الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

التحول السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية

لقد كانت الثورة الفلسطينية تضج بالحياة والثورية في بدايتها

التحول السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية
علاء بكر
السبت ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨ - ١٧:١٨ م
822

التحول السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تأسست منظمة (فتح) الفلسطينية في أواخر الخمسينيات في الكويت برئاسة (ياسر عرفات)، فكانت تتويجًا لنشاطٍ سياسيٍ سري لشبابٍ فلسطيني كان يعمل في الكويت، وقد بدأت المنظمة أنشطتها بدون تنسيق مع القاهرة، وأطلقت (فتح) أول شرارة للعمل المسلح ضد إسرائيل في أول يناير 1965م.

ثم تكونت (منظمة التحرير) الفلسطينية بقرارٍ مِن مؤتمر القمة العربي عام 1964م بالقاهرة استجابة لاقتراح مِن مصر بإقامة كيانٍ فلسطينيٍ، وعهد برئاستها لـ(أحمد الشقيري)، وبعد هزيمة يونيو 1967م طرقت منظمة (فتح) أبواب القاهرة لفتح بابٍ جديدٍ للعمل ضد إسرائيل، وأظهر عبد الناصر اعترافه بالمنظمة، ووافق على مساعدتها في التمويل والتسليح والتدريب، وبعد استقالة (الشقيري) مِن رئاسة منظمة (التحرير) في عام 1969م تولى (ياسر عرفات) رئاسة منظمة (التحرير)، واحتفظ برئاستها حتى وفاته عام 2004م، وفي أكتوبر 1974م قرر مؤتمر القمة العربي في الرباط بالمغرب اعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

مارست (منظمة التحرير) التي صارت تجمع كل الفصائل العسكرية والشعبية الفلسطينية -وتهيمن عليها منظمة (فتح)- العمل المسلح بعملياتٍ فدائيةٍ ضد إسرائيل، مِن الدول العربية التي تشترك حدودها مع إسرائيل، ولكن قيادة المنظمة تسببت في مواجهاتٍ مع أنظمة هذه الدول العربية؛ بسبب عدم التنسيق معها مِن جهةٍ، وبسبب التدخل أحيانًا في شئونها الداخلية مِن جهةٍ أخرى، فتم تصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن في عام 1971م، وتحجيمها في سوريا، وإنشاء جماعات منها تحت سيطرة النظام السوري وتدين له بالولاء، وفي 1982م تم إخراج رجال المقاومة الفلسطينية مِن جنوب لبنان وبيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وهكذا تم تصفية العمل الفلسطيني المسلح ضد إسرائيل في الدول العربية المحيطة بإسرائيل.

مصر ومنظمة التحرير:

أنشأت منظمة (التحرير) بقرارٍ مِن مؤتمر القمة العربي في عام 1964م باقتراحٍ مِن مصر، وتبنت مصر المنظمة، وبعد تواصل منظمة (فتح) مع القاهرة تولى (ياسر عرفات) رئاسة منظمة (التحرير) عام 1969 م خلفًا للشقيري.

وعندما ساءت أوضاع المقاومة مع القيادة السياسية في الأردن إلى حدِّ تشكيل الملك حسين -ملك الأردن- حكومة عسكرية، خاضت معركة دامية لتصفية المقاومة الفلسطينية في الأردن انتهت بمذبحة (أيلول الأسود) في 1970 م، ساهمت مصر في إنقاذ عرفات ورجاله.

ساعد انتصار أكتوبر 1973م على تحسن العلاقات المصرية الفلسطينية، لكن مع اتجاه مصر للتصالح مع إسرائيل ساءت العلاقات (المصرية - العربية) عامة و(المصرية - الفلسطينية) خاصة، وتكونت جبهة تضم سوريا وليبيا والجزائر، واليمن الديمقراطية الشعبية، ومنظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة مصر في مؤتمر طرابلس في ديسمبر 1977م، وتطور الأمر إلى مقاطعة الدول العربية لمصر بعد اتفاق (كامب دافيد) وتوقيع مصر لمعاهدة سلام مع إسرائيل في 1979م، وتم نقل مقر الجامعة العربية مِن القاهرة إلى تونس.

وقد رفضت منظمة التحرير اتفاق "كامب دافيد" رفضًا قاطعًا، وشاركت في المقاطعة لمصر، وهي المقاطعة التي استمرت حتى أواخر الثمانينيات.

قامت إسرائيل بشنِّ هجمات قوية وعنيفة على قواعد المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان بداية مِن عام 1978م، ثم غزت لبنان عام 1982 م ودخلت بيروت، وفرضت القوات الإسرائيلية حصارًا على رجال المقاومة الفلسطينية في بيروت لمدة 10 أسابيع، اضطر بعده ياسر عرفات إلى الخروج مِن لبنان ومعه 12 ألف مقاتل في 21 أغسطس 1982م. وتم اختيار تونس لتكون مقرًّا جديدًا لمنظمة التحرير، وفي تونس اغتالت إسرائيل صلاح خلف وخليل الوزير -مِن كبار قيادات المنظمة- وقصفت مقر المنظمة ذاته.

مصالحات عربية:

مع نهاية عام 1987 م أمكن تهدئة الأوضاع في لبنان، وتحقيق مصالحة بيْن الفصائل الفلسطينية خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، وأعيدت العلاقات بيْن الجزائر والمغرب، مع سعي إلى التسوية السياسية لمشكلة الصحراء، كما تمت المصالحة بيْن ليبيا وتونس، والمصالحة بين ليبيا والعراق، وعقد اتفاقية بيْن الأردن ومنظمة التحرير، إلى جانب تحقق قدرٍ مِن الاتفاق العربي تجاه الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) في مؤتمر عمان.

وفي عام 1988م أعلن الأردن فك ارتباط الأردن بالضفة الغربية، حتى يتيح للفلسطينيين إقامة دولة مستقلة لهم، وأعلن ياسر عرفات في أواخر العام اعتراف منظمة التحرير بحق إسرائيل في الوجود إلى جوار دولة فلسطينية، وأعلن أيضًا نبذ المنظمة لاستخدام العنف.

قرر مؤتمر القمة العربية في عمان السماح بعودة العلاقات الثنائية بيْن مصر والدول العربية، وسرعان ما أعيدت هذه العلاقات بالفعل، وعادت مصر عام 1989م لمقعدها في الجامعة العربية في مؤتمر القمة الطارئ في الدار البيضاء.

في أعقاب غزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990م أظهر عرفات -الذي كان يرغب في تأييد العراق للانتفاضة الفلسطينية التي بدأت عام 1987م- تأييده لصدام حسين مما أدخل المنظمة في قطيعةٍ مع دول الخليج عامة والكويت خاصة، وأدخل المنظمة في عزلة عربية، كانت مِن أسباب دخول عرفات في مفاوضات للسلام مع إسرائيل، انتهت بتوقيع عدة اتفاقات بيْن السلطة الفلسطينية وإسرائيل، منها: إعلان (أوسلو) في 1992م، واتفاق (طابا) في سبتمبر 1995م، واتفاق (واي ريفر) في أكتوبر 1998م، ومذكرة (شرم الشيخ) في سبتمبر1999م. وقد ترتب على هذه الاتفاقات دخول السلطة الفلسطينية وعرفات إلى قطاع غزة في ظل مفاوضات للسلام لم تحقق رغم مرور السنوات الطويلة -أكثر مِن عشرين سنة- الحد الأدنى مِن المطالب الفلسطينية.

اعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل:

أعقب نهاية حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) وإخراج صدام حسين مِن الكويت بدء مساعي أمريكية حثيثة لإيجاد تسوية سلمية للنزاع في الشرق الأوسط في ظل الظروف التي مرت بها المنطقة، والتي تجعل العرب أكثر استجابة للضغوط الأمريكية.

بدأت الجهود الأمريكية لإقناع أطراف النزاع بالتفاوض خلال عام 1991م على أساس قراري الأمم المتحدة رقم: 242 و338، وإجراء مفاوضات متعددة الأطراف، وفي 30 أكتوبر 1991م افتتح مؤتمر (مدريد) للسلام في الشرق الأوسط على مستوى وزراء الخارجية إلا أسبانيا وإسرائيل، فكان يمثِّل كل منهما رئيس الوزراء، وقد انتقلت المفاوضات بعدها إلى واشنطن ما يقرب مِن عامين، عقدت خلالهما عشر جولات، ولكنها توقفت بسبب الإعلان عن التوصل لإعلان مبادئ بيْن طرفي النزاع بعد مفاوضات سرية بيْن إسرائيل ومنظمة التحرير في (أوسلو)، حيث ساعدت سرية المفاوضات في الوصول إلى هذا الإعلان في ظل قبول قيادتي الطرفين تقديم تنازلات مؤثرة لتحقيق الاتفاق، وهو ما لم يكن متوفرًا في المفاوضات العلنية التي جرت في واشنطن.

في 9 سبتمبر 1993م وبعد مفاوضات (أوسلو) تم الاعتراف المتبادل بيْن منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة (ياسر عرفات) -ممثلة للشعب الفلسطيني- ودولة إسرائيل ويمثلها رئيس وزرائها (إسحاق رابين). وتم توقيع الطرفين في يوم 13 سبتمبر 1993م في حديقة البيت الأبيض في واشنطن على اتفاق إعلان مبادئ للترتيبات الانتقالية لحكم ذاتي فلسطيني في غزة وأريحا، تتضمن الانسحاب الإسرائيلي مِن قطاع غزة ومنطقة أريحا، ونقل السلطة فيهما للفلسطينيين كخطوةٍ تمهيديةٍ، وقد بدأت مفاوضات نقل السلطة في يوليو 1994م، وبعد جولات متعددة مِن المفاوضات في القاهرة تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية في 24 أغسطس 1994م، ثم التوقيع عليها بصفة نهائية بعدها في معبر (أرينز) بقطاع غزة، وفي 28 سبتمبر 1995م تم توقيع الطرفين (عرفات ورابين) على اتفاقية (وارسو2) رسميًّا في واشنطن.

اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية:

في أعقاب اتفاقية (أوسلو) بدأت مباحثات ولقاءات غير معلنة بيْن الأردن وإسرائيل برعاية أمريكية أسفرت عن (إعلان واشنطن) في يوليو 1994م، تضمن الاتفاق على إنهاء حالة الحرب بينهما، والاعتراف بحصص مستحقة لكل مِن الطرفين في مياه نهاري الأردن واليرموك، وبحدود دولية دائمة مشتركة بيْن الدولتين.

وفي 17 أكتوبر 1994م تم توقيع معاهدة سلام بيْن الأردن وإسرائيل بالأحرف الأولى، وقد وافق مجلس وزراء الأردن ثم مجلس النواب الأردني على المعاهدة، رغم اعتراض النواب الإسلاميين في البرلمان عليها.

مقتل رابين:

حصل كل مِن ياسر عرفات وإسحاق رابين وشيمون بيريز على جائزة نوبل للسلام عام 1994م مشاركة بينهم؛ لما أظهروه مِن مساهمة في تحقيق التسوية في الشرق الأوسط.

ومعلوم دور الصهيونية العالمية والدول الغربية الكبرى في توجيه هذه الجوائز العالمية، وقد سبق حصول الإرهابي الكبير ومجرم الحرب عتيد الإجرام (مناحم بيجن) على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع السادات عقب اتفاق السلام بيْن مصر وإسرائيل في أواخر السبعينيات.

وفي 4 نوفمبر1995م تم اغتيال إسحاق رابين، قتله المتطرف الإسرائيلي (إيجال عامير)؛ بسبب الاتفاق مع منظمة التحرير، وتولى بعده (شيمون بيريز) رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

وفي 25 أبريل 1996م وافق المجلس الوطني الفلسطيني على حذف مواد الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الداعية إلى القضاء على دولة إسرائيل.

وقفة مطولة مع ما آلت إليه منظمة التحرير:

يبدي الكاتب الفلسطيني (فيصل أبو خضرا) في كتابه (المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل) تعقيبه على ما آلت إليه المنظمة الفلسطينية مِن التصالح مع إسرائيل بما مختصره: "يجب أن نعترف أن الشعب الفلسطيني قام قبْل هزيمة 1967م بما كان ينتظر منه، وهو اللجوء إلى الثورة الشعبية المسلحة"، و"لكنَّ أمورًا وقعت هنا وهناك أفقدت الثورة توازنها، فكانت -ولا زالت- عاجزة عن الإمساك بمقود السفينة كما ينبغي، ذلك أن القائد الملهم لم يأتِ إلى الساحة بعد".

"لقد كانت الثورة الفلسطينية تضج بالحياة والثورية في بدايتها، وكانت تحترم مشاعر الشعوب العربية الشقيقة واختياراتها، وكان محرمًا على الفدائي الذي يعبر جنوب لبنان أو الأراضي الأردنية أو السورية أن يؤذي نملة في أي منزل أو قرية يمر بها في طريقه إلى مهمته القتالية"، "وكانت الثورة مجهولة تعيش تحت الأرض مثلها مثل كل الثورات، ولكن سرعان ما لعبت الأحلام في رؤوس البعض فحسبوا أن المجد لا يعطى مِن فوهة البندقية، بل بواسطة الكراسي".

"فسقطوا في المحظور، ودخلوا دهاليز السياسة، وأصبحوا ثورة عمومية، أي: ثورة فوق الأرض"، "ووقع الكل في خطأ الجزء، فتذابحنا مع اللبنانيين سنة 1969م، ثم مع الأردنيين سنة 1970 م، ثم مرة أخرى مع اللبنانيين سنة1973م، ثم مرة ثالثة مع اللبنانيين سنة 1975م - 1982م، ثم مع اللبنانيين مرة أخرى، ثم بعضنا مع البعض الآخر، ولم نقاتل العدو كما كان يجب، وانقلبنا مِن ثورة يحترمها العالم كله إلى ثورة لم تعد تخيف أحدًا، بل إن دولًا عديدة في العالم منحتنا ولاءها ثم سحبته بسبب أخطائنا الاستراتيجية".

"لقد كان مذهلًا أننا كنا نطلب الشيء ونقيضه في آنٍ واحدٍ؛ كنا نعلن أننا نقاتل مِن أجل تحرير كامل التراب الفلسطيني مِن العدو المحتل، ثم نتوجه بنداءٍ إلى العالم نوافق فيه على إعطائنا أي مكان في فلسطين نقيم عليه دولتنا"، "ولقد كان مذهلًا حقًّا أننا كنا تقف مع سوريا مرة وضدها مرة، ومع مصر مرة وضدها مرة، ثم مع تونس وطرابلس وبغداد وضدها مرة، إلخ. إن تكرار خطيئة عمان في بيروت، ثم تكرار خطيئة بيروت في تونس، وتكرار خطيئتي بيروت وتونس في عمان مرة ثانية، ثم تكرار كل هذه الخطايا في دمشق وعمان والجزائر... هي سياسية لا يمكن أن يكون دافعها الوعي الثوري أو الحدس الثوري، بل الارتباك، ولقد كان هذا الارتباك بمثابة الحد الأقصى مِن التخبط".

"أليس مذهلًا أننا انتقلنا في عشرٍ سنوات فقط مِن ثورة تريد فلسطين كلها إلى ثورة تعترف بالقرار 242، الذي ينص صراحة على حق إسرائيل في فلسطين بدون مواربة أو غموض؟! إن هذا التخبط جعل العالم يشيح بوجهه عنا، وأبعدنا عن الهدف الحقيقي الذي هو فلسطين ولا شيء سواها".

"فالعار ليس في أن يحتل العدو الأرض بل أن يعترف صاحب الأرض للعدو بهذا الاحتلال، والتاريخ مليء بالشواهد المشابهة التي احتل فيها العدو الأرض، ثم خرج منها بالقوة أو بالوسائل الأخرى"، "ولأن الوقت الآن لم يعد في صالحنا؛ ولأن ما فقدناه يفوق الوصف والتصور، فقد آن لنا أن نقف وقفة مسؤولة، ونحاسب أنفسنا، ونجدد انطلاقتنا لكي لا يطمسنا التاريخ" (المسألة الفلسطينية: الأزمة والحل، ص:12-14 بتصرف).

ويقول موضحًا مسؤوليتنا عن ضياع فلسطين ما مختصره: "إننا مسؤولون عن ضياع فلسطين مثلما كان السلاح اليهودي مسؤولًا عن ضياع فلسطين، ومثلما كان الغطاء الدولي لمصلحة إسرائيل مسؤولًا عن ضياع فلسطين، فنحن لم نكن ندرك أن ما كان يجري حولنا منذ مطلع القرن العشرين الميلادي هو مؤامرة صهيونية لاغتصاب أرض فلسطين".

وحين بدأ الفلسطينيون يدركون هذه الحقيقة خاضوا معاركهم ضد اليهود "بالعاطفة وحب فلسطين دون قيادة سياسية واعية، أو قيادة عسكرية محترفة؛ فاستطاع العدو أن يسجل هدفه الأول، وهو: إلغاء فلسطين من الخارطة ووضع إسرائيل بدلًا منها، ولكي يمرر عدونًا ذو التجربة والمال هذا الهدف اختلق مسألة تقسيم فلسطين، ووافقت الدول الكبرى عليه... وسرعان ما رفضنا، ثم رضينا بهذا الأمر"، "والهدف الثاني الصهيوني: كان طردنا مِن فلسطين؛ ذلك أن الفلسطينيين كانوا حتى ما بعد التقسيم عام 1947م أكثر عددًا مِن اليهود بمعدل خمسة إلى واحدٍ، وبسبب حسن تدريبهم وقدرات قادتهم السياسية والمالية خاضوا ضدنا حربًا غير متكافئة فانهزمنا". "الهدف الثالث كان: طرد بقية الفلسطينيين والاستيلاء على كل فلسطين، وفي هذه الفترة كانت الدول العربية خارجة للتو مِن حكم الاستعمار لتدخل عالم الاستقلال الذي لم تتقن سياسته، ولم يكن عندنا زعامات فذة قادرة على شحن أبناء الأمة بالوطنية الصادقة، بل كان لدينا زعامات فارغة، أو هوجاء وطنيا، أو محبة للسلطة والمال؛ وبسبب تخبط الشعوب العربية في الجهل والفقر وعذاب الحاكم تمكنت إسرائيل مِن حشد أبنائها وتحصين الأراضي التي سيطرت عليها، وأنشأت فوقها دولة، وبينما كان العرب يتصايحون ويتقاتلون اندلعت حرب 1967م في غفلةٍ عربية، وضربت إسرائيل ضربتها وأذهلت العرب والعالم معًا لا بقوتها المفاجئة المنظمة فحسب، بل بكشف هشاشة القوة العربية العسكرية والتنظيمية، وبهذه الحرب حققت إسرائيل هدفها الثالث، وهو الاستيلاء على كل فلسطين، وأجزاء أخرى مِن مصر وسوريا، لكي تفاوض بها في المستقبل مقابل الاكتفاء بفلسطين فارغة مِن الفلسطينيين، أو مقابل إبرام معاهدة صلح مع العرب ينهون بها حالة العداء مع إسرائيل إلى الأبد، فتصبح إسرائيل الدولة الأقوى، والجارة المهيمنة في الشرق الأوسط كله، وتحقق بذلك هدفها الرابع" (راجع: المصدر السابق).

ياسر عرفات:

اسمه: محمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، واشتهر باسم (ياسر عرفات)، وبلقب (أبو عمار). ولد بالقاهرة في عام 1929م، مِن أب فلسطيني، كان تاجرًا في سوق الجملة للخضار والغلال، وأم فلسطينية تدعى (زهوة)، مِن عائلة تعرف بعائلة (أبي السعود) مِن القدس. توفيت والدته وهو في الرابعة مِن عمره، فأرسله والده مع أخيه (فتحي) إلى خالهما في القدس، ثم أعاده إلى القاهرة بعد ثلاث سنوات، حيث عوضته زوجة أبيه المصرية عن حنان الأم الذي فقده. درس الهندسة في جامعة الملك فاروق، وعرف مِن صغره بالاجتهاد في الدراسة وروح التسامح وإقامة العلاقات العامة، وكان حريصًا على ارتداء الكوفية الفلسطينية ورابطة العنق.

ارتبط لفترةٍ بجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد موقفها بعد نكبة 1948م، ولم ينفِ انتسابه لها، خاصة وقد شجعوه على خوض انتخابات مجلس الطلاب، فظهر كخطيبٍ ورجل علاقات، مع تميزه بالكوفية الفلسطينية، وأسس عام 1951م رابطة الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة.

انتقل للعمل بالكويت وهناك انخرط في العمل السياسي السري، وأسس أواخر 1959م حركة (فتح) الفلسطينية، وتولى رئاستها، ثم رئاسة منظمة التحرير حتى وفاته. انطلق مِن الكويت، وقاد العمل المسلح مِن عمان، وحوصر في بيروت، وانتقل إلى تونس، ثم عاد إلى غزة بعد اتفاق (غزة - أريحا) مع إسرائيل.

رغم حبه لمصر وتأييده لثورة يوليو 1952م لم يحظَ بعلاقات صداقة قوية مع عبد الناصر ثم السادات مِن بعده، لم ينسق مع القاهرة عند بدء أنشطة منظمة (فتح)، ولكنه طرق باب القاهرة بعد هزيمة 1967م، ونال تأييد عبد الناصر، وتولى رئاسة منظمة التحرير عام 1969م بعد استقالة الشقيري. ساهم عبد الناصر في إنقاذ عرفات ورجاله مِن مذبحة (أيلول الأسود) في الأردن عام 1970م.

ساعد انتصار حرب أكتوبر 1973م على تحسن العلاقة المصرية الفلسطينية، ونال الموافقة العربية على اعتبار منظمة التحرير التي يرأسها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وألقى أشهر خطبه، وهو خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومما جاء فيه: "جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر؛ فلا تسقطوا الغصن الأخضر مِن يدي"، وقوله: "الحرب تندلع مِن فلسطين، والسلام يبدأ مِن فلسطين".

مع اتجاه مصر للتصالح مع إسرائيل ساءت العلاقات مع مصر وانتهت بالقطيعة، وتورطت المقاومة الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية، ودخلت في مواجهاتٍ دمويةٍ امتدت إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينية، وأجبرت على الخروج مِن لبنان بعد الغزو الإسرائيلي للبنان، وتم اختيار تونس مقرًّا جديدًا لمنظمة التحرير.

أيد عرفات العراق في غزوها للكويت عام 1990م؛ مما تسبب في مقاطعة دول الخليج لمنظمة التحرير، وكان عرفات يأمل مِن ذلك دعم العراق للانتفاضة الفلسطينية التي بدأت عام 1987م، والتي أعقبها محاولة إعلان قيام الدولة الفلسطينية في 11 نوفمبر 1988م، ومع إحساس عرفات بالعزلة دخل في مفاوضات للسلام مع إسرائيل، وقع خلالها على اتفاقياتٍ عديدةٍ، في (أوسلو) 1992م، وفي (طابا) 1995م، وفي (واي- ريفر) 1998م، وفي (شرم الشيخ) 1999م.

ورغم الاتفاق على انسحابات إسرائيلية، ووعد بحكم ذاتي فلسطيني، فلم تنفذ منها إسرائيل إلا القليل، في ظل تعنت حكومة (بنيامين نتنياهو)، التي تولت حكم إسرائيل في مايو 1996م، ثم تعنت (أيهود باراك) الذي تولى الحكم في عام 1999م، ومِن بعدهما (آريل شارون)؛ لذا فشلت كل اللقاءات بيْن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بل شهدت المناطق المحتلة انتفاضة شعبية عام 2000م، ومحاصرة الدبابات الإسرائيلية لمقر عرفات مِن ديسمبر 2001م حتى مطلع 2004م، في الوقت الذي ضاعفت فيه إسرائيل -وما زالت- مِن إنشاء المستعمرات الجديدة في القدس والأراضي المحتلة الأخرى.

عودة عرفات لفلسطين:

وصل عرفات إلى غزة ليدير سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني في يوليو 1994م، وانتخب رئيسًا للسلطة الفلسطينية في 21 يناير 1996م بعد أن حاز على 88% مِن أصوات الناخبين.

 ورغم عودة عرفات والسلطة الفلسطينية إلى الضفة وغزة في ظل مفاوضات السلام؛ إلا أن هذه المفاوضات خلال سنواتها الطويلة لم تحقق الحد الأدنى مِن المطالب الفلسطينية.

بعد رحلة مع المرض توفي عرفات في باريس، وأقيمت له مراسم وداع في القاهرة، ودفن في رام الله عام 2004م.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة