الثلاثاء، ٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (2)

لم تكن فكرة مشروع رودس جديدة، بل كانت نتاجًا لفكرٍ استعماريٍ يسيطر على ساسة بريطانيا

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (2)
علاء بكر
الاثنين ٠٨ أبريل ٢٠١٩ - ١٨:٢٤ م
872

إحياء مشروع رودس (ربط مصر بإفريقيا) (2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

(سيسيل جون رودس):

وُلد في (هيرتفوردشير) في بريطانيا في يوليو 1853م، مِن أسرة ريفية مكونة مِن اثنى عشر طفلًا، وكان ترتيبه الخامس.

 اضطر رودس إلى ترك المدرسة وهو في سن السادسة عشرة؛ بسبب اعتلال صحته وإصابته بالدرن. وتوجه إلى جنوب إفريقيا عام 1870م حيث جوها المشمس، بناءً على نصيحة طبيبه المعالج، وعمل بزراعة القطن في (ناتال)، ولكنه لم يوفق، فتوجه للعمل في حقول الماس في (كمبرلي) حيث ظروف العمل القاسية، ثم عمل بإدارة محل لبيع المثلجات -والتي لم تكن معروفة في جنوب إفريقيا من قبل- في كمبرلي، فجمع منه ثروة كبيرة، فعاد إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه حيث أنهى دراسته في جامعة أكسفورد بعد مشقة كبيرة في عام 1881م.

سعي رودس إلى المال والنفوذ:

عاد رودس إلى جنوب إفريقيا فساهم في تأسيس شركة (دي بيرز) للتعدين، وعمل سكرتيرا لها، حيث استورد الآلات اللازمة لاستخراج المعادن، وأصبحت الشركة مِن أكبر شركات التعدين، ثم أسس شركة (حقول الذهب المدعمة) وصار أكبر مساهم في شركات التعدين، ورئيسًا لمجلس إدارة أكبر شركة تعدين في العالم تتحكم في صناعة التعدين وتسويقه في جنوب إفريقيا، فأعطته الامتيازات الممنوحة لشركاته سلطة كبيرة، واستطاع من خلال عمله في صناعة وتعدين الذهب والماس أن يكوِّن ثروة من ملايين الدولارات، جعلها وسيلته لتحقيق أفكاره الاستعمارية، كما انتخب في برلمان مدينة (الكيب)، وأصبح واحدًا مِن أقوى الرجال الأوربيين فيها.

ولتأمين شركاته وتوطيد النفوذ البريطاني أسس رودس شركة (جنوب إفريقيا البريطانية) من أجل أن يعقد باسمها المعاهدات مع زعماء القبائل الأفارقة، ويجعلها وسيلة للتدخل في شئون البلاد، وبسط نفوذه على الأراضي والأهالي هناك، وزيادة ثروته، ونجح في ذلك فأصبح دخله من شركاته التعدينية خمسة ملايين دولار سنويًّا، وحصل على امتيازات من توقيع معاهدات مع زعماء أفارقة جعلته يتغلب على منافسيه من الأوربيين البرتغاليين والألمان والفرنسيين.

وفي يوليو 1890م أصبح رودس رئيس وزراء مستعمرة الرأس في جنوب إفريقيا، ليكون المحرك الحقيقي لسياسة بريطانيا في جنوب إفريقيا.

أفكار رودس الاستعمارية:

تشبع رودس بالأفكار الاستعمارية التي تأثر بها مِن أساتذته في الجامعة، خاصة أستاذه (رسكن) الذي كان يحث الشباب البريطاني على الإسراع في استعمار إفريقيا، كما كان يحثهم على تعليم هذه الشعوب التي يستعمرونها: اللغة والثقافة الأوروبية؛ لتدين هذه الشعوب بالولاء للغرب، فكانت أفكار رسكن نواة المشروع الاستعماري عند رودس، والتي ارتبطت برؤية إمبريالية عنصرية تقوم على سمو الجنس الأنجلو ساكسوني، وأحقيته في السيطرة على العالم وقيادته.

تبني رودس لفكرة ربط شمال إفريقيا بجنوبها:

لم تكن فكرة مشروع رودس جديدة، بل كانت نتاجًا لفكرٍ استعماريٍ يسيطر على ساسة بريطانيا، فمِن ذلك: قول (جلادستون) -الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا- في عام 1877م: "إن الوجود البريطاني في مصر سوف يكون نواة لإمبراطورية شمال إفريقية البريطانية التي يجب أن تنمو وتمتد حتى تصل إلى أيدينا عبر خط الاستواء لتلتقي بالناتال ومستعمرة الكاب، أما باقي الدول فلا داعي للتحدث عنها، إذ لابد من ابتلاعهم ونحن في طريقنا إلى الجنوب".

وقد نادي بنفس الفكرة (رازر فورد الكوك) رئيس جمعية الجغرافية البريطانية، الذي كان يحث البريطانيين على مدِّ النفوذ البريطاني إلى أكبر رقعة في إفريقيا.

وقد اعتنق رودس الفكرة وهو يدرس بالجامعة، فسعى لجمع المال اللازم وإيجاد النفوذ القوي، وحث العديد مِن الساسة البريطانيين والحكومة البريطانية على تحقيق هذا الحلم.

كان المشروع يهدف إلى تقسيم القارة الإفريقية رأسيًّا بخط سكة حديد مِن جنوب القارة إلى شمالها، وكان شعاره (من الكيب إلى القاهرة)، في الوقت الذي سعت فيه فرنسا -منافسة إنجلترا في القارة- إلى أن تقطع مستعمراتها في إفريقيا القارة أفقيًّا، وكان شعار هانوتو -وزير خارجية فرنسا-: (من السنغال غربًا حتى جيبوتي شرقًا)، كما كان لألمانيا والبرتغال أيضًا مشاريع لربط الممتلكات في غرب القارة بشرقها؛ إلا أن مشروع رودس هو الذي نال درجة كبيرة مِن النجاح بسيطرة بريطانيا على الأجزاء الواقعة بين مصر والسودان شمالًا وجنوب إفريقيا جنوبًا. كما اقتربت فرنسا من تحقيق مشروعها كذلك، ولكن بدرجة أقل من بريطانيا، فمن احتلال الجزائر 1830م ثم تونس 1881م، إلى التوغل شرقًا نحو السودان وأعالي النيل إلى الصومال الفرنسي في شرق القارة.

ولم يتم لبريطانيا تحقيق هذه السيطرة دفعة واحدة، ولكن على فتراتٍ، فمن فرض الحماية على مصر في عام 1882م، ومد نفوذها -بالمشاركة مع مصر- إلى السودان من عام 1899م، ثم الانفراد بحكم السودان بإخراج مصر من السودان بعد مقتل السردار (لي ستاك)، وتحويل أوغندا إلى محمية بريطانية، وضم إقليم إفريقيا الوسطى الجنوبية للكومنولث عام 1924م، وهذه المناطق تجمع إمكانيات بشرية -من أيدي عاملة وسوق للمنتجات- واقتصادية -من مواد خام وثروات معدنية وزراعية- هائلة.

وجاء مد النفوذ البريطاني لأواسط إفريقيا على مراحل:

- حيث تم التمهيد لذلك من خلال نشاط البعثات التبشيرية التي ساهمت في كشف أعماق إفريقيا، وإدخال التعليم والمدنية الأوروبية إلى المناطق التي مارست فيها نشاطها.

- ثم جاء النشاط التجاري عن طريق الشركات التجارية البريطانية التي عقدت اتفاقيات مع زعماء القبائل، حصلت بها على مكاسب تجارية وامتيازات أتاحت لها التدخل في شئون هذه البلاد.

- ثم جاء التدخل بالقوة العسكرية من قِبَل الحكومة البريطانية بعد ذلك.

وكان دور رودس يقوم على دعم التبشير بالمال، وتأسيس الشركات التجارية البريطانية، والضغط على الحكومة البريطانية لمد نفوذها إلى هذه المناطق.

التنوع الكبير من شمال إفريقيا إلى جنوبها:

مما يمتاز به الربط الاقتصادي بين شمال إفريقيا وجنوبها التنوع الكبير في المناخ، من مناخ البحر المتوسط في شمال القارة وجنوبها، مرورًا بالمناطق الدافئة والمدارية والاستوائية، وبالتالي اختلاف المحاصيل الزراعية، وتنوع النباتات، إلى جانب تنوع الثروات المعدنية، مما يزيد من فرص التكامل بين دولها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير منها، لصالح شعوب القارة المشاركة في هذا التكامل الاقتصادي.

- فجنوب إفريقيا: يغلب عليها مناخ شبه مداري، نظرًا لوقوعها بين دائرتي عرض 23 درجة - 35 درجة جنوبًا، بينما مناخ مدينة (الكيب تون) مناخ البحر المتوسط؛ لذا كانت من أوائل مناطق جنوب إفريقيا جذبًا للأوروبيين. وتتنوع النباتات الطبيعية بشكل كبير حيث نباتات البحر المتوسط، وحشائش الفيلد والسافانا التي تصلح للرعي، وتصل المراعي إلى نحو ثلثي البلاد، ويعيش الكثيرون من الأفارقة والأوروبيين هناك على حرفة الرعي، كما توجد الأشجار المدارية وأشجار البحر المتوسط. وتحتل الزراعة المقام الأول، وأهم المحاصيل الزراعية: الذرة والقمح ثم قصب السكر ثم حرفة الرعي، ويعد الصوف أهم إنتاج هناك، ويأتي تعدين الذهب والماس والفحم في مقدمة الثروة المعدنية، إلى جانب الحديد والنحاس واليورانيوم.

- أما إقليم إفريقيا الوسطى الجنوبية فمِن دوله:

- زيمبابوي (روديسيا الجنوبية سابقًا): التي تعد أراضيها امتدادًا لهضبة إفريقيا الجنوبية، وتتعرض لسقوط أمطار غزيرة تقوم عليها الزراعة، وتغطي معظم البلاد حشائش السافانا، وتغطي المناطق الشرقية المرتفعة منها غابات جبلية كثيفة وحشائش تصلح للرعي، وتوجد مناجم للمعادن خاصة الذهب؛ بالإضافة إلى الفحم والكروم والنحاس والقصدير والفوسفات.

- زامبيا (روديسيا الشمالية سابقا): وهي دولة داخلية حولها تسع أقطار، ومناخها مداري في الشمال والشرق، وشبه مداري في الغرب والجنوب، وتكفي أمطارها لنمو حشائش السافانا، يقوم اقتصادها على التعدين خاصة النحاس، بالإضافة إلى الرصاص والفضة، وتتأثر الزراعة فيها بانخفاض أراضيها وقربها من خط الاستواء وجفاف بعض أراضيها الداخلية، ويزرع فيها الذرة والكاسافا (من أنواع البطاطا) والفول السوداني.

- مالاوي (نياسالاند سابقًا): أمطارها صيفية غزيرة، تربتها شديدة الخصوبة، وأهم أنشطتها الزراعة، ومحاصيلها متنوعة، خاصة الذرة والفول السوداني والبن والقمح، إلى جانب المحاصيل النقدية: القطن والتبغ والشاي.

- أما أوغندا: فتقع معظمها فوق هضبة البحيرات، وتعد من دول حوض النيل، وهي دولة داخلية مغلقة، تشغل المياه خمس مساحتها، لوجود بحيرتي (فيكتوريا) و(كيوجا)، ورغم وقوعها في المنطقة الاستوائية فمناخها معتدل بسبب ارتفاع سطحها ومسطحاتها المائية. حرفة معظم سكانها الزراعة والرعي، ومن محاصيلها: اللوز والكسافا والذرة، إلى جانب المحاصيل النقدية: القطن والبن والشاي وقصب السكر.

- السودان وجنوب السودان: تبلغ مساحتهما تقريبًا نصف مساحة قارة أوروبا، وهما قلب دول حوض النيل، ففيهما تنصرف مياه الهضبة الحبشية ومياه هضبة البحيرات، ليكونا نهر النيل، تشتد حرارتهما صيفًا وقد تقترن بجفاف، ويسقط المطر في الربيع والصيف. تقل الحشائش في المناطق الصحراوية غربًا -امتداد الصحراء الكبرى- وتظهر السافانا القصيرة مع أشجار قليلة شوكية على بطون الأودية، وفي الجنوب تزداد الغابات وتتحول حشائش السافانا الطويلة إلى غطاء نباتي تنتشر فيه أشجار السنط الضخمة، ويحترف السكان فيها حرفتي الصيد والرعي. والسودان دولة زراعية، وأهم المحاصيل: القطن والقمح والتمر والفول السوداني.

- مصر: يقع معظمها في المنطقة المعتدلة الدفيئة، وغربها جزء من الصحراء الكبرى الممتدة من المحيط الأطلنطي إلى النيل، ومناخها الصحراوي حار قليل المطر، يمتد فيها نهر النيل من جنوبها إلى شمالها بواديه ودلتاه، وتقوم الزراعة عليه، حيث يتركز السكان والزراعة حوله، وتحتل الزراعة الصدارة في الإنتاج الاقتصادي في مصر حيث تساهم بنحو نصف الدخل القومي، إضافة إلى بعض الثروات المعدنية في أراضيها.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة