الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

دور روسيا الشيوعية في مساعدة يهود فلسطين

الاستفادة غير المباشرة مِن روسيا القيصرية- تواصل الشيوعيين الروس سرًّا مع الحركة الصهيونية- تزويد يهود فلسطين بالسلاح والمساعدة في التدريب عليه...

دور روسيا الشيوعية في مساعدة يهود فلسطين
علاء بكر
الخميس ١٠ مايو ٢٠١٨ - ١٧:٤٨ م
1002

دور روسيا الشيوعية في مساعدة يهود فلسطين

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا يتنبه له الكثيرون: الدور الكبير الذي قامتْ به روسيا الشيوعية وحلفاؤها مِن دول أوروبا الشرقية التابعة لها (الكتلة الشرقية) في مساعدة يهود فلسطين وإقامة دولة إسرائيل، بل وفي استمرار وتقوية وجودها بعد قيامها، وهو ما نسعى إلى الإشارة إليه هنا في عجالة واختصار.

أولًا: الاستفادة غير المباشرة مِن روسيا القيصرية:

رغم ما تعرض له اليهود في عهد روسيا القيصرية مِن اضطهاد في بعض الفترات في النصف الثاني مِن القرن التاسع عشر الميلادي؛ إلا أن الحركة الصهيونية التي أنشأها (تيودور هرتزل) استفادت مِن هذا الاضطهاد مِن روسيا القيصرية في تدعيم دعوتها إلى إقامة وطنٍ قوميٍ لليهود يأمنون فيه مِن الاضطهاد والمعاداة، كما استغلت بعد ذلك دعوى معاداة السامية ودعوى اضطهاد النازية في ألمانيا لليهود في أوروبا في تدعيم حركتها، وكان الاختيار الذي تحمس له اليهود، خاصة يهود روسيا وأوروبا الشرقية هو إقامة هذه الدولة اليهودية في فلسطين، بناءً على عاطفةٍ دينيةٍ وتاريخيةٍ، وعلى حساب شعب فلسطين وأرضه.

ومِن هنا نلاحظ:

- أن أكثر الذين شاركوا في المؤتمرات الصهيونية الأولى كانوا مِن اليهود الروس والأوروبيين الشرقيين، أما اليهود الغربيون فلم يتحمسوا لفكرة إقامة وطن لليهود في فلسطين، إذ كانت فكرة صعبة التنفيذ، وبعيدة المنال مِن جهة، ولكونهم قد تكيفوا مع الحياة في بلدان أوروبا الغربية واستقروا بها، فليس مِن السهل عليهم تركها إلى ما لا يعلمون تكلفته ومصيره؛ لذا لم يشارك يهود أوروبا الغربية بفاعليةٍ في المؤتمرات الصهيونية الأولى، بل وعارض ممثلوهم الفكرة التي قامتْ عليها الحركة الصهيونية، ولم تبدأ الهجرة اليهودية مِن دول أوروبا الغربية بشكلٍ ملحوظٍ إلا بعد ظهور وعد بلفور عام 1917م وبداية تفعيله في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، بعكس اليهود الروس الذين ارتضوا الهروب مِن الاضطهاد القيصري في روسيا إلى المستعمرات التي بدأ ظهورها في فلسطين، حيث الأرض التي يتطلعون بعيونهم إليها، ويحلمون بعاطفتهم بها في ظل حركةٍ صهيونيةٍ رسمت المنهج والطريق، وبدأت خطواتها الفعلية في التنفيذ والبناء.

- أن موجات الهجرة الأولى لليهود إلى أرض فلسطين، وإنشاء مستعمرات صهيونية فيها، كان أغلبها مِن اليهود الروس، ويهود أوروبا الشرقية.

- أن أكثر زعماء ورؤساء إسرائيل وقادتها بعد قيامها كانوا مهاجرين مِن روسيا وأوروبا الشرقية إلى إسرائيل.

- أن اليهود الروس والشرقيين تمسكوا دائمًا بأن تكون فلسطين هي الأرض المقترحة لإقامة الدولة اليهودية، وعارضوا أي مقترح يتضمن تقديم أرض أخرى لإقامة دولة لليهود فيها كالأرجنتين في أمريكا الجنوبية أو أوغندا في إفريقيا.

ثانيًا: تواصل الشيوعيين الروس سرًّا مع الحركة الصهيونية:

بعيدًا عن الرسميات لم تغفل الحركة الصهيونية الاستفادة مِن روسيا؛ فسعت سرًّا إلى ربط مصالحها بمصالح روسيا، إذ تلتقي دائمًا مصالح الغرب والشرق ومصالح اليهود في معاداة العالم الإسلامي وقضاياه، ومِن مظاهر هذا العمل السري التعاون بيْن الحركة الصهيونية وأصحاب الفكر الشيوعي الذي ظهروا في بداية القرن العشرين: لقاء (وايزمان) -الذي قاد الحركة الصهيونية بعد وفاة هرتزل في عام 1904م- بـ(لينين) -الذي تبنى الفكر الماركسي وتولى تطبيقه في روسيا بعد الثورة البلشفية- بحضور الكاتب الصهيوني (جاك ليفي) في بيت الصناعي (دانيال شوين) في (زيورخ)؛ لبحث مخطط تقويض القيصرية في روسيا، وبحث المخطط اليهودي في فلسطين، حيث وعد (لينين) (وايزمان) أنه بعد قيام الثورة البلشفية الشيوعية وزوال القيصرية مِن روسيا ستحقق الثورة في روسيا للشعب اليهودي المشتت ما عجزتْ عن تحقيقه لهم الثورة الفرنسية سنة 1789م، ووعد (وايزمان) (لينين) بأنه لابد مِن إنشاء دولة يهودية في فلسطين على أسسٍ اشتراكيةٍ بعد أن تحقق الثورة الروسية الاشتراكية أهدافها؛ ولهذا أعلنت بالفعل الحكومة البلشفية برئاسة (لينين) عقب وصولها للسلطة -تنفيذًا لذلك- تأييدها الكامل لحق اليهود في وطنٍ قوميٍ لهم في فلسطين.

ومِن المعلوم أن الشيوعية مِن ابتكار اليهود؛ فهم الذين صاغوا الفكر الشيوعي وأسسوا تنظيماته الأولى وأمدوها بالمال، وكان لهم الهيمنة عليها وعلى الثورة البلشفية، وكان كثيرٌ مِن أعضاء ورجال الثورة البلشفية مِن اليهود؛ ففي اللجنة التنفيذية في مكتب السوفيت في (بتروجراد) كان يوجد 43 يهوديًّا! و(كارل ماركس) مؤسس الفكر الماركسي الشيوعي يهودي -مِن بيتٍ يهوديٍ محافظ-، وهو حفيد الحاخام اليهودي المعروف (مردخاي ماركس).

يقول الحاخام اليهودي (لويز برونس): "إن كارل ماركس حفيد الحاخام (مردخاي ماركس)، كان في روحه واجتهاده وعمله ونشاطه وكل ما قام به وأعد له أشد إخلاصًا لإسرائيل مِن الكثيرين ممَن يتشدقون اليوم بدورهم في مولد الدولة اليهودية".

وارتباط ماركس بإقامة دولة يهودية يرجع إلى اتصاله بـ(موشيه هيس) صاحب كتاب (الدولة اليهودية)، والذي منه استقى هرتزل -مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة- فكرة كتابه (الدولة اليهودية) بعد تبنيه فكر (هيس) وتنظيمه؛ ولهذا يرى الكثيرون أن شيوعية اليهودي "كارل ماركس" صورة مِن صور إفساد اليهود للعلم والمجتمعات، بنشر الإلحاد والانحلال باسم العلم والتقدم والتحرر.

الاشتراكية الماركسية (الشيوعية):

نسبة إلى مؤسسها "كارل ماركس" الذي وضع أسسها النظرية بمساعدة صديقه (فردريك إنجلز)، وتتبنى الماركسية الإلحاد، وترى أن المادة أساس كل شيء، وتفسِّر التاريخ بالعوامل الاقتصادية، ومِن خلال صراع طبقة البروليتاريا (طبقة العمال) مع الطبقة البرجوازية، وماركس يهودي ألماني ولد عام 1818م، واعتنق أفكاره مِن بعده "لينين" الذي سعى إلى تطبيق هذا الفكر في روسيا بعد سقوط الحكم القيصري فيها بالقوة، وقد جعلت الماركسية القضاء على الأديان على رأس أولوياتها؛ إذ تنكر الماركسية وجود الله، وتنكر كل الغيبيات.

جاء في المانفستو الشيوعي: "الدستور والأخلاق والدين خدعة بورجوازية تتستر مِن ورائها البرجوازية مِن أجل أطماعها"؛ لذا بدأت الثورة البلشفية في روسيا بهدم المساجد والكنائس، وإحراق المصاحف والأناجيل، واعتقال علماء الدين، وإلغاء التربية الدينية مِن المدارس، وتدريس الإلحاد كمادةٍ إجباريةٍ للأطفال والكبار.

قال "ماركس": "إن التحرر السياسي للإنسان الديني إنما هو تحرير الدولة مِن اليهودية والمسيحية، ومِن كل دينٍ بصورةٍ عامة، والدولة في شكلها الخاص في النمط الخاص بجوهرها ووضعها دولة تتحرر مِن دين الدولة، يعني بعدم اعترافها بأي دين".

"لينين":

اسمه (فلاديمير أليتش بوليانوف) روسي يهودي، وزوجته كانت أيضًا يهودية، ولد عام 1870م وهلك عام 1924م عندما ثار الروس على الحكم القيصري في روسيا نتيجة الاضطهاد والظلم ومفاسد الإقطاع، وقامت الثورة عام 1917م، تسلق أصحاب الفكر الماركسي الشيوعي الثورة البلشفية وقطفوا ثمارها.

وعندما تولى "لينين" قيادة روسيا بعد الثورة قام بتطبيق الفكر الماركسي لأول مرة تطبيقًا عمليًّا، وقد امتاز لينين بالديكتاتورية والاستبداد والقسوة الشديدة، وهو الذي وجَّه النداء إلى الشعوب الإسلامية في وسط آسيا يطلب منها العون والتأييد للثورة البلشفية في مواجهة الدول الاستعمارية الغربية، ولما عاونت هذه الشعوب "لينين" وأخضعها لينين لحكمه قام الجيش الأحمر بقيادة (بودينتي) بالتنكيل بهذه الشعوب الإسلامية في وسط آسيا قتلًا وتعذيبًا وإرهابًا بدعوى أنها أوكار للرجعية؛ فأباد الملايين مِن المسلمين في ظل تغاضٍ وتجاهلٍ مِن الدول الغربية وأمريكا.

قال "لينين" في خطبة له: "بأي معنى ننكر الأخلاق وننكر السلوك، بالمعنى الذي تبشر به البرجوازية التي كانت تشتق هذه الأخلاق مِن وصايا الله. بهذا الصدد نقول: بالطبع إننا لا نؤمن بالله، ونعرف جيدًا أن رجال الدين وكبار الملاك العقاريين والبرجوازية كانوا يتكلمون باسم الله لكي يؤمِّنوا مصالحهم كمستثمرين".

وقال: "إن مِن أهم الأهداف لحزب العمال الاشتراكي في روسيا -وهو الحزب الحاكم والوحيد المسموح به وقتها-: هو أن يحارب بلا هوادة كل نزعة دينية في أفئدة العمال، إن مهمتنا الدعوة إلى الإلحاد على أوسع نطاق ممكن!".

"ستالين":

تولى الحكم في روسيا الشيوعية لسنواتٍ طويلةٍ بعد لينين، وهو روسي وُلد عام 1879م، وهلك عام 1954م، وزوجته (روزا كاجانوفتش) يهودية. عرف ستالين أيضًا بالطغيان والعنف الشديد، حيث اتسم حكمه بالاستبداد، ومارس أثناء حكمه تصفيات دموية ضد خصومه ومعارضيه بالقتل أو النفي، وساهم بنصيبٍ كبيرٍ في نشر الشيوعية في العالم.

قتل "ستالين" في إحدى كلماته: "يسرني أن أعلن أن الاتحاد السوفيتي سجَّل نصرًا كبيرًا بالقضاء على العقيدة الإسلامية واستئصالها مِن الوجود، فلم يبقَ مِن أتباعها إلا قلة هم في طريق التصفية والاضمحلال، كما أن مساجدهم في طريق الزوال".

ومعلوم أن اليهود يخططون لإفساد العالم مِن خلال نشر الإلحاد والانحلال، وهدم الأديان، والعبث بالقيم والأخلاق، وإفساد العقول ببلبلة الأفكار؛ خاصة مِن خلال تجنيد بعض العلماء والمفكرين مِن اليهود للقيام بذلك باسم العلم، بوضع نظرياتٍ شبه علمية، أو خلط نظريات علمية بما يفسد المجتمعات ويهدم الأديان والأخلاق، وهو ما نصت عليه وأشارت إليه صراحة "بروتوكولات حكماء صهيون"(1).

ثالثًا: تزويد يهود فلسطين بالسلاح والمساعدة في التدريب عليه:

ومِن ذلك إرسال (فلاديمير جابونتسكي) اليهودي الشيوعي إلى فلسطين، وتكليفه بتدريب الشباب اليهودي هناك، وتشكيل فرقة منهم، وتخصيص الحكومة الروسية مبلغ مليون ليرة ذهبية مِن الأموال القيصرية التي استولتْ عليها لإنشاء مستعمراتٍ يهوديةٍ في أراضي فلسطين.

وقد بلغ جملة ما قدَّمته روسيا مِن أموالٍ ليهود فلسطين حتى عام 1939م حوالي40% مِن مجموع ما قُدِّم ليهود فلسطين في تلك الفترة (راجع "التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية"، ص31)، وقد كان أكثر هؤلاء الشباب اليهودي مِن يهود روسيا ودول أوروبا الشرقية الشيوعية كبولندا ويوغسلافيا، وكان السلاح يرسل لهؤلاء اليهود مِن دول أوروبا الشرقية الشيوعية كيوغسلافيا ورومانيا بموافقة "ستالين"، وتشحن على البواخر عبْر البحر بأوامر مِن موسكو.

وفي عام 1947م بينما كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يبحث القضية الفلسطينية كانت دول أوروبا الشرقية الشيوعية ترسل المتطوعين بإيعازٍ مِن الاتحاد السوفيتي بعد تدريبهم على السلاح إلى فلسطين للمشاركة في مساندة العصابات الصهيونية في عدوانها على الشعب الفلسطيني الأعزل وطردهم مِن قُراهم بالقوة!

وقد جاء في بعض المصادر الصهيونية: أن عدد المتطوعين بلغ نحو 20 ألف مسلح وفدوا مِن تشيكوسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا وبولونيا، وأثناء حرب 1948م بيْن العرب والعصابات الصهيونية، وخلال الهدنة الأولى التي فُرضت على الجيوش العربية بعد الانتصارات الأولى التي حققتها تدفق السلاح بكمياتٍ كبيرةٍ مِن تشيكوسلوفاكيا على العصابات اليهودية في فلسطين عن طريق التهريب؛ لتقوية العصابات اليهودية في مواجهة الجيوش العربية، وبهذه الأسلحة تمكن اليهود مِن تثبيت أقدامهم في مناطق شاسعة مِن أرض فلسطين، وتحويل انتصارات الجيوش العربية إلى هزيمة.

رابعًا: السماح بالهجرة اليهودية الجماعية مِن روسيا إلى فلسطين:

إذ تُعد روسيا مصدرًا رئيسًا للهجرة اليهودية الجماعية لفلسطين قبْل وبعد إقامة دولة إسرائيل، رغم العزلة التي كان يفرضها الاتحاد السوفيتي على مواطنيه، وتحديد هجرتهم للخارج طوال الحكم الشيوعي.

 ففي الفترة مِن عام 1921م إلى عام 1939م وفد إلى فلسطين مِن روسيا نحو 165 ألف يهودي، ومِن دول أوروبا الشرقية وألمانيا تحت الحكم النازي لهتلر نحو 280 ألف يهودي.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس الأمريكي (روزفلت) مع الزعيم الروسي (ستالين) والزعيم البريطاني (تشرشل) في مؤتمر (يالطة)، حيث قرروا رفع القيود عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح اليهود المساعدات لإنشاء كيان سياسي لهم، وقد طالب "ستالين" بمضاعفة التعويضات التي ستفرض على ألمانيا لليهود لإنفاقها في إنشاء مستعمراتٍ يهوديةٍ في فلسطين؛ لاستيعاب اليهود الروس، ويهود أوروبا الشرقية.

وفي اللقاء الذي جمع بيْن الزعيم السوفيتي (بريجينيف) والرئيس الأمريكي نيكسون في عام 1973م أثير موضوع هجرة اليهود مِن روسيا فصرَّح "بريجينيف" أن حكومته لم تمنع هجرة اليهود، إذ هاجر منذ عام 1963م نحو 62 ألف يهودي، وأنه مِن أصل 61 ألف طلب هجرة قدَّمه اليهود في روسيا في عام 1972م تمت الموافقة على هجرة 200و60 يهودي، وأنه في خلال الشهور الأولى مِن عام 1973م بلغ عدد اليهود الذين حصلوا على تأشيرة خروج مِن روسيا  7.600 مهاجر يهودي.

تنبيه: حدثتْ هذه الهجرة "وبهذه الأعداد، وفي هذه الفترة" رغم ما كانت عليه العلاقات بيْن روسيا ومصر والدول العربية مِن تقاربٍ كبيرٍ، ولا يخفى أن هذه الهجرة الجماعية "وبهذه الأعداد الكبيرة" مِن شأنها مد إسرائيل بأسباب القوة والبقاء، وتزيد مِن شهيتها وقدرتها على التهام المزيد مِن الأرض الفلسطينية والعربية، وقطع الخطوات نحو إقامة إسرائيل الكبرى.

تنبيه: الرئيس الأمريكي (روزفلت) يهودي مِن أسرةٍ يهوديةٍ هاجرت مِن أسبانيا إلى أمريكا، وكان جده أحد ثلاثة كونوا لجنة لجمع الأموال لماركس وإنجلز لإخراج البيان الشيوعي (التاريخ السري، ص 35).

رابعًا: التأييد السوفيتي لإسرائيل داخل الأمم المتحدة:

في عام 1947م طالبت بريطانيا -دولة الانتداب على فلسطين- الأمانة العامة للأمم المتحدة بإدراج القضية الفلسطينية في جدول أعمالها، وقد طالبت الدول العربية في الأمم المتحدة بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وإعلان استقلالها، وقوبل الطلب بالرفض، وكان الاتحاد السوفيتي في مقدمة الدول الرافضة للمطلب العربي، وأعلن وزير الخارجية السوفيتي أنه إذا تعذر حل القضية الفلسطينية فيكون الحل هو تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، رغم أن اليهود كانوا في فلسطين وقتها هم الأقلية.

وكان مما قاله المندوب الروسي: "إن مِن الشناعة أن نترك الأمة اليهودية وهي التي نزلت بها فواجع النازية تحت رحمة عنصرية أخرى، أو نسخر مصائب هذه الأمة العظيمة -يقصد الأمة اليهودية- لمصالح البترول وأصحابه العرب".

ومِن تصريحات هؤلاء الشيوعيين في هذه الفترة:

- قول مندوب الاتحاد السوفيتي في الأمم المتحدة في "2- 5-1947م": "إن علينا أن نذكر دائمًا أن قضية فلسطين ليستْ سوى قضية اليهود؛ ولذا فلا مجال للبحث في هذه القضية بغير مراعاة مصالح اليهود، والأخذ بعين الاعتبار قلقهم ليس ليهود فلسطين وحدهم، بل اليهود في كل مكان!". وقوله في "14-5-1947م": "باسم الشعب اليهودي نطالب بوطن قومي يهودي في فلسطين". وقوله: "إنه مِن غير المعقول أن يُنكر على الشعب اليهودي حقه في تحقيق آماله في إنشاء دولته الخاصة به!". وقوله في "13-10-1947م" أمام اللجنة السياسية المؤقتة: "مِن حق اليهود فرض سيادتهم على وطنٍ لهم في فلسطين". وقوله في "2-12-1947م" في مجلس الأمن: "وجدت إسرائيل لتبقى حيث هي موطن أجدادها".

- وفي "3-5- 1947م" صرَّح مندوب بولندا: "لا سلام بيْن العرب واليهود إلا بزوال الرجعية العربية". وصرَّح في "12-5-1947م": "يجب مساعدة اليهود على بناء وطنٍ قوميٍ لهم في فلسطين!".

- وفي "5-5-1947م" صرَّح مندوب تشيكوسلوفاكيا: "إن يهود العالم ينتظرون منا أن ننصرهم". وفي "8-10-1947م" قال: "اليهود بحاجة إلى حصانتنا لا العرب". وفي "16-10-1947م" قال: "يهود العالم يريدون فلسطين؛ فيجب أن نتجاهل معارضة العرب!".

- وفي "10-5-1947م" صرَّح مندوب يوغسلافيا: "دعونا نتعاون جميعًا في خدمة الشعب اليهودي، لقد عانى العذاب ما فيه الكفاية، وآن له ولنا أن يستقر به المطاف". وفي "14-10-1947م" قال: "افتقار العرب إلى الروح الاشتراكية هو سبب خلافهم مع اليهود" (راجع في ذلك: التاريخ السري، ص 92، 118-119"، "السرطان الأحمر" تأليف عبد الله عزام، ص 52-54، 100).

وفي أواخر عام 1947م كانت موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع التقسيم الروسي الأمريكي المقترح برقم 181، وأيد الاتحاد السوفيتي القرار. وجاء في تصريح لـ(جروميكو) قوله: "لقد أيدنا خلق الدولة اليهودية، ونحن نصر على الاعتراف الكامل بها، وحمل الأمم المتحدة على تنفيذ ذلك، وجعل هذه الدولة حقيقة ثابتة".

وقد كانت روسيا في مقدمة الدول التي اعترفت بقيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948م بعد أمريكا مباشرة، وقبلت انضمامها بعد ذلك في منظمة الأمم المتحدة، ومِن غرائب هؤلاء الشيوعيين تقديم شيوعيين مصريين ولاؤهم لفكرهم الشيوعي على ما تمليه عليهم عروبتهم ووطنيتهم، فعند عرض القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة عام 1947م رأى شيوعيون مصريون حق اليهود القومي في تكوين دولة على أرض فلسطين موافقة لرأي الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، وفي مقدمتهم المصري اليهودي الشيوعي (هنري كورييل) وأعضاء الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني (حدتو) الشيوعية، التي أنشأت في مصر عام 1947م، وهو الموقف الذي ساعد على انحسار حركة (حدتو) وعزلتها عن الجماهير.

وفي عام 1950م قرر "فؤاد سراج الدين" وزير خارجية حكومة الوفد معاقبة (هنري كورييل) بإسقاط الجنسية المصرية عنه وطرده خارج البلاد؛ نظرًا لعلاقاته الخارجية المشبوهة التي وصلتْ إلى حد العمل لصالح إسرائيل أثناء حرب 1948م! وقد أسس "كورييل" تنظيمًا جديدًا (مجموعة روما) كامتدادٍ خارجيٍ لتنظيم (حدتو)، واحتفظ برئاسته حتى اغتياله الغامض عام 1978م. وقد أيد "كورييل" وأتباعه داخل مصر مسيرة السادات نحو السلام مع إسرائيل، وانتقل بعضهم -عُرفوا باسم شلة روزا اليوسف- مِن معارضة السادات إلى مناصرته فعليًّا (راجع في ذلك: "الحركة الشيوعية المصرية 1945-1965م، رؤية داخلية"، تأليف: مصطفي طيبة - مقالة: "بالأسماء والأسرار الكاملة... كيف اخترق اليهود الحركة الشيوعية المصرية وقادوها للخيانة" - جريدة المصريون - العدد 740 بتاريخ: 24 شوال 1438هـ - 9 أغسطس 2015م).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) للاستزادة راجع في ذلك:

- (التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية)، تأليف نهاد الغادري.

- (حقيقة المواقف الشيوعية مِن القضية الفلسطينية)، تأليف عابد سليمان المشوخي.

- (دور الدول الاشتراكية في تكوين إسرائيل)، تأليف إبراهيم الشريقي.

- (التراث اليهودي الصهيوني في علم النفس ونظرية فرويد)، تأليف د.صبري جرجس.

- (الوجودية وواجهتها الصهيونية) تأليف د.محسن عبد الحميد.

- (بروتوكولات حكماء صهيون)، نشر محمد خليفة التونسي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة