الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من مفاتيح رعاية القلب

تلاوة القرآن بتدبره وفهمه والعمل بأحكامه والمداومة عليه، ففيها رقة للقلب ورعايته

من مفاتيح رعاية القلب
إبراهيم جاد
الخميس ٣٠ يناير ٢٠٢٠ - ١٠:٢٠ ص
634

من مفاتيح رعاية القلب

كتبه/ إبراهيم جاد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى-: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88-89).

والقلب السليم معناه: الذي سلم مِن الشرك والشك، ومحبة الشر والإصرار على البدعة والذنوب، ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه بأضدادها من الإخلاص والعلم واليقين، ومحبة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله وهواه، تابعًا لما جاء عن الله (تفسير السعدي).

لا شك أنه كلما كثرت الفتن وأقبلت من كل حدب وصوب، ولم يدفعها الإيمان ويفتك بها العلم، ويصرف عنها العقل؛ زادت الغفلة التي تطغى على محور النبض الإيماني، والصلاح الجسماني، والاتزان العقلي، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه).

وقال ابن القيم -رحمه الله- في قوله -تعالى-: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) (المدثر:4): "جمهور المفسرين مِن السلف ومَن بعدهم، على أن المراد بالثياب هنا: القلب".

فالعاقل يرى الشمس المحرقة تلهب الأجساد وتحرق الأجياد، وتفتك بالشداد، فالذنوب والمعاصي أشد وطأة على القلب منها، والأصعب والأقوى إذا أسود بكثرة رمادها وتراكم آثارها، وتنوع أشكالها، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِـهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَـهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين:14) (أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني).

فإذا نجا القلب من فتن الشهوات والشبهات التي تظهر جلية في الصراعات الداخلية التي تبدو في أمراض القلوب، مثل: الكذب والرياء، والعجب والقسوة، والغفلة واللهو، إلخ، والصراعات الخارجية الدنيوية: صراعات المال والسلطة والجاه، وإثبات الذات، والتطلعات المستقبلية، والأماني العمرية، وكثرة مخالطة الغافلين وأهل  الدنيا، إلخ؛ فكلاهما أشد فتكًا عليه من أسلحة الدمار الشامل، وسلب الأرض، وأقوى على الحر من الأسر وهلاك النفس، فالقلب  محل نظر الرب -سبحانه وتعالى-، والأنس به والتلذذ بعبادته، ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم) (رواه مسلم).

والقلب ملك الأعضاء كلها، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث القلب خبثت جنوده".

وها هي بعض من مفاتيح رعاية القلب بأمر الله -تعالى-، وحكمته، وكرمه.

المفتاح الأول: الدعاء:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يُكْثِرُ أن يقولَ: (يا مُقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قَلبي على دينِكَ)، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهَل تخافُ علَينا؟ قالَ: (نعَم، إنَّ القُلوبَ بينَ إصبُعَيْنِ مِن أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

فالدعاء والتضرع والانكسار، والتلذذ بين يديه وبذل الجهد والطاقة في الاستقامة على أمره، وصدق اللجوء والتوسل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا من أول ما يحفظ القلب حيًّا خالصًا لوجهه -تعالى-، راضًيا محتسبًا، فالأحزان لن تنتهي، والأوجاع لن ترحل، فيتننسم نسيم الرضا، ويستنشق عبير الاستسلام لله، ويتنهد بالحمد في الفرح والألم.

المفتاح الثاني: الإيمان الحق به -سبحانه وتعالى-:

قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (الأنفال:2-4).

المفتاح الثالث: تلاوة القرآن بتدبره وفهمه والعمل بأحكامه والمداومة عليه، ففيها رقة للقلب ورعايته:

قال الله -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقشَعِرٌّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلَى ذِكرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضلِل اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ) (الزمر:23).

فإذا ارتبط القلب به فيحن إليه دومًا ويطرب لسماعه حبًّا، ويستأنس به رفيقًا، ويتلهف لمزيدٍ منه شغفًا، فيبقى حيًّا نضرًا.

المفتاح الرابع: الذكر:

فالذكر تحيا به القلوب، ومداومته رعاية لها، قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد:28-29).

المفتاح الخامس: مجالس أهل العلم والذكر:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (رواه مسلم)، والمراد هنا بالسكينة كما قيل: الوقار والرحمة والطمأنينة التي محلها القلب، فيبقى حيًّا.

المفتاح السادس: تذكر الموت وما بعده:

من سؤال القبر وظلمته، ووحشته وضيقه، وأهوال الموت وسكراته، ومشاهدة أحوال المحتضرين وحضور الجنائز؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح).

وقال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "لو فارق ذكر الموت قلبي؛ لخشيت أن يفسد عليَّ قلبي".

هذا بالإضافة إلى المحافظة على: تكبيرة الإحرام، وبر الوالدين، والعطف على اليتامى والمساكين، وغير ذلك كثير مما فرضه الله علينا، وعلَّمه لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا ما تيسر جمعه، ولله الفضل والمنة.

أسأل الله أن يحفظ علينا قلوبنا، ويجعلها خالصة لوجهه، وصالحة لعبادته، وثابتة على طاعته حتى نلقاه، إنه ولي ذلك وهو القادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة