الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ

ينبغي على كل داعية أن يضع هذه الآية نُصب عينيه؛ يعمل من خلالها وينظر للناس من منطلقها، حتى تكون دعوته مثمرة وناجحة في تعبيد الناس لرب العالمين

كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ
خالد آل رحيم
الجمعة ١٩ فبراير ٢٠١٦ - ١٨:٥٦ م
1301

كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ

كتبه/ خالد آل رحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

آية كريمة وقاعدة عظيمة متى استحضرها الداعي إلى الله؛ استشعر نعمة الله عليه، وكذلك استشعر حجم المسئولية الملقاة على عاتقه، وقد قال تعالى:

(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وقال لنبيه صلي الله عليه وسلم : (وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)،

وبيّن له أن الفضل منه وحده لما هو عليه من هداية وإرشاد: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).

وهذه نصيحة لكلّ داعٍ إلى لله: لا تتعالى على جاهل أو مقصر أو غافل، وتذكر:

(كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات:

(إن أكثر الجهالة إنما رسخت في قلوب العوام بتعصب جماعة من جُهّال أهل الحق، أظهروا الحق في معرض التحدي والإرادة، ونظروا إلى ضعفاء الخصوم بعين التحقير والازدراء، فثارت من بواطنهم دواعي المعاندة والمخالفة، ورسخت في قلوبهم الاعتقادات الباطلة، وتعذّر على العلماء المتلطفين محوها من ظهور فسادها) اه.

فكما أن الإنسان يكره أن يُسَبّ لخطأ أو يُحتقَر لجهل أو يُنتقص من قدره أو يستهزأ به؛ فيجب عليه أن يكره ذلك لغيره، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (وأن تأتي إلى الناس الذي تُحب أن يأتوه إليك وما كرهت لنفسك فدع الناس منه) السلسلة الصحيحة.

وهذا هو شأن الداعية إلى الله تعالى: يُحب الخير للخلق ويتمنى لهم الهداية إلى الحق.

قال ابن القيم رحمه الله:(أن يتوجع لعثرة أخيه المؤمن إذا عثر، حتى كأنه هو الذي عثر بها، ولا يشمت به، فهو دليل على رقة قلبه وإنابته).

ومن أعظم ما يثمره هذا المعنى القلبي: حسن الظن بإلاخوان، والتماس المعاذير لهم .

قال عمر رضي الله عنه: (ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تُطيع الله فيه، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من مسلم سوءا وأنت تجد لها في الخير محملاً )،

وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: (من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعن فيه مقالات الرجال، ومن حسُنت علانيته فنحن لسريرته أرجى)،

وقال بكر بن عبد الله المزنى: (إياك من الكلام، إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظن بأخيك)،

وقال أبو قلابة عبد لله بن زيد: (إذا بلغك عن أخيك شئ تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل فى نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه)،

وقال المهلب:  (قد أوجب الله تعالى أن يكون ظن المؤمن بالمؤمن حسناً أبداً، (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)،

فإذا جعل الله سوء الظن بالمؤمنين إفكا مبيناً فقد ألزم أن يكون حُسن الظن بهم صدقاً مبيناً.

وكان معروف الكرخي قاعداً على "دجلة" ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون، فقال له أصحابه: أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على الماء ؟ ادع عليهم، فرفع يديه إلي السماء وقال: إلهي وسيدي، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرجهم في الآخرة. فقال له صاحبه: إنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل لك ادع لهم فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضرهم هذا اه.

فينبغي على كل داعية أن يضع هذه الآية نُصب عينيه؛ يعمل من خلالها وينظر للناس من منطلقها، حتى تكون دعوته مثمرة وناجحة في تعبيد الناس لرب العالمين الذي ذكّرنا جميعنا بقوله: (كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

والله من وراء القصد ,,,,

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة