهم وإن كانوا أصلح من غيرهم في التعامل مع الدولة بل نريد أن نتأمل في المسألة من وجهة نظر المصلحة والمفسدة بغض النظر عن بعض الشكليات التي قد تبعدنا عن الجوهر المطلوب الوصول إليه .

أعرف مسبقا أن ما طرحته من مفاهيم ربما يكون صادما لكثير من الناس وقد يتخذه البعض ذريعه لإتهام النوايا والطعن في النفوس وقد يسرح البعض بخياله بعيدا فيعتبره تمهيدا لتأييد فلان أو علان ولكني أشهد الله أن ليس شيئا من ذلك صحيح وما طرحته هو وجهة نظري الشخصيه التي تقبل الصواب والخطأ بعيدا عن التخوين والتشنيع والله تعالي أعلي وأعلم.

تم نسخه بتاريخ 30/9/2013

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة