الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

ثلاث إشارات!

في اتباع هديه نجاح الناس أفرادًا وجماعات في الدنيا

ثلاث إشارات!
عصام حسنين
الأحد ١٦ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٧:٥٨ م
691

ثلاث إشارات!

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي سورة الجاثية ثلاث إشارات جديرات بالاهتمام والانتباه، والتفكر فيها، ثم العمل بما فيها.

إشارتان إلى كتاب الله -تعالى- بأنه هدى وبصائر، وإشارة ثالثة إلى كتاب الأعمال التي اكتسبوها في الدنيا، ينطق عليهم بها يوم القيامة مِن غير زيادة ولا نقص.

الإشارة الأولى:

قال الله -تعالى-: (هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (الجاثية:11).

 "(هَذَا هُدًى): استئناف ابتدائي انتقل به مِن وصف القرآن في ذاته بأنه منزل مِن الله، وأنه مِن آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى؛ فالإشارة بقوله: (هَذَا) إلى القرآن الذي هو في حال النزول والتلاوة، فهو كالشيء المشاهد، ووصف القرآن بأنه هدى مِن الوصف بالمصدر للمبالغة، أي: هاد للناس؛  فمَن آمن فقد اهتدى، ومَن كفر به فله عذاب؛ لأنه حرم نفسه مِن الهدى، فكان في الضلال، وارتبق في المفاسد والآثام" (التحرير والتنوير لابن عاشور).

"وهذا وصف عام لجميع القرآن فإنه يهدي إلى معرفة الله -تعالى- بصفاته المقدسة وأفعاله الحميدة، ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم، ويهدي إلى الأعمال الصالحة ويدعو إليها، ويبيِّن الأعمال السيئة وينهى عنها، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ويبين الجزاء الدنيوي والأخروي، فالمهتدون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا" (تفسير السعدي).

الإشارة الثانية:

(هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (الجاثية:20).

(بَصَائِرُ): جمع بصيرة، وهي إدراك العقل الأمور على حقائقها، شبهت ببصر العين، وهي عين القلب التي يري بها الإنسان الحق مِن الباطل، والخير مِن الشر.

وإنما كان هدى؛ لأنه طريق نفع لمَن اتبع إرشاده، فاتباعه كالاهتداء للطريق الموصلة إلى المقصود، وإنما كان رحمة؛ لأن في اتباع هديه نجاح الناس أفرادًا وجماعات في الدنيا؛ لأنه نظام مجتمعهم ومناط أمنهم، وفي الآخرة؛ لأنه سبب نوالهم درجات النعيم الأبدي. وكان بصائر؛ لأنه يبيِّن للناس الخير والشر، ويحرضهم على الخير ويحذرهم مِن الشر، ويعدهم على فعل الخير ويوعدهم على فعل الشرور، فعمله عمل البصيرة" (التحرير والتنوير لابن عاشور).

"فتزكو به نفوسهم، وتزداد به عقولهم، ويزيد به إيمانهم ويقينهم، وتقوم به الحجة على مَن أصر وعاند" (السعدي).

الإشارة الثالثة:

(هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجاثية:29).  

أي: يستحضر جميع أعمالكم مِن غير زيادة ولا نقص، كقوله -تعالى-: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف:49).

"وقوله: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي: إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم. قال ابن عباس وغيره: تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابلون الملائكة الذين في ديوان الأعمال على ما بأيديهم مما قد أبرز لهم مِن اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر، مما كتبه الله في القدم على العباد قبْل أن يخلقهم، فلا يزيد حرفًا ولا ينقص حرفًا، ثم قرأ: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)" (تفسير ابن كثير).

وهذا يوجب للعبد مراقبة لما يصدر عنه مِن قولٍ أو عملٍ، وأن النجاة في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

قال الله -تعالى-: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) (الإسراء:13). أي: نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة؛ إما بيمينه إن كان سعيدًا، أو بشماله إن كان شقيًّا.

(مَنْشُورًا) أي: مفتوحًا يقرؤه هو وغيره، فيه جميع عمله؛ ولهذا قال -تعالى-: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء:14)، أي: إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت؛ لأنك ذكرت جميع ما كان منك، ولا ينسى أحد شيئًا مما كان منه، وكل أحد يقرأ كتابه مِن كاتب وأمي.

"قال معمر: وتلا الحسن البصري: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) (ق:17)، يا ابن آدم، بسطت لك صحيفتك، ووكل بك ملكان كريمان: أحدهما عن يمينك. والآخر عن يسارك؛ فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة كتابًا تلقاه منشورًا"، (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، قد عدل -والله- عليك مَن جعلك حسيب نفسك. هذا مِن حسن كلام الحسن -رحمه الله-" (تفسير ابن كثير).

نسأل الله التوفيق للعمل بما يحب ويرضى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً