الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (1)

فكم مِن حُرماتٍ انتهكت، وحقوق ضاعتْ باسم الحرية المطلقة بلا حدودٍ أو قيودٍ

الفساد (1)
علاء بكر
الأربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٩ - ١٨:١٤ م
980

الفساد (1)

خطورة الفساد

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيُعد انتشار الفساد بأنواعه مِن أخطر المشكلات العالمية التي تعاني منها كل دول العالم عمومًا "والدول النامية خصوصًا"، بما في ذلك الدول المتقدمة، وهي مشكلة تؤثِّر سلبًا بدرجةٍ كبيرةٍ على تقدم ونمو الدول، فمظاهر وصور الفساد المختلفة لا يخلو منها مجتمع مِن المجتمعات، قلَّتْ أو كثرت؛ لذا فمقياس تقدم الدول مرهون بمدى قدرتها على مكافحة مظاهر الفساد فيها والحد منها والسيطرة عليها عبْر سبل ووسائل مكافحة الفساد الفعَّالة والمفعلة.

وقد قام المجلس الأوروبي في عام 1992م بإنشاء فريقٍ متعدد التخصصات معني بالفساد، وحذت حذوه العديد مِن الهيئات الدولية.

وفي عام 1998م أعلن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي: أن محاربة الفساد تمثِّل أحد المعايير للإدارة الاقتصادية الجيدة.

وفي عام 1994م تم إنشاء منظمة (الشفافية الدولية) -وهي منظمة غير حكومية-؛ لمكافحة الممارسات الفاسدة، وهي هيئة قامتْ بتمويلٍ مِن مؤسسة فورد الأمريكية تجمع خبراء اقتصاديين ورجال قانون دوليين، وقد عرَّفت منظمة الشفافية الدولية في بداية عهدها الفساد بأنه: "سوء استخدام للسلطة الممنوحة مِن أجل تحقيق منفعة خاصة"، ثم عادت ففسرته في وقتٍ متأخرٍ بعدها بأنه: "السلوك الذي يمارسه مسؤولون في القطاع العام أو الحكومي سواء مِن سياسيين أو موظفين مدنيين بهدف إثراء أنفسهم أو أقربائهم بصورةٍ غير قانونية، ومِن خلال استخدام السلطة الممنوحة لهم"، وهو تعريف يقصر الفساد على النظر إلى العلاقة الآثمة بيْن الثروة والسلطة.

وقد تبنت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي في عام 1997م اعتماد اتفاقية مناهضة للفساد مِن جانب ما يقرب مِن عشرين دولة، وهذا التوجُّه العالمي للتصدي للفساد يعكس وجود ارتباطٍ بيْن مظاهر الفساد والعولمة خاصة مع التغلغل المتزايد لرؤوس الأموال التي جاءتْ كثمرةٍ لأنشطة إجرامية عالمية في الاقتصاد التقليدي للدول مما يجعلها تمثِّل خطورة كبيرة؛ إذ مِن الصعب الكشف عنها والقضاء عليها.

خطورة الفساد:

يُعد الحديث عن الفساد مِن القضايا الهامة، ويزيد مِن أهميته:

1- حساسية الموضوع؛ إذ يمس في الغالب أصحاب النفوذ والقرارات في الدولة؛ مما يتسبب في الشعور بعدم جدوى مواجهته، واليأس مِن تغييره.

2- نتائج الفساد تكاد تفتك بالمجتمع ككل، فهي لا تقتصر على فئةٍ مِن فئات المجتمع دون غيرها، بل تبتلع كل جهود التنمية، وتحول بين المجتمع وبين تقدمه مهما كانت الجهود المبذولة في هذا الشأن.

3- إن الفساد نقيض الصلاح، والإفساد نقيض الإصلاح، والعلاقة بينهما عكسية، فزيادة مساحة الفساد والإفساد في المجتمع يعني بالتالي تقلص مساحة الصلاح والإصلاح في المجتمع، فصلاح المجتمع وإصلاحه مرهون بالقضاء على الفساد والإفساد.

4- إن صور ومظاهر الفساد داخل المجتمع أصبحت كثيرة، ومنتشرة انتشارًا واسعًا وكثيفًا لا يخلو منها جانب مِن جوانب حياتنا السياسية والاقتصادية، والإدارية والاجتماعية، والثقافية والفكرية، فالفساد يدخل شتى الميادين التي نتحرك فيها يوميًّا، قد يكون مِن خلال سوء استخدام آليات في السياسة العامة أو وسائل تنفيذها، وقد يكون الفساد في القطاع العام أو في القطاع الخاص، داخل مؤسسة عامة أو خارجها، وقد يكون مِن خلال موظفٍ عامٍّ، أو مِن عميلٍ له مصلحة شخصية، وقد يكون للحصول على منفعةٍ ماديةٍ أو تحقيق خدمة غير مشروعة، أو خدمة لا يستحقها.

وهذا مما يوجب أن يكون التصدي للفساد عملًا جماعيًّا متكاملًا عن قناعةٍ وإرادةٍ مِن المجتمع ككل؛ حكامًا ومحكومين، مع صبر ومثابرة، ورؤية متكاملة واضحة، فالقضاء على صور ومظاهر الفساد لن يكون في وقتٍ قصيرٍ، ولا بجهودٍ فرديةٍ، ولا مِن خلال رؤية قاصرة تفتقد العمق والشمولية، ولا مِن جهودٍ تنقصها العزيمة والإصرار.

5- إن القضاء على الفساد قضاءً كاملًا غير وارد، وكل مكتسبات في هذا الشأن يحتاج استمرارها وبقائها إلى استمرار الوعي والجهد في مكافحة الفساد؛ فهي عملية لا نهاية لها لحفظ المجتمع وأجياله القادمة مِن نتائج وويلات الفساد.

6- إن صور الفساد تتفاوت تفاوتًا كبيرًا، وبالتالي تتفاوت نظرة المسؤولين وفئات المجتمع المختلفة لها، بل وتتفاوت القوانين في المسائلة والمعاقبة عليها، وهذا يجعل النظرة تبدو متفاوتة لصورٍ مختلفةٍ مِن الفساد -على اختلافها-؛ مما يقلل مِن فرص التصدي لها عند الكثيرين، والواجب رفض كل صور ومظاهر الفساد وإن تفاوتت النظرة المجتمعية لها والمساءلة القانونية عليها.

7- إن مِن صور الفساد ما هو في صورة تحصيل خدمات واكتساب أولويات وجلب منافع ليست مالية، قد يصعب اكتشافها مِن جهة، ويصعب تقدير قيمتها ماليًّا مِن جهةٍ أخرى، وقد تتم على مراحل زمنيةٍ طويلةٍ، وضبط مثل هذه الصور والمساءلة عليها تحتاج إلى درجةٍ عاليةٍ مِن وعي المسؤولين خاصة "والمواطنين عامة" بأساليب ووسائل هذه الصور مِن الفساد، وبالتالي وضع الآليات القادرة على ضبطها والقوانين المناسبة للمحاسبة عليها للحدِّ منها.

8- يُعد الفساد أحد ثوابت الأنظمة الاستبدادية في الدول النامية، حيث ينتشر الفساد بكل أنواعه انتشارًا واسعًا وبكمٍّ هائلٍ؛ مِن فساد بشرٍ، وفساد مؤسسات، وفساد استغلال للسلطات، وفتح الأبواب لخدماتٍ متبادلةٍ لرجال أعمال، وصناع ومنتجين، ومنظمات وأحزاب سياسية وجماعات، واختلاسات، وتبديد لمعوناتٍ ومساعداتٍ دولية، معظمها يتم دون أن تخلفه آثار مادية ظاهرة للعيان تكشفها؛ كل ذلك يتم في ظل غياب الإرادة السياسية الجادة لمحاربة هذا الفساد المستشري.

9- كثير مِن صور ومظاهر الفساد قد يصعب وقوعها تحت طائلة القانون بسهولة؛ لافتقادها للأدلة المادية الملموسة مِن جهةٍ؛ إذ تتم في سِريَّةٍ وخفاءٍ وتكتمٍ، ولصعوبة تحديد المسؤولية الجنائية لمرتكبيها نتيجة لذلك مِن جهةٍ أخرى؛ ولهذا تتطلب تحقيقات واسعة ودقيقة قد تستغرق فترات زمنية طويلة، وتحتاج جهود مضنية قد يكون مِن الصعب توفرها.

10- إن الآثار المترتبة على انتشار الفساد كثيرة في جوانب الحياة المختلفة.

منها -على سبيل المثال-:

1- نقص إيرادات الدولة وإهدار مواردها؛ مما يؤثِّر على التنمية الاقتصادية والاستثمارات فيها.

2- حرمان الدولة مِن بيئةٍ تنافسية حرة.

3- هجرة الكفاءات ورؤوس الأموال.

4- فتح الباب للنفاق السياسي، وظهور السلبية واللامبالاة.

5- تآكل سمعة النظام الحاكم وفقده للشفافية والنزاهة المطلوبة.

6- تطرف الآراء السائدة في الدولة والمجتمع، وفقد روح الإصلاح والنقد.

مقدمات تصنع الفساد:

أسباب ووسائل الفساد في الأمة كثيرة، والإلمام بها مطلوب حتى يمكن مكافحة الفساد بالتصدي لها، ولكن هناك عوامل توافرها يساعد على ظهور الفساد وانتشاره؛ إذ هي أدوات وجود الفساد وتفاقمه؛ لذا فهي أولى بالتعرف عليها مِن البداية، والتفطن لها؛ لمنع وجودها في الأمة، أو السعي للحدِّ مِن آثارها إن وجدت، كمقدمة لمكافحة الفساد بأنواعه المختلفة -كما سنبينه في مقالاتٍ أخرى إن شاء الله تعالى-، وتجفيف منابعه بمنع مقدماته.

وأهم هذه المقدمات والأدوات:

1- طغيان الافتتان بالمال:

فالمال عصب الحياة، ولا قوام لها إلا به، وحب التملك غريزة في الإنسان، والمال هو الوسيلة لهذا التملك، وطبيعة الكثيرين مِن أصحاب النفوس الضعيفة مِن الأغنياء محاولة استغلال أموالهم في إغواء آخرين لتحقيق مصالحهم الشخصية ولو بمخالفة القوانين، ولو على حساب المجموع! وطبيعة البعض مِن أصحاب النفوس الضعيفة مِن الموظفين العموميين الضعف أمام الإغراء بالمال؛ مما يفتح الأبواب للجشعين والطامعين لتقديم الرشاوى، والعمولات والهدايا مِن أجل التزوير والتحايل، وأخذ ما لا يحل لهم ولو بالحرام.

إن حب المال في حدود ما أحل الله حلال، فحبه طبيعة إنسانية، قال -تعالى-: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر:20)، ولكن أخذه بالوسائل المحرمة حرام، والتربية القويمة والفهم الواعي بدور المال في حياة الإنسان وفق النظرة الإسلامية للمال، واستخلاف الله -تعالى- للعباد فيه، والحث على جعله وسيلة لا غاية، بل والزهد فيه، هو السبيل القويم للحد مِن المغالاة في حب المال، وأكله بالطرق المحرمة.

وقد حرَّم القرآن الكريم أخذ مال الآخرين بوجه باطل محرم، قال -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:118).

والتعبير عن أخذ المال بغير حق بأنه أكل للمال؛ لأمورٍ، منها:

- أن الغرض الأكبر مِن الاستيلاء على المال هو استعماله غالبًا في الأكل والشرب، فهما عماد الحياة.

- أن فوات الحقوق وتلاشيها بالباطل كتلاشي الطعام وفواته بعملية الأكل.

2- استبداد الحكام وطغيانهم:

فاستبداد الكثير مِن الحكام وأصحاب السلطة وحبهم للنفوذ وللمناصب وكراسي الحكم، يجعلهم يستجيبون لأهوائهم في الاستبداد والطغيان، وتجعل قراراتهم مدارها على تثبيت حكمهم وتحقيق مصالحهم ومصالح مَن يدور في فلكهم؛ لذا فالصلاح مرتبط في الأمم إلى حدٍّ كبيرٍ بنظافة الحكام وشفافية ونزاهة السلطة التنفيذية، وكذلك بإرادات الحكام السياسية في منع ومحاربة الفساد، ودرجة الفساد تتعلق بنزوات الحكام وبطانتهم.

3- فساد الأغنياء ورجال الأعمال:

ففساد مَن بيدهم النفوذ والأموال مدعاة لانتشار الفساد في المجتمع، فالغِنَى والتَّرَف والتوسُّع في النِّعم دافع إلى الفساد للاستمرار في تغطية نفقات هذا الترف، والتوسع فيه وتلبية متطلباته التي لا تنتهي، ومِن هنا اقترن الترف والمترفون بالفساد والمفسدين.

وقد ورد في القرآن الكريم العديد مِن الآيات حول فساد المترفين، بل واعتراضهم على الإصلاح والتصدي له، قال -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16)، وقال -تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) (هود:116).

4- مناصرة الإعلام للفساد والمفسدين:

يستخدم أصحاب القرارات والنفوذ وأصحاب المال ورجال الأعمال، وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في تغطية ما يقعوا فيه مِن الفساد، بإقناع الرأي العام بجدواه لهم! أو تسويغه ليتقبلوه، أو قلب الحقائق والموازين، وتزيين الباطل بالكلمة والمقال، والصور الجذابة والإعلان؛ وبالتالي المساهمة في نشر الفساد والدعاية له واعتياده!

إن وسائل الإعلام يمكن أن تكون مراكز دعم ودعوة للفساد لصالح فئة مِن الحكام أو رجال الإعلام تتحكم فيها، ويمكن أن تكون منابر شريفة في مكافحة هذا الفساد والتصدي له وكشفه أمام الجميع، ومساعدة الدولة والحكومة والرأي العام في مراقبته والحدِّ منه.

5- استغلال نوعيات مِن النساء في إفساد المجتمع:

فلا يخفى على أحدٍ دور المرأة الكبير في إصلاح المجتمع أو إفساده؛ لذا فغالبًا ما يعتمد أعداء الأمة على استغلال نوعيات مِن النساء كسلاحٍ في تحقيق أهدافهم، خاصة في المجتمعات الإسلامية، فالمرأة في الحياة الغربية -ومَن تربوا عليها- سلعة أو أداة لترويج السلع مِن خلال الإعلانات المرئية، حتى وإن كانت لا علاقة لها بالمرأة، وهي وسيلة لدفع المجتمع ككل للإسراف وزيادة الاستهلاك، ووسيلة أيضًا وأداة للإغراء والإفساد الاجتماعي والخلقي؛ لذا تتركز الجهود في إحداث التغيرات السلبية الخطيرة في النواحي الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع على المرأة، واستخدامها في إفساد مجتمعها، وتحولها لتكون هذه الأداة مِن عدمها متوقف على مدى تمسكها بدينها وقيم ومبادئ المجتمع، ومدى وعيها لما يدبُّره أعداء الأمة مِن مخططاتٍ، ورفضها أن تكون وسيلة لإفساد الأمة.

 6- التردي الاجتماعي والأخلاقي في الأمة:

فانتشار الفساد وازدهاره في المجتمع متوقف على درجة التردي الاجتماعي والأخلاقي فيه، والفساد بعد ذلك كفيل بزيادة هذا التردي واستفحاله، ولعل هذا ما عبَّر عنه القرآن الكريم بالجاهلية، التي هي مخالفة ما جاء به الإسلام مِن أحكامٍ وأخلاقٍ وسلوكٍ، فكل ما خالف الإسلام عقائديًّا وفكريًّا اجتماعيًّا وأخلاقيًّا هو مِن الجاهلية، وانتشار هذه الجاهلية مدعاة لانتشار الفساد وتمكُّنه في المجتمع، قال -تعالى- عن هذه الجاهلية عند قوم لوط: (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (النمل:55)، فكلما تمكنت الجاهلية مِن المجتمع تردى اجتماعيًّا وخُلُقيًّا، وكان ترديه أداة مِن أدوات الفساد.

 7- المبالغة والغلو في إطلاق الحريات:

 فكم مِن حُرماتٍ انتهكت، وحقوق ضاعتْ باسم الحرية المطلقة بلا حدودٍ أو قيودٍ؛ فالحريات المطلقة بلا ضوابط مِن ثوابت الأمة وقيمها ومبادئها هي حريات غير مسؤولة، وهي وسيلة هدم وإفساد، وأداة للرذائل والقبائح، فهي مرتع خصب لأهواء وحظوظ النفوس المريضة، ومقدمة للجنوح نحو الفساد.

نعم لابد مِن احترام الحريات في كل جوانب الحياة: السياسية، والاقتصادية، والفكرية، والاجتماعية، والشخصية مِن جهة، ولكن لابد بتقييدها بضوابط مِن ثوابت الأمة وقيمها ومبادئها مِن جهة أخرى، فتكون الحريات حريات مسؤولة واعية تبني ولا تهدم.

نظرة عامة للفساد:

يمكن تقسيم الفساد مِن خلال النظرة العامة له إلى:

الفساد الأسود: هو الفساد المرتبط بالاقتصاد الأسود، مِن غسيل أموال مخدرات وتهريب سلاح وتهريب بضائع، والغش في الأعمال العامة، وتقديم العمولات السرية والرشاوى ونحوها، وهو فساد ينظر إليه باعتباره فساد شديد الخطورة، تسعى السلطات إلى كشفه، ويتعرض فاعله -عند القبض عليه متلبسًا- إلى عقوباتٍ شديدة، ويندد به المجتمع كله.

الفساد الأبيض: وهو الفساد المرتبط بالاقتصاد الأبيض، مِن التجارة والإنشاءات، والسياحة، والأشغال العامة، ونحوها، وهو فساد يتم التساهل فيه على ما فيه مِن تجاوزات غير قانونية، لكن يدينها المجتمع بشكلٍ غير محسوس؛ إذ لا ينظر إليها في أكثر الأحيان بوصفها تعديات على قيم المجتمع الأساسية، بل ينظر إليها مِن الناحية الاجتماعية على أنها لا تشكِّل خطورة حقيقية، وصور هذا الفساد لا تكشفها السلطات الرقابية في حالات كثيرة، مما يعزز في المقابل الصفح الاجتماعي عنها لا الرفض لها، ويُنظر إليها على أسوأ الظروف كأخطاءٍ لا كإثم يستوجب العقاب، فتندرج في التعاملات المعتادة، وتفلت بالتالي مِن التنديد الاجتماعي.

الفساد الرمادي: وهو صور مِن الفساد التي يتم كشفها، ولكن علاجها يظل محصورًا في حيزٍ مغلق محاط بالسرية مِن خلال الإدارات التفتيشية واللجان التأديبية، ولا يتعرض فاعلها للعقاب الرادع خلال المسائلة القانونية.

ويمكن تقسيم الفساد مِن حيث الحجم إلى:

فساد كبير الحجم: ينتشر في المستويات العليا للنفوذ والإدارة، وينطوي على مبالغ ضخمة وكبيرة مِن المال.

فساد صغير الحجم: وهو الغالب، ويُمارَس بشكلٍ يوميٍ؛ خاصة في الأماكن والمواقف التي تتعلق بإساءة استخدام السلطة في خدمة الجمهور مِن المواطنين، وينطوي على مبالغ ليستْ كبيرة مِن المال، مِن رشاوى وهدايا بغير وجه حق.

ويمكن تقسيم الفساد أيضًا إلى:

الفساد النشط: ويعرَّف بأنه: "سعي الموظف الحكومي بنشاطٍ مِن أجل الحصول على هدية أو منفعة أو رشوة قبْل تقديمه الخدمة".

الفساد السلبي: ويعرف بأنه: "قبول المسؤول لهديةٍ أو مكافأة أخرى بعد تقديم الخدمة"، وهو أمر غير مشروع؛ فلا يحق للموظف العمومي أخذ الهدية ونحوها على عملٍ عموميٍ يؤديه في خدمة المواطنين أو الدولة، وهو مُكلف به رسميًّا.

وفي الصحيحين مرفوعًا عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه-: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسْدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى المِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي؛ فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ)، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ: (أَلا هَلْ بَلَّغْتُ). ثَلاَثًا. (متفق عليه). (الرُغَاءٌ): صوت البعير. و(الخُوَارٌ): صوت البقر. واليُعار: صوت الشاة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة