الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

أكل الحقوق

على المسلم أن يُعَظِّم حرمة أخيه المسلم تعظيماً لله -تعالى- الذي عَظَّمَها

أكل الحقوق
عصام حسنين
الأحد ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦ - ١٤:٣٠ م
2207

أكل الحقوق

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد،

فقد هاتفتني سيّدةٌ فاضلة تسأل عن حال أختها؛ إذ دخلت عليها لما ماتت فوجدت نملاً تجمَّع على جانب وجهها وأكل منه، ودموع الدم تنزل من عينها، ولم تكن مريضة بكبد أو غيره !!.

ولما سألتها عن عملِها قالت: إنها كانت متزوجة من رجل كبير في السن وله أولاد من غيرها يقيمون بالصّعيد، وكانت تأخذ من مال الجمعيات الخيرية وهى غَنيّة عنها، وكتبت شقة من زوجها لابنها دون أولاده!!. -غفر الله لها-.

قلت: هذا من الظلم الذى ظلمته لأولاد الرجل، ومن السؤال الذي كانت تسأله بغير حقّ، فعليك أن تُذَكّري أولادها حتى يُخلِّصوا أُمَّهم من هذا الظلم، مع الدعاء والصدقة.

حرّكت هذه الحادثة -وغيرها كثيرٌ- فيّ واجبَ النصيحة، لنفسي ولإخواني المسلمين، في وقتِنا هذا الذي ضاعت فيه الحقوق، وسَهُلَ على الكثير أكلُها، وكأننا في الزمان الذى يقول فيه -صلى الله عليه وسلم-: "ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرءُ بما أخذ المال: أمِنَ الحلال أم من الحرام" (رواه البخاري). الله المستعان.

        إن الله تعالى قد عظّم حُرمة المسلم، عن ابن عباس: (لما نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكعبة قال: "مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ!  ولَلمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ) شُعَب الإيمان للبيهقي. وهذا إسناد حسن،(الصحيحة3420)؛

فحرّم دمَه ومالَه وعِرضَه فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ" النساء:29.

وقال: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً" النساء: 92.

وقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ". الحجرات:11:12.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه" رواه مسلم.

وقال: "كُلّ المسلم على المسلم حرام: دمُه ومالُه وعِرضُه". رواه مسلم.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبته، في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" رواه مسلم.

        ومن صور أكل المال بالباطل -بغير حَقٍّ شرعه الله تعالى-:

1-      اقتراض المال ثم أكله -بِعَدَم رَدِّه، أو يأخذه مضارَبة وليس له بها خبرة فيُتلِفه ويضيّعه على أصحابه. وهذا مُتَوَعّد بالإتلاف، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَخَذَ أموال الناس يريد أداءَها أدّى الله عنه، ومن أَخَذَها يريد إِتلافَها أتلَفَه الله". رواه البخاري.

2-      سؤال الناس أموالَهم تَكَثُّراً، أو بلا حاجه أو ضرورة. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مَزعَة لَحْمٍ". رواه مسلم.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو تعلمون ما في المسألة ما مشى أَحَدٌ إلى أَحَدٍ يسأله شيئاً". رواه أحمد.

3-      الخصومة بباطل لأكل حَقّ أخيه. قال الله -تعالى-: " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألحَنَ بحُجّته من بعض، فإن قضيتُ لأحد منكم بشيءٍ من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار؛ فلا يأخذ منها شيئاً". رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

4-      الحلف كذباً لترويج سلعته ولأكل حق أخيه. قال -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة لا يُكَلِّمهم الله يوم القيامة ولا يَنظُر إليهم ولا يُزَكّيهم ولهم عذاب أليم" ثلاث مرات. قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: "المُسْبِل، والمَنّان، والمُنفِق سِلْعَتَه بالحلف الكاذب". رواه مسلم. أي: المُرَوِّج سلعته بالحلِف الكاذب، يحلِف ليغر أخاه أنه اشتراها بثمنه أو باعها له بخسارة وهو في ذلك كاذب -فالويل له-. فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف على يمينٍ فاجِرةٍ ليقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان". رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: "وإن قَضيبًا من أراك". صحيح. رواه مالك في المُوَطّأ.

5-      الرّشوة، والتي ما انتشرت في مجتمع إلا آذنت بفساده الاقتصادي وانهياره؛ فما من فساد في أي منحى من مناحي الحياة إلا والرّشوة سببُه وأساسه، وإذا دخلت الرّشوة من الباب خرجت الأمانة من الشباك. (وهو النافذة. المعجم الوسيط). لذلك حَرَّمَها الشرع ولعن آكلها وموكلها والوسيط بينهما. قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الراشي والمرتشي" أخرجه الترمذي وأحمد. وفى لفظ -فيه ضع- "والرائش".

وانظر لهذا الموقف العجيب الذي شهد اليهود أنه بمثله قامت السماوات والأرض: عن سليمان بن يَسَار -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يبعث عبدالله بن رواحة إلى خَيْبَر ، فيخرص بينه وبين اليهود . قال: فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم، فقالوا له: هذا لك وخفِّفْ عنا وتجاوز في القسم. فقال: "يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إليّ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عَرَضتم من رِشوة فإنها سُحْت، وإنا لا نأكُلها، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض" أخرجه مالك.

6-      الإضرار فى الوصية. قال الله -تعالى- بعد ذكر آيات المواريث والوصية: "تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ" النساء: 13:14.

قال الله -تعالى- في الوصية: "مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ". النساء: 12، قال ابن كثير: "لتكن وَصِيّته على العدل لا على الإضرار" التفسير. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "الإضرار في الوصية من الكبائر". رواه البيهقي في السنن الكبرى.

7-      التصرُّف في مال المسلمين بغير حقِّ شرعِ الله، وهذا يشمل كلَّ مَن ولّاه الله وِلاية وتحت يده أموال الناس، من رأس الدولة إلى أقلِّ سُلطة تنفيذية، حتى من كان إماماً ومسئولاً عن مسجد، أو وكيلاً عن صدقةٍ أو زكاةٍ ونحو ذلك، فيجب عليه أن يتصرف في هذه الأموال تصرُّفاً مشروعاً في وجهِها وحَقِّها، والويل له إن أضاعها أو تصرف فيها لنفسه أو أقاربه أو غيرهم مُحاباةً، أو تصرَّف فيها بمحض شهوته وهواه.

عن خولة الأنصارية -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة" رواه البخاري.

8-      أكل مال اليتيم بغير حقِّ أَذِنَ فيه الشرع. قال الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"[النساء:10].

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها: "أكل مال اليتيم" رواه البخاري ومسلم.

        وبالجملة فعلى المسلم أن يُعَظِّم حرمة أخيه المسلم تعظيماً لله -تعالى- الذي عَظَّمَها؛ "وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ".

وأن يحرِص على الحلال؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله طيّبٌ لا يقبل إلا طيِّبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" .. وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" .. ثُمّ ذَكَر الرجل يُطيل السفر، أَشْعَث أَغْبَر، يمدّ يديه إلى السماء، يارب يارب، ومطعَمه حرامٌ، ومَشرَبه حرامٌ، ومَلبَسه حرام، وغُذي بالحرام؛ فأنّى يُستجاب لذلك؟!" رواه مسلم.

"اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك". والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً