الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

عند تناهي الشدة تكون الفرجة

تصبَّر إن عقبـــى الصبر خـيـر ولا تـجـزع لنــــــائبة تنــــوب

عند تناهي الشدة تكون الفرجة
أحمد فريد
السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠١٩ - ١٨:٢١ م
1240

عند تناهي الشدة تكون الفرجة

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن عمرو بن أحيحة الأوسي قال: "عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق البلاء يكون الرخاء، ولا أبالي أي أمرين نزل بي: عسر أم يسر؛ لأن كل واحد منهما يزول بصاحبه".

قال ابن رجب -رحمه الله-: "وكم قص الله -سبحانه- قصص تفريج كربات أنبيائه عند تناهي كرب، كإنجاء نوح ومَن معه في الفلك، وإبراهيم مِن النار، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه، وإنجاء موسى مِن اليم وإغراق عدوهم، وقصة أيوب ويونس، وقصص محمد -صلى الله عليه وسلم- مع أعدائه وإنجائه منهم: كقصته في الغار، ويوم أُحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك.

 ثم قال -رحمه الله-: "ومِن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر: أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو مِن أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، فإن الله يكفي مَن توكل عليه، كما قال -تعالى-: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:3).

قال الفضيل: "والله لو يئست مِن الخلق حتى لا تريد منهم شيئًا؛ لأعطاك مولاك كل ما تريد".

وأيضًا: "فإن المؤمن إذا استبطأ الفرج وأيس منه، بعد كثرة دعائه وتضرعه، ولم يظهر عليه أثر الإجابة، فرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنما أتيت من قبلك، ولو كان فيك خير لأحببت، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه، واعترافه بأنه أهل لما نزل به من البلاء، وأنه ليس أهلًا لإجابة الدعاء، فلذلك تسرع إليه حينئذٍ إجابة الدعاء، وتفريج الكرب، فإنه -تعالى- عند المنكسرة قلوبهم من أجله.

وهذه اللطائف كذلك: أن العبد إذا اشتد عليه الكرب فإنه يحتاج حينئذٍ إلى مجاهدة الشيطان؛ لأنه يأتيه فيقنطه ويسخطه، فيحتاج العبد إلى مجاهدته ودفعه، فيكون ذلك سببًا في دفع البلاء عنه.

وقال الشافعي -رحمه الله-:

وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَـضيـقُ لَها الفَـتى          ذَرعًا وَعِـندَ اللَهِ مِنها الـمَخـرَجُ

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها           فـُرِجَـت وَكُـنتُ أَظُـنـُّها لا تُفرَجُ

وروي عن أبي الدنيا عن محمد بن إبراهيم قال:

إذا اشتملت على اليأس القلوب          وضاق بما به الصدر الرحــيـب

وأوطـنـت المـكـاره واستـقـرت           وأرست في أماكـنها الخـطـوب

ولم ترَ لانكـشاف الضرِّ وجهـًا           ولا أغــنـى بـحـيـلـتـه الأريـــب

أتاك على قـنـوط منـك غــوث            يمن به اللـطـيــف المستـجــيب

وكـل الـحـادثـات إذا تـنـاهــت            فـمـوصــول بـهـا فـرج قـريـب

قال علي بن نصر بن علي الطيب: "وكما أن الله -جل وعلا- يأتي بالمحبوب من الوجه الذي قدر ورود المكروه منه، ويفتح بفرج عند انقطاع الأمل واستبهام وجوه الحيل؛ ليحض سائر الخلق، بما يريهم من تمام وقدرته، على صرف الرجاء إليه، وإخلاص آمالهم في التوكل عليه، وألا يزووا وجوههم في وقت من الأوقات عن توقع الروح منه، فلا يعدلوا بآمالهم على أي حال من الحالات عن انتظار فرج يصدر عنه، وكذلك أيضًا يسرهم فيما ساءهم، بأن كفاهم بمحنة يسيرة، ما هو أعظم منها، وافتداهم بملمة سهلة، مما كان أنكى فيهم لو لحقهم.

وروى ابن أبي الدنيا عن أيوب بن معمر قال: "حاصر هارون أمير المؤمنين حصنًا، فإذا سهم قد جاء ليس له نصل، حتى وقع بين يديه، مكتوب عليه:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي              وصـار القار كاللبن الحليب

فقال هارون: اكتبوا عليه وردوه:

عـسى الـكـرب الذي أمسيـت             فيه يكون وراءه فرج قريب

قال: فافتح الحصن بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، فكان الرجل صاحب السهم ممن يخلص، وكان مأسورًا محبوسًا فيه سنتين".

وقال بعضهم:

إذا تـضايـق أمـر فـانـتـظر فرجًا         فأصعب الأمور أدناه إلى الفرج

وكتب سعيد بن حميد إلى عبيد الله بن طاهر كتابًا قال فيه: "وأرجو أن يكشف الله بالأمير أعزه الله، هذه الغمة الطويل مداها، البعيد منتهاها، فإن طولها قد أطمع في انقضائها، وتراخي أيامها قد سهَّل سبيل الأمل لفنائها، وقيل: اشتدي كربة تنفرجي. وقيل: إذا تضايق الخناق انقطع. وقيل:

تصبَّر إن عقبـــى الصبر خـيـر          ولا تـجـزع لنــــــائبة تنــــوب

فـإن اليسر بعـد الـعـسر يـأتـي           وعند الضيق تنكشف الكروب

وكم جـزعت نفوس من أمـور           أتـــى من دونهــا فرج قريـب

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة