السبت، ١٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

لا تتحسر على شيءٍ فاتك مِن الدنيا!

لا تتحسر على شيءٍ فاتك من الدنيا، فإن هذا لا يفيدك

لا تتحسر على شيءٍ فاتك مِن الدنيا!
علاء الدين عبد الهادي
الخميس ٠٧ فبراير ٢٠١٩ - ١٧:٤٤ م
2671

لا تتحسر على شيءٍ فاتك مِن الدنيا!

كتبه/ علاء عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وهو حديث عظيم الشأن يحوي توجيهات نبوية مباركة يحتاجها العبد منا لحفظ دينه وسواء نفسه، وتصحيح نظرته للدنيا، ووزن الأمور فيها بالميزان الصحيح الوحيد؛ ميزان الآخرة.

وعلى عكس ما ينبغي على الناس فعله مِن العمل للآخرة والتنافس عليها: نجد الكثير منا يتوجه قلبه نحو الدنيا حتى تملأ زينتها قلبه، ولا تكاد تترك فيه مجالًا للانشغال بشيءٍ مِن ذكر الدار الآخرة، والاستعداد للموت والعمل للجنة! ولا يكاد المرء منا يعتصره الألم حينما يُحرم مِن النعم الدينية أبوابًا إلى الجنة في الوقت الذي تكاد نفسه تذهب حسرات على فتاتٍ مِن الدنيا قليل!

وفي ظل هذا التنافس المحموم يأتينا مثل هذا الحديث ليصوب لنا الوجهة يعدل لنا المسار؛ فأنت مهما فاتك من شيء فاعلم أنه لم يفتك الكثير إن أنت حصلت هذه الخصال الأربع، حفظ الأمانة، وحسن الخلق، وصدق الحديث، والعفاف والتكسب مِن حلال.

إن ذكرتك نفسك يومًا بالوظيفة التي فاتتك والمال الذي ذهب لغيرك، وكل المرغوبات التي تشوف لها قلبك وتعلق بها تعلقًا، ولكن لم تستطع تحصيلها؛ فتذكر هذا الحديث وقل لنفسك: (لَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا) وابحث لنفسك عن مكانة متقدمة بين هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات الأربع، وغيرها مِن المنجيات؛ فثم السباق الحقيقي.

ولا يعارض هذا أن نفوسنا مفطورة على التألم والحزن إن فات الإنسان شيء يحبه مِن أمر الدنيا، ولكن العاقل لا يجعل هذا الألم يأكل قلبه ويشغله عن المضمار الأعظم مكانة والأحسن عاقبة.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "وقوله: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد:23)، أي: أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم، فلا تأسوا على ما فاتكم، فإنه لو قدر شيء لكان... " إلى أن ذكر قول عكرمة -رحمه الله-: "ليس أحدٌ إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا" (انتهى من تفسير ابن كثير).

فكل ما فاتك مِن الدنيا إنما هو قليل يمكن تعويضه في الدنيا أو تحصيل ما هو أفضل منه عند الله في الآخرة، وكل مصاب في غير الدين هين، وقد كان النبي يدعو بألا تكون المصيبة في الدين، فعن ابن عمر قال: قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ حَتَّى يَدْعُوَ بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ لِأَصْحَابِهِ: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

قال المباركفوري -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "(وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا) أي: لا تصبنا بما ينقص ديننا من اعتقاد السوء، وأكل الحرام، والفترة في العبادة، وغيرها .(وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا) أي: لا تجعل طلب المال والجاه أكبر قصدنا أو حزننا، بل اجعل أكبر قصدنا أو حزننا مصروفًا في عمل الآخرة، وفيه أن قليلًا مِن الهمِّ فيما لابد منه في أمر المعاش مرخص فيه، بل مستحب، بل واجب .

(وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا) أي: غاية علمنا، أي: لا تجعلنا حيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أمور الدنيا، بل اجعلنا متفكرين في أحوال الآخرة، متفحصين من العلوم التي تتعلق بالله -تعالى- وبالدار الآخرة، والمبلغ الغاية التي يبلغه الماشي والمحاسب فيقف عنده" (تحفة الأحوذي).

فالحاصل: لا تتحسر على شيءٍ فاتك من الدنيا، فإن هذا لا يفيدك، ومِن الطبيعي أن يحزن الإنسان لشيءٍ فاته، ولكن ليجعل هذا الألم حافزًا له لكي يتعلم مِن أخطائه ويستدرك ما فاته، وفي كل الأحوال على الإنسان أن يجعل الآخرة هي أكبر همه، وإليها يتوجه عقله وقلبه حتى يفوز في الدارين.

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com