الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تصريحات الزند و صيانة مقام النبوة

من كان غضبه لله فعليه أن يغضب لله ايضا من جرائم ازدراء الاديان التى يحاول البعض الدفاع عنها أو تخفيف عقوبتها و أن يغضب لله من جرائم اشاعة الفاحشة فى المجتمع

تصريحات الزند و صيانة مقام النبوة
عبد المنعم الشحات
الأحد ١٣ مارس ٢٠١٦ - ١٩:٤٦ م
2909

تصريحات الزند و صيانة مقام النبوة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي حوار المستشار "أحمد الزند" مع الصحفي "حمدي رزق" تطرق الكلام إلى حبس الصحفيين، وأجاب "الزند" بما حاصله: "أنهم ما داموا أخطأوا فيجب أن يُسجنوا"؛ فأعاد عليه "حمدي رزق" السؤال: "تحبس صحفيًّا؟!"، فقال الزند: "ده لو نبي أخطأ... أستغفر الله العظيم، يتحبس!".

وتوالتْ ردود الأفعال، وخرج المستشار "الزند" في مداخلتين فضائيتين؛ ليعلن اعتذاره، وقدَّم البعض بلاغات لمحاكمته بتهمة ازدراء الأديان، وطالب البعض بإقالته، وكان أكثر البيانات اتزانًا "بيان الأزهر"، والذي جاء نصه كالتالي: "يهيب الأزهر الشريف بكل مَن يتصدَّى للحديث العام في وسائل الإعلام، أنْ يَحْذَرَ مِن التعريض بمقام النبوة الكريم في الأحاديث الإعلامية العامة؛ صونًا للمقام النبوي الشريف -صلى الله عليه وسلم- مِن أن تلحق به إساءة حتى لو كانت غير مقصودة، والمسلم الحق هو الذي يمتلئ قلبه بحبِّ النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- وباحترامه وإجلاله، وهذا الحبُّ يعصمه مِن الزلل في جنابه الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

وعلى الجميع أن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو شرف هذه الأمة، وعنوان فخارها ومجدها، وعلى هذه الأمة أن تقف دون مقامه الكريم بكل أدب وخشوع، وعرفان بالفضل والجميل، قال -تعالى-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاً) (الفتح:8-9)، صدق الله العظيم".

ولنا على ذلك عدة تعليقاتٍ سريعة:

1- مقام النبوة بصفة عامة مقام عظيم رفيع؛ قال الله -عز وجل-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) (النساء:64)، وحق هؤلاء الأنبياء علينا الإيمان والتعظيم والتوقير؛ لا سيما خاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاً)، وسواء كانت العبارة التي صدرت مِن المستشار "الزند": "لو أخطأ نبي!"، أو: "لو أخطأ النبي!"؛ فكلاهما جرم فادح لا يليق بمقام النبوة!

2- أن المستشار "الزند" قد انتبه مِن ساعته إلى هذا الجُرم؛ فقال: "أستغفر الله العظيم"؛ إلا أنه استمر في حديثه وواصل جملته، ولو أنه قام بالواجب عليه حينها مِن بيان أن هذه العبارة سبقت إلى لسانه، وأنه يبرأ إلى الله مِن أن يكون قد قصدها أو قصد شيئًا منها؛ لانتهت المشكلة.

3- هذا وقد تناول البعض هذه العبارة مسقطـًا عليها أحكام سبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، بينما تناولها البعض مسقطـًا عليها قصة الرجل الذي أخطأ مِن شدة الفرح، فقال: (اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ!) (رواه مسلم)، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والواقع: إن الواقعة ليستْ بالتي تبلغ مبلغ السب الصريح، وليست خطأ ناشئًا عن دهشة واضطراب الألفاظ على قائلها كما في حالة الرجل الذي أراد أن يثني على ربه؛ فقال: (اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ!)؛ بدلاً مِن قوله: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك"، ومثل هذا معذور مِن كل وجه، ولكن هذه العبارة أفلتت؛ لعدم التزام قائلها بما أمرنا الشرع به مِن سدِّ الذرائع التي يمكن أن تؤدي إلى أي درجة مِن المساس بمقام النبوة، فقد قال الله -تعالى-: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) (النور:63)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:2)، وشيوع الإخلال بهذه الآداب يجر إلى مثل هذه الأخطاء.

4- واضح مِن السياق أن المستشار "الزند" أراد أن يبالغ في بيان أهمية تطبيق القانون على الكل "بما في ذلك الصحفيين"، ولو أنه استشهد بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (متفق عليه)، وقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ) (متفق عليه)؛ لكان في ذلك تعظيمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- ونشرًا لسنته، ولكان ذلك مؤديًا للمطلوب بأوضح عبارة وأجمل دلالة.

5- المستشار "الزند" كثير الأحاديث الإعلامية، ومِن ثَمَّ تكثر أخطاؤه الشرعية والسياسية؛ فمن الناحية السياسية: "وزير العدل" ليس مختصًا بإصدار القوانين؛ فهذا مِن اختصاص البرلمان، ولا بالحكم في القضايا؛ لأن هذا مِن اختصاص القضاة وتحت قيادة مجلس القضاء الأعلى، ولا بتنفيذ الأحكام بعد صدورها؛ فهذا مِن اختصاص وزارة الداخلية، ومع هذا يتكلم "وزير العدل" في هذا كله؛ فيكون كلامه في هذه الموضوعات أصالة خطأ.

ثم قد يجرُّ إلى أخطاء أخرى "كان أفدحها ذلك الخطأ المتعلق بمقام النبوة"، فمن هذه الأخطاء: مطالبته بعقوبة آباء الإرهابيين، وهذا يخالف الشرع؛ لقوله -تعالى-: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الأنعام:164)، ويخالف الدساتير المعاصرة التي تنص على أن: "الجريمة والعقوبة شخصية".

ومِن هذه الأخطاء: إعلانه أنه لا يشفي غليله إلا أن يُقتل أمام كل شهيدٍ مِن الجيش والشرطة ألفٌ مِن الإرهابيين!

وهذا خطأ مِن وجوه:

منها: أن القصاص لحق "لأولياء الدم"، وليس "وزير العدل!".

ومنها: أن القصاص إنما يكون مِن الفاعل أو الفاعلين، وليس بمكاثرة عدد؛ لا سيما والأصل الشرعي العام "أن النفس بالنفس".

6- بعض الناس كان غضبه "في المقام الأول" مِن عدم انضمام المستشار "الزند" لهم في المطالبة بمنع حبس المدانين في جرائم ازدراء الأديان، والتحريض على الفجور! ولكنهم ادعوا أن غضبهم هذا لله!

ونحن نقول لهم: إن مَن كان غضبه لله؛ فعليه أن يغضب لله أيضًا مِن "جرائم ازدراء الأديان" التي يحاول البعض الدفاع عنها أو تخفيف عقوبتها، وأن يغضب لله مِن جرائم إشاعة الفاحشة في المجتمع التي يطالِب البعض بإلغاء عقوبتها، وأما مَن يستنكر هذه التصريحات ثم يدافع عمن يعتقد وينشر أمورًا قضى القضاء ذاته بأنها تمثـِّل ازدراءً للدين أو تحريضًا على الفجور؛ فهذا تناقض فج!

7- أما مَن يستنكر هذه التصريحات مِن باب إنكار المنكر، والقيام بحق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فجزاهم الله خيرًا، ولكن نذكِّرهم بأن دور الدعاة إلى الله دائمًا هو النصيحة والبيان، وبمقدار ما يغضبهم وجود الأخطاء "لا سيما ما يتعلق منها بمقام النبوة" يسعدهم توبة التائب، ويفرحون بها؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة التائب.

8- والتوبة تشمل: "الإقلاع في الحال - والندم على الذنب في الماضي - والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل"؛ فإذا كان الذنب في حق آدمي وجب رد المظالم إليه، وكلما كان الذنب أعظم كان مِن لوازم التوبة تكرار إظهار الندم والبراءة منه، وتحذير الغير منه، وقد أكثر عمر -رضي الله عنه- مِن مراجعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن صلح الحديبية، فقال -رضي الله عنه-: "فعملتُ لذلك أعمالاً".

فالذي ندعو إليه المستشار "الزند" بعد أن اعتذر: أن يكرر براءته مِن هذا الخطأ، ومِن غيره، وأن يتوب إلى الله منها جميعًا، وأن يبين للناس عظيم مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وجميع الأنبياء، وأن يعتذر لكل مَن شملهم خطأ منه بصورة أو بأخرى؛ لا سيما ما كان مِن الدعوة إلى تطبيق عقوبات في غير محلها!

9- وإن كان مِن نصيحة عامة في النهاية: فإننا نحذِّر "أصحاب دعوات حذف مادة التربية الدينية!" مِن المدارس -وهي الدعوة التي تطل برأسها علينا بيْن الحين والآخر- مِن مغبة ذلك، وقد أحسنتْ "هيئة كبار العلماء بالأزهر" بالتصدي لها.

ونقول لهم: إن الأحداث المتلاحقة علينا تؤكِّد أن المجتمع بجميع طبقاته في حاجة ماسة إلى زيادة الجرعة الدينية في المدارس والجامعات، ووسائل الإعلام، وليس تقليلها؛ فضلاً عن المطالبة بحذفها ومنعها!

نسأل الله أن يرينا الحق حقـًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com