الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

المودة والذنوب!

فعجيب أن يَسلم منك الكافر والفاجر، ولا يسلم منك أخوك المؤمن الطائع لربه، العامل بدينه، الناصر له!

المودة والذنوب!
عصام حسنين
الاثنين ٠٤ أبريل ٢٠١٦ - ٠٩:٠٦ ص
1567

المودة والذنوب!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن مِن أجلِّ القُربات التي يتقرب بها العبد لربه -سبحانه وتعالى- والتي يَنال بها محبته -عز وجل- ونصره، وتأييده: "التحاب في الله -تعالى-، والأخوة في دينه"، قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: (أحَبُّ الأعْمالِ إِلَى الله: الحُبُّ فِي الله، والبُغْضُ فِي الله) (رواه الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الأرنؤوط)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تبارك وتعالى-: (قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) (رواه مالك في الموطأ وأحمد والحاكم، وصححه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: الْمُوَالَاةُ فِي اللهِ, وَالْمُعَادَاةُ فِي اللهِ, وَالْحُبُّ فِي اللهِ, وَالْبُغْضُ فِي اللهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

والحب في الله: أي مِن أجل الله؛ لقيامه بطاعة الله -تعالى-. أو في ذات الله: أي في دينه وشرعه، لا لعرض مِن الدنيا.

وهذا يشمل كل مؤمن طائع لله.

قال ابن عثيمين- رحمه الله-: "ولله -تعالى- أولياء يتولون أمره ويقيمون دينه، وهو يتولاهم بالمعونة والتسديد، والحفظ والتوفيق، والميزان فيها قوله -تعالى-: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:62-63). قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "مَن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا" (اهـ مِن القول المفيد).

ومَن كان بهذا الوصف فيجب موالاته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فمَن كان قائمًا بواجب الإيمان كان أخًا لكل مؤمن، ووجب على كل مؤمن أن يقوم بحقوقه، وإن لم يجْرِ بينهما عقد خاص، فإن الله ورسوله قد عقد الأخوة بينهما بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا) (رواه النسائي وابن ماجه، وصححه الألباني)، ومَن لم يكن خارجًا عن حقوق الإيمان وجب أن يُعامَل بموجب ذلك؛ فيحمد على حسناته ويوالَى عليها، وينهى عن سيئاته ويجانب عليها بحسب الإمكان" (اهـ بتصرف مِن الفتاوى35/94).

- ولهذه المحبة ثمرات عظيمة، منها: محبة الله -تعالى- للمتحابين التي هي الشأن الأكبر والغاية العظمى التي يسعى لنيلها المحبون، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ، عَلَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) (رواه مسلم).

- وإذا أحب الله -تعالى- عبدًا أحبه أهل السماوات، وجعل له القبول في الأرض، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم:96). أي محبة في قلوب الناس.

- وبهذه المحبة أيضًا يجد العبد حلاوة الإيمان القلبية التي هي انشراحه وراحته: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (رواه البخاري ومسلم). واللام في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لِلَّهِ) للتعليل؛ أي مِن أجل الله؛ لأنه قائم بطاعة الله.

و(الْمَرْءَ) تشمل الرجل والمرأة، وعليه، فما أعظمه حبًّا حب الزوج لزوجته لطاعتها لله -تعالى-، حبًّا ينال به حلاوة الإيمان، وكذلك حب الزوجة لزوجها!

- وبهذه المحبة الخالصة لله -تعالى- ينال العبد أيضًا ثناءً عظيمًا مِن الله -تعالى-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).  

- وبها أيضًا تُنال المنازل العالية يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -تعالى: (قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: المُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- كما أنها مِن أسباب النجاة يوم القيامة: ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -أي ظل عرشه- ذكر -صلى الله عليه وسلم- مِن هؤلاء السبعة: (وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ) (متفق عليه).

- وبها أيضًا يَنال العبد المنازل العالية لإخوانه التي لا يبلغها عمله: عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَلْحَقَ بِعَمَلِهِمْ؟ قَالَ: (أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ! مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، يَا أَبَا ذَرٍّ!) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

- وعن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: (وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟). قَالَ: لاَ شَيْءَ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ). قَالَ أَنَسٌ: "فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ" (رواه البخاري ومسلم).

- عبادة هذه فضائلها حقيق بالمؤمن الحريص على الخير أن يقوم بها وأن يتخولها، وأن يقوم بحقوقها وأسباب تقويتها، ويحذر مِن أسباب نقصها أو ذهابها: فإذا لقيتَ أخاك هششتَ له، وسلمتَ عليه وصافحته، وإذا عطس شمته، وإذا مرض عدته، وإن دعاك أجبته، وإن استنصرك نصرته؛ تنصره إن كان مظلومًا بحسب قدرتك، وإن كان ظالمًا منعته مِن ظلمه، وإن استنصحك نصحته، وأن تتواضع له، وأن تخالقه بخلق حسن؛ فتبذل له المعروف، وتكف عنه الأذى، وتقبل إحسانه وتعفو عن زلته، وأن توقره إن كان كبيرًا، وأن ترحمه إن كان صغيرًا، وأن تساعده إن احتاج، وأن تتفقده إذا غاب، وأن تعيذه إذا استعاذ بالله، وأن تعطيه إذا سألك بالله إن وجدتَ، وأن تكافئه على معروفه أو تدعو له إن لم تجد، وأن تهاديه!

وكل ذلك لله -تعالى- الذي يحب منا ذلك.

- ولتحذر مِن مكائد الشيطان؛ فإنه ينزغ بيْن عباد الله المؤمنين: قال الله -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء:53).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) (رواه مسلم).

فاحذر أن تنال أخاك بمكروه في دمه أو ماله أو عرضه!

فعجيب أن يَسلم منك الكافر والفاجر، ولا يسلم منك أخوك المؤمن الطائع لربه، العامل بدينه، الناصر له!

فلا تغتبه، ولا تحتقره أو تسخر منه أو تنبذه بلقب يكرهه، ولا تنم عنه حديثـًا، ولا تحسده، ولا تظن به سوءًا أو تغشه أو تخدعه، ولا تخنه، ولا تكذبه، ولا تماطله في حق، ولا تعيره بذنب تاب منه، ولا تشمت به، ولا تهجره فوق ثلاث إلا في أمر شرعي؛ وبالجملة تحذر أي سبب يؤدي إلى العداوة والبغضاء بينك وبين إخوانك، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ البَيْنِ فَإِنَّهَا الحَالِقَةُ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). أي تحلق الدين كما يحلق الموسى الشعر. وسوء ذات البين: هي العداوة والبغضاء.

- ثم الحذر مِن الذنوب والمعاصي: فإن لها عقوبات وخيمة أشدها الوحشة بيْن العبد وبين ربه، وبينه وبين إخوانه الصالحين الذين يحبهم ويحبونه، ويتعاون معهم لإقامة الدين في الأرض؛ فإن وجد العبد في نفسه شيئًا مِن ذلك فليبادر إلي الاستغفار والتوبة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللهِ أَوْ فِي الْإِسْلَامِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا, إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: "( مَا تَوَادَّ) بالتشديد. (اثْنَانِ فِي اللهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا, إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا) فيكون التفريق عقوبة لذلك الذنب؛ ولهذا قال موسى الكاظم: إذا تغير صاحبك عليك، فاعلم أن ذلك مِن ذنب أحدثته، فتب إلى الله مِن كل ذنب، يستقيم لك وده". وقال المزني: إذا وجدتَ مِن إخوانك جفاءً؛ فتب إلى الله، فإنك أحدثت ذنبًا، وإذا وجدت منهم زيادة ودٍّ، فذلك لطاعة أحدثتها، فاشكر الله" (اهـ مِن فيض القدير).

- قال بشر: "إذا قصَّر العبد في طاعة الله سلبه الله مَن يؤنسه، وذلك لأن الإخوان مسلاة الهموم وعون على الدين".

- وكتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد: "سلام عليك، أما بعد، فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله، فإذا أحبه الله حببه إلى عباده، وإن العبد إذا عمل بمعصية الله أبغضه الله، فإذا أبغضه بغضه إلى عباده".

- وعن هرم بن حيان قال: "ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل بقلوب المؤمنين عليه، حتى يرزقه ودهم".

- إخواني... لكي تدوم لنا المودة بيننا وبيْن إخواننا؛ فلنعتصم بالله، ولنتقرب إليه بطاعته، ولنجتنب معصيته.

اللهم ارزقنا حبك وحب مَن يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً