الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الولاء والبراء -8

من صور الموالاة المحرمة للكافرين: مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين

الولاء والبراء -8
عبد المنعم الشحات
الاثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ١١:٣٦ ص
1666

الولاء والبراء (8)

عبد المنعم الشحات

لا زلنا في الكلام على صور الموالاة المحرمة للكافرين:

يقول: «مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين» وهذه ألفاظ متقاربة وإن كان لفظ المداهنة لفظ مذموم بذاته فإذا قيل مداهنة فإنها تعني على حساب الدين فإن ذلك مستفاد من أصل وضع الكلمة فالمداهنة العدول عن الحق طلبًا لود الغير أو نحو ذلك وأما المداراة والمجاملة فتحتمل أن تكون ممدوحة أو مباحة أو مذمومة، فالمداراة الممدوحة أن يداري الإنسان إخوانه في الله وهذا معنى من معاني الموالاة فمن الموالاة طلب ود أخيك والتماس الأعذار له تداري عنه ما يسوؤه ما لم يكن هذا على حساب الدين وإنما يكون فيم يمكن أن تبذله من مال أو عرض (أي: التسامح في سب أو شتم أو غيبة) لأخيك تداريه به فتجاهد نفسك أن تعفو وتصفح فكل هذه أنواع من المداراة ليست على حساب الدين بل هي مستحبة.

أما مداراة أهل الدنيا لأجل منفعة بينك وبينه فهذه إن لم تكن على حساب الدين فهي مباحة وأما المداراة على حساب الدين فهي المداهنة وهي لفظة مذمومة بذاتها والمداراة أعم فيمكن أن تكون على حساب الدين ويمكن أن تكون حساب حق الإنسان الخالص الذي ليس فيه حق لله -عز وجل- كأن يعفو في غيبة أو في سب فهذا حقه الخالص الذي لو تسامح فيه مع إخوانه المؤمنين لكان من الطاعات والقربات ولو تسامح به مع أهل الدنيا طلبًا للدنيا عندهم فهو من المباحات، والمجاملة قريبة من المداراة أي أنها قد تكون على حساب الدين وقد لا تكون كذلك فالمجاملة تشرع مع إخوانه المؤمنين تأليفًا لقلوبهم أما المجاملة على حساب الدين فهي محرمة.

يقول: «والمداهنة والمداراة والمجاملة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من المسلمين اليوم».

ومعظم صور موالاة الكافرين تتم تحت ستار المجاملة على حساب الدين قطعًا من إظهار مودة أو حب أو ثناء على باطلهم والعياذ بالله  وشهود باطلهم من أعيادهم ومن غيره فكل هذه مجاملة على حساب الدين، وبعض الناس يجامل على حساب الدين من أجل الدين فبعض الاتجاهات الإسلامية تقول أنه لن يمكن لدعوتنا إلا بالمجاملة وهي محرمة وإن كانت أمثلهم حالة فإن هؤلاء متأولون  أن هذا في خدمة الدين فخالفوا بذلك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لم يداهن في أشد لحظات الاستضعاف ولم يمتدح آلهتهم ولم يسكت عن باطلهم ومعلوم أمر الدعوة العلنية لما صدع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا ودعا قريشًا فعم وخص كان أقصى ما قيل له من أبي لهب لعنه الله: «تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟!» وتركوه وانصرفوا فكانت في بداية الأمر إعراض دون مقاومة ولكن لما بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان أصول دعوته ووجدوا أن هذه الدعوة تتضمن سب آلهتهم وتسفيه أحلامهم بدءوا يكيدون للدعوة العداء ومع ذلك استمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان دعوته، إذن فالمجاملة على حساب الدين أمر واقع بكثرة ويقع أحيانًا على حساب الدين ظنًا من أصحابه أن هذا فيه انتصارًا لله وهو ظن فاسد مخالف لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ناهيك أن كثيرًا من الخلق يداهنون على حساب الدين من أجل الدنيا وهذا هو الأكثر شيوعًا، وخطورة المسلك الأول أن يقول أننا نداهن على حساب الدين من أجل الدين ولو كان من أجل الدنيا لما فعلنا الإشكال أن أهل الدنيا يقتدي بحالك فيهنئهم مداهنة محضة وترى الذل للمسلم بين يدي الكافر والعياذ بالله ولذلك كل من يضمر في نفسه شيئًا من العقيدة الصحيحة حتمًا ولا بد سيدعو للباطل شاء أم أبى فقد ينتحل عقيدة صحيحة في الولاء والبراء فيوالي المؤمنين ويعادي الكافرين ويبغضهم على دينهم الباطل ولكن كخاطب إعلامي يتكلم على أنهم إخواننا، ثم يقول: أنا عقيد صحيحة وأبغض الكافرين مثلك بل أشد منك ولكن هذا الخطاب الإعلامي نحن مضطرون إليه للتواجد على الساحة والآفة هنا كم شخص يبلغه هذا التنظير الخاص الذي يدعيه؟! وكم من الناس من يبلغه الكلام العام الذي ينشر على الملأ أليس هذا إضلال للخلق؟!! ولذا لا يمكن أبدًا تحت أي ظرف من الظروف أن يجوز أن يتبنى أحد دعوة إلى باطل فهذه قضية لا بد أن تكون ماثلة في الذهن، وأقصى درجة إكراه أن لا تقول الحق وإنما تسكت إذا عجزت فإذا لم تستطع الكلام في باب معين فلا تتكلم أما أن تتكلم بالباطل فهذا لا يجوز وفرق بين أن يكره الإنسان على فعل المعصية ولو كانت كفرًا وبين أن يكون داعية إلى الكفر فهذا ليس فيه إكراه، فلا يخرج يدعو الناس إلى الكفر ويدعي أنه مكره لأن هذا لا يظهر حاله أمام الناس ولا يمكن أن يخرجوه على الناس يدعوهم إلى الكفر وهو مكبل وإن لم يدعو يضرب بالسياط بل الإكراه الذي يدعى في مسائل الدعوة إلى الباطل يكون إكراهًا مستترًا فيخرج الداعية في صورة الداعية الذي يتكلم بما يعتقد فهذا مما لا يجوز.

وعمومًا فهناك من يداهن من أجل الدين ويجامل على حساب الدين من أجل الدين والأكثرية يجاملون ويداهنون على حساب الدين من أجل دنياهم والبعض يجامل مجاملة بمجاملة فالبعض يقول: قد هنأني في عيدي فأهنئه في عيده وهذا استدلال ليس في محله، هب أنك في مناسبة سارة وأتى الناس يهنئونك ثم مات أحد عند من هنأك فهل تهنئه؟! فهذا لا يصح، هب أنه أصابه خبل في عقله فطلب من الناس أن يهنئوه في النكبات والمصائب فالإنسان العاقل يربأ بنفسه أن يشترك في هذه اللعبة المجنونة، فلو قال له شخص: قد هنأتك في فرحك فلماذا لم تهنئني في مصيبتي؟! فأقل شيء أن يربأ بنفسه أن يشارك مثل هذا الرجل، وهذا نفس الحال، فأعياد المسلمين فيها توحيد الله وذكره وإعلاء كلمته فلو هنأك على عيدك أتهنئه أنت على عيده لأن الرب ولد أو مات؟! فإذا كان هو يهنئك على الحق فهذا لا يجيز لك أن تهنئه على الباطل، وإذا رأيت أن هذه التهنئة ستكون بعد ذلك دينًا في عنقك فلتردها في ذلك الحين فقل له: لا أقبل هذه التهنئة، أو بين له في حينها حتى لا تكون مدينًا بهذا الدين حتى لا يلزمك بذلك.

يقول: «وهذا أمر وقع فيه كثير من المسلمين اليوم وهذا نتيجة طبيعية للانهزام الداخلي في نفوسهم».

نحن نتكلم الآن في قضية الولاء والبراء بفروعها ولكن يبقى أن الأصل الأصيل فيها هو ما في القلب وبالتالي كل صور موالاة الكافرين تكون ثمرة للهزيمة النفسية، فعند الشعور بعلو الكفار فهنا تنشأ المجاملة والمداهنة ولذلك كما أشرنا قبل هذا أن نزول القرآن منجمًا وفق الوقائع من أهم أهدافه أن يعينك على أن تعرف أمثل العلاجات لكل ما يلم بالأمة من أمراض فالقرآن كله شفاء ونور ولكن في بعض المواطن تحتاج إلى التأكيد على معاني معينة فلما حصل نوع من الانكسار في غزوة أحد فتجد الآيات التي نزلت في غزوة أحد تعنى عناية شديدة بالحالة القلبية للمؤمنين ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:139] فهذا أهم خطر يخاف على من هزم هزيمة مادية أن يهزم هزيمة نفسية أما الهزيمة المادية فقال تعالى فيها ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140] والسنن الكونية تبين أنه كانت صولات وجولات وتدور الأيام بين المؤمن والكافر ولا يلزم أن ينتصر المؤمن دائمًا ولكن كان التأكيد الرئيس على حياة القلوب وشعورها بعزة الإيمان حتى وهي في فترات الهزيمة ولذا حصل في تاريخ المسلمين ربما ما لم يحدث في تاريخ أمة أخرى وما حدث مع التتار حينما دخول دين الإسلام وهذا خلاف القواعد التاريخية أن تدخل الأمة الغازية المنتصرة في دين الأمة المغزوة المهزومة، فالتتار قبائل همجية اجتاحوا العالم الإسلامي ولما انتصروا هم الذين اعتنقوا الإسلام بعضهم حسن إسلامه وكثير منهم بقي فيه أنواع من الظلم ولكن الحاصل أن اجتياح التتار كان اجتياحًا مؤلمًا بكل ما تحويه الكلمة من المعاني ومع ذلك ظلت الأمة معتزة بدينها مستعلية بإيمانها تشعر أنهم إنما أوتوا من قبل ترك دينهم لا أنهم أوتوا من قبل التمسك بدينهم وهذا هو الفرق بين حالة الانكسار في عهد التتار وحالة الانكسار في العصر الأخير في القرنين الأخيرين حينما انكسرت الأمة عسكريًا انكسرت نفسيًا أيضًا وقبل على نطاق واسع ادعاء أن الأمة انكسرت بسبب تمسكها بدينها لا بسبب تركها لدينها وهذه نقطة جوهرية جدًا ولذلك عندما نقول أن الصحوة الإسلامية بعد نصف قرن أو ثلاثة أرباع قرن استطاعت أن تصحح هذا المفهوم فقط فإنه من فضل الله -عز وجل- على هذه الصحوة فالكل يعلم الآن حتى العصاة والفساق أن آفة الأمة في تركها لدينها وليس في تمسكها بدينها وكانت هذه قضية لا يكاد يؤمن بها على الوجه الصحيح إلا نفر قليل جدًا وبالتالي مرت الأمة  في أواخر القرن التاسع عشر والعشرين بفترات لم تمر بها في تاريخها  قبل ذلك هزيمة عسكرية وهزيمة نفسية في آنٍ  ودعوى هنا وهناك تقول: لا مخرج إلا بالتنازل على الإسلام، إما بالتنازل عنه كليًا كما حدث في تركيا وغيرها أو بالتنازل عن فكرة الجامعة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وحلول فكرة الجامعة العربية محلها والآن يستكثرون الجامعة العربية ولكن كان كفار الأرض في مشارق الأرض ومغاربها يدفعون الأموال الطائلة لمن يدعو إلى الجامعة العربية لتكون بديلًا عن الجامعة الإسلامية وبالفعل كان لها أثر في الاستسلام السريع للشعوب الإسلامية للاستخراب - المسمى بالاستعمار-، ولو نظرنا إلى قضية موالاة الكافرين كمرض متعدد الأعراض فإن سببه الرئيسي هو الهزيمة النفسية في نفوسهم ولذا فإن طب القلوب والأمم والجماعات قد تنطبق عليها نفس قواعد طب الأبدان وسننه الكونية ففي طب الأبدان يدرسون الحالة الطبيعية للبدن أسباب الحفاظ على هذه في أتم ما يكون، الأسباب العارضة للمرض، الأعراض التي تنشأ، أصل المرض كذا ثم أعراضه كذا ثم علاجه كذا فلديك بناء صحيح لو لم تمرض وليس معنى أن الإنسان لم يمرض أنه غير منشغل بقضية بل هو منشغل بقضية الحفاظ على أسباب الصحة فإذا مرض فلا بد من التشخيص الجيد والعلاج الذي يقتلع هذا المرض، فمما ينبغي أن يعلمه الذي يشتغل بالدعوة إلى تبارك وتعالى أن مرض الهزيمة النفسية مرض عضال مستأصل في النفوس في هذه الأزمان، إذن لا بد من أن تتنوع في أنواع العلاج فهذه قضية ما دام المرض مستأصل فلا يكفي أن تتكلم عنه مرة في العمرة وإنما تتكلم عنه مرة صراحة ومرات ضمنًا فتغتنم كل مناسبة في الكلام عليها لأنه لا بد من وضوح هذه القضايا المحورية في ذهن الداعية فمثلًا حينما يتكلم في حكم شرعي فقهي فليس هناك ما يمنع من الكلام عن جوانب العظمة في هذا التشريع وإحياء روح الاعتزاز بهذا الدين ككل وهذا يشمل كل جزئيات هذا الدين من عقيدة وشريعة وعبادة وسلوك وكل الأفراد الذين ساهموا في هذا البناء فتذكر فضلاء هذه الأمة وعظمائها وتثني عليهم فلا بد أن يدندن الداعية حول القضايا التي تملأ القلوب عزة واعتزاز بدين الله -سبحانه وتعالى- وبالرجال الذين حملوا هذا الدين ونقلوه إلينا فهذه كلها من العوامل التي ينبغي أن ندور في فلكها. 

يقول: «وهذا نتيجة طبيعة للانهزام الداخلي في نفوسهم، حيث رأوا أن أعداء الله تفوقوا في القوة المادية فانبهروا بهم» وهاهنا قضية أخرى يجب أن تبين ألا وهي أنه يجب أن يعلم أن القوة المادية وإن كانت أحد عوامل القوة إلا أنها أقلها شأنًا واعتبارًا وقد كان التفاوت بين قوة المسلمين وقوة فارس والروم لا يقل بحال من الأحوال عن التفاوت الحاصل الآن بين ما تملكه الشعوب الإسلامية وبين ما يملكه الكفار لكن الصف الإعلامي الكاذب يبالغ جدًا في [وصف] قوى الأعداء [فيقول:] أسلحة ذكية وغير ذكية، والذي يلمس الأمور عن قرب يجد أن كل هذه ما هي إلا أسلحة ردع وليس لها اعتبار حقيقي في المواجهة الحقيقية فمعظم الأسلحة التدميرية الشاملة لا تستخدم إلا في حالة الاستئصال ونحو هذا وقد وقعت عدة وقائع معاصرة أثبتت أن القضية ليس كما يتوهمون إذن لا بد أن نقلل ابتداء من شأن العناية بالأسباب المادية ثم نكشف الأكاذيب التي تروج وهم محترفو أكاذيب في مقدار قوتهم المادية، فأكثر هذه الأمور يكون فيها كذب كثير جدًا بل نشر في الجرائد عما قريب كلام كان قد أثير عدة مرات وكنا نظن أن الموضع قد أغلق ولكنه لم يغلق ذلك أن علماء الدنيا إلى الآن بعيدًا عن الاعتبارات الدينية يتشككون في مسألة الصعود للقمر وقد وجد هذا الشك منذ اللحظة الأولى من إعلان هذا الأمر ولو قال ذلك بعض علماء الدين لقامت الدنيا ولم تقعد  مع أنه لا يوجد في دين الله ما يثبت أنه سيأتي يوم على الناس يصعدون فيه إلى القمر ولا يوجد ما ينفيه أيضًا ولذلك فالقضية ممكنة شرعًا فليست لازمة الحدوث ولا يوجد ما ينفي حدوثها لكن إلى يومنا هذا ما زال كثير من العلماء يشككون في هذه الصورة وأنه قد دخلها بعض الخدع ومن القرائن القوية التي تدل على الكذب ما هو مشهور من وصول روسيا أولًا إلى القمر وقد صور الروس لذلك بعض الصور ، صور الأمريكان مثلها بعد ذلك فلما انهار الاتحاد السوفيتي وجدوا في السجلات أن هذه السفينة الفضائية قد انفجرت ولم تصل فثار التساؤل: من أين أتوا بهذه الصور؟! وأيضًا العلم يرفرف على سطع القمر مع أنه يقولون أنه على هواء هناك؟! فهذا لغز لم يستطيع تفسير حتى الآن، فالقضية بالضبط أن أساليب النصب والاحتيال لا تختلف بين نصاب صغير يخدع ا لسذج وبين نصاب كبير يخدع الدنيا بأسرها، فقد شخصًا في قرية صغيرة نائية يسافر إلى بلاد يعلم أنه لم يسافر إليها أحد غيره فيأتي فيحكي ما بدا له أن يحكي وهو مصدق وليس عندك ما يدل على كذبه، فكذلك الأمر هنا فهؤلاء هم الذين يتملكون مركبات الفضاء، وهم يكذبون في أمور كثيرة جدًا كذبًا واضحًا وصريحًا .

كذلك قضية الاستنساخ وقد أشرنا قبل هذا أنه ليس هناك ما ينفي في الشرع أن يستنسخ شيء ما، لكن يبقى أمر الحل والحرمة، فهذا في البشر حرام جزمًا وإن كان هذا ليس مجال تفصيله ولكن حتى الآن أوساط علمية محايدة تمامًا - بعدية عن الدوافع الدينية-  تتشكك في حدوث هذا الاستنساخ الذي يقولون عنه وعادة أن بعض المراكز البحثية العلمية تكون تسير في خط بحث معين فتسجل حدوث الأمر قبل وصولها إليه حتى لو سبقت إلى شيء تكون قد سجلت هذا الأمر فإذا لم يسبقهم إلى ذلك أحد فلن يستطيع أحد إثبات هذا الأمر أو نفيه ففي الاستنساخ [قالوا:] استنسخنا نعجة ولكنها ماتت ولا نستطيع للآن استنساخ نعجة أخرى وقد تموت إذا استنسخناها أيضًا، فالقضية أن الناس يتعاملون مع هذه القضايا بدرجة من درجات التقديس مع أناس حرفتهم الرئيسية الكذب وهذا مما هو معلوم، ويكفي في ذلك أن هذه العلوم مبنية عندهم على الكذب، فلا يكاد يوجد علم من العلوم الذين بدؤوه لا طب ولا هندس ولا جغرافيا بل هذا كله سرق من المسلمين بل يمكن القول أن كل التطورات العلمية على يد الغرب ليست فيها طفرات ففي علوم الميكانيكا يقولون أن قوانين نيوتن تمثل قفزة كبير أكثر من قوانين انشتاين في الذرة  مع أن هذه متقدمة أكثر ولكن المسألة ليست كذلك وإنما كانت المسألة ما الذي كان يمثل تنظيرًا سابقًا لعصره وما الذي كان يمثل نتيجة طبيعة للتطور الذي لم يقم به فلان لقام به غيره وهكذا، فنستطيع القول أنه لم يحدث تطورات كبيرة على أيدي الغرب في كافة العلوم وإنما تسير المسألة سيرًا طبيعية، ومن المسائل التي تصنف على أنها احتاجت إلى عبقرية شديدة فكل العلوم المعتمدة على الرياضيات ربما لم تتطور إلا بعدما وجد أسلوب يستوعب أرقامًا ربما لا تستطيع قراءتها لكن يمكنك التعامل معها جمعًا وطرحًا وضربًا وهذا الأمر الذي استقر عليه علم الرياضة في كل أنحاء الدنيا كان إلى وقت قريب جدًا يسمى في المراجع الأجنبية: «نظام العد العربي» مقارنة بنظام نظام العد الروماني وطريقته أن يكتب الواحد I والاثنين II والثلاث III والأربعة IIII أما الستة فتكتب V+I فهذا أقصى عدًا فيه قد تصل إلى العشرين فهذا ما قدموه إلى البشرية أما الذي ابتكره المسلمون فهو العد إلى ما شاء الله فيمكن أن تكتب رقم لا يمكنك قراءته ولكن يمكنك أن تتعامل معه بآلية محضة فوحدة الجمع واحدة في الرقم سواء كان كبيرًا أو صغيرًا  وهذا الذي جعل الدنيا بأسرها تتعامل به.

ومن يتكلمون عن أعظم الاكتشافات العلمية في التاريخ وهم لا يتعرضون للضغوط يجعلون أعظم هذه الاكتشافات في التاريخ نظام العد العربي وخصوصًا اختراع الرقم صفر ونظرية أن يوجد متعادل حسابي في الجمع وآخر في الضرب كان لها أثر كبير وطفرة كبيرة جدًا في العلوم، بل لم يقدم في العلوم المادية ما يستحق كل هذا الانبهار وما قدموه ربما كان متقدمًا جدًا بالنسبة لما قبله إلا أنه كان تطورًا طبيعيًا جدًا للأسس للعلماء التي وضعها علماء المسلمين.

أما القوة فالمقياس ليس أنها كقوة مفرطة فعلى سبيل المثال يبتليهم الله ببعض الجنود الحقيرة مثل الجراد والقمل فمثل هذه الأسلحة ما تصنع مع هذه الجنود؟! فليس كل من ملك سلاحًا يمكن أن يحسم معركة، فكل هذه الأسلحة لا تحسم معركة مع هذه الحشرات، وهناك كثير من الأسلحة لا تحسم المعارك بين البشر ويبقى أنه لا بد من الالتحام المباشر الذي هم أجبن الناس فيه لأنهم أحرص الناس على حياة، فالقضية ليست كما يتصورها الناس وهذا أمر مطلوب  الدندنة حوله بصورة أو بأخرى.

يقول: «ولأمر ما رسخ وتريب في أذهان المخدوعين أن هؤلاء الأعداء هم رمز القدرة ورمز  القوة فأخذوا ينسخلون من تعاليم الإسلام مجاملة للكفار ولئلا يصفهم أولئك الكفرة بأنهم متعصبون، وصدق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول في مثل هؤلاء: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضبط لسلكتموه» قلنا: «يا رسول الله اليهود والنصارى؟» قال: «فمن؟» إن المداهنة والمجاملة قد تبدأ بأمر صغير ثم تكبر وتنمو حتى تؤدي والعياذ بالله إلى الخروج من الملة وهذه إحدى مزالق الشيطان فليحذر المسلم منها على نفسه، وليعلم أنه هو الأعز وهو الأقوى إذا امتثل منهج الله وتقيد بشرعه ومقتضياته عقيدته، ومن الأمور الواضحة في تاريخ المسلمين أن من أكبر العوامل في انتصارهم بعد الإيمان بالله ورسوله الاعتزاز يصدق ذلك ويؤيده قول الفاروق -رضي الله عنه-: « إن كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما طلبنا بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله».

وأيضًا من ذلك توليهم أمرًا من أمور المسلمين كالإمارة والكتابة وغيرها والتولية شقيقة الولاية، وتوليتهم نوع من توليهم وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم، والولاية تنافي البراءة،فلا تجتمع البراءة والولاية أبدًا، والولاية إعزاز، فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبدًا، والولاية صلة، فلا تجامع معاداة الكافر أبدًا». وهذه أحد صور موالاة الكافرين، أيضًا من هذه الصور:

«السكنى معهم في ديارهم وتكثير سوادهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله» ويصل هذا الموضوع بالحديث عن الهجرة» يعني: من أراد أن يفر من هذه الصورة من موالاة الكافرين فعليه أن لا يسكن في ديارهم، فمقتضى هذا الكلام أن عليه أن يهاجر من هذه الديار إلى ديار المسلمين، إذن  هل يجب على كل أحد أن يهاجر؟ في المسألة تفصيل ولذلك يذكر الكلام على الهجرة قال ابن قدامة في المغني: «فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :

 أحدها : من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار» أي فينظر إلى مسألة هل يقدر على إقامة شعار دينه أم لا فإما أن يقدر وإما أن لا؟ فإن كان يقدر يبقى أن أصل إقامته بين الكفار مباحة وإن كان في إقامته مصلحة دينية انقلبت إلى الاستحباب كما أقام الرسل في أقوامهم يدعونهم إلى الله وإلا بقيت على الإباحة، وإن كان لا يقدر على إقامة شعار دينه ينظر هل يقدر على الهجرة أم لا؟ فإن كان يقدر  على الهجرة فالهجرة واجبة عليه وإن كان لا يقدر فلا توصف حينئذ بشيء فالعاجز لا يوصف الشيء المعجوز عنه بواجب ولا مستحب فالعجز ينفي التكليف، والقدرة على الهجرة أن يجد بلدًا خليًا عما هاجر من أجله وليس أن يهاجر فقط، مع قدرته المادية على الانتقال فإذا كان كذلك وجبت عليه الهجرة  فإذا عجز فلا شيء عليه.

قال: «فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97] فالذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم أي بالإقامة بين أظهر المشركين، ومع إقامة الرسل في ديار الكفر فعلمنا أن ذلك في الذين يضطرون إلى ظلم أنفسهم عندما يقيمون في ديار الكفر وهم يجدون سعة في أن يهاجروا إلى غيرها.

قال: «وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب به فهو واجب.

 الثاني : من لا هجرة عليه وهو من يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم فهذا لا هجرة عليه لقول الله تعالى ﴿ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء:98-99]

ولا توصف باستحباب لأنها غير مقدور عليها

 الثالث : من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر» وهذا الثالث نوعًا وهو القادر على إظهار شعائر دينه فهذه إقامة مباحة أما إذا أقام للدعوة إلى الله فهي مستحبة وكأنه لم يظن بمسلم أن يبقى ممكنًا في ديار إلا داعية ولذلك قال أنه ما دام قادرًا على إقامة شعائر دينه استحبت له الهجرة مع أنه لا يكره على ترك دينه أو عدم إظهار شعائره لكنه إذا هاجر فسيتمكن من عبادات أخرى فهذا تستحب له الهجرة ولا تجب، وقد قلنا أنه إذا أقام لأجل مصلحة شرعية استحب له البقاء.

يقول: «فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم فيتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة وقد كان العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- مقيما مع إسلامه وروينا أن نعيم النحام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له : أقم عندنا وأنت على دينك ونحن نمنعك ممن يريد أذاك واكفنا ما كنت تكفينا وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: قومك كانوا خيرا لك من قومي لي قومي أخرجوني وأرادوا قتلي وقومك حفظوك ومنعوك فقال : يا رسول الله بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله وجهاد عدوه وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله أو نحو هذا القول».

يقول [الشيخ ياسر في الفضل]: «وقال الشوكاني : في «السيل الجرار»: «واعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدا لما قدمنا لك في الكلام على دار الحرب وأن الكافر الحربي مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين وأن مال المسلم ودمه معصومان بعصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها» مسألة دار الإسلام ودار الحرب اصطلاح فقهي حادث ولا بد كل مسألة أن تنزل منزلتها فالثابتة في الكتاب والسنة يثبت بالكتاب والسنة، والثابتة باجتهاد في باجتهاد والتي بإجماع فهي بإجماع، وينظر في الاصطلاحات الحادثة هل تعبر عن معنى مجمع عليه فيظل المعنى مجمعًا عليه، أو أنها تعبر عن معنى اجتهادي، فكل هذه قضية لا بد من النظر فيها، أما مسألة دار الحرب ودار الإسلام فهذه مسألة يذكرها الفقهاء في أبواب الجهاد وما يستتبعه من مسألة الأموال التي تدخل ديار المسلمين هل يفرض عليها خراج ويضرب عليها العشر والمكوث في بلاد المسلمين فالأصل في الشرع أنها لا تضرب إلا على أموال الكفار وليس على أموال المسلمين فاحتاج العلماء إلى الكلام على بلاد يعلوها سلطان المسلمين ويطبق عليها هذا الكلام وبلاد يعلوها سلطان الكافرين فمن سيدخل بأموال ما حكمه إذا كان مسلمًا أو كان كافرًا أو ذمي أو مستأمن أو حربي فاحتاج العلماء أن يتكلموا عن مسألة واقعة فعلًا فهو يعبر عن واقع لا أنه يؤصل أصلًا شرعيًا، فالواقع أنه توجد بلاد يعلوها حكم الإسلام وبلاد يعلوها حكم الكفر ومال المسلم ودمه يختلف عن مال الكافر ودمه، والكافر إما حربي وإما ذمي وإما مستأمن وإما معاهد ولكل هؤلاء  أحكامهم فتكلم العلماء على أحكام الديار فالكلام في هذا الإطار لا يعدو أن يكون من جنس المصطلحات التي وضعت لتقريب الكلام وتسهيله ولكن نريد أن نبين أن هناك مصطلح معين يوضع تعبيرًا عن قضية شرعية منصوص عليها وهناك مصطلح تعبير عن واقع ومن هذا مصطلح دار الحرب ودار الكفر، فكان هذا المصطلح تعبير عن واقع قائم وهو أن هناك ديار تعلوها أحكام الإسلام، وديار تعلوها أحكام الكفر، وأن الديار التي تعلوها أحكام الإسلام فيها مسلمين والديار التي يعلوها أحكام الكفر فيها كفار أو مسلم ممتنع بنفسه فلم يكن أحد يهاجر إلى بلاد الكفار ثم يستنصر بالمسلمين بل الواجب عليه أن يهاجر وإما أنه يستطيع أن يحمي نفسه فلا بد أن يكون عنده ما يمكن أن يحصل به على عهد على أمواله لأن الدولة الإسلامية غير مسئولة عن أمواله ولا عن دمه [إذا صار إلى بلاد الكفار] فكانت القضية في  ذلك الوقت ديار الإسلام التي تعلوها أحكام الإسلام وغالب أهلها من المسلمين وديار الكفر تعلوها أحكام الكفر وغالب أهلها كفار أما المسلم الذي يختار الذهاب إلى ديار الكفار بنفسه وماله فيأخذ منهم الضمانات على نفسه وماله لحاجتهم إلى تجارته ويؤمنونه حتى يرجع فهذه هي القضية، ومن هنا نعلم خطورة التعامل مع كلام الفقهاء من غير فهم أدلتهم فقد تتبدل المسألة ولكن إذا كان الكلام مع فهم الدليل يتضح لك معناه جيدًا، ومن الأمثلة الواضحة المشهورة في زماننا حرمة لبس المخيط فبعض الناس يلبس رداء ويزرره بالدبابيس فإذا أتي بحزام يأبى أن يلبس لأنه مخيط مع أن هذا يجوز له وسبب ذلك أنه فهم لفظ المخيط عريًا عن الدليل، فالمخيط له معنيان عند الفقهاء أحدهما: المفصل على قدر العضو فيسمونه مخيطًا والدليل أن المحرم لا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمامة ولا القلنسوة ولا الخفين وليلبس النعلين فالدليل يبين أن التعبير بأن المخيط هو المفصل على قدر العضو تعبير أدق، فمن أخطئ في هذا الفهم أخذ المخيط بعيدًا عن الدليل ففهم منه أنه ما دخله خيط مع أنها ليست هي القضية بل يمكن أن يكون معك قميص دخلته خيوط فعلًا وتجعله رداء فليست المسألة دخله خيط أم لا فليس المنهي عنه أن يكون الرداء مكفوتًا بخيط لمصلحة الثوب أو لغيره بل المنهي عنه أن تلبس ثوبًا على قدر العضو، فهذه مسألة هنا وكذا أيضًا مسألة أحكام  الديار هنا حتى صار حكم الدار منسحبًا على أهلها فهذه الخطورة التي لم يقل بها أحد من أهل العلم، مع أن مسألة حكم الديار ليست حكم شرعي أصيل بل كانت توصيفًا لواقع، فبدؤوا يبحثون الفروع المتعلقة بعصمة الدم والمال تخريجًا على هذا الواقع فلما وجد واقع غيره مثل أهل ماردين  بلد يعلوها أحكام الكفار وغالب أهلها مسلمين ومثل فلسطين الآن فسئل شيخ الإسلام عن ذلك فقال هي ديار مشكلة يجتمع فيها المعنيان معنى من دار الإسلام ومعنى من دار الكفر ويعامل فيها كل واحد بحسبه وبالتالي تستطيع أن تقول أن معنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وهو صريح كلام الشوكاني المنقول هنا  أن أحكام الديار لا علاقة لها بمسألة الإيمان والكفر بل يذهب الشوكاني إلى أبعد ذلك وهو أنه لا علاقة لها بالأموال وهو الموضوع الرئيسي الذي أسس هذا الكلام من أجله لأنك حينما تجد مالًا فستسأل هل هذا مال مسلم أم كافر؟ فإذا كان ملكًا لمسلم فهو معصوم في مكان كان، حتى ولو وجد في قاع البحر لأنه مال معصوم، أما إذا كان ملكًا لكافر ينظر هل له أمان أو عهد ذمة فكل هؤلاء ماله معصوم حتى ولو وجد في قاع البحر ولو كان كافرًا حربيًا له عهد فلا بد من الوفاء له لهذا العهد الذي بينك وبينه كذلك إذا كنت تبيع وتشتري منه لم يجز غشه حتى ولو كان كافرًا حربيًا لذلك من دخل دار الحرب بتأشيرة الدخول فهذا عقد أمان بينك وبينهم [مضمونه] أدخلوني بلادكم على أن لا أسيء إليكم وبالتالي لا يجوز لمسلم أن يدخل بلدًا كافرًا ثم يقول هؤلاء كفار لا عهد ولا أمان بينهم وبين المسلمين فمن حقي أن أفعل ما أفعله! لا، لا يجوز، لأنه هنا أعطاهم أمانًا شخصيًا من نفسه وذلك حينما طلب التأشيرة، إذن فالقضية لا علاقة لها في طرح الفقهاء بقضايا الإيمان والكفر ولا حتى هي قضية شرعية أصيلة وإنما هو توصيف لواقع من الفقهاء حتى  يتمكنوا من تنزيل أحكام عصمة الدم والمال التي مؤداها أن المسلم معصوم الدم والمال في كل زمان ومكان وأن الكافر لا يعصم دمه وماله إلا بعقد هدنة أو أمان أو جزية أو نحو ذلك.

وحاولوا تطبيقها على الواقع الذي يعيشونه من أنه هناك ديار تعلوها أحكام الإسلام وغالب أهلها مسلمون وديار تعلوها أحكام الكفر وغالب أهلها كفار فالمسلم الذي يرحل إلى بلد الكفر هو الذي يؤمن نفسه منهم قبل دخول بلادهم، أما الذي يخاف على نفسه منهم قيل له: لو كنت هناك لوجبت عليك الهجرة فكيف تذهب إليهم وأنت خائف على دينك أو على نفسك أو على مالك؟! فهذا مقصر لو استطعنا نصرته للزمتنا، فهذه حدود هذه المسألة عند الفقهاء، لأن المسألة  أخذت أكبر من حجهما وبدأ الكلام فيها يجر إلى بدع من أن حكم الدار ينسحب على الحكم على أهلها أو أن الحكم على الدار له أثر في طريقة الدخول في الإسلام بحيث أن يكون هنا طريقة وهناك طريقة أخرى وهذا كله مما لا يوجد في كتاب الله -عز وجل- ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولذا يقول هنا الشوكاني في تعليقه الجيد على هذه المسألة أن فائدتها قليلة جدًا وفائدتها أن الأحكام يمكن أن تقال كما بين الشوكاني ويمكن أن يقال أن فائدتها أنهم طبقوا هذه الأحكام على واقعهم، يقول:

«واعلم أن التعرض لذكر دار الإسلام ودار الكفر قليل الفائدة جدا لما قدمنا لك في الكلام على دار الحرب وأن الكافر الحربي مباح الدم والمال على كل حال ما لم يؤمن من المسلمين وأن مال المسلم ودمه معصومان بعصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها» إذن لن تختلف القاعدة في الكلام على حرمة الدماء والأموال، لكن يمكن أن يختلف التطبيق والفقهاء صاغوا القاعدة وطبقوها على واقع كانوا يعيشونه فجزاهم الله خيرًا لكن الذي ينقل هذا التطبيق ويستنبط منه أشياء ليست موجودة في تنظير الفقهاء فهذا هو المقصر.

يقول: «وإن كانت الفائدة هي ما تقدم من كونهم يملكون علينا ما دخل دراهم قهرا فقد أوضحنا لك هنالك أنهم لا يملكون علينا شيئا» قدم قبل ذلك أن المسلم إذا فقد ماله سواء انطلق به فرسه حتى دخل بلد الكفار أو سرقه منه كافر ثم أخذه كافر فالمسألة أن المسلمين جاهدوا هؤلاء القوم وغنموا هذا الفرس هل يعطي لصاحبه أم يقال أنه لم يصر مالًا لهذا المسلم من حين خروج من ديار الإسلام فلما أعدناه بالجهاد صار غنيمة فهذا هو الخلاف في المسألة والراجح فيها أنه إن ثبت بالبينة أن هذا ماله بعينه يأخذه ولا يوزع غنيمة، ولا يزول ملك المسلم عن ماله ما دام ثبت بالبينة أنه مالك سواء خرج إلى بلاد الكفار أم لم يخرج وساء أعيد بالجهاد أو بغيره لأنه ثبت أن ابن عمر م فقد فرسًا فوجدوها في حروب الروم فردوها عليه

قال: «وإن كانت الفائدة وجوب الهجرة عن دار الكفر فليس هذا الوجوب مختصا بدار الكفر بل هو شريعة قائمة وسنة ثابتة عند استعلان المنكر وعدم الاستطاعة للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم وجود من يأخذ على أيدي المنتهكين لمحارم الله فحق على العبد المؤمن أن ينجو بنفسه ويفر بدينه إن تمكن من ذلك ووجد أرضا خالية عن التظاهر لمعاصي الله وعدم التناكر على فاعلها».

فهنا يعمم أن الهجرة تكون من دار الكفر ومن دار الفسق أيضًا إذا وجد ما هو أمثل كما سيأتي في الكلام فبهذا لا نحتاج إلى مسألة الديار لأنه لو كان في بلد من ديار الإسلام الفسق فيها ظاهر ويجد بلدًا آخر خليًا على ذلك وبقاؤه فيها ليست لمصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجب عليه أن يهاجر حينئذ.

يقول: «فإن لم يجد فليس في الإمكان أحسن مما كان وعليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه كما أرشد إلى ذلك الصادق المصدوق فيما صح عنه وإذا قدر على أن يغلق على نفسه بابه ويضرب بينه وبين العصاة حجابه إن ذلك من أقل ما يجب عليه».

وقال أيضًا تعليقًا على قول صاحب المتن - متن «حدائق الأزهار» ومن متون فقه الشيعة الزيدية وهم في الفقه مثلهم مثل أهل السنة مذهبهم الفقهي يعد من المذاهب الفقهية السنية ومذهبهم العقدي فيه بدع ليس باليسيرة ولكنها يسيرة مقارنة بقول سائر طوائف الشيعة من تفضيلهم علي على أبي بكر رضي الله عن الجميع وقد كان الصنعاني والشوكاني من الشيعة الزيدية وهداهم الله إلى منهج أهل السنة في العقيدة فرجعوا عما خالف فيه الزيدية أهل السنة في العقيدة وكان قبولهما العام لدى أهل السنةكان له أثر في تعرف العلماء على فقه الشيعة الزيدية  وأنه فقه يقوم على نفس الأصول التي يقوم عليها فقه أهل السنة، ومتن «حدائق الأزهار» من متون الفقه الزيدي شرحه الشوكاني في كتاب «السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار»-: «إلى خلي عما هاجر لأجله» فوجهه ظاهر لأن الانتقال من شر إلى شر ومن دار عصاة إلى دار عصاة ليس فيه إلا إتعاب النفس بقطع المفاوز فإن كان التظاهر بالمعاصي في غير بلده أقل مما هو ببلده كان ذلك وجها للهجرة وفي الشر خيار. ثم قال :: «إن كانت المصلحة العائدة على طائفة من المسلمين ببقائه ظاهرة كأن يكون له مدخل في بعض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في تعليمه معالم الخير بحيث يكون ذلك راجحا على هجرته وفراره بدينه فإنه يجب عليه ترك الهجرة رعاية لهذه المصلحة الراجحة لأن هذه المصلحة الحاصلة له بالهجرة على الخصوص تصير مفسدة بالنسبة إلى المصلحة المرجوة بتركه للهجرة» ا.هـ

فهذا تفصيل للحالة الثالثة التي ذكرها ابن قدامة وهي أن يكون قادرًا على إظهار شعائر دينه جاز له البقاء من حيث الأصل واستحبت له الهجرة ونضيف هنا قيد أن إذا كان قادرًا على إظهار شعائر دينه وله مدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو مصالح المسلمين استحبت له الإقامة وليس الهجرة.

يقول [الشيخ ياسر]: «وقد سبق في النصرة كلام ابن حزم فيمن يقيم بدار الحرب فراجعه». وبذلك نكون قد انتهينا بفضل الله تبارك وتعالى من الكلام على الصور التي هي من الموالاة أو أكثر صور الموالاة ويبقى من باب إحقاق الحق ودفع الإفراط والتفريط أن نتكلم عن الصور التي ليست من الموالاة فنذكر في المرة القادمة إن شاء الله تبارك وتعالى [يوجد في آخر الشريط 18 دقيقة فارغة من الصوت ويبدو أن الشيخ كان سيستكمل الكلام في موضوع لا علاقة لها بما هنا]

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

ربما يهمك أيضاً

الولاء والبراء -12
1564 ٢٧ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -11
1705 ١٨ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -10
2032 ١١ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -9
2028 ٠٤ يناير ٢٠١٦
الولاء والبراء -7
1429 ٢١ ديسمبر ٢٠١٥
الولاء والبراء -6
1315 ١٤ ديسمبر ٢٠١٥