الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -4

(رَبِّ الْعَالَمِينَ) فيها مِن معاني الرهبة وقوة البطش وشدة الانتقام الشيء الكثير

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -4
وليد شكر
الثلاثاء ٠٥ نوفمبر ٢٠١٩ - ٠٩:٤١ ص
763

نيل الأماني في ظلال السبع المثاني -4

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)  

كتبه/ وليد شكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فما زلنا في الكلام على قوله -تعالى-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

وأعجب ما في هذه الكلمة: (رَبِّ الْعَالَمِينَ) أنها جمعت بين معاني البر والرحمة، ومعاني العزة والجبروت.

أولًا: (رَبِّ الْعَالَمِينَ): الذي تكفل بأمورهم وتعهد بإصلاح شأنهم وتدبير أحوالهم مِن يوم علوقهم نطفًا في أرحام أمهاتهم إلى يوم وفاتهم ومماتهم، وهذه معاني البر والرحمة الدنيوية -ثم اصطفى عباده المؤمنين من بين الخلق أجمعين فارتضاهم لطاعته واصطفاهم لمحبته، وجعلهم أهلًا لولايته مع أنه رب العالمين، وهذه هي معاني الرحمة الأخروية.

فإذا استشعر العبد تلك المعاني وأحس بمعاني تلك الربوبية مِن إحسان دنيوي وأخروي؛ عند ذلك سوف يحمد الله كما يريد الله؛ إذ إن النفوس جبلت على حب ومدح مَن أحسن إليها؛ لا سيما إذا ذُكرت بهذا الإحسان إبان مدحها، وأي إحسان أعظم مِن هداية العبد إلى الصراط المستقيم؟!

وعلى ما ذكرناه يكون الله -سبحانه- قد ذكر الحمد ثم جاء بمقتضاه والبرهان عليه، وهو لطفه بعباده وتربيته لهم، فيسهل على العبد أن يحمده حمدًا يليق به ربًّا عظيمًا للعالمين جميعًا مِن إنسان وحيوان، وملائكة وجان، وطير وحوت في كل مكان وزمان، وكونه -تعالى- ربًّا للعالمين ينبِّه العبد إلى فائدة، وهي أن يشعر العبد بأنه لا يسعه إلا أن يوافق هذه العوالم كلها في طاعتها لربها وسيرها وفق منهجه، فإن هذا الكون بأسره يسير في طريق واحد ولا يشذ في هذا الكون إلا مَن عصى الله.

ثانيًا: هذه الكلمة (رَبِّ الْعَالَمِينَ) فيها مِن معاني الرهبة وقوة البطش وشدة الانتقام الشيء الكثير، وذلك مِن جهتين:

الأولى: أنه لما كان الله رب العالمين فيقتضي ذلك أن عباده غيرك كثير وكثير، بل مِن عباده مَن لا يعصيه طرفة عين، ومنهم مَن باع نفسه وماله لله مِن نبيين، وصديقين، وشهداء، وصالحين، فالله غني عنك وعن عبادتك القاصرة التي لا تكاد تصفو خالصة لله يومًا؛ مما يوجب للعبد خوفًا أن ترد عليه عبادته.

الثانية: أنه مما تعنيه كلمة (رَبِّ الْعَالَمِينَ) أنه رب لهذه الممالك وتلك الخلائق؛ رب لجبريل الذي رفع قوى المؤتفكات وقلبها على أهلها، ورب لمالك خازن جهنم الذى لم يضحك قط، ورب لجهنم التي يحطم بعضها بعضًا، ورب للبرق الخاطف والرعد القاصف (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) (الرعد:13).

فماذا يمثِّل الإنسان في هذا الملكوت العظيم؟!

وخلاصة القول في: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ): أن العبد بعد ما رأى فيض رحمة ربه في قوله -سبحانه-: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مِن البسملة استجاب لذلك بأن حمد ربه حمدًا يستغرق جميع المحامد، معترفًا أن هذا الحمد على عظمه ليس إلا حقًّا لله، عالمًا أن هذا الحمد قد تمَّ وكمل لربه قبل أن يحمده الحامدون.

ثم بعد ذكر الحمد جاء بمقتضاه مِن كونه ربًّا للعالمين، مصلحًا لشأنهم في جميع أحوالهم؛ مما يجعل العبد يأتي بالحمد كما أمر الله وأراد.

والعبد عند ما يشاهد ربوبية الله للعالمين جميعًا لا يسعه إلا أن يوافق تلك العوالم في طاعتها لربها؛ لئلا يصبح شاذًّا في الكون، ثم يتفكر كم في العالمين من عبادٍ مخلصين، ودعاة مصلحين، وشهداء كادحين، وعلماء عاملين، وملائكة مطهرين، وأنبياء مرسلين، فيخاف أن ترد عليه أعماله؛ إذ العباد غيره كثير.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة