الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

بيان من (الدعوة السلفية) بشأن حادث القتل الوحشي للمسلمين في (نيوزيلندا)!

وأخذ هذا النظام العالمي يطالِب المسلمين بحذف قضية الولاء والبراء، وقضية الجهاد وغيرها مِن القضايا مِن قاموسهم؛ بزعم

بيان من (الدعوة السلفية) بشأن حادث القتل الوحشي للمسلمين في (نيوزيلندا)!
الدعوة السلفية
الأحد ١٧ مارس ٢٠١٩ - ٠٨:٣٣ ص
3110

بيان من "الدعوة السلفية" بشأن حادث القتل الوحشي للمسلمين في "نيوزيلندا"!

كتبه / الدعوة السلفية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان العالمُ قبل بعثةِ النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجُّ بالعصبيةِ الجاهليةِ، واستعلاءِ كلِّ جنسٍ على الآخر، والقتال الذي يبدو بلا هدفٍ ولا غايةٍ؛ إلا أن ينتصر جنس على آخر، فيأخذ المهزوم في إعداد العدة ولو لعشرات السنين؛ ليعاود الكَرَّة مرة أخرى ويذيق خصمه مِن ذات الكأس! وهكذا كانت الحرب سجالًا بين الفرس والروم، وليس أمام الأمم الأخرى إلا أن تختار واحدة منهما تدور في فلكها، تحارب بحربها، وتسالم بسلمها.

وبينما الأمر كذلك إذ أرسل الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويدعو كذلك إلى نبذ تلك العصبية الجاهلية، وأنزل الله عليه قوله -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

وهذه التقوى في شريعة الاسلام هي اللُّحْمَة الحقيقية بين المؤمنين، قال الله -تعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

وهي لحمة لا يَنتج عنها فساد أو إفساد أو ظلم للآخرين؛ لأن الله خاطب المؤمنين بمقتضى إيمانهم بالله وتقواهم له، مطالبًا إياهم أن يوفوا بعقودهم قائلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1).

وكان من جملة هذه العقود "وثيقة المدينة": التي أسست دولة عظيمة بنظامها وعدلها واستيعابها لأقليةٍ يهوديةٍ، طالما ضاقت الدول الإمبراطورية بوجودها؛ هذا مع أن تلك الدولة مقامة على مساحةٍ صغيرةٍ مِن الأرض لم تكن تكفي قبل الإسلام لأن تتشارك على الإقامة فيها قبيلتان.

وحتى في العلاقات مع الدول الأخرى جاءت شريعة الاسلام بأرقى التشريعات سلمًا وحربًا؛ فسادت الأمة الإسلامية العالم، وأقامت تلك الحضارة العظيمة حيث لحمة الإيمان، وولاء الاسلام يشمل كلَّ مَن يدين به مِن أي جنسٍ، وحيث مظلة البر والإحسان تشمل كلَّ مَن يسالمهم مِن أي دينٍ أو جنسٍ، كما قال -تعالى-: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8).

ثم دار الزمان دورته وعادت تلك الأمم المتعصبة إلى قيادة العالم؛ فعادوا متعصبين لجنسهم ولقوميتهم ولدينهم ولمذاهبهم، فقادوا العالم إلى حربين عالميتين أكلتا الأخضر واليابس!

فلما اكتووا بنيران تعصبهم جلسوا يقررون مبادئ للتعايش السلمي، وأنشأوا لها المنظمات العالمية، وبالفعل تعايشوا فيما بينهم على مضضٍ وعلى وجلٍ مِن أن يعيدهم أي تصرفٍ طائشٍ إلى مربع الاقتتال مرة أخرى.

وإن كان الغالبية العظمى منهم قد استطاعوا أن يتغلبوا على نزعات التطرف العنصري لبعض القوميات أو الأعراق داخل الإطار الأوروبي، لكن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بالحضارة الإسلامية التي بقي كثيرٌ مِن المثقفين والساسة في الغرب على حقدهم عليها، ومَن لم يحرِّكه حقده تملكه خوفه مِن أن تعود تلك الحضارة بما تمتلكه مِن مقومات، لقيادة العالم قيادة حكيمة رشيدة؛ حتى انطبق عليهم قوله -تعالى-: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118).

وأخذ هذا النظام العالمي يطالِب المسلمين بحذف قضية الولاء والبراء، وقضية الجهاد وغيرها مِن القضايا مِن قاموسهم؛ بزعم أن الزمان قد تجاوز ذلك، وأن السلام العالمي قد ساد، وأن ... وأن ... !

وفي الواقع: إن معظم ما يريدون مِن المسلمين أن يتوافقوا معهم عليه تستوعبه الشريعة الإسلامية -بلا حذفٍ منها أو تحريفٍ لها- بما أتتْ به مِن الأمر بالوفاء بالعقود، فلو كانوا صادقين في الالتزام بما أعلنوه؛ لكفاهم أن يتعاهدوا مع المسلمين عليه، ولكنهم -للأسف- مراوغين مناورين متربصين، يريدون منا أن نعلِّم أولادنا الانهزامية، وأن نحذف مِن قاموسنا كل أدوات المناعة الذاتية والمقاومة الحضارية، بينما هم يغذون أبناءهم على الحقد والعداء المطلق!

- ومِن هذا المنطلق يتصرف كل قادة الكيان الصهيوني مع العرب "ومع المسجد الأقصى"؛ ضاربين بكل قرارات الأمم المتحدة عرض الحائط -ومَن أمِن العقوبة أساء الأدب-، فهم يَعلَمون أن لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن يمكن أن يفعلوا شيئًا، بل هم يعلمون أن الدول الكبرى في تلك المنظمات في حقيقة أمرها راضية، بل محرِّضة على ذلك، وإن ذرت في الأعين تصريحات استنكارية سرعان ما تنقشع بـ"فيتو" يقف بالمرصاد ضد أي إجراءٍ عقابيٍ يَصدر في مواجهة الإرهاب الصهيوني!

- ومِن هذا المنطلق: جاء الاعتداء الوحشي الإرهابي مِن مسلحٍ على مسلمين مسالمين في صلاة الجمعة في "نيوزيلندا"!

- ومما يزيد مِن وحشية الجريمة، ويضع المجتمع الغربي كله في بؤرة الاتهام: أن الإرهابي الخسيس أرسل رسالة إلى رئيسة الوزراء، ونشر عزمه على تنفيذ الجريمة على الفيس بوك قبل بفعلها بـ 10 دقائق كاملة، وبثَّ فيديو له أثناء تحركه إلى تنفيذها، ولم تتحرك أي جمعيات حقوق إنسان، ولا الشرطة، ولا الاستخبارات، ولا ... !

- ثم إنه ارتكب الجريمة في مسجدٍ ثم توجَّه إلى آخر يبعد عنه 4 كم، وانضم إليه اثنان آخران، وكل هذا والشرطة غائبة، ولم تحضر إلا بعد انتهاء الجريمة بساعةٍ كاملةٍ!

- ثم بعد هذا بساعاتٍ حاول مسلحان استهداف أحد المسلمين أثناء عودته مِن صلاة الجمعة في لندن!

وبعد هذا العرض المؤلم لهذه الفجائع:

1- نتقدم بخالص تعازينا إلى أهالي جميع مَن قُتلوا في هذه الحادثة الغادرة مِن كل الجاليات المسلمة هناك، ونسأل الله ان يتقبلهم عنده في الشهداء، ونقول لأهليهم: "لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار؛ فلتصبروا ولتحتسبوا".

2- هذه الوقائع رسالة تحذير لكلِّ مَن يعبث بثوابت الشريعة؛ إرضاءً للغرب أو توهمًا أنه آن أوان تجديدها، وهو شعار يطلقه البعض -للأسف-، ويعني به تحريفها أو حذفها مِن الدِّين!

ونحن ننادي بتجديدها بمعنى: إزالة التفسيرات الخاطئة التي ألصقتها بها "داعش" وأخواتها، والاجتزاء الذي يقومون به في فهم هذه القضايا، ولكن هذا التجديد إنما يكون بإعادة الفهم الصحيح المتكامل لهذه القضايا، وليس بعمل اجتزاءٍ مقابل، أو حذف هذه القضايا مِن الشريعة بالكلية!

3- كل محاولة لاستدعاء جرائم "داعش" وغيرها في هذا السياق، هو نوع مِن تخفيف حدة الجريمة على المجرم الأصلي، وقد كان الطيران الغربي يحلِّق فوق سماء سوريا والعراق، بينما "داعش" تتحرك وتتمدد، وتسيطر على آبار البترول؛ فمَن المسئول الحقيقي إذًا عن ظاهرة داعش؟!

4- المجرم نفسه نشر مذكرة مستفيضة يشرح فيها دافع جريمته قُبيل القيام بها، وهي مذكرة تفيض عنصرية بغيضة! ولم يذكر الرجل "داعش" ولا غيرها؛ فقط ذكر أنه يخشى مِن تمدد المسلمين سكانيًّا بحيث تضيق الدنيا على الغربيين، وبالتالي فالحل عنده هو طرد المسلمين مِن بلاده أو قتلهم، وقد فعل الثاني. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

5- لماذا يُحاكَم المسلمون جميعًا بجريرة "داعش"؟!

بل يُحاكَم الإسلام ذاته، ويطالِب المطالبون بتحريفه، وحذف بعض تشريعاته، بينما يُعامَل هذا المجرم على أنه فردٌ ارتكب جريمة، ولا يُحاكَم كلُّ مَن يعتنقون نفس فكره -على الأقل- وهم كثر، ومنهم سيناتور في البرلمان الأسترالي؟!

ولماذا لم يتم تتبع مصادر هذا الفكر الإرهابي، وهي كثيرة ومتنوعة؛ دينيًّا وفلسفيًّا وسياسيًّا؟!

ومما يدل على الانتقائية في التعامل مع الأحداث إذا تعلقت بالمسلمين: أن طفلًا صغيرًا قذفَ ذلك السيناتور ببيضةٍ في مؤتمر صحفي -وهو أسلوب احتجاجي مقبول في الدول الديموقراطية، أو على أقصى تقدير تقوم الشخصية العامة المحتج عليها بتحريك دعوى قضائية ضد الفاعل-، ولكن في هذه الحالة قام ذلك السيناتور بلطم الطفل بقسوةٍ بالغةٍ، وقام ستة رجال أشداء مِن حرسه بطرحه أرضًا والتكالب عليه، ولم يردعهم عن ذلك كاميرات الفيديو التي سجَّلت هذا المخزون الرهيب مِن الكراهية؛ الذي لا يقل عنفًا ولا إحراقًا عن طلقات القاتل.

6- نعود ونكرر ونؤكد: أن أفعال "داعش" وأمثالها قد قابلتها كلُّ الدول الإسلامية بالاستنكار التام، وقابلها علماء المسلمين باستنكارٍ مؤيدٍ بالأدلة الشرعية التي تبيِّن أن ما يفعلونه ليس مِن الإسلام في شيءٍ، وبالتالي فجرائمهم تلزمهم وحدهم، ومع هذا تحمَّل للمسلمين جميعًا! في حين أن "مجزرة نيوزلندا" تمثِّل جريمة حضارية بكل المقاييس، ومع هذا تصر وسائل الإعلام الغربية على أنها جريمة شخصية ارتكبها رجلٌ واحدٌ، مع أن عشرات الناس قد شجعوه وهو يبث جريمته، وهؤلاء شركاء حقيقيون في الجريمة؛ ناهيك عن الداعين والمحرِّضين وهم مِن الكثرة بمكان!

7- تهيب الدعوة السلفية بـ"منظمة التعاون الإسلامي"، وبكل رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي ألا يمرروا هذه الحوادث مرور الكرام، وأن يجعلوها نقطة انطلاق في تبني قضايا المسلمين المضطهدين في فلسطين، وفي الصين، وفي بورما، وفي كل بقاع الأرض.

8- تمثِّل الجاليات المسلمة في كل بقاع الأرض دعوة حية للإسلام، تشبه دور التجار المسلمين في انتشار الإسلام في شرق آسيا في العصور الأولى، وعن طريقهم يَعرف الناس التشريعات الإسلامية لتنظيم الأسرة والمجتمع، ويعرفون الأخلاق الإسلامية، ومِن ثَمَّ يدخل كثيرٌ منهم في دين الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون؛ فنصيحتنا لهم: أن يثبتوا على دينهم، وعلى الاعتزاز به وإظهار شعائره، سائلين الله أن يثبتهم، وأن يحفظهم مِن كيد الكائدين.

9- كما تهيب "الدعوة السلفية" بالدول الإسلامية أن تحتضن الوافدين والمهاجرين المسلمين، الذين يرغبون في الإقامة في بلاد الإسلام، أو مَن يطرد مِن مهجره.

وإذا كانت الدول الاسلامية قد مثَّلت ملاذًا آمنًا لليهود ولغيرهم ممَن فرَّ مِن "محاكم التفتيش"؛ تطبيقًا لمبادئ شريعتنا الغراء التي تجير الضعفاء، وتؤوي المظلومين، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تطالب أحدًا أن يترك دينه ويدخل في الاسلام ثمنًا لكسرة خبز أو شربة ماء، بل إنما تريد مَن يدخل في الإسلام ان يدخل فيه بعد أن يملأ اليقين قلبه بصدق هذا الدين؛ فإذا كنا قد قبلنا غير المسلمين في فترةٍ مِن التاريخ؛ فلا أقل مِن أن نَقبل مَن يرغب مِن المسلمين الآن.

10- قال الله -تعالى-: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:179)، فبيَّن -سبحانه وتعالى- أن تشريع القصاص مِن القاتل سببٌ لاستقرار الحياة؛ لما فيه مِن الردع لمَن يفكِّر في هذه الجريمة الشنعاء ألا يفعلها.

ومع هذا فهربًا مِن احتمال حدوث خطأ ما مِن قاضٍ ما في إثبات جريمة القتل على أحدٍ تنادي كثيرٌ مِن الدول الغربية بمنع عقوبة الإعدام، وتضغط على الدول الإسلامية لمنعها، وقد امتنعت مصر وغيرها مِن الدول الإسلامية عن التوقيع على اتفاقيات إلغاء عقوبة الإعدام؛ لمخالفتها للشريعة الإسلامية، و"نيوزيلندا" مِن الدول التي لا تطبق عقوبة الإعدام، ولعل هذا يفسِّر حالة اللامبالاة مِن المجرم الذي وثَّقَ بنفسه جريمته، بتصويرها وبثها بثًّا مباشرًا! فالحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها نعمة.

11- وأخيرًا نقول: "وبضدها تتميز الأشياء!"؛ فكل هذه الجرائم الأخلاقية جديرة بأن تقابَل مِن الدعاة إلى الله: ببيان عظمة الإسلام وكماله وحسن تشريعاته، وعدله وإنصافه ورحمته حتى مع الخصوم!

نسأل الله -عز وجل- أن يهيئ لنا مِن أمرنا رَشَدًا، وأن يدبِّرَ لنا فإننا لا نحسن التدبير؛ إنه ولينا فنعم المولى ونعم النصير.

الدعوة السلفية بمصر

السبت 10 رجب 1440هـ

17 مارس 2019م

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com