السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

توقير حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- وتقديمه على كل قول وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك

لو فعلنا ذلك لسقط الخلاف وزالت الفرقة، واتحد الصفَّ وتحقق نصر الله

توقير حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- وتقديمه على كل قول وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك
عادل نصر
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١٦ - ١٥:٠٦ م
1704

توقير حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- وتقديمه على كل قول

وهجر من يعرض عنه والغضب لله في ذلك

كتبه/ عادل نصر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ومن الأدب الواجب مع النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى قيام الساعة توقير حديثه، وتقديمه على كل قول وفعل، ولقد كان هذا هو حال الصحابة -رضوان الله عليهم- وتابعيهم بإحسان، وهاكم الأدلة على ذلك:

-        عن أبي حازم عن سهل أنه كان في مجلس قومه وهو يحدثهم عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبعضهم يقبل على بعض يتحدثون، فغضب ثم قال: "انظر إليهم، أحدثهم عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عما رأت عيناي وسمعت أذناي، وبعضهم يقبل على بعض، أما والله لأخرجن من بين أظهركم ولا أرجع إليكم أبدًا"، قلت له: "أين تذهب؟" قال: "أذهب فأجاهد في سبيل الله".

فيغضب ويهجرهم لعدم إنصاتهم واكتراثهم بسماع حديثه، فكيف لو رأى حالنا اليوم؟، فأين أدبنا مع حديثه –صلى الله عليه وسلم- وسنته؟، إن الواجب علينا حين نسمع قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نقبل بالقلوب والأسماع في صمت وأدب وسكينة ووقار، فإن صح الحديث بادرنا إلى الامتثال والعمل، ولسان حالنا ومقالنا يقول سمعًا وطاعة وعلى العين والرأس.

-        عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ قَرِيبًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ، قَالَ: "فَنَهَاهُ" وَقَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ الْخَذْفِ" وَقَالَ: "إِنَّهَا لا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلاَ تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ" قَالَ: "فَعَادَ"، فَقَالَ: "أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ؟! لاَ أُكَلِّمُكَ أَبَدًا"

-        عَنْ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا" فَقَالَ فُلاَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "إِذًا وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا". فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، فَشَتَمَهُ شَتِيمَةً لَمْ أَرَهُ يَشْتِمُهَا أَحَدًا قَبْلَهُ قَطُّ، ثُمَّ قَالَ: "أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- وَتَقُولُ: "إِذًا وَاللَّهِ أَمْنَعُهَا!".

-        عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ قَالَ: "ذَكَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ، فَقَالَ فُلاَنٌ: "مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا، يَدًا بِيَدٍ". فَقَالَ عُبَادَةُ: "أَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- وَتَقُولُ: "لاَ أَرَى بِهِ بَأْسًا! وَاللَّهِ، لاَ يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا".

-        وروى مسلم حديث سالم عن ابن عمر المتقدم، ورواه الإمام أحمد وزاد: "فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى مَاتَ".

-        قال الطيب -رحمه الله– شارح المشكاة: "عجبت ممن يتسمى بالسني، إذا سمع من سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وله رأي رجع رأيه عليها، وأي فرق بينه وبين المبتدع؟" أما سمع: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".

وها هو ابن عمر، وهو من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله–صلى الله عليه وسلم- وهجر فلذة كبده لتلك الهنة، عبرة لأولي الألباب.

-        وقال النووي في شرح مسلم عند الكلام على حديث عبد الله بن مغفل الذي تقدم: "فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانهم دائما والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائمًا وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعب بن مالك وغيره".

-        ولقد حرص صحابته الكرام -رضوان الله عليهم- على مراعاة هذه الآداب أشد الحرص، وتبعهم على ذلك أكابر علماء الأمة، فلقد لزموا الأدب والتوقير معه –صلى الله عليه وسلم- فكان منهم من لا يحدث بحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا على وضوء؛ ومنهم قتادة وجعفر بن محمد، ومالك بن أنس، بل صار ذلك عندهم مستحبًّا، وكرهوا خلافه، قال ضرار بن مرة: "كانوا يكرهون أن يحدثوا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهم غير وضوء"، قال إسحاق: "فرأيت الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على وضوء تيمم".

-        وقال أبو سلمة الخزاعي: "كان مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يحدث توضأ للصلاة، ولبس أحسن ثيابته، ولبس قلنسوة، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقال: "أوقر به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".

-        وقال ابن أبي الزناد: "كان سعيد بن المسيب وهو مريض يقول: "أقعدوني، فإني أعظم أن أحدث حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأنا مضطجع".

-        وكان محمد بن سيرين يتكلم فيضحك، فإذا جاء الحديث خشع.

-        وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يتحدث في مجلسه، أي الذي يحدث فيه بحديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ولا يبري فيه قلمًا، ولا يبتسم أحد، فإن تحدث أو برى قلمًا صاح ولبس نعليه ودخل.

-        وقال حماد بن سلمة: "كنا عند أيوب نسمع لغطًا!" فقال: "ما هذا اللغط؟ أما بلغهم أن رفع الصوت عند حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كرفع الصوت عليه في حياته"، ومن رام التوسع في ذلك فليراجع: (جامع بيان العلم وفضله) لابن عبد البر.

وقال الإمام الشافعي –رحمه الله- في رسالته: "أخبرني أبو حنيفة بن سمِاك بن الفضل الشهابي قال: "حدثني ابن أبي ذئب عن المقْبُري عن أبي شريح الكعبي: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال عام الفتح: "مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيْلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْن: إِنْ أَحَبَّ أَخَذَ الْعَقلَ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقَوَدُ"، قال أبو حنيفة: "فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح عليَّ صياحًا كثيراً ونال مني" وقال: "أحدثك عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتقول: تأخذ به؟ نعم، آخذ به، وذلك الفرض عليَّ وعلى من سمعه، إن الله اختار محمدًا من الناس فهداهم به وعلى يديه واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخِرين، لا مَخرج لمسلم من ذلك. قال: "وما سكت حتى تمنيت أن يسكت".

-        ومن الأدب مع النبي –صلى الله عليه وسلم- ما ذهب إليه فريق من أهل العلم –وهو الراجح إن شاء الله تعالى- إلى أن الكاذب عليه –صلى الله عليه وسلم- تسقط روايته وإن تاب بعد ذلك تغليظًا وزجرا له، وتعظيما لحديث النبي –صلى الله عليه وسلم-، يقول العلامة أحمد محمد شاكر: "الراوي المجروح بالفسق إذا تاب عن فسقه وعرفت عدالته بعد التوبة تقبل روايته بعدها، وهذا على إطلاقه في كل المعاصي ماعدا الكذب في رواية الحديث، فإن أحمد بن حنبل وأبا بكر الحميدي وأبا بكر الصيرفي قالوا: "لا تقبل رواية من كان كذلك في أحاديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- وإن تاب عن الكذب بعد ذلك"، قال الصيرفي: "كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر". وقال أبو المظفر السمعاني: "من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه".

وقال العلامة أحمد محمد شاكر بعد أن ذكر قول النووي بصحة توبته وقبول روايته، قال: "والراجح ما قاله أحمد بن حنبل تغليظًا وزجرا بليغا عن الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعًا مستمرًّا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدته قاصرة وليست عامة"، وذهب إلى ذلك أيضا صاحب (تدريب الراوي) الإمام السيوطي رحمه الله تعالى.

والآثار عن سلفنا -عليهم رضوان الله- والعلماء الأثبات من الخلف السائرين على درب السابقين في تعظيم النبي –صلى الله عليه وسلم- والأدب معه ومع حديثه والتزام سنته وهديه وتقديم قوله على كل قول امتثالاً لأمر ربهم بعدم التقديم بين يديه بقـول ولا فعل معه –صلى الله عليه وسلم- في حياته ومع سنته بعد مماته، الآثار في ذلك أكثر من أن تحصر، وما ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض، وقطرة من بحر، ولنا أن نقف مع أنفسنا وقفة نراجع فيها حالنا ونقول: أين نحن من ذلك لاسيما الذين هبوا لنصرة دينهم من أبناء الصحوة المباركة، فإن عليهم الآن إن كانوا صادقين في سعيهم لإعلاء كلمة الله –عزوجل- أن يسيروا خلف نبيهم –صلى الله عليه وسلم- فيقدمون قوله وفعله ويعظمون هديه، فهو وحده –صلى الله عليه وسلم- المعصوم الذي أمرنا الله –سبحانه وتعالى- بطاعته مطلقًا، وغيره يؤخذ من قوله ويرد.

وتالله لو فعلنا ذلك لسقط الخلاف وزالت الفرقة، واتحد الصفَّ وتحقق نصر الله، أما أن يقدم كل منا كلام شيخه ومتبوعه على كلام النبي –صلى الله عليه وسلم- فهذا والله من أعظم أسباب الهوان والذل والتفرق والتشرذم، فضلًا على أن من فعل ذلك لم يتأدب بما أدبه الله به مع نبيه –صلى الله عليه وسلم-، فيا بني قومي هلموا إلى الصراط السوي، إلى المعين الصافي الرائق، معين الكتاب والسنة، بفهم الصحابة الكرام؛ لنروي ظمأنا، ونداوي سقمنا، فنشفى بإذن ربنا.

إذا رمت أن تتوخى الهدى *** وأن تأتي الحق من بابه

فدع كل قول ومن قاله *** بقول النبي وأصحابه

فلم تنج من محدثات الأمور *** بغير الحديث وأربابه

 

وقال الحافظ ابن حجر:

هنيئًا لأصحاب خير الورى ** وطوبى لأصحاب أخباره

أولئك فازوا بصحبته *** ونحن سعدنا بتذكاره

 

وهم سبقونا إلى نصره *** وها نحن أتباع أنصاره

 

ولما حرمنا لقاء عينه *** عكفنا على حفظ آثاره

عسى الله يجمعنا كلنا *** برحمة معه في داره

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة