الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

المقرضون الله قرضًا حسنًا

ومن أحسن وفاء للقرض من الله العزيز الكريم

المقرضون الله قرضًا حسنًا
علاء الدين عبد الهادي
الثلاثاء ١٩ مايو ٢٠٢٠ - ٠٩:٣١ ص
502

المقرضون الله قرضًا حسنًا

كتبه/ علاء الدين عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن (الصدقة برهان) على صدق إيمان صاحبها إن هو أخلص فيها نيته لله -تعالى- وحده؛ فهي برهان على صدق إيمانه وانخلاعه عن شهوة نفسه التي تأمره باكتناز المال والتمتع بكثرته وتراكمه، فالمتصدق ينفق ماله الذي ربما تعب في تحصيله وتعلقت به نفسه، يفعل هذا ابتغاء مرضات الله وحده؛ فيكن بذلك مِن الأبرار الذين قال اللهم فيهم: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (آل عمران:92)، والمتصدق يضع ماله في يد إخوانه المحاويج من فقير أو مسكين، أو ملهوف أو أرملة أو ضعيف من غير أن يطمع من  وراء ذلك في تحصيل منفعة دنيوية ولا ينتظر منهم ذلك ولا يمر بخاطره، بل ينتظر الجزاء والأجر من الله -تعالى- وحده، ولسان حاله: (لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان:9).

المال مال الله:

لن تجد ذلك الصادق في عطائه يؤذي أحدًا بصدقته ولا يمن به عليه، وكيف له أن يفعل ذلك وهو يعلم أن هذا المال منة الله عليه، فهو -سبحانه- الذي (أغنى وأقنى) والذي أمره بقوله -تعالى-: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد:7)، فعلم أنها وديعة عنده، ورزق ساقه الله إليه ينفق منه على نفسه وعياله، ويوسع به على مَن يستطيع مِن إخوانه.

إن الصادق في عطائه وجوده لا يرى نفسه أعطى ومنح وتفضل، بل هذا حق الله -تعالى-؛ فهو يؤدي الواجب عليه فيه إن كان زكاة مفروضة (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذايات:19)، وهو يؤدي شكر الله فيه إن كان صدقة وتطوعًا (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، بل هو يحسن لنفسه في الأصل؛ لأنه يطهر ماله مما قد يكون علق به من شوائب، ويطهر نفسه من آثامها وذنوبها، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم) (التوبة:103).

صدق القلب:

وكما ينتفي عنه الإعجاب بصدقته -والتي هي محض منة مِن الله وتوفيق للعبد- فينتفي عنه كذلك وقوع الرياء والسمعة فيه، إذ يتعلق قلبه بربه يرجو ثوابه ويخشى عقابه، فهو كالمشتري نفسه من الله ليعتقها فلا يلتفت قلبه لغير مولاه، ولا يتعلق بمدح غيره من عباد الله، يبذل ما تجود به نفسه ولا يراه إلا قليلًا -ولو رآه الناس كثيرًا- ويأتي ربه متذللًا خاشعًا كأنه يقول قد جئت ببضاعة مزجاة فامنن علي يا رب بقبولها واجبر الخلل فيها، فيكن بذلك من (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:60-61)، فتراه ينفق من (مال الله) الذي وهبه إياه، وأمره بالإحسان إلى عباد الله ببذله فيهم بسخاء يدٍ، وطيب نفس.

مما تحبون:

وهو مع ذلك لا ينفق مما زهدت فيه نفسه، ولا ما رغب عنه قلبه، بل ينفق مما من شأنه أن يتعلق به القلب (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، وهذا المحبوب قد يكون مالًا يتصدق به، أو قد يكون وقتًا يقضيه في مصالح الناس الدينية والدنيوية وقد يكون كدًّا يبذله هو لراحة غيره ورفع عنائه، وقد يكون كلمة طيبة تقع موقعها من القلوب، فتبرد نارها أو تذهب الحزن عنها أو تمنحه من منائح القوة والثبات، أو تجبر كسيرًا أو تفرج عن مكروب (والكلمة الطيبة صدقة)، بل ربما تسمو همة البعض ويصفو قلبه حتى لتراه يتصدق بعرضه ومظلمته على مَن اعتدى عليه أو ظلمه، وإنها لصدقة كبيرة الشأن عظيمة المعنى لا يستطيعها إلا النفوس الرقراقة الندية.

الكرام على الله:

فمن توافرت في قلبه هذه المعاني العلية، وهذه العبادات القلبية، وهذه الرحمة لخلق الله كان هو المتصدق بحق، الذي مِن كرامة الله عليه رزقه ابتداءً ثم ألهمه النفقة ثم تقبلها منه وجعله بها مقرضًا له سبحانه، ومن أحسن وفاء للقرض من الله العزيز الكريم: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة:245).

يرجعون إلى الله فيجدون عنده أضعاف ما أنفقوا: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ? وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:261).

وأولئك (هم المضعفون).

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com