الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حزب النور والقرض المشؤوم بين مرسي والسيسي

سيظل حزب النور رغم عواصف التشويه الإعلامي والفرى المتتالية يمثل بارقة أمل في ظل واقع قاتم متكلس

حزب النور والقرض المشؤوم بين مرسي والسيسي
الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٨ - ١٩:١٧ م
2838

حزب النور والقرض المشؤوم بين مرسي والسيسي

 

كتبه/ محمد أبو العمايم

يئن غالبية الشعب المصري تحت وطأة القرارات الأخيرة غير الموفقة، برفع أسعار المحروقات، مما نتج عنه ارتفاع موازٍ وغير منضبط لأسعار العديد من السلع والخدمات الضرورية للشرائح الأكثر احتياجًا من المصريين، ولعل تلك القرارات المؤلمة ما هي إلا عرض لمرض، ألا وهو قرض صندوق النقد الدولي، فقبل كل شريحة تتحصل عليها الحكومة لا بد أن تنفذ إملاءات مانحي القرض، وهي سياسات ثابتة يتبعها صندوق النقد الدولي في كل الدول النامية التي تقع في شباكه وأبرزها: خصخصة القطاع العام، وتقليص دور الدولة في ضبط أسعار السوق، وتخفيض قيمة العملة، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وزيادة الضرائب ورسوم الخدمات.

 

تلك السياسات الاستعبادية ليست بالجديدة، وأي حكومة ستقترض من صندوق النقد الدولي سترضخ لتلك الخطوات المريرة شرطًا أساسيًّا للحصول على شرائح القرض، ولقد تباينت الآراء حول القرارات الأخيرة، فالبعض مؤيد تمامًا، يرى أن الحكومة أكثر من رائعة، وأن الرئيس يبذل جهدًا غير بشري، ولكن المشكلة في شعب لا يستحق ذلك الرئيس المفدى، ولا تلك الحكومة الرشيدة، وهؤلاء أغلبهم إما إعلاميون طفيليون، وإما أصحاب مصالح مع النظام الحالي، وإما مواطنون بسطاء يقعون تحت تأثير إعلام تعبوي مدار بذراع أمنية محكمة، يرفع الإنجازات للسماء السابعة، ويدفن الإخفاقات في الأرض السابعة، ويحذر أولئك البسطاء من مغبة العودة لحكم الإخوان، أو التحول للفوضى التامة، إذا ما رفض تلك القرارات ولو بطرق سلمية بعيدة عن العنف، وعلى الجانب المقابل هناك آخرون رافضون تمامًا لكل ما يأتي من الرئيس الحالي، فعداؤهم الحقيقي ليس مع تلك القرارات الأخيرة أو غيرها، وإنما مع الرئيس نفسه، فهم يسعون لتشويه أي إنجاز على الأرض، ولإجهاض أي محاولة لدفع عجلة الإنتاج، ولا هم يشغلهم إلا إسقاط الرئيس، حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن، وهؤلاء أغلبهم إما إخوان، وإما متعاطفون معهم لا يجيدون إلا حديث السباب والتفسيق والتكفير المبطن، دون رد على الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، وإما مجموعة من شباب الأحزاب اليسارية الذين احترف بعضهم مهنة المعارضة للمعارضة لا أكثر.

 

وما بين غثاء الفئة الأولى، وضجيج الفئة الثانية، يبرز موقف مغاير جدير بالتأمل، ألا وهو موقف حزب النور، ونتساءل: هل نافق حزب النور وداهن وأحل للسيسي ما كان يراه حرامًا أيام د. مرسي كما يدعي بعضهم؟

 

لدراسة الأمر بحيادية وموضوعية، نعود قليلًا إلى الخلف؛ ففي عام 2012م بدأت حكومة الإخوان مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض، بما يستلزمه ذلك من رضوخ لقرارات قاسية تمس الفئات الأدنى دخلًا في المجتمع المصري، وحينها رفض حزب النور القرض لسببين: أولهما أنه قرض ربوي محرم، وثانيهما أنه سيطحن -بما يترتب عليه من قرارات- ملايين المواطنين محدودي الدخل، وقدم الحزب آن ذاك 21 بديلًا اقتصاديًّا لذلك القرض المشؤوم، غير أن حكومة الإخوان لم تلتفت إليه، واستمرت المفاوضات بين حكومة الإخوان وصندوق النقد، إلا أن اضطراب الأحوال السياسية، ثم إقصاء الإخوان عن الحكم بدد تلك المفاوضات، ثم مر عام شهدت خلاله مصر أحداثًا جسامًا زادت من صعوبة الحالة الاقتصادية، وكادت تدفع البلاد لشفا انهيار اقتصادي وإعلان إفلاس، لولا تدخل الأشقاء العرب، وتولي المشير السيسي الحكم، وبدأت حكومته من جديد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ونجحت بالفعل في الحصول على قرض بمبلغ 21 مليار دولار، 12 مليارًا من صندوق النقد، وتسعة من جهات مانحة أخرى، تُسلم على شرائح، إذ يرتبط تسليم كل شريحة من القرض بحزمة من قرارات صندوق النقد السالف الإشارة إليها، ومن جديد ظل حزب النور على موقفه، واتخذ موقفًا شجاعًا أحجم الكثيرون عنه، ورفض علانية قرض صندوق النقد الدولي للأسباب السابقة نفسها، ولكنه لم يتوقف عند ذلك، بل أعاد تقديم ورقة عمل بها 21 بديلًا لذلك القرض المشؤوم، وعملت كتلته البرلمانية على إصدار قوانين محفزة للاستثمار، بل وقف د. أحمد خليل -رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور- تحت قبة البرلمان ليعلن موقف الحزب بوضوح، طارحًا حلولًا بديلة لذلك القرض، فلم يكن جزاؤه إلا حذف كلمته من قناة صوت الشعب الناقلة لجلسات البرلمان، والتعتيم المتعمد على رؤية الحزب الاقتصادية، وعلى الرغم من ذلك أصدر قادة الحزب العديد من التصريحات الرافضة والموضحة لموقف الحزب كان منها:

 

«إن موقف الحزب في البرلمان هو نفس موقفه من قروض البنك الدولي السابقة، وهو رفض القرض بشكل نهائي، إنه لا يمكن أن تقوم الحكومة بنفس الأفعال والسياسات وتنتظر نتائج مختلفة» د. أحمد خليل خير الله، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب النور.

 

«إن قرض صندوق النقد الدولي يعتبر عبئًا ثقيلًا على أي دولة، وليس على الجيل الحاضر فقط، بل على الأجيال القادمة المتعاقبة، بما يتبعه من التزامات مالية، وتبعية سياسية، من شأنها تكبيل القرار السياسي، والتحكم في إرادة الشعوب، إن حكومة أوصلتنا إلى هذه الأزمة، وفشلت في إدارة معظم الملفات، فهل تنجح في تدوير هذا القرض، والاستفادة منه بما يعود بالنفع على المواطن المصري المطحون؟ أم سوف يزيد البلاء بلاءً؟ وقبل ذلك كله هذا القرض الذي يحدد فائدة ثابتة يعتبر ربًا صريحًا، لا يجوز الإقدام عليه إلا باعتبار الضرورة، فهل فعلًا وجدت الضرورة وفق تقدير أهل الخبرة والاختصاص من الاقتصاديين؟».

 

والعشرات من التصريحات والبيانات الرافضة والموضحة لموقف الحزب ورؤيته الاقتصادية، كان آخرها البيان الذي صدر منذ أيام قليلة موضحًا موقف الحزب من تلك القرارات الأخيرة، ومؤكدًا ضرورة توفير مظلة حماية للشعب المصري الذي يعاني من تلك القرارات الموجعة، وكان نص البيان كالتالي:

 

«استهلت الحكومة الجديـدة ولايتها بقـرار رفع سعـر المحروقات، وما يتبع ذلك مـن ارتفـاع أسعـار السلع والخدمات؛ مما يزيـد من معانـاة المواطنين، وخاصة الطبقـات الفقيرة والمتوسطة، ولم يواكب هذه الزيادات الكبيرة في الأسعار زيادة في دخول الأفراد والمرتبات، بما يتناسب مع هذه الزيادات، وكذلك لم تتخذ إجراءات حمائية لوقاية هذه الطبقات من آثار هذا القرار.

 

ويرى حزب النور أنه يجب مراعاة الآثار الاجتماعية والمعيشية المترتبة على أي خطة إصلاحية، بحيث لا يتحمل الفقير وحده هذه الآثار والتبعات دون القادرين، وأن يكون مع هذه الخطة حزمة من الإجراءات والإصلاحات، منها:

1- التطبيق الشامل للحد الأدنى للأجور والمعاشات بما يتناسب مع هذه الزيادات.

2- وضع منظومة صارمة لضبط السوق والأسعار.

3- خطة تقشفية للحكومة وإيقاف نزيف البذخ الحكومي.

4- تحقيق العدالة الاجتماعية ومنها: تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور دون استثناءات.

5- إصلاح القطاعات غير المنتجة والمتوقفة عن الإنتاج، والتي تمثل عبئًا كبيرًا على الموازنة وهي: الهيئات الاقتصادية، وقطاع الأعمال العام.

5- فتح باب العمل الخيري المنضبط للجمعيات والمنظمات الأهلية؛ للقيام بدور فعال في خدمة المجتمع، والمساهمة في تخفيف المعاناة عن المواطنين.

6- كما يجب على الحكومة مراعاة التدرج حتى لا يتحمل جيل وحده تبعات فشل استمر عقودًا طويلة، كما يجب إيجاد بدائل لسد عجز الموازنة – وما أكثرها- بدلًا من الاعتماد على سياسة الاقتراض من جهات مانحة تفرض إجراءات إصلاحية غالبًا لا تراعي البعد الاجتماعي، ويكون لها سيئ الأثر في الفقراء وتؤدي إلى تفاقم المشكلات كما رأينا في بلدان كثيرة.

 

وقد اقترح حزب النور من قبل توسيع دائرة المشاركة والحوار والاستماع لوجهات النظر المختلفة، ولاشك أن ذلك سيكون له آثار إيجابية كبيرة لصالح الوطن والحكومة، وتخفيف العبء عن المواطنين».

 

ولم يتوقف حزب النور على رفض قرض صندوق النقد وتقديم بدائل، بل طرح علاجًا لما ترتب على ذلك القرض، بعد أن أصبح واقعًا لا فكاك منه -لم يتوقف على ذلك- بل نزل إلى الشارع وطرح عشرات الأسواق والقوافل الغذائية والمدرسية المدعمة، محاولة لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين رغم التضييق الشديد الذي تعاني منه منظمات المجتمع المدني كافة، ورغم التربص والتشويه الإعلامي الذي ينال الحزب من كلا الطرفين، وما يملكانه من أدوات إعلامية ضخمة تخفي مواقف الحزب المشرفة، وتختلق إشاعات وأخبارًا كاذبة لتشويه حزب رفض أن يصبح من حملة المباخر لسادة هؤلاء، ورفض أن ينحاز لأولئك فيصبح معولًا لهدم الوطن من أجل كرسي زائل.

 

سيظل حزب النور رغم عواصف التشويه الإعلامي والفرى المتتالية يمثل بارقة أمل في ظل واقع قاتم متكلس مليء بالقاذورات الفكرية والكائنات الطفيلية، وسيبقى ساعيًا للمحافظة على تلك البلاد مهما بذل من تضحيات ومهما تعرض لافتراءات .

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com