الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

انتبه أمامك يوم عرفة

ينبغي للمسلم أن يحفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم

انتبه أمامك يوم عرفة
زين العابدين كامل
السبت ١٧ سبتمبر ٢٠١٦ - ٠٣:٠٠ ص
987

انتبه أمامك يوم عرفة

كتبه/ زين العابدين كامل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

ففي هذة الأيام المباركة يتابع المسلمون أحوال حجاج بيت الله الحرام وهم يتوافدون من كل مكان إلى الأراضى المقدسة والبقاع الطاهرة، رحلة إيمانية لبيت الله الحرام، ذلكم البيت الذي تحن له القلوب وتدمع عنده العيون وتشتاق له الأرواح والأفئدة، فنحن في موسم من مواسم الطاعة، وإن الليالي والأيام والشهور والأعوام تمضي سريعا وتنقضي سريعا؛ ومواسم الخيرات وأزمنة الطاعات تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات.

ومن تلك الأزمنة يوم عرفة؛ فيوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم قال الله -عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [سورة التوبة : 39]. والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.

و يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج قال الله -عز وجل-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) [سورة البقرة : 197] وأشهر الحج هي: شوال، ذو القعدة، ذو الحجة.

و يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه، قال الله -عز وجل-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) [سورة الحج:28]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الأيام المعلومات: عشر ذي الحجة.

و يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها منبها على عِظم فضلها وعلو قدرها، قال الله -عز وجل-: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) [سورة الفجر:2]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنها عشر ذي الحجة وقال ابن كثير: وهو الصحيح.

و يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من عمل أزكى عند الله -عز وجل- ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل-؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله -عز وجل- إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ  الألباني.

و في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا فقال: أي آية: قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: 3] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بعرفة يوم الجمعة، وفي رواية نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة.

فيوم عرفة يوم عيد، والعيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما تكون بطاعتهم لله تعالى، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] فعرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة.

وليوم عرفة فضائل أخرى. ومنها: أنه عيد لأهل الإسلام كما قاله عمر بن الخطاب وابن عباس، فإن ابن عباس قال: نزلت في يوم عيدين يوم الجمعة ويوم عرفة، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب). صححه الألباني. وقال كثير من أهل العلم هو عيد لأهل الموقف خاصة، ويستحب صيامه لأهل الأمصار عند جمهور العلماء.

ومنها أنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، كما في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟" وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاءوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي فلم ير أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة"

وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده).صححه الألباني.

وعن أنس بن مالك قال: وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب -تغرب- فقال يا بلال أنصِت لي الناس، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنصتَ الناس، فقال: معشر الناس أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله -عز وجل- غفر لأهل عرفات وأهل المشعر -المزدلفة- وضمن عنهم التبعات -التّبعات هي حقوق العباد، كالدّيون والودائع، فإنّ الله يضمنها عنهم، بمعنى أنّه تعالى ييسّر لهم أداؤها، أو يوفّق من يؤدّيها عنهم-. فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كَثُر خيرُ الله وطاب. (صحيح لغيره).

وتأملوا أحوال السلف في يوم عرفة: قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه وعيناه تهملان، فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالا؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له. وروي عن الفضيل أنه نظر إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء ساروا إلى رجل فسألوا دانقا -يعني سدس درهم- أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.

وعلى غير الحاج كذلك أن يغتنم يوم عرفة فى طاعة الله تعالى ما بين الصيام والذكر والدعاء وتلاوة القرآن، ولا حرج لو لزم المسجد ليتفرغ لطاعة الله تعالى، وينشغل بالذكر والدعاء، لكن لا يواظب على الإعتكاف في المسجد كل عام في يوم عرفة، فقد كره بعض أهل العلم ذلك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فَإِنَّ الْمُدَاوَمَةَ فِي الْجَمَاعَاتِ -عَلَى غَيْرِ السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ- بِدْعَةٌ؛ كَالْأَذَانِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَالْقُنُوتِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَالدُّعَاءِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ الْبَرْدَيْنِ مِنْهَا، وَالتَّعْرِيفِ الْمُدَاوَمِ عَلَيْهِ فِي الْأَمْصَارِ..؛ فَإِنَّ مُضَاهَاةَ غَيْرِ الْمَسْنُونِ بِالْمَسْنُونِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ وَالْقِيَاسُ..). [مجموع الفتاوى].

وينبغي للمسلم أن  يحفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له) رواه أحمد.

يَا رَاحِلِينَ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ لَقَدْ ... سِرْتُمْ جُسُومًا وَسِرْنَا نَحْنُ أَرْوَاحَا

إنَّا أَقَمْنَا عَلَى عُذْرٍ وَعَنْ قَدَرٍ  ...    وَمَنْ أَقَامَ عَلَى عُذْرٍ فَقَدْ رَاحَا

اللهم يسر لحجاج بيتك الحرام أمرهم وتقبل منهم سعيهم، ورُدّهم إلى بلادهم مقبولين غانمين،اللهم أمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com