الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (51) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (3-6)

حاولت أن تفرض على أمريكا الأداء التعليمي الضعيف الموجود اليوم لأخذنا ذلك على أنه من أفعال الحرب)،

الفساد (51) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (3-6)
علاء بكر
الخميس ٣٠ أبريل ٢٠٢٠ - ٠٣:٢٠ ص
615

الفساد (51) الجوانب السلبية في العملية التعليمية (3-6)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه -أو ينبغي ألا يكون هناك شك فيه-: أن إصلاح التعليم على وجهٍ صحيحٍ يحقق للأمة نهضتها التي تطمح إليها، هو ما ينبغي أن تضعه الأمة في مقدمة اهتماماتها؛ فالتعليم هو الذي سوف يحمل الأمة إلى مواكبة التقدم العلمي الذي يعيشه العالم اليوم، على أن يكون موافقًا لإمكانياتها وقدراتها، ولا يفقدها هويتها ويجردها منها فيوقعها في تبعية لغيرها، أو ينتقص من استقلالها أو سيادتها فيجعلها مسخًا لا خير فيه؛ هذا هو الطريق الصحيح، والسبيل القويم لإخراج الأمة مما تردت فيه، وهذا هو ما تؤكده شواهد التاريخ قديمًا وحديثًا.

فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة قاسية لألمانيا وتقسيمها: (استطاعت أن تعود مرة أخرى وبقوة التعليم لتصبح منافسًا قويًّا لأمريكا، وغيرها من الدول المتصدرة سلم النهضة في عالم اليوم، بل إن كثيرًا مِن العلماء الأمريكيين الموضوعيين ينظرون اليوم إلى نظام التعليم في ألمانيا على أنه أفضل من نظيره في أمريكا. ويستحق الإشارة أيضًا هنا: التقرير الذي انتهت إليها اللجنة القومية للتميز في التعليم تحت عنوان: (أمة في خطر: حتمية إصلاح التعليم)، وكان الرئيس الأمريكي رونالد ريجان قد طلب عام 1981م من وزير التعليم الأمريكي أن تقوم لجنة من كبار رجال التعليم بدراسة حال التعليم الأمريكي، وكيف (نخلق هذا العطش) للتعليم الذي بنيت عليه أمريكا... فقناعة الناس الثابتة هي أن التعليم وتنميته أهم من تنمية أقوى صناعة أو أقوى جيش أو أفضل نظام صحي؛ لأنهم يعرفون أن التعليم هو حجر الأساس لكل ذلك!

وجاء التقرير مرتكزًا على حقائق وبيانات حقيقية تغطي الفترة 1963م - 1980م، وتقول: إن مدارس وجامعات أمريكا تعاني من انهيار مستوى التعليم فيها، وأن نصف خريجيها لا يصلحون للأعمال التي يلتحقون بها بعد التخرج، بل لا يرتقون لمستوى خريجي الجامعات في الدول المتقدمة الأخرى! ويصل التقرير إلى نتيجة مثيرة تقول: (لو أن قوة أجنبية معادية حاولت أن تفرض على أمريكا الأداء التعليمي الضعيف الموجود اليوم لأخذنا ذلك على أنه من أفعال الحرب)، أي: الحرب ضد أمريكا، (وكان رد فعل بعض البسطاء من المهتمين بالتعليم في الدول المتخلفة نحو هذا التقرير مثيرا للرثاء، فكيف يصف هذا التقرير نظام التعليم في أمريكا بالفشل، وأمريكا قد قدمت في النصف الثاني من القرن العشرين اكتشافات واختراعات مثل: الإنترنت وأعظم التلسكوبات ووصلت إلى القمر وغيرها من الاختراعات والاكتشافات في كل المجالات؟ وبدا الأمر بالنسبة لهؤلاء البسطاء نوعًا من المبالغة والطموح الأمريكي الذي لا يعرف الحدود في تنافسه مع الدول المتقدمة، وأن هذا التقرير لا يعني الدول التي لم تنهض بعد، بل إنه يمكن أن يشكل لها نوعًا من التعجيز والإحباط، غير أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للدارسين الجادين في دول ألمانيا وإنجلترا واليابان، فلقد أدرك علماء هذه الدول مغزى هذا التقرير ووضعوه في سياقه التنافسي الشرس الذي تعيشه الدول الأربع: أمريكا وألمانيا وإنجلترا واليابان عبر أكثر من قرنين من الزمان.

وهناك دول أخرى، مثل: روسيا والصين وفرنسا وماليزيا قد درست واستفادت من هذا التقرير وغيره من الدراسات، واستطاعت بذلك أن تتعرف على أسرار التنافس بين الدول الأربع في مجال التعليم وعلاقته بالاقتصاد، وكيف يكون ذلك هو المدخل الحقيقي لنهضة حقيقية شاملة).

(ومن المغالطات الكبيرة التي نعيشها في مصر: أن التعليم يأتي بعد الأمن والصحة ولقمة العيش، والحقيقة التي تعيشها كل الدول المتقدمة والنامية هي: أن التعليم هو الهدف الأول، وليس هناك تعارض بين الأولويات، فدولة مثل إسرائيل تعيش في حالة حرب منذ نشأتها، ولكنها تعطي التعليم الأولوية)، و(ذلك لسبب يسير هو أن التعليم يوفر ما يقرب من ثلث ميزانية كل الوزارات في أي دولة)، من خلال نظام تعليم جيد يتضمن إكساب مهارات وتدريب على أعمال، وفي هذا توفير كبير في ميزانيات الوزارات؛ لأن خريجي نظام التعليم الجيد سيمتلكون عند تخرجهم كل المهارات التي يتطلبها العمل بالوزارات، ويوفر لها ما تصرفه من مئات الملايين كل عام لتعليم أميين أو تدريب خريجين غير مؤهلين للعمل (مغالطة أخرى كبيرة هي القول بأن الإصلاح في التعليم؛ خاصة التعليم الفني يتطلب من الدولة ميزانية أكبر، والحقيقة المؤكدة: أن قطاع كقطاع التعليم الفني بعد تطويره وتحديثه، وحسن إعداد طلابه؛ سيعيد إلى وزارة المالية كل عام مئات الملايين، فالجميع يعلم أن التعليم الفني في مصر يعيش حالة من التدهور ليس بعده إلا الانهيار الكامل!) (راجع في ذلك: "التعليم ومستقبل مصر: رؤية واقعية وخطة عملية" د. وجدي زيد ط. مكتبة الأسرة 2015 م - الهيئة العامة المصرية للكتاب - ص 24 - 29).

(ومن الموضوعية أن نتساءل هنا: لماذا تغافل كل حكام مصر السابقين عن هذه الحقائق؟ هل كانوا يعرفون، لكنهم يفضلون شعبًا غير متعلم يسهل حكمه والسيطرة عليه بالقوة؟ هل كانوا لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا، ويكتفون بالاستعانة بمن لا يعرف، لكنه مطيع، ويمتلك الألقاب العلمية والعلاقات القوية مع دوائر الحكم؟ هل هناك تقصير مقصود؟ مَن الذي دفع ويدفع نتائج هذا التقصير؟ السؤال الأخير هو الوحيد مِن هذه الأسئلة الذي أعرف إجابته: الذي دفع ويدفع وسيدفع نتائج هذا التقصير المقصودة هو الشعب المصري، وبخاصة أجيال الشباب التي ضاعت بسبب غياب التعليم الجيد) (المصدر السابق، ص 30 بتصرفٍ).

لا تنمية بلا تعليم جاد:

لـ(قد أصبح مستقرًا حتى في نظر المؤسسات المالية الدولية: (كالبنك الدولي) أن العامل الحاكم في التقدم هو الاستثمار الكثيف في البشر، أو ما يسمى بناء (رأس المال البشري). (ويمكن القول: إن تاريخ الفكر التنموي هو سجل لتطور مفهوم رأس المال، فقد وقع التركيز قديمًا على رأس المال الطبيعي والمالي وإن لم يهمل عنصر العمل، ولكن تسارع في العقود الثلاثة الأخيرة الاعتراف بأهمية العنصر البشري في منظومة النمو والتنمية، فقامت مدرسة (رأس المال البشري) التي اعتبرت أن الاستثمار يقع في البشر أساسًا من خلال التعليم مولدًا رأس مال جوهري للأفراد وللأسرة، وللمجتمعات على حد سواء، على صورة توجهات اجتماعية ومعارف وقدرات.

وتبلور مفهوم (تنمية الموارد البشرية) الذي قام على أن البشر مورد آخر، وعنصر من عناصر الإنتاج يتعين أن ينمى ويصان؛ لكي يحقق أقصى إنتاجية ممكنة، لكن رويدًا رويدًا تزايدت أهمية البشر حتى استقر مفهوم (التنمية البشرية) الذي يرى في رفاه البشر غاية الجهد الإنساني، وليس مجرد إحدى وسائله أو موارده، ويرتب أهمية كبرى لتطوير القدرات الإنسانية، وتوظيف هذه القدرات في تعظيم الرفاه المجتمعي، ويوسع كذلك نطاق الرفاه فيما وراء الجوانب المادية للعيش إلى الحالات الأرقى من الوجود الإنساني في نهايات القرن العشرين) (انظر: "كم ينفق المصريون على التعليم؟"، تأليف عبد الخالق فاروق وتقديم د. حامد عمار - ط. مكتبة الأسرة 2016 م - الهيئة المصرية العامة للكتاب - ص 42 بتصرفٍ).

(كذلك تبلور مفهوم رأس المال الاجتماعي الذي يرتب أهمية كبرى لأنساق العلاقات الاجتماعية التي تنظم البشر في هياكل مؤسسية تحدد طبيعة النشاط الاجتماعي والاقتصادي ومدى كفاءته، وحتى في المنظور الاقتصادي الضيق يعد رأس المال الاجتماعي عاملًا حيويًّا في توليد النمو الاقتصادي).

(وتتقاطر الكتابات مؤخرًا في موضوع رأس المال الفكري، وتنشأ له الكراسي الأكاديمية في كبريات الجامعات، والذي يعترف بالأهمية الحاسمة للفكر والإبداع في إدارة المشروعات وفي تطوير المجتمعات). (ولعل أرقى أشكال رأس المال الإنساني ما يسمَّى: بـ(رأس المال الثقافي) الذي يمثِّل جماع المعرفة ومعين الهوية والخصوصية الإنسانية لطائفة من البشر، ويكتسب رأس المال الثقافي أهمية خاصة في حالة مجموعة البلدان العربية التي يمكن أن تحول إرثها الثقافي المشترك إلى عامل نهضة وعزة).

وللأسف (يغيب في غمار الحماس لـ(رأس المال المالي) والتهافت على تشجيعه في البلدان العربية الفقيرة: أن هناك إجماعًا الآن، حتى في دوائر الاقتصاد العالمي ذاتها، على أن جذب رأس المال المالي الخارجي أو تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي أو بناء القدرة التنافسية في الاقتصاد العالمي، وهي أعمدة الرأسمالية خاصة في البلدان المتخلفة، كلها رهن بكم وجودة (رأس المال البشري)، وبمدى رقي (رأس المال الاجتماعي).

وقد استقر في أدبيات التنمية خصوصًا في ظل نظام السوق الحر الذي تتحول إليه البلدان العربية باندفاعٍ خطرٍ: أن الوسيلة الناجعة لمكافحة الفقر هي تمكين الفقراء أنفسهم من كسر حلقة الفقر الشريرة من خلال المشاركة الفاعلة في النشاط الاقتصادي والمجتمعي، وليس لدى الفقراء من رأس مال إلا قوة عملهم، ويتطلب ذلك تبني الدولة لسياسات تزود الفقراء بأنواع رأس المال المختلفة البشري والاجتماعي والمالي والعيني، وأهمها الأول: قوامة المعارف والمهارات التي تتكون عن طريق صنوف التعليم المختلفة، والثاني: ومبناه التنظيم المؤسسي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المحقق للكفاءة الإنتاجية ولمصالح عموم الناس على حدٍّ سواء.

على أن التعليم العالي يلعب الدور المحوري في تشكيل الأكثر رقيًّا من رأس المال الإنساني، بل إن مساهمة التعليم العالي في بناء رأس المال الإنساني تتعاظم مع ارتقاء صنف رأس المال، وتكاد تكون مؤسسات التعليم العالي خاصة الجامعات تتحمل العبء الأساس في حيوية الفكر، أي تطوير رأس المال الفكري والحفاظ على ثقافة الأمة وتجديدها، أي بناء رأس المال الثقافي من خلال البحث العلمي وإعمال الفكر. وتلعب مؤسسات التعليم العالي خاصة الأنماط التنظيمية المحدثة القائمة على تداخل التخصصات المعرفية دورًا أساسيًّا في تطوير المجتمعات من خلال جهود البحث والتطوير التي تجري في تضافر وثيق مع وحدات قطاع الأعمال العام والحكومة والمجتمع) (المصدر السابق، ص 42 - 44).

مصر في خطر:

لا يختلف اثنان من المهتمين أو المتابعين الجادين للعملية التعليمية في مصر: أن مصر تعاني مِن تردٍّ غير مسبوقٍ في نظامها التعليمي، وأن هذا التردي قد أصاب الأمة في الأجيال الحالية من شبابها ورجال المستقبل فيها، وينذر بما هو أسوأ في الأجيال القادمة إذا لم نسارع بالتصحيح والإصلاح!

إن الفساد قد أصاب أركان العملية التعليمية، فتصدعت، وصارت قابلة للسقوط والانهيار، ويكفي نظرة متأملة وفاحصة وشاملة لواقع التعليم في مصر؛ نظرة لمدارس غير مؤهلة للتعليم في مراحل التعليم المختلفة، نظرة لأحوال معلمين بائسة، وهم الذين قد وكل إليهم بناة الأجيال القادمة، نظرة إلى مناهج تعليم قاصرة، ووسائل تدريس بالية، ونظرة إلى نظم تقييم وامتحانات نمطية قديمة وما تفرزه لنا، ونظرة إلى التعليم الجامعي والبحث العلمي وما آل إليه.

وبعد ذلك: ماذا قدمت العملية التعليمية لسوق العمل سوى ملايين من شباب البطالة تزداد عامًّا بعد عام في أجواء تحتاج وتتطلع وبشدة إلى المزيد من الاستثمارات وزيادة الإنتاج؟! وقد طالت هذه البطالة أصحاب المؤهلات العليا، بل والحاصلين على الدرجات العلمية من الدكتوراه والماجستير الذين صار همهم الحصول على عقود للعمل بالخارج، لتحتضنهم دول العالم غربًا وشرقًا، وتستفيد هي منهم ونفقدهم نحن وربما نهائيًّا، بينما لم يجد العديد من أصحاب المؤهلات المتوسطة أو مَن تسربوا مِن نظام التعليم المتهالك إلا المغامرة بهجرة غير شرعية عبر مراكب الموت بعد أن انتابهم الإحساس بالغربة داخل وطنهم الذي ولدوا وعاشوا فيه!

نظرة على هيكل التعليم في مصر:

كان التعليم في عهد محمد علي (من عام 1805م إلى عام 1841م) يتضمن فيما يتضمن: تعليمًا دينيًّا يبدأ بشبكةٍ كبيرةٍ من الكتاتيب، تصب في الجامع الأزهر الذي كان بمثابة منارة تعليمية في مجال العلوم الشرعية، وكانت نفقات هذا التعليم تتولاه الأسر والأفراد، وكذلك من إيرادات الأوقاف المخصصة لتمويل نفقات الجامع الأزهر أو الكتاتيب، كما كان يتضمن: تعليمًا مدنيًّا حديثًا تقوم بتمويله الدولة.

ومع انكسار طموح محمد علي ومِن بعده طموح الخديوي إسماعيل، وخضوع مصر للاحتلال البريطاني منذ 1882م، انحسر التعليم المدني في نطاق تخريج كتبة وإداريين للخدمة المدنية، وقد تقلص الإنفاق على التعليم حتى بلغ عام 1900م أقل من 1% من إجمالي مصروفات الميزانية (نحو 107 ألف جنيه من ميزانية بلغت 11 مليون جنيه مصري)، وبلغ عام 1913 م حوالي 3و3 % (حوالي 7و1 مليون جنيه)؛ مما حدا بسعد باشا زغلول إلى زيادة المخصصات المالية للتعليم عام 1928 /1929 م إلى 8و6% من الميزانية بعد توليه مسئولية الحكومة بعد إعلان الملكية ووضع دستور 1923م، ثم كانت الزيادة إلى 8و12% عام 1938م، وقد كان لتدني مستوى معيشة الغالبية من المصريين أثره في تواضع المبادرات لتعزيز التعليم.

وبمجرد إقرار حكومة الوفد عام 1943م / 1944م قانون مجانية التعليم الابتدائي في التعليم المدني الحديث تضاعف عدد طلاب هذه المرحلة خلال عامين من 43 ألف طالب إلى حوالي 65 ألف طالب.

وفي عام 1950م أصدرت حكومة الوفد قانون بمجانية التعليم الثانوي من أجل تعزيز فرص التعليم للفقراء، علمًا بأن نتائج تعداد السكان عام 1947م أظهرت أن تعداد سكان مصر وقتها بلغ 16 مليون نسمة، وبلغ عدد الأميين منهم 9و10 مليون شخص أي 68% من السكان، بينما كان عدد مَن يقرأون ويكتبون لا يزيد عن 9و2 مليون شخص أي 18 % من السكان، وعدد الحاصلين على تعليم متوسط لا يزيد عن 113 ألف شخص، أي: حوالي 7و0 % من السكان، بينما بلغ عدد الحاصلين على تعليم جامعي 57 ألف شخص أي 3و0 % من السكان.

تميزت الفترة من يوليو 1952م وحتى العدوان الإسرائيلي في يونيو 1957م: بإضفاء الحماية الدستورية على حق التعليم في دستور 1956م، ودستور 1964م، وإصدار قانون مجانية التعليم الجامعي عام 1962م، لتكتمل مجانية التعليم العام في كل مراحل التعليم المختلفة، وقد زادت عدد المدارس من أقل من خمسة آلاف مدرسة عام 1952م إلى حوالي 18 ألف مدرسة عام 1970م، وزاد عدد المدرسين من 40 ألف مدرس إلى 250 ألف مدرس خلال نفس الفترة، بينما زاد عدد الطلاب من أقل من 850 ألف طالب إلى 5و5 مليون طالب عام 1970م.

تميزت الفترة من بعد هزيمة يونيو 1967م وحتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين: بتواضع نسبة الإنفاق الحكومي على التعليم، وتدهور البنية التعليمية الأساسية (من مبانٍ وتجهيزات ووسائط تعليمية ومعامل...)، بل وظهور ظاهرة (الدروس الخصوصية) كنظام تعليم غير رسمي مواز للتعليم الرسمي أشبه بسوق سوداء يخضع لنظام وأساليب غير قانونية ووسائل غير مشروعة.

لقد تعثر التوسع في البنية التحتية التعليمية؛ خاصة في بناء وتشييد المدارس بعد هزيمة يونيو 1967م، وحالت الأزمة الاقتصادية في منتصف السبعينيات دون زيادة المخصصات المالية لقطاع التعليم الحكومي؛ مما أدَّى إلى تفاقم الظواهر السلبية في النظام التعليم الحكومي، مثل: ارتفاع كثافة الفصول (التكدس)، وتضاؤل الأجور والمرتبات للعاملين في حقل التدريس مقارنة بمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار، وصاحب ذلك سماح الدولة في المقابل بإقامة المشروعات التعليمية الخاصة، وعلى هذا زاد عدد المدارس الخاصة واللغات من 678 مدرسة عام 76 - 1977م وبعدد من الطلاب يشكلون 3و2 % من إجمالي الطلاب المنخرطين في التعليم قبل الجامعي وقتها، إلى 1247 مدرسة عام 84 - 1985م، وبعددٍ مِن الطلاب يشكلون 5و5 % من إجمالي الطلاب في المرحلة قبل الجامعية.

وفي عام 2001- 2002م تجاوز عدد المدارس الخاصة واللغات والأجنبية 3921 مدرسة بعدد طلاب تجاوز 2و1 مليون طالب وطالبة يشكلون حوالي 5و8 % من إجمالي الطلاب الملتحقين بالتعليم قبل الجامعي.

وقد تجاوز العدد في عام 2005 - 2006م الأربعة آلاف مدرسة يدرس فيها حوالي 5و1 مليون طالب وطالبة يشكلون حوالي 11% من إجمالي طلاب المرحلة قبل الجامعية، بل تصاعدت دعوات داخل المؤسسات الرسمية تدعو إلى الحد من مجانية التعليم باسم: (ترشيد مجانية التعليم!) (راجع المصدر السابق، ص 47 بتصرفٍ).

لقد (ترتب على التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد: أن تحركت أعدادٌ مِن الطلاب وأولياء الأمور لصالح التعليم الخاص، سواء لضخامة الكثافة العالية في الفصول الحكومية، أو لوجود مجالات من الأنشطة التربوية والتعليمية بالمدارس الخاصة لم تعد متاحة بالمدارس الحكومية، ومع ذلك فقد ظل الثقل الرئيسي في النظام التعليمي المصري لدى المدارس الحكومية، بحيث ظلت تشكل حوالي 90 % تقريبًا من إجمالي الملتحقين بالتعليم قبل الجامعي، وفقًا للحالة في العام الدراسي (2004 - 2005م) (المصدر السابق، ص 50).

وإذا كانت الفترة بعد وقوع زلزال أكتوبر 1992م وحتى مطلع الألفية الثالثة: قد تميزت بزيادة في الإنفاق الحكومي على التعليم، وازدياد حركة بناء وصيانة المنشآت المدرسية المتهالكة، وتحسن بعض المؤشرات التعليمية، مثل: نسب الالتحاق بالتعليم، واستيعاب المرحلة الإلزامية، وانخفاض نسبة الأمية قليلًا؛ إلا أنها شهدت انتشار ظاهرة الاستثمار الخاص في مجال التعليم، وإقامة منشآت تعليمية استثمارية الطابع، وربحية الهدف، سواء في المرحلة قبل الجامعية أو في التصريح بإقامة جامعات خاصة وأجنبية؛ مما عمق الازدواجية في نظام التعليم المصري، خاصة بعد أن توسعت الكليات الحكومية: كالحقوق، والتجارة، والاقتصاد في إنشاء أقسام تدرس فيها المواد الدراسية بلغات أجنبية -الإنجليزية أو الفرنسية- مقابل مصروفات كبيرة! (راجع المصدر السابق، ص 37 - 42).

وقد بلغ عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الجامعي الحكومي 7و1 مليون طالب وطالبة في العام الجامعي 2004 - 2005م، وقد زاد نصيب جامعة الأزهر -والتي أنشئت كصورة من صور تطوير الدراسة في الأزهر وإدخال العلوم العصرية فيه إلى جانب العلوم الشرعية- حيث بلغ 21% من إجمالي الملتحقين بالجامعات المصرية في نفس العام، أما أعضاء هيئة التدريس بالجامعات فقد بلغ عددهم وفق الجهاز المركزي للإحصاء 4و67 ألف عضو؛ بالإضافة إلى أكثر من 220 ألف موظف وإداري وعامل مِن مختلف المستويات والدرجات المالية.

ويعد الثقل الرئيسي في الإنفاق الحكومي على التعليم في بند الأجور والمرتبات والمكافآت، ورغم زيادة معدل الاعتمادات المالية لقطاع التعليم والذي بلغ في عام 2004 - 2005م نحو 26 مليار جنيه، (بيد أن ما تعرض له الاقتصاد المصري من موجة تضخمية قد قلص الأثر الإيجابي لهذه الزيادة في المخصصات المالية واعتمادات التعليم، وأضعفت بالتالي من قدرتها على إحداث نقلة نوعية في أدائه ونتائجه) (راجع المصدر السابق، ص97 - 109).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة