الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

حماس والموازنات السياسية

وتمتاز التنظيمات المؤسسية التي تقوم على العمل الجماعي وتمتلك الأنشطة الاجتماعية التي تقدم خدمات متعددة تتغلغل بها داخل المجتمع

حماس والموازنات السياسية
علاء بكر
السبت ١٩ يناير ٢٠١٩ - ١٣:٣٤ م
776

حماس والموازنات السياسية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتُعد حركة حماس، حركة متعددة الأبعاد، بدأت كحركةٍ اجتماعيةٍ لها هياكل اجتماعية وثقافية، جعلت لها تغلغلًا في مجتمعها، ومنحتها حشدًا وتأييدًا شعبيًّا عزز مِن وجودها، ثم تبنتْ بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1978م المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي لتصبح تنظيمًا عسكريًّا، ثم أصبحت أيضًا حزبًا سياسيًّا بعد خوضها الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في يناير 2006م، بل والفوز بالأغلبية فيها، وتشكيل الحكومة العاشرة، ثم الحكومة الحادية عشر للسلطة الفلسطينية، ثم انتقلت إلى مرحلة (شبه دولة) بالانفراد بحكم قطاع غزة، مِن منتصف يونيو 2007م، حيث أصبحت المسؤولة وحدها -وعلى نطاق واسع- عن الأمن وسائر الأوضاع الأخرى المرتبطة بحكم قطاع يقرب سكانه مِن 1.5 مليون نسمة.

وهذا الخليط مِن التوجهات والأنشطة العسكرية وغير العسكرية لحماس يقوم على أيديولوجية ترتبط بفكر الإخوان المسلمين (الجماعة الأم التي انحدرت منها)؛ لذا فلها أهداف استراتيجية ومراحل تكتيكية، وهي مِن الناحية العملية لها موازناتها السياسية الخاصة بها، المرتبطة بخصوصية الحالة الفلسطينية التي تؤثر على خطواتها العملية، في ظل التعامل مع إسرائيل كدولةٍ أعلن قيامها في مايو 1948م على 80% مِن أرض فلسطين التاريخية، وكسلطة احتلال تسيطر على الضفة الغربية، وكقوة (شبه احتلال) لقطاع غزة حيث تفرض عليه حصارًا مشددًا، وتضعه في عزلة خانقة منذ أن استقلت حماس بحكمه.

وتمتاز التنظيمات المؤسسية التي تقوم على العمل الجماعي وتمتلك الأنشطة الاجتماعية التي تقدم خدمات متعددة تتغلغل بها داخل المجتمع وتجعل لها قاعدة جماهيرية عريضة بإمكانية الاستفادة مِن الانفتاح على العمل السياسي والمشاركة فيه، وبالتالي معرفة واختبار مدى الشعبية التي تحظى بها ومدى التقبل لتوجهاتها السياسية، كما في جماعة الإخوان المسلمين منذ خوضها للعمل السياسي في أربعينيات القرن العشرين الماضي، وكحركة حماس في السنوات الأخيرة في فلسطين، وهي ميزة تفتقدها بالطبع الحركات الإسلامية التي لا وجود مجتمعي لها كتنظيم القاعدة وتنظيم داعش مثلًا.

الشرع ميزان للحكم على أي موازنات:

ومما هو معروف عن الإطار الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين (الجذر الأيديولوجي لحركة حماس): أنه إطار فضفاض يتيح معالجات وبرامج سياسية متعددة تدور أينما دارت المصلحة التي تراها الجماعة، وتسمح بتجنيد قطاعات أكبر مِن جهة العدد، وأعرض مِن جهة التنوع، ولا يلزم أتباعه بتقديم تفسير كامل وبرنامج مفصل، بل يعطيهم فرصة الاستفادة مِن الوسائل العملية المتاحة، دون التقيد بقيودٍ نظرية تفرضها أيديولوجيتها؛ لذا فهي تخضع لمراحل مِن التطور والتغير بفعل الممارسة والتجربة السياسية، تتفاعل مع الأحداث، وتتجاوب مع الفرص أو التهديدات، وتبني عليها موازناتها، مع مراعاة أن لمرونة هذه الأيديولوجية حدودًا، فهي لا تتغير تغيرًا كليًّا، ولا تتغير بسرعةٍ وبسهولةٍ؛ وإلا تعرضت للانشقاق مِن داخلها، واتهمت بالانتهازية مِن خصومها، فليس مِن السهل تغيير الشعارات التي ارتبطت بها الجماعة، وتجاوب معها أتباعها؛ لذا فالتغيير عادة ما يكون بطيئًا وحذرًا، وتحت ضغط التجربة والممارسة.

والتغيير والتطوير في الموازنات مِن الناحية العملية قد يكون مقبولًا، بل ربما يكون مطلوبًا بالنظر إلى المصالح والمفاسد، والتهديدات والمتاح، فيما يكون فيه الخلاف معتبرًا شرعًا، يقبل إعادة الاجتهاد فيه، وليس فيه التخلي عن الثوابت المعلنة أو الخروج عن مواطن الإجماع المعروفة، ولا يخفى أن مرجعية جماعة الإخوان هي المرجعية الدينية الإسلامية، وينبغي أن تبنى عليها كل الموازنات، وهي موازنات تحتاج إلى علمٍ شرعيٍ راسخٍ، وفهمٍ للواقع واضح، ورؤية تجمع بينهما، وعليها يكون الحكم على هذه الموازنات بموافقة الشرع أو مخالفته، وبها يكون الحكم على صحة أو عدم صحة توجهات وتحركات الجماعة ككل.

حماس وفك الارتباط بالإخوان المسلمين:

عرفت حركة حماس نفسها في صدر لائحتها الداخلية عند نشأتها عام 1978م أنها (تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين)، وهو ما انعكس على بنيتها التنظيمية.

ومِن ذلك على سبيل المثال:

إن مجلس شورى حماس -أعلى مستوى قيادي داخل الحركة- يضم عددا مِن رموز التنظيم الدولي للإخوان، منهم ثلاثة مِن تنظيم إخوان مصر، فتشكيل مجلس الشورى السابق ضم المهندس: (سعد الحسيني)، عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين في مصر، وهو محافظ كفر الشيخ في فترة حكم الدكتور محمد مرسي، وحل محله في التشكيل التالي الدكتور: (محمود حسين)، أمين عام تنظيم الإخوان في مصر وقتها، كذلك ضم المجلس السابق الدكتور: (محمد البلتاجي) مِن تنظيم إخوان مصر، وحل محله في التشكيل التالي المهندس: (رضا فهمي)، وهو رئيس لجنة فلسطين داخل تنظيم الإخوان في مصر وقتها.

في الانتخابات الداخلية لحركة حماس التي اختتمت في القاهرة في أبريل 2013م تم اختيار (محمود صوالحة) عضوًا في المكتب التنفيذي (أي المكتب السياسي) للحركة، ليشغل موقع المسئول الأول عن قسم العلاقات الدولية داخل الحركة، وهو عضو في أمانة التنظيم الدولي للإخوان في لندن، حيث كان يقيم فيها منذ أكثر مِن 15 عاما.

قيام حماس بالتجديد مرة أخرى لـ(خالد مشعل) رئيسًا لها بضغطٍ مِن قيادات التنظيم الدولي للإخوان على بعض أجنحة حماس.

استجابة حماس السريعة لقرار مكتب الإرشاد العالمي للإخوان بإنهاء حالة الازدواجية الإدارية التي عليها المكاتب الإدارية لإخوان الشام في دول الخليج، وبالتالي عدم التداخل بيْن التنظيم الأردني وحماس في مكاتبها الإدارية، أي فك الارتباط المالي والسياسي بيْن تلك المكاتب، وذلك في إطار إعادة ترتيب التنظيم الدولي للإخوان لأوراقه الداخلية بعد تطورات ما عُرف بالربيع العربي.

ولهذا لم يكن غريبًا أن يستقبل الدكتور محمد مرسي وفدين مِن حركة حماس خلال الشهر الأول مِن توليه الرئاسة في مصر، فاستقبل وفدًا برئاسة (خالد مشعل) في 18 يوليو 2012م، واستقبل وفدًا برئاسة (إسماعيل هنية) في 27 مِن نفس الشهر.

ولهذه الروابط الخاصة مع الإخوان في مصر ومع التنظيم الدولي للإخوان كان الصعود السياسي للإخوان في مصر خلال عامي 2011 م - 2012م، والنصف الأول مِن عام 2013م منعطفًا كبيرًا في مسيرة حماس، ثم جاء فشل تجربة الإخوان والإطاحة بهم ليكون الزلزال السياسي الذي أثر بعد ذلك على تحالفهم السياسي مع الإخوان.

 ففي ظل التحديات الكبيرة والأجواء المضطربة التي تحيط بحماس على كافة الأصعدة، وحاجتها إلى إعادة ترتيب أوضاعها داخليًّا وإقليميًّا، وللتقدم في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية الذي تتولى مصر رعايته، أجرت حماس تحولًا داخليًّا كبيرًا بإصدار وثيقةٍ سياسيةٍ جديدةٍ تراعي مستجدات الحركة دون التخلي عن مبادئها في ظل مرونة في العمل السياسي، وقد تضمنت الوثيقة قبول دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967م، وتضمنت التحلل مِن أي ارتباطاتٍ سياسيةٍ مع جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تقديم الحركة نفسها كحركةٍ وطنيةٍ فلسطينية.

جاء فك الارتباط بجماعة الإخوان سياسيًّا نتيجة الأزمة التي تمر بها جماعة الإخوان في مصر، وما خلفته مِن تداعيات في المواقف السياسية بيْن مختلف أطراف المنطقة، مما دفع حماس دفعًا إلى فك الارتباط بالإخوان بناءً على تفاهماتٍ إقليمية ودولية يلزم حماس العمل بها لاستئناف علاقاتها الدولية والإقليمية والعربية ولاستكمال المصالحة الفلسطينية برعاية مصرية.

حماس والتهدئة مع إسرائيل:

عرفت حماس نفسها منذ أول نشأتها على أنها تتبنى نهج المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، فهي (حركة المقاومة الإسلامية)، ولا يتضمن ميثاق الحركة أي إشارة إلى هدنة طويلة أو مؤقتة (تهدئة) مع إسرائيل، وتبني الحركة لهذا النهج مِن أسباب شعبيتها وانتشارها خاصة بعد فشل نهج المفاوضات السلمية التي قادتها منظمة فتح والسلطة الفلسطينية في تحقيق الحد الأدنى مِن المطالب الفلسطينية في ظل التعنت والتشدد الإسرائيلي، ومع ذلك فقد لجأت حماس في مرات عديدة إلى التهدئة المعلنة أو غير المعلنة مع إسرائيل لاعتباراتٍ سياسيةٍ عديدةٍ.

ومِن ذلك: ما كان بعد اتفاقية أوسلو 1993م، وميل الرأي العام الفلسطيني إلى مشروع التسوية السلمية، وانتظار حماس والفصائل الأخرى الرافضة للاتفاقية لما ستسفر عنه مفاوضات السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، حيث قدَّم الشيخ أحمد ياسين قائد حماس -رحمه الله- عرضًا لهدنةٍ طويلة مع إسرائيل دون تخلي الحركة عن سقفها الأيديولوجي؛ مما فسر وقتها بأنه طلب فترة زمنية مِن الهدوء بهدف إعادة التسليح وتنظيم الصفوف، ورغم أن هذا العرض لم ينفذ فقد قامت حماس بتهدئةٍ غير رسمية وغير معلنة في أواخر 1995م في اتفاقٍ بينها وبيْن منظمة التحرير -لا بينها وبيْن الاحتلال الإسرائيلي- بتعليق عمليات المقاومة لحين إتمام الانسحاب الإسرائيلي مِن الأراضي التي ستخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، وللسماح بإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى في يناير 1996م، مقابل اعتراف منظمة التحرير بحماس -الوافد الجديد- كفصيل فلسطيني، وهو ما فسِّر على أنه رغبة في زيادة الحوار مع السلطة الفلسطينية، ولتجنب وقوع اشتباكات بيْن حماس والفصائل المؤيدة لمشروع أوسلو، خاصة مع ما تعرضت له حماس في هذه الفترة مِن ضعفٍ عسكري، وتراجع للتأييد الشعبي لعملياتها المسلحة.

ولم تصمد هذه التهدئة طويلًا؛ إذ لم تحظَ حماس باعترافٍ رسميٍ مِن منظمة التحرير، ولم تشارك في الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996م لضعف إمكانية الفوز فيها بنسبٍ معقولة، بما يعني عدم مناسبة الدخول في العمل السياسي وقتها، وبالتالي عدم الحاجة للاستمرار في التهدئة، ومع ضعف الحركة عسكريًّا نسبيًّا، والرغبة في عدم تنفيذ عمليات مِن أراضي السلطة الفلسطينية تجنبًا للصدام معها، خاصة تحت ضغط المجتمع الدولي وإسرائيل على السلطة لتفكيك الحركة ونزع سلاحها، لجأت حماس إلى استخدام تكتيك العمليات الانتحارية (الاستشهادية)، مما عزز مِن مكانتها، وحقق لها بعض المكاسب، إذ احتفظت بتوجهها المسلح الذي يميزها عن غيرها مِن الفصائل، وراعت المصلحة الوطنية بتأمين وضع السلطة الفلسطينية.

وقد عرضت حماس وقف عملياتها العسكرية في عدة مناسبات في مقابل طلبات لم تلقَ قبولًا لدى إسرائيل: كوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة في بعض الفترات، أو إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين في سجون إسرائيل، أو الانسحاب مِن غزة والضفة وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية.

ولاعتباراتٍ سياسيةٍ أخرى قامت حماس بتهدئةٍ على فترات، منها: ما بعد أحداث 11 سبتمبر خشية الربط بيْن حماس وبيْن القاعدة والجماعات التكفيرية الأخرى، وبالتالي اعتبار حماس جماعة إرهابية.

ومنها: ظروف الحرب الأمريكية على العراق، وتداعياتها على حلفاء حماس في إيران وسوريا، خاصة مع وجود قيادات لحماس في سوريا.

ومنها: الضعف الذي انتاب فتح وخفف مِن قبضتها على السلطة الفلسطينية بعد ظهور الخلافات بيْن أجنحة فتح، بل وبدء ظهور قيادة جديدة في فتح بعد تولي محمود عباس رئاسة الوزارة في السلطة الفلسطينية.

ومنها: وفاة ياسر عرفات في نوفمبر 2004م، وهي أحداث سمحت بمشاركة حماس في العملية السياسية لتكون على الأقل جزءًا مِن القيادة الفلسطينية الجديدة بعد غياب القادة التاريخية لعرفات.

ومن ذلك: تهدئة ما بعد إعلان القاهرة في مارس 2003م، والتهدئة المؤقتة نهاية يناير 2005م، ثم تهدئة نوفمبر 2006م، والتي استمرت إلى مايو 2007م في ظل تشكيل حكومة الوحدة الوطنية عقب اتفاق مكة في يناير 2007م، وظهور احتمال أن تحظى حماس باعترافٍ رسميٍ عربي ودولي أو -على الأقل- تخفيف الحصار المفروض عليها.

وبعد إحكام حماس سيطرتها الأمنية والسياسية على قطاع غزة كان قبول حماس للتهدئة في يوليو 2008م، ولمدة 6 شهور، والتي أعلنت نهايتها في ديسمبر 2008م لتستأنف حماس إطلاق صواريخها على جنوب إسرائيل، الذي أعقبه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عملية: (الرصاص المصبوب) في ديسمبر 2008م، ويناير 2009م.

التهدئة خلال حكم محمد مرسي:

استفادت حماس مِن الفراغ الأمني في مصر بعد سقوط نظام مبارك، ومِن فتح مخازن السلاح الليبي بعد سقوط القذافي، فعززت إمكانياتها العسكرية، ومع ذلك فلم تصعد مِن عملياتها ضد إسرائيل مع بداية حكم مرسي؛ لئلا تضع حكم الإخوان في مصر في موقفٍ صعب بيْن استمرار التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل وبيْن إدارة الظهر لغزة؛ مما يفقد نظام مرسي شعبيته، ولكن الحركة اضطرت إلى المشاركة في التصعيد حفاظًا على مكانتها داخل غزة بعد تولي جماعة الجهاد الإسلامي قيادة العمليات ضد إسرائيل واتهامها لحماس بالتخلي عن المقاومة.

وبرعاية من القاهرة وقبْل الوصول لتهدئة بيومٍ واحدٍ مِن عملية: (عامود السحاب)، قامتْ إسرائيل في قصف جوي باغتيال (أحمد الجعبري) القائد العسكري لكتائب القسام؛ مما دفع حماس إلى الرد، لترد إسرائيل على ذلك بالعدوان على غزةٍ بعملية استمرت 8 أيام، لكنها لم تقم خلالها بعملية برية على القطاع حفاظًا على علاقتها بالقاهرة مِن التدهور، ولاعتباراتٍ داخليةٍ تتعلق بقرب دخول الحكومة الإسرائيلية في انتخابات قد تخسرها إذا تعرضت لخسائر عسكرية خلال أي اجتياح بري لغزة.

وقد قبلت حماس اتفاقًا للتهدئة بعدها أبرم بوساطة مصرية في نوفمبر 2012م؛ إذ لم تكن لتتجاهل حاجة نظام مرسي إلى استمرار الهدوء وعدم التصعيد في غزة.

حماس والتعامل مع إيران:

رغم الاختلاف المذهبي بيْن حماس (السنية) ونظام الحكم الملالي (الشيعي) في إيران، ورغم حالة التوتر بيْن دول الخليج وإيران، ورغم التدخل الإيراني في الشئون الداخلية لبعض الدول العربية كما في العراق ولبنان واليمن وسوريا، فهناك التقاء بيْن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وإيران مرتبط بإظهار إيران لتأييد نهج المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، ومِن ثَمَّ قيامها بدعم وتسليح وتدريب عناصر حماس، وهو ما تحتاجه حماس، فقد استغلت إيران تراجع التأييد العربي لنهج المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وتقدمت لتملأ هذا الفراغ، وبالتالي التقت أيديولوجيًّا مع حماس في هذه الجزئية، لكن علاقة حماس بإيران ليستْ علاقة عضوية كعلاقتها مع جماعة الإخوان.

ومع تطورات الربيع العربي في سوريا، ودعم حماس لمعارضي نظام الأسد محليًّا وإقليمًّيا تمشيًّا مع موقف الإخوان في سوريا، ومع صعود الإخوان للحكم في مصر استبدلت حماس محور (الدوحة - أنقرة - القاهرة) بمحور: (طهران - حزب الله وضاحية جنوب بيروت)، لتحظى بدعم قطر المادي، ودعم الإخوان في مصر السياسي، كما دخلت حماس في هدنةٍ مع إسرائيل برعاية نظام مرسي؛ جاء ذلك في الوقت التي كانت تسعى فيه إيران للانفتاح على أمريكا والغرب -المعادين لحماس-، تأمل بذلك رفع العقوبات عن النظام الإيراني.

وقد أثرت تلك التطورات على علاقة حماس بالنظام الإيراني، حتى تردد أن إيران أوقفت دعمها المادي لحماس دون حركة الجهاد الإسلامي، وبعد الإطاحة بنظام الإخوان في مصر في 30 يونيو 2013م ترددت الأنباء عن عودة العلاقات مع إيران مِن جديدٍ إلى ما كانت عليه قبْل الأزمة السورية في ظل شروط إيرانية.

ولهذا لم يكن غريبًا مسارعة وفد مِن حماس بزيارة طهران عقب الإعلان في ديسمبر 2017م عن التوصل في القاهرة إلى مصالحةٍ تاريخيةٍ بيْن حماس والسلطة الفلسطينية، وذلك لطمأنة النظام الإيراني على موقف حماس مِن إيران.

حماس ونظام حكم أردوغان في تركيا:

رغم أن تركيا تتوافق مع الموقف العربي والدولي حول حل الدولتين، دولة إسرائيل، ودولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل 5 يونيو 1967م، عاصمتها القدس الشرقية، ورغم أن تركيا تحتفظ بعلاقاتٍ طيبة مع حماس، ولها علاقات دينية وتاريخية وثقافية مع فلسطين والدول العربية، تقوي مِن نفوذها في الدائرة العربية والإقليمية، فإن تركيا لها علاقات قوية واضحة مع إسرائيل، وتتعاون معها في العديد مِن أوجه التعاون بيْن البلدين، وهو إرث ورثته حكومة أردوغان مِن الحكومات التي سبقتها، ولكنها حافظت واستمرت عليه، لكنه لم يمنعها مِن إظهار التعاطف مع قطاع غزة في ظل الحصار الشديد الذي تفرضه عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، والذي توجته بمحاولة فك الحصار بتوجه السفينة التركية (مرمرة) إلى غزة بحرًا، محملة بالمساعدات الطبية والغذائية والإنسانية، وعليها العديد مِن الشخصيات الدولية والنشطاء، والتي تعرضت للاعتداء مِن قِبَل البحرية الإسرائيلية في يونيو 2010م، واستولت عليها، ومنعتها مِن أداء مهمتها، وتسببتْ في مقتل بعض ركاب السفينة، وهو الحادث الذي أثر لفترة على العلاقات التركية الإسرائيلية، وزال أثره باعتذار إسرائيل وتقديمها التعويضات للضحايا لتركيا، واستئناف العلاقات بينهما.

وبلغ التعاطف التركي ذروته في تصريحات المسئولين التركيين وزيارتهم لقطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وكذلك المساهمة التركية في تنفيذ مشاريع إعمار غزة بدورٍ كبيرٍ دون أي اشتراطات على حماس أو الأطراف الفلسطينية الأخرى، وقد أظهرت الخارجية التركية ترحيبها باتفاق القاهرة للمصالحة الفلسطينية رغم ما سبقه مِن فك حماس لارتباطها السياسي مع جماعة الإخوان المسلمين، رغم ارتباط نظام حكم أردوغان المعروف بجماعة الإخوان، وإيوائها للعديد مِن قادتها وكوادرها، وتقديم الدعم المالي والإعلامي والمعنوي لها.

حماس والجماعات السلفية الجهادية في غزة:

تمثِّل الجماعات السلفية الجهادية في غزة: كجيش الإسلام، وجيش الأمة، وجماعة سيف الله، وكتائب التوحيد والجهاد، ومجلس شورى المجاهدين، وكتائب سيوف الحق، وهم بالمئات، تحديًّا أيديولوجيًّا وعمليًّا لحماس إذ تشترك معها في نهج المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، ولكنها تعارض العمل السياسي ودخول الانتخابات التشريعية، وتنتقد تحالف حماس مع إيران وتواصلها مع حزب الله في لبنان واتصالها بنظام بشار الأسد العلوي (النصيري) العلماني في سوريا؛ لذا لم يخلو الأمر مِن مواجهاتٍ بيْن الطرفين تصل إلى حد العنف الدموي أحيانًا، والذي بلغ ذروته في صيف 2009م بمدينة رفح الفلسطينية جنوب القطاع، عندما أعلنت جماعة جند أنصار الله التي ينحدر الكثير مِن عناصرها مِن حماس مِن على منبر مسجد (ابن تيمية) أن رفح إمارة إسلامية، فهاجمت حماس المسجد، وقتلت قائد الجماعة الدكتور: (عبد اللطيف موسى) و23 مِن عناصرها، وهي الأحداث التي تسببت في توتر غزة لعدة شهور بعدها.

ويمثِّل نهج المقاومة الذي ينتهجه التيار الجهادي تحديًا لحماس التي تحكم غزة وتسيطر عليها؛ إذ يضرها سياسيًّا تصفية الجهاديين، ويضرها سياسيّا تركهم يتحركون بحريتهم في مواجهة إسرائيل دون التقيد بتحركات حماس وتوازناتها.

وقد دارت تعاملات حماس مع الجهاديين على أربع صور مِن التعاملات المختلفة حسب قوة موقف حماس وضعفه، وما تتطلع إليه مِن المكاسب والخسائر، وهي:

1- سياسة المواجهة والاحتواء: بالملاحقة الأمنية والتضييق والرقابة، وتشديد قبضتها عليهم، استكمالًا للسيطرة على غزة، وإن كان التصعيد مِن حماس في المواجهة قد يفقدها بعض شعبيتها، أو بعض عناصرها؛ خاصة وقت ضعفها في مواجهة إسرائيل، أو وقت تصعيد الجهاديين لعملياتهم ضد إسرائيل وقصفها بالصواريخ؛ لذا تحرص حماس على مراجعة عناصر هذا التيار فكريًّا؛ لاحتوائهم مِن خلال علماء منتمين لحماس أو قريبين منها.

2- سياسية التبرير: كتبرير عدم إعلان غزة دولة إسلامية؛ لئلا يتفاقم الحصار لها والعزلة المفروضة عليها، فتزداد معاناة سكانها، وتبرير التحالف مع الشيعة بالضرورة العملية في غياب البدائل؛ تقليلًا للعداء وحصره في نطاق الشكل والأسلوب، لا في المبدأ والمضمون.

3- سياسة المزيد مِن أسلمة غزة: كمنع تناول الخمور، وإلزام الطالبات بالزي الإسلامي، وإغلاق الملاهي والمؤسسات غير الإسلامية، وتشجيع الأنشطة التي تساهِم في نشر القيم والعادات الإسلامية، بما يتمشى مع مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند التيارات السلفية.

4- سياسية التوافق: بالدخول في حوارات وعقد صفقات مع هذه الجماعات في توقيتات تحتاج حماس إلى خفض حدة التوتر حفاظًا على استقرار غزة، أو حفاظًا على تهدئةٍ مع إسرائيل، أو التزامًا بقرارات لحكومة حماس.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة