الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

معالم في السلفية (3)

العلم التفصيلي بالكتاب والسنة – ليس مجرد معرفة أسباب النزول بل معايشتها بأنفسهم

معالم في السلفية (3)
أسامة شحادة
الجمعة ١٩ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٥:٠٧ م
1036

معالم في السلفية (3)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ...

فالسلفية كما أوضحنا:

تقوم على التمسك بالكتاب والسنة وفق فهم الصحابة رضي الله عنهم ومن أخذ عنهم من التابعين وتابعي التابعين ومن تابعهم بإحسان.

والسلفي:

هو من يقدم فهم الصحابة على كل فهم أخر للكتاب والسنة - خاصة في أبواب الاعتقاد - ويلتزم بما أجمعوا عليه ولا يخرج عن أقوالهم فيما اختلفوا فيه - ويلتزم بهذا الفهم اعتقادا وعملا ودعوةً إليه في أي زمان أو مكان .

وهنا يأتي دائما السؤال المكرر من المناوئين:

*أليس الصحابة رجال لهم عقول كعقولنا، بل قد جاء الكثير من بعدهم يصفون بالذكاء ورجاحة العقل في التاريخ الإسلامي، فلماذا التمسك بفهم الصحابة رضوان الله عليهم دون غيرهم ؟؟*

والإجابة على ذلك هامة ويسيرة بإذن الله على من تأمل وصدق في بحثه عن الحق وهى من عدة وجوه:

(1 ) الصحابة رضوان الله عليهم هم أعلم الأمة بكتاب الله تعالى ومراد الله تعالى في كتابه فعليهم نزل القرآن غضًا طريًا يوضح لهم الصواب من أفعالهم في أثناء وقوعها ويعالج مشاكلهم الواقعة في حياتهم ، وهم من استمعوا إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أشكل عليهم فهمه من مراد الله تعالى في كتابه، كما أنهم هم أعلم الأمة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم فهم حفظة أقواله و مشاهدو التطبيق العملي للنبي صلى الله عليه وسلم في أعماله وتوجيهاته التي أمر بها صلى الله عليه وسلم .

(2) الصحابة هم هذه الفئة المباركة الوحيدة التي زكاها الله عز وجل وزكى إيمانها وفهمها وأمر بإتباع طريقتها لتحقيق الهداية والفلاح ..

- قال تعالى:

{ والذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم } الأنفال 74

- و قال تعالى مخاطبا الصحابة رضوان الله عليهم: { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا } البقرة:137

(3) الصحابة هم من زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم و أمرنا بإتباع طريقتهم عند الاختلاف في فهم الأمور:

- قال صلى الله عليه وسلم:

(خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي) [رواه الشيخان]

- وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:

(فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهديين، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وإياكم ومحدثات الأمور ) [حديث حسن صحيح]

فهذا توجيه صريح من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة جمعاء أن تلتزم بفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند وقوع الاختلاف، بل جاء الأمر بالتمسك الشديد بذلك مشبهًا الأمر في شدة التمسك به بالعض على النواجذ

(4) أن هؤلاء الصحب الكرام هم صمام أمان هذه الأمة فكان انقضاء جيلهم بداية لظهور البدع والفتن، كما أن ترك طريقة فهمهم للكتاب والسنة سبب في وقوع الفتن والمحن.

والدليل على ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم :[ النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد , وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون , و أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ]. رواه مسلم

(5) أنهم رضوان الله عليهم أشد الناس تمسكًا بما أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنه ومتابعة له لا يفرقون في العمل بين صغير وكبير أو بين واجب ومستحب .

(6) أنهم رضوان الله عليهم كانوا أهل اجتهاد ونظر يملكون أدوات الاجتهاد [ العلم التفصيلي بالكتاب والسنة – ليس مجرد معرفة أسباب النزول بل معايشتها بأنفسهم – رجاحة العقل – الفراسة والفطنة – العلم باللغة – القدرة على الاستنباط ]، فتوفرت عندهم واكتملت لديهم بما لا يكون عند غيرهم

(7) أنهم أعلم الناس باللغة الفصيحة ، يعلمون مشهورها وغريبها وأساليبها البلاغية ولم يعرفوا لحن اللسان ولم تلحقهم شوائب العجم فهم أفهم الناس بالمعنى المراد من اللفظ.

(8) إجماع الأمة جيلاً بعد جيل على جلالتهم وإمامتهم والشهادة لهم بالعدالة والصلاح ، فهم أهل صلاح وتقوى، وزهد وورع، حريصون على الآخرة، معرضون عن الدنيا، فسهل عليهم الانقياد للحق، وانفتحت لهم أبواب الهدى والعلم، ولهم في ذلك باع ونصيب لا يلحقهم فيه من بعدهم..

- قال الله تعالى: { واتقوا الله ويعلمكم الله } [ البقرة: 282]

قال ابن مسعود: ( إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رآه المسلمون حسنا فهو حسن وما رأوه سيئا فهو عند الله سيء )

- و عن ابن عمر رضي الله عنهما:

( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة قلوبًا، وأعمقهم علمًا، وأقلهم تكلفًا، اختارهم الله عز- وجل لصحبة نبيه ونقل دينه ) .

( 9) أنهم رضوان الله عليهم أعظم من بذل الغالي والنفيس بل وضحّوا اختيارا بأرواحهم وأموالهم في سبيل نشر هذا الدين وإيصاله للعالمين، فهم أحرص الناس على إبلاغه للخلق طبقًا لمراد الله على ما فهموه من رسول الله بلا تغيير ولا تبديل.

فعلى ما ذكر أعلاه يظهر لكل صادق منصف لماذا نتمسك بفهم الصحابة رضوان الله عليهم ونتشبث بذلك في وصف المنهج السلفي الحقيقي بالرغم من هذا الهجوم المتواصل لهدم هذا المفهوم، حتى وصل الأمر ببعضهم حينما قلت حيلته في رد هذه الأسباب الواضحة المذكورة أعلاه إلى الكلام بالمتناقضات...

حيث يقر بأن الصحابة هم من قام بإرساء قواعد الدين وحمايته لكنه في ذات الوقت يدعى أن هذا كان يتطلب منهم استمرارية الجهاد في سبيل الله والذي شغلهم عن تعلم مسائل أصول الإيمان ودراستها.

والرد على مثل هؤلاء لا يحتاج إلى كثير إيضاح فهذا خطأ جسيم وتفسير مقلوب لأنه لا يمكن تفسير الانتصارات المذهلة للصحابة في جهادهم إلا في ضوء فهمهم المنضبط لعقيدة الإسلام الصحيحة واستجابتهم لتطبيقها عمليا ، كما قال تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ) [النور: 55]،

بل إن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين اجتذبوا غيرهم من الشعوب ذات الحضارات العريقة في ذلك الوقت إلى الدخول في الإسلام بفهمهم الصحيح لأصول الإيمان وتطبيقاته العملية.

كما أن هذا الادعاء مخالف لما عليه أهل الحق من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وضح لأصحابه حقائق الدين ولم يترك شيئاً إلا وبينه لهم سواء من الأمور الماضية كبدء الخلق أو الأمور الغيبية كالملائكة وأحوال الآخرة ، و أن الدين قد كمل قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و أخذه الصحابة منه تاما وطبقوه كاملا وبلغوه لمن بعدهم وافيا، كما قال تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}،

وإلا فإن هذا الادعاء مؤداه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ قرآنا لا يفهم معناه وتكلم بأحاديث لا يفهم معناها وأن الصحابة والتابعين كذلك *وهذا ضلال عظيم* فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه فقد قال الله تعالى : {لتبين للناس ما نزل إليهم } [النحل: 44] ، وهذا البيان يتناول اللفظ والمعنى.

يتبع بإذن الله

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة